القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: عادل إمام: على من تقع الطيور؟

 
السبت 05 ايار 2012


دلور ميقري

1
لا مراء بأنها قلة من الأعمال السينمائية، تلكَ التي تدلّ على اسم بطلها الرئيس، مثلما هوَ فيلم " طيور الظلام ". إذ يكفي ذكرُ ذلك العنوان، حتى نعرف أنه أحد أشهر أعمال الممثل عادل إمام. ثمّ أتت محاكمة هذا الممثل مؤخراً على خلفيّة الفيلم نفسه، لكي تضافر من مغزى الدلالة تلك، المَوْصوفة.
كذلك يمكن القول، من ناحية أخرى، بأنها جدّ نادرة حالات توجيه التهمة لممثل، بدعوى أنّ دوره في فيلم معيّن فيه إساءة لقيَم اجتماعية وروحانية. فالمفترض أنّ المخرج، أو السيناريست بدرجة أقل، هوَ المسئول عن الفيلم فنياً وأخلاقياً وقانونياً.


 ففي عام 1975، أي قبل انتاج فيلم " طيور الظلام " بعقدين من السنين، سقط فنان ايطالية الأشهر، بازوليني، صريعاً بتحريض من الفاشية الجديدة، التي لطالما كانت قد اتهمته بتشجيع الإباحية والانحلال من خلال قيامه على اخراج الأفلام الجريئة وكتابة سيناريوهاتها.

إن استدعاءَ بطل أحد الأفلام للمثول أمام القاضي، يُشبه نوعاً محاولة بعث الروح في شخصية روائية ـ كما " الجبلاوي " في ملحمة " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ، على سبيل المثال ـ من أجل الهدف نفسه؛ أي محاكمته بتهمة الحط من معتقدات الناس. المقارنة هنا، وبالرغم من هزليتها، إلا أنها ذات مغزى على كلّ حال، طالما أن محاولة اغتيال أديب نوبل العربيّ قد جرت في ذات الفترة، التي انتج فيها فيلم عادل إمام، المَوْسوم. وكي تكتمل مقاربتنا، لكلّ من ذينك العملين الأدبيّ والسينمائيّ، ينبغي ملاحظة الفترة الزمنية، الطويلة، الفاصلة بين ظهوره وبين إدانته من لدن جماعات الإسلام السياسيّ، المتطرفة والمعتدلة. هذه الأخيرة، إذ تجدُ اليومَ وضعها مريحاً للغاية، بُعيدَ استيلائها على مقدّرات الثورة المصرية، فإنها لا تتورع عن استخدام القضاء للتنكيل بأيّ فنان يَمسّ بتوجهاتها وممارساتها، حتى لو كان ذلك على سبيل الانتقام من أفلامه القديمة.
2
محاكمة بطل فيلم " طيور الظلام " لا ترخي النقابَ عن سذاجة أصحاب الدعوى حَسْب، بل ولؤمهم أيضاً بشكل خاص: إذ أنهم على وَعي، بطبيعة الحال، بكون عادل إمام هوَ النجم الساطع للفيلم، المَشدودة إليه حواس الجمهور العريض. وعلى الرغم من حقيقة، أنّ تلك الدعوى القضائية قد شمَلت ببركتها المخرجَ والسيناريست، غيرَ أن " نجومية " عادل إمام هيَ المَطلوبة حقا لعدالة الجماعات الاسلامية. ومن السخرية بمكان، على رأيي، أن يُحاكم هذا الفنان جنباً لجنب مع أقطاب النظام السابق، الفاسد، رمزياً وزمنياً سواءً بسواء؛ هوَ من كان يُجسّد في " طيور الظلام " شخصيّة أحد المرتبطين بذاك النظام ذاته.
بدءاً، وبما أننا بصدد محاكمة سياسية، فيجب التنويه بكون عادل إمام شخصاً مُلتبَساً.. أو إشكالياً على الأقل. ومن النافل التأكيد، أننا نقصدُ مرحلة النضوج في مسيرة هذا الفنان المتألق. لعلّ أشدّ المفارقات في شخصيّته، هوَ ما كان يبديه من مواقف سياسية منفعلة، متناقضة. نجوميته، ولا شك، كانت على الأرجح وراءَ ذلك المَسلك المُلتبس، المُريب. وكمثال، مراعاة الفنان عادل إمام للجوّ العام في مصر، المتضامن مع الكويت خلال فترة الاجتياح العراقيّ، وما أشيع في حينه عن عودة مئات العمال المصريين في توابيت من أرض الرافدين. حيث كان فناننا، آنذاك، قد دأبَ على السخرية من غباء أركان الديكتاتورية البعثية على خلفية زيارة سابقة له لبغداد. هوَ نفسه، عادل إمام، الذي تماشى مع عواطف المصريين، إثر الغزو الأمريكي للعراق، فظهر على وسائل الإعلام ليقول بأنه مُعتادٌ على الجلوس في مقهىً بالقاهرة، سبقَ أن كان يرتاده البطل القومي ـ كذا ـ صدّام حسين. وإذا أهملنا، جانباً، ما أشيعَ عن علاقة بيزنس كانت تجمع عادل إمام بجمال مبارك، إلا أنّ فناننا هذا لم يتورع عن إظهار عواطفه المتضامنة مع النظام الآبد، بل وربما مع رأس النظام المجرم في سورية. في أوج الربيع العربيّ، إذن، يَخرج علينا عادل إمام، وهوَ في خريف عمره، لكي يُبشرنا بأنه سينجز الجزءَ الثاني من فيلمه " طيور الظلام ". لا بأس، سنرى ما إذا كانت " الطيور على أشكالها تقعُ " ؟
وعادل إمام، فناناً، لا يقلّ أيضاً إشكاليّة. فإذ ارتبط اسمه، شعبياً وإعلامياً على السواء، مع قضية " طيور الظلام "، فلأنه هوَ " النجمُ الأوحد "؛ لأنه " الزعيمُ ". لكأنما أفلامه، في مرحلة النضوج خصوصاً، قد خيطت على مقاسه تماماً. مع عادل إمام، لا يمكن الحديث عن ماهيّة بطلة الفيلم، حتى لو تعلق الأمرُ باسم إحدى شواهق الفن السابع؛ كالفنانة سعاد حسني: لنتذكر، مثلاً، ضآلة دورها في فيلم " المشبوه "، الناجح تجارياً، بالمقارنة مع هيمنة بطله الأوحد على جلّ المَشاهد. وإذا قرأتَ، عزيزي القاريء، في فيلموغرافيا أعمال عادل إمام، عن تشكيله " ثنائياً ناجحاً " مع يسرا؛ فاعلم أنّ هذا مَحضُ كلام لا وزنَ فعلياً له. كذلك الأمر، بالنسبة لمخرجي أفلام النجم الأوحد وكاتبي سيناريوهاتها، المُهيمن عليهم ظله الكبير. وقلة من عشاق فن عادل إمام، على ما أعتقد، هم من يَهتمون بنوعية أعماله ومستوى إخراجها أو نصوصها. علاوة على حقيقة، أن الكثيرين يجهلون كون بعضَ أشهر تلك الأعمال إن هيَ إلا اقتباسات ركيكة من أفلام عالمية مهمّة، معروفة؛ مثل " ليلة شتاء دافئة "، " اثنين على الطريق "، " الانس والجن "، " المنسي "، " أمير الظلام " و" رسالة إلى الوالي ".
3
عندما عُرضتْ فكرة انتاج فيلم " طيور الظلام " على عادل إمام، فإنه على أغلب تقدير لم يكُ ليتوقع بأن هذا سيشكلُ قطيعة ً مع ما سبق له وقدّمه من أعمال سينمائية. وبالرغم من ولوجه قبل ذلك في طرح مسائل سياسية ـ كما في فيلم " احنا بتوع الاوتوبيس "، المنتج عام 1979 ـ إلا أن فناننا بقيَ آنذاك بنظر جمهوره ذلكَ الممثل الكوميديّ، صاحب شخصيّة الشاب البسيط، الساذج. مع فيلم " طيور الظلام "، الذي أخرجه شريف عرفة عن سيناريو لوحيد حامد، أضحى عادل إمام منذئذٍ ممثلاً يُجيد بمهارة تجسيدَ الأدوار الميلودرامية، المُضفى عليها مَسحة من خفة ظله وطرافة حركاته.
بيْدَ أنّ بطلَ فيلم " طيور الظلام "، من جهة أخرى، بقيَ مُتشبثا بمضمون معظم أعماله السابقة، الناجحة تجارياً، والتي جعلت من اسمه نجمَ شبّاك التذاكر: مواطن فقير، مطمورة مواهبه ومؤهلاته العلمية في تراب البؤس، تتاح له على حين فجأة فرصة ٌ لكي يمتلك ملايين الجنيهات، بل والدولارات أيضاً، عن طريق سلوك مسالك غير قانونية بمعونة من مقامات متنفذة إن كانت في السلطة أو السوق. هكذا مضمون، ولا شك، حقق لعادل إمام تلك الشعبية الهائلة، ما دام ذلك هوَ حلمٌ يُداعب، بل و" يَسطلُ "، مشاعرَ ملايين الشباب المصريين المرتمين على قارعة البطالة والعوز والحرمان واليأس. ولكن ينبغي الاضافة، بكلّ أسف، أن ممثلنا الكبير عمدَ في العقد الأخير إلى توريط موهبته الفذة في أعمال بغاية الرداءة والسخف؛ مثلما على سبيل المثال في " التجربة الدانمركية "، " السفارة في العمارة " و " مرجان أحمد مرجان ".
الكاتب وحيد حامد، لم يُقدّم فقط قصّة أصيلة في " طيور الظلام "، بل كذلك مضموناً في غاية الجدّة، وفي آن واحد، في غاية الجرأة. إذ لأول مرة، ربما، تطرح في فيلم سينمائيّ فكرة " الزواج غير الشرعيّ " بين الإسلام السياسيّ والفساد السلطويّ في عهد حسني مبارك، الساقط. لعلّ عنوان الفيلم نفسه، هوَ مرآة لتلك العلاقة السياسية، المشبوهة، المتداخل فيها بقوّة رأسُ المال القادم غالباً من دول الخليج. إنّ " طيور الظلام " يَعرض بشكل واضح النتيجة الوخيمة، الكارثية، التي نتلمّسها الآن بُعيدَ انتصار الثورة المصرية، حينما شاءَ أقطابُ الحزب الوطنيّ الحاكم تركَ شؤون المجتمع للجماعات الاسلامية مقابل أن تتخلى هذه عن نهج الارهاب والتحريض على العنف باسم الجهاد المقدّس.
حينما يدّعي، اليومَ، محامي تلك الجماعات على أطراف فيلم " طيور الظلام " بكونهم قد أهانوا قيمَ الدين الحنيف، فإننا نفهمُ أنه يَعني تحديداً مَسلكَ الإسلام السياسيّ، المَشبوه والمَفضوح، كما رأيناه في الفيلم. فكم هيَ بالغة الدلالة حقا، اللقطة الأولى من " طيور الظلام "، حينما يوافق المحامي المتديّن، " علي " (الفنان رياض الخولي)، أن يترافع دفاعاً عن امرأة مومس، متحفظٍ عليها من قبل النيابة بجرم الدعارة، وذلك بناءً على صفقة مع صديقه القديم، وزميله في المهنة؛ " فتحي ". هذا الأخير ( النجم عادل إمام )، لا يلبث بدوره أن يقبل صفقة مُشابهة، إنما أضخم بكثير من ناحية المردود الماليّ والاعتباريّ. فيبدأ " فتحي "، منذ ذلك الحين، القيام باستشاراتٍ قانونية لصالح أحد كبار المسئولين، " شكري بيه " ( الفنان جميل راتب)، وصولاً لنجاحه في نيل ثقته التامّة ليصبح من ثمّ رئيساً لمكتبه.
تلك المرأة المومس، واسمها " سميرة " (الفنانة يسرا)، تصبح زوجة عرفياً للوزير رشدي، بتدبير محبوك من لدن عشيقها، المحامي فتحي. وما عتمت هذه المرأة أن دخلت إلى عالم الأعمال التجارية من أوسع أبوابه وأضمنها؛ باب السلطة الفاسدة. هذه الأريحية، يُحاول فتحي عبثاً أن يكررها مع صديق قديم له، حميم، هوَ " محسن "، الذي يَقنع بوظيفة بسيطة بالكاد تسدّ رمقه مع عائلته. ذلك الصديق (الفنان احمد راتب)، نراه في نهاية الفيلم هوَ الناجي الوحيد من يد العدالة، حيث يُلقى القبض على فتحي ورشدي وسميرة، علاوة على المحامي علي، بتهم مختلفة تتراوح بين الفساد والإرهاب. عندما يلتقي فتحي بعشيقته سميرة، في مكتب المدّعي العام، فإنه يُخاطبها باستخفاف منذراً إياها بعدم محاولة جعله " كبشَ فداءٍ لوساخات أناس رفيعي المقام، فاسدين ". أما حينما يتواجه أخيراً، في باحة السجن، مع صديقه القديم علي، فإنه بالمقابل يُمازحه بكلّ تودد، قائلاً له أنه " لن يخسرَ اللعبة، أبداً ". هذه الجملة، يكررها علي أيضاً بكثير من الثقة بالنفس: فكم هيَ موحيَة ً، نهايَة الفيلم هذه، ومُستشرفة للمستقبل؛ نحن من نتابع في هذه الأيام صعودَ الاسلام السياسيّ إلى سدّة السلطة في مصر بتأييدٍ ومباركةٍ من نفس الأشخاص الفاسدين، الذين كانوا حتى الأمس القريب جزءاً من النظام السابق.
Dilor7@hotmail.com
    

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات