دير الأمنيات
التاريخ: الجمعة 19 تشرين الاول 2007
الموضوع: القسم الثقافي



 صبري رسول

          زرتُ مدينة ديرِك (المالكية) في يوم عيد الفطر السعيد ، الذي لم يكن سعيداً لي على الأقل ، لأني قرأتُ صفحاتٍ من ذاكرة طفولتي المختبئة في أزقة المدينة القديمة ، مررْتُ بجانب الدير القديم ، كنيسة العذراء ، المعبد المسيحي المقدّس ، الذي تختزن جدرانه ، المبنية من الحجر البازلت الأسود القوي ، كثيراً من أمنياتي الصغيرة ، مذ كنتُ طفلاً أزور جدتي مع صديق طفولتي ،العزيز رضوان رمو ؛ كنا كتوأمين في الحياة ، نمارس شقاوة الطفولة ببراءة غير متناهية ، إلى إن فرقتنا متاهات الحياة ؛ يقع الدير بجانب المقبرة الإسلامية القديمة ، وسط المدينة القديمة ، وفوق (عين الماء) المعروفة بالنبع العسكرية ، بـ 200م .


 هذا الدير ، الهادئ في تصميمه ، والجميل في شكله ، ما غادر حبُّه قلبي يوماً ، رغم ما حدث بين الإخوة المسيحيين والمسلمين من سوء تفاهم ، والاختلاف ، في الآونة الأخيرة، حيث أنظر إلى كلّ الديانات بعينٍ واحدة ؛ كنّا نركض إلى منزل العم ملكي المجاور للدير لنخبر زوجته (عمتي) بأنّ جدتي تريدها ، فتدسّ قطعة حلوى في يدي قائلة : سآتي بعد قليل . 
أحببْته – الدير - عندما تعلّقت بجداره قطعة فخارٍ لي حسب تحليل خالتي ، تفتح (مندل حياتي) ، أخذتني خالتي هدية ، تجرجرُ يدي ، إلى جانب المقبرة ، طالبة مني اختيار قطعة فخارٍ ، لأعلقها بجدار الدير ، فإن تعلقَتْ به يكون حظّي  سعيداً ، ويجلب لي متعة الحياة ، وإن لم تُعلَّق به يكون النحس رفيق حياتي طوال العمر، فتعلّق فخار خالتي ، وسقط حظّي على الأرض ، لكن رغم ذلك لم ترافق السعادة خالتي ، فأصبحت محرومة من الأولاد ، رغم الزواج الموفق بينها وبين زوجها؛ وأنا لم يسكن بي الهدوء ، بل سكنني قلقٌ دائم وترحالٌ دائم، فالترحال من سمة حياتي .
 كنّا ننزل على النبع العسكرية ، نتسلّل من جانب (نبع النساء- kanya jina) متجهين إلى بستان حجي موسى المجاور للنهر الصغير الذي يخترق مدينة ديرك في انحناءة سلسة من شمالها الغربي إلى شرقها،لا نتجرأ الاعتلاء على سياجه الحجري القديم ، فنرجع خائبين . 
وقفتُ بجانب الدير الحبيب في زيارتي هذه ، أتأمّل طفولتي الضائعة في الزقاق الفاصل بينه وبين سلسلة البيوت المجاورة لبيت ملا عيسى ، تأمّلت الفسحة الانحدارية من المقبرة الإسلامية التي أصبحت شارعاً فاصلاً بينها وبين سور الدير ، وكانت في السابق تعانق الفسحةُ تلك ساحةَ الدير ، قبل تطويقها بالسور . 
جدتي كانت تجلس على ذلك الانحدار ، ويكبر مجلسها بالنساء ، يتحدثن عن الناس والحياة ، وبين الفينة والأخرى تطلب مني عدم الابتعاد إلا إذا رافقني توأم حياتي رضوان ، حيث تركن إليه نفس جدتي . سألتُ الدير عمّا إذا يعرفُ شيئاً عن مصير جدّتي التي تمّ دفنها في المقبرة الحديثة عكس رغبتها ، حيث كانت تودُّ دفنها بجوار الدير في المقبرة القديمة ، لكن صمته كان حزيناً ، لأنه فقد صديقة دائمة له .
في 15/10/2007م







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1046