حلبجة الآن، قبلها وبعدها « هي صرخة بالخط العريض »
التاريخ: الجمعة 15 اذار 2024
الموضوع: القسم الثقافي



إبراهيم محمود 

مهلاً يا سماء
لا تتكللي بنجومك كثيراً
لا تعزمي درب التبانة ذات الحشد إلى دبكتك الليلية 
في عرسك الفلكي الأبدي
دعي مجموعة الدب الأكبر في سباتها
نجمة الصباح تنسج نواحها بهواء مذعور


الأحجار بطول بلاد الله وعرضها وعمقها
 تلبس حزنها الاستثنائي في وضع استثنائي
مخبِرة الطرق بوجوب أن تلتقط أنفاس صمتها
أن تتوقف عن استقبال عابريها لأمر طارىء
والينابيع أن تؤجل تدفقها إلى إشعار آخر
وقمم الجبال ألّا تستقبل بياضاً منهمراً كعادتها
لأن أرواحاً حيثما نظرت أصابتها كماً وعجزاً 
عن مخاطبة بعضها بعضاً 
ثمة أرواح تنشد نوماً هانئاً
في مخاض الرعب المستحدث
وفيها ميتات صاعدة بأوجاعها اللاسعة
عرس البغاة الطغاة في نفوس 
يشهد الهواء ببراءتها المطلقة
تشهد طيور السماء بعفتها
تشهد الحباحب والجنادب والعناكب بسلمية أحلامها
يشهد العوسج والعاقول بعفوية لمساتها
تشهد النار بحبها المقدام لآلهة من نور منغَّم
يشهد تراب المكان دامع الروح بعذوبة خطاها 
وتصرخ الكائنات اللامرئية بأي ذنبت أزهقت أرواحها
 بحملة سماوية رهيبة كهذه
أي جريمة ضد الإنسانية تناسبها في أهوالها الصفيقة؟
أي فتح سما-أرضي مقرَّر 
في كتاب التقاويم الماضية في هتك الكون

مهلاً يا أرض
لا تسارعي في دورانك الكوكبي بسرعتك المعهودة
حاذري السير السريع دون يقظة مطلوبة
حاذري السقوط في هاوية استحدثتها أصداء أصوات ملغومة تشتهي بلبلة روحك الطبيعية
افتحي حواسك الخمس على أمكنتك المرصودة بصواعق تستهدف كل سوية في سريرتك
ثمة أكثر من عويل متقطع رعباً يتردد صداه الرهيب في خطوط تماسك مع سمتك الفضائي

مهلاً يا حجاج بيت الله الحرام
أجّلوا السعي إلى الحج لو أدركتم مسار الإيمان
هي ذي حلبجة
تدعوكم حلبجة الذبيحة من الوريد إلى الوريد بجهاتها بطريقة لا سابقة لها 
ببشرها ،
 بنباتها،
بعجماواتها المسماة،
بجمادها
تدعوكم باسم الإيمان الراسخ
وشرع الله المغيَّب منذ قديم غده
لتحجّوا إليها
لتتعرفوا لغة دين الله في صميمه
وتروا الله في حقيقة اسمه ومسماه
وتنظروه في واقع حاله وسدرة منتهاه مخرَّقة عالياً عالياً 
أبعد من سبع سمواته
حلبجة إذ ترفع إليكم أرواح من كانوا الاقرب 
إلى الله وملائكته ورسله وحقيقة يوم آخره المرتل في كتابه العزيز
أرواح الأكثر تقوى في وجود الله المطلق
الأكثر عمراناً بالإيمان المتفق عليه في صحيح فقهائه الأتم
الأكثر امتثالاً لصوت وحي خالقه مذ أعلِن باسمه لفظ الجلالة
وكيف جرى ويجري إذ يستباح بشر من
 ماء زلال
 وهواء زلال
 ونار زلال
 وتربة زلال
بحرام يشتهي تصفية كل طهارة
باسم منزّل قرآني نخب ضغينة تليدة ماضية 
إلى آت غير معلوم
هوذا حجّكم الأكثر نبلاً
الأعظم سلماً 
الأقل جهداً مقدَّراً
الأكثر بلوغاً إلى مسمي الكعبة ومتابع شئونها
هو ذا حجكم الأقرب إلى إنسانيتكم
 إن كنتم على عهدكم الفعلي بخالق كون فعلي
بحقيقة الجنة والنار
إن كنتم سدنة حقه العليم
إن كنتم ناشدي رؤية من يعاملون كل حي معمر بالتسامح 
حيث تكون حلبجة وهي كتوم
 في حمّى بلاء من أرادوا خالقهم زيفاً

هي ذي سماء تبلبلت كائناتها اللامرئية
ليس من جني على طبيعته بعد وقعة حلبجة الكارثة
وهو الشاهد اللامرئي على خطأ مقصود مبرمج ومحسَّن
 بثواب إلهي مدفوع الأجْر سلفاً 
هي ذي الأرض هامت على وجهها قهراً
صعوداً هي الأرواح التي فارقت أجسادها ذات الشأن الإلهي
هبوطاً هي الأرض التي لبست أخِذَت بالعناق الرجيم 
هي ذي الطبيعة عجزت نواميسها عن إتمام حوقلتها
 في مذبحة لا قِبَل للأرض بها
عجزاً عن التعبير عما داهمها على حين غفلة

هي ذي سماء من حديد همجي
 وأرض من غربال مرغمة على امتصاص خردلها
أي سعوط يتلبس الأنفاس بالسرعة القصوى
في حساب متبلي الحديد النفّاذ بسحاب طائش
على أرض ملؤها ذهول صاعق
 
هي ذي حلبجة التي كانت
قبل حلبجة التي فخخت مسامات جلدها من الفضاء
فخخت أنفاسها بغازات تقتنص منافذ الحناجر والعيون والأنوف
فخخت الأجسام الطرية مصادقة أفواف الورود التي تضج شذىً
وحلبجة ليست حلبجة اسمها
حلبجة لازالت تقيم حدادها في كامل جهاتها
ثمة مهووسون بدسم الحياة في أرواح منذورة لشموس الحياة الصغيرة
تلاعبها وتدعوها إلى جنان أرواحها الحالمة كل ليلة
ثمة مضروبو المثل في حصد البراءات لا حدود لظمأ حقدهم إلى زعزعة سكينتها
حلبجة تدعوكم إلى مرابع صرخات ضحاياها
وهم طبيعيون بعيدون كلياً عن أي مسرح منصوب

لا فرجة معتادة في متن حلبجة
لا هامش يسمح لتتنفسوا الصعداء
في نفير موت يصدمه اسمه في فعل جناته به
تعتذر حلبجة في زهو مأساتها الأعظم 
عن استقبال كل راغب في معاينة قتلة حتى الرمق الأخير
قتلة منذورون لكراهيات لا تنفد 
في حيواتها المحتشدة بالغازات شديدة الإيلام

كم تمنت حلبجة أن تخرج إلى كل ذاهب 
إلى رحابة تربتها المعززة بالسكينة
أن تهبكم من أطلس وجهها الكردي إحداثية من 
إحداثيات كرم حفاوتها المعهود
أن ترشرش ذهابكم وإيابكم بمزيد
 من الابتسامات والروائح المنعشة 
لظلالكم الصديقة
أن تحث الخطى لتأخذ بأيديكم الحاملة
 بسلال من كرز المحبة
 نخب صعودكم إلى سمائها الكردية
لتهبطوا في مساقط روحها
 آمنين مطمئنين إلى أجل غير مسمى
أن تسقيكم من عصارة ضيافتها التاريخية 
شراباً طهوراً تستقيم به قلوبكم ابتهاجاً
 أن تأخذكم بأحضانها الحدائقية المعلقة
 بمسرات متتالية
تكرر حلبجة اعتذارها في أسف بالغ
 عما آل إليها أمرها
تتمنى لو أن أولئك سفلة الحياة لم ينزِلوا فيها ألوان ضغائنهم النافذة بسمومها المدربة
تتمنى لو أنها استقبلت حتى قتلتها لتلقنهم بود مفلتر 
حياة تفي الجميع
فقط تقول لهم: أما كان أجدى لنا أن نتقاسم الورد 
في كياسة روائحها المشعة بآفاق تترى
أما كان أجدى لنا أن نعيش معاً
 في رحابة أرض تمنحها السماء عافية رحابة
وتجعل الأيدي أكثر أهلية لمصافحة جهات 
تضمن لها صفاء ملامسة لا تنفد؟

هي ذي حلبجة في حدادها العابر لحِزم
 لا تحيط بها أذرع من السنين
ترتل قهر أهليها
براءة أهليها المطعونة في الصميم 
منذ عهود خلت
وتمضي بحدادها المثقل بالأوجاع إلى 
ما لا يحيط به علم بشري أو إلهي
طالما هناك حديد يتخردل
وهواء يتخردل
وشجر يتخردل
وماء يتخردل
وحياة مصابة بالهستيريا
على وقع الخردل وغازه 
وعار صانعيه وسماسرته ومستثمريه ودعاته والمحتفين به
والساعين إلى التقرب من إلههم الأوحد باسم سورته الصريحة
 بالدماء ذات العويل الكتيم: الأنفال
عُووا حلبجة لبعض القليل اليسير من الوقت
تشرح لكم " الأنفال " نفسها
كيف يصاغ باريها في حفلة الخردل وتوائمه من ميتات لا تجارى إيلاماً 
وتبصروا في لحظة غير محتسبة
ما يكون عليه أمر " اللوح المحفوظ " بخاتم اللامرئي المطلق
كيف كانت حلبجة
كيف أصبحت حلبجة
أختكم في الإيمان الذي تسمّونه
في قيامكم
وقعودكم
في صحوكم
ونومكم
وإن فارقتها أرواحها
 وسط ذهول ملاك الموت الوحيد الأوحد








أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=10140