القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: جدلية العلاقة بين الفن و الثورة

 
الأثنين 21 تشرين الاول 2013


كاردو بيري[1]

إنّ صناعة الفن قديمة، قدم الإنسان، عرفها الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة، وما قبل التاريخ، وخاصة الموسيقا، فالغناء و العزف و الرقص كلّها فنون عريقة استخدمها الإنسان في أحزانه و أفراحه منذ الحياة البدائية للإنسان، بدءاً من الكهوف و انتهاءً بالمعابد و القصور فمن خلال قراءتنا لسطور التاريخ نجد أن ميلاد الموسيقا عاصر ميلاد الدين، و أن الغناء كان الركن الأساسي للإنسان ليؤدي به طقوسه الحياتية كلّها، و من هذا المنطلق نستطيع القول بأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الفنون عموماً و خاصة فن الموسيقا.


بما أنّ الفن رسالة فمنالمؤكد هذه الرسالة إنسانية، لذا أرى أوجه التشابه واضحة في تعريف الفن و تعريف الثورة، والعلاقة وطيدة فيما بينهما من خلال الهدف المنشود ألا وهو التغيير بغية التجديد، وخلق واقع مغاير تماماً للواقع المأزوم، و لهذا نرى أن الرسالة تمس بصلة إنسانية الفنان، ويصبو الفنان من خلال فنه طرح أفكاره بأدوات فنية بغيةتوظيف معاناة المجتمع بطريقة حضارية، كما وُظّف الفن في عهد مجمل الثورات السياسية و الفكرية و الاجتماعية، وعلاقة الفن بالثورة ليست حديثة الولادة، إذ أشاد التاريخ بهذه العلاقة الوطيدة حيث الثورات والاضطرابات والانتفاضات التي قامت على وجه الأرض، إذ كانت الفنون ملحها و حليها و قدوتها الفكرية من رسم و موسيقا و أدب، حيث الثورة المكسيكية التي شهدت نهضة فنية في الفترة الممتدة بين: 1910م-1917م إذ أصبحت أعمال الفريسكو و الموزاييك و غيرها من الجداريات التي أبدعها الفنانون أمثال أورسكو و ريفيرا و سيكيروس و مورادا ....الخ.
و الفن الثوري يقسم إلى قسمين : قسم ملتزم سياسياً و ايدلوجيا، و قسم مستقل فكرياً
لكن الفنان الثوري سواء أكان ملتزما سياسياً أم كان يحمل طابعاً فكرياًمستقلاً ، فهو الأكثر تحريضاً للثورة، و اٌقل المستفيدين بعد نجاح الثورة، لأن نواة المعارضة باقية في سلوكه الفني ،كون نجاح الثورة يبقى نسبيا، وكذلك خيال الفنان أوسع من إقامة سلطة سياسية، فهو مرهون بجمهوريته الأفلاطونيّة ، وهو دائم الـتأمل للأفضل ، سعياً لاستقلالية الفكر.
و برهاناً على ذلك نجد أن "بيتهوفن" أهدى لـ"نابليون بونابرت" سيمفونية عندما كان قنصلاً أولاً في" حكومة الإدارة " و لكن لما علم بتنصيب نفسه "امبراطوراً" على فرنسا و لمعظم الدول الأوربية، ثار و مزّق صفحة الاهداء واكتفى بتسمية السيمفونية "سيمفونية البطولة"Sinfoniaeraica" ".
إذاً مفهوم الثورة لا يقاس و يحتكر في إطار سياسي محض، بل ثمة رافد و رافد من الطيف المجتمعي و يقاس على أنّها جذرية التغيير لأية إدارة فاسدة و مريضة ، شمولية، تحتكر البنى من مجاميع القدرات و الطاقة للدولة و المجتمع .
و لكون الفنان يتسم بحسية فائضة من الرهافة و رقة المشاعر، فهو المرجّح لأن يعلن تمرّده على الاستغلال و الطغيان السلطة بأدوات فنية مسالمة، و بطريقة أكثر حضارية .
و الفنان دائم الثورة بغية التجديد و الانفتاح على ذهنية متقدمة فكريا، وهو النافذة الأكثر توهجا بإلقاء الضوء على الثغرات و الفجوات في المجتمع، و في النظم السياسية ، وحده من يلفت أنظار البسطاء للمواضيع الهامة، منتقداً إياها ببساطة و ابداع و بصيغ تحاكي المجتمعات المضطهدة من خلال الكلمة والريشة والنغم، وغالبا ما ينتج ذلك لدى الفنانين المهووسين و الملمين بقضايا الشعوب و السياسة كالفنان القدير " شفان برور" "şivanperwer" و الزنجي " روبسون" و اللبناني " مارسيل خليفة" و تجربة الفنان " شيخ إمام" مع الشاعر " أحمد فؤاد نجم" و "للرحابنة" باع طويل في هذا المجال، فـ"شفان" مثلا أنقذ الكرد بكلمته الرنّانة و الممزوجة بملح السياسة ، إذ دأب قدر المستطاع على المحافظة على اللغة و التراث نظراً لحرمان الكرد من التدريس و التعليم بلغتهم الأم، و لولا أنّ الفن رسالة تمتاز بخدمته الإنسانية،لهذا ذاق كبار مدرسة الرومانتيك مرارة الالتزام!!!
فـ"فاغنر" مثلاً اشترك في اضطرابات ثورة 1848م – 1849م و هذا ما جعله يعيش منفاه الاختياري بـ"زوريخ" لعدة سنوات، حيث كان ثمرة منفاه، كتابة أعماله النظرية ذات الأهمية الفائقة " الفن و الثورة" و " الأوبرا و الدراما " و كذلك تجربة الفنان المتألق الغني عن التعريف " ناجي العلي"، الذي أحرج المحتل برسوماته الخلّاقة ابداعاً كالحنظلة مثلاً، حتى ثار غضب المحتل و ردّ لجميل الفنان على ابداعه، بطلقة كاتم !
إنّ للثورات أبطالاً مجهولين كالأدباء الفنانين الذين يمزجون أنغامهم بأهازيج الأرامل و اليتامى مثل الفنان " سميح شقير " الذي أبغتنا بهدير صوته في أغنية " يا حيف".
 و الأغنية الملتزمة هي بمثابة خميرة التواصل على مر العصور، و هي الرابط الأوحد في مسيرة الثورات و النزاعات السياسية كما انّ للفن الملتزم ، إرث تاريخي ما كان لينضب منذ عصر "الروند" الذي نشب فيه النزاع السياسي في بداية عصر" لويس الرابع عشر"داخل البلاط، و كان النزاع بين أشياع الكاردينال" مازاران" و أشياع " آنا" ملكة النمسا خلال الفترة ما بين عام 1648م-1649م و امتدت أذياله من عام 1649م إلى 1653م حيث انتشرت حينذاك الأغاني اللاذعة " satiriques" التي كانت تحمل طابعاً سياسياً.
و انتهاءً بحرب البسوس " السورية " التي ما تزال جاثمة على صدورنا، و فنانو سورية يشكون للريح!
فأين الثورة السورية من فنانيها الثوريين و الملتزمين؟!!
لا شك أنّ البادرة الفنية منذ انطلاقة الثورة كانت حاضرة و خجولة حقيقة فالفنان "سميح شقير" أرثى عوائل الشهداء بأغنية متواضعة و كذلك كانت ثمة بوادر في الدراما السورية كـ" الولادة من الخاصرة" و لكن هذا لا يعني بأن نقف عند هذا الحد، من الأعمال الفنية القليلة، و سوريا تتجه نحو شبح غير معقول من فظاعة الاقتتال و التفرّد بالقرار، فأين الفنون من دراما و مسرح وموسيقا في الثورة، و أين الصوت و الضمير الفني لدى الفنانين السوريين،أمّا عميد فناني التمثيل "دريد لحام" فقد اكتفى بتمثيلية "سنعود بعد قليل" وهي حيادية على وجه التقريب.
وإذا كان الفن رسالة، فأين الرسالة الثورية لدى فناني سورية تجاه ثورتهم الشعبية؟!!
إنّ جدلية العلاقة بين الفن و الثورة تبدو ضرورية لا مناص منها، وأهميتها تكمن في إثارة الفن للقضايا العالقة والترويج للإصلاح و بناء المجتمع بناءً فكرياً و ذهنياً و ذلك بالتلميح لأهداف الشعب بجميع فئاته، سواء أ كان بالمسرح أو بالفن التشكيلي، أو بالموسيقا أم كان بالخطاب الشعري كفن هادف، و أوضح مثال على ذلك ما أبدعه الشعراء الفلسطينيون كمحمود درويش و سميح القاسم.
و لا بدّ للفنان أن يتجنّب امتداح الساسة، لأنّه بذلك قد يفقد رونقه الفني، و يقترب من الهاوية.
و بما أنّ للثورات أبطالها و رموزها و للفن رواده من خلال رسالته السامية التي ترقى بمشاعر و أحاسيس المرء.


[1]عازف و ملحن كردي ، مهتم بالبحث الموسيقي، من مواليد كوباني 1977م، شارك في العديد من المهرجانات و الأمسيات الموسيقية داخل الوطن و خارجه، منها: ملتقى البزق الثاني في دمشق عام 2011م و مهرجان حرش بيروت عام 2012م ،له العديد من الألحان و المعزوفات الموسيقية، آخر أعماله: أغنية أنقذوا سوريا، و معزوفة " الأرز" مهداة للفنان زياد رحباني.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات