القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

حوارات: الكاتب والبروفيسور التركي طالب كوجوكان :الاصلاحات المدنية هي التي تحقق مفهوم الدولة وهويتها

 
الخميس 01 نيسان 2010


حاوره: رستم محمود/ الاتحاد

يعمل البروفسور الكاتب التركي طالب كوجوكان أستاذا لعلوم الدين والمجتمع في جامعة مرمرة باسطنبول، ومن جهة أخرى يعتبر واحدا من أهم المنظرين في المركز الوطني للحوار بين الثقافات الوطنية في العاصمة أنقرة، كما تعتبر كتاباته في الصحافة المحلية، من أكثر المواد الإعلامية أثارة للاهتمام . في زيارة له لبيروت مؤخرا التقته (الاتحاد) وكان لها الحوار التالي معه حول الدين والدولة في تركيا ومسائل اخرى تتعلق بالعلمانية وهوية الدولة، ونظرية الاسلام/الديمقراطية :


* تبدو العلمانية التركية راهنا، في مكان غريب لتموضع العلمانية في هوية الدولة، حيث وكأنها في موقع الاحتراب التام مع الديمقراطية، والنخب التي تصعد بها ومعها . أي وكأن العلمانية التركية غير ديمقراطية وضدها، كيف ذلك ؟
ـ أنشئت العلمانية في تركيا الحديثة كمبدأ راسخ، وذلك عن طريق إدخال إصلاحات قانونية واسعة النطاق، ففي المرحلة الأولى لتكون الدولة، إنشاء المؤسسات القوية التي سيطرت على الحياة السياسية والعامة في المجتمع، الذي تقطنه أغلبية مسلمة، ولكن أيضا كوريثة للمجتمعات غير المسلمة من مجتمع الإمبراطورية العثمانية. كانت الفترة التكوينية للعلمانية، مصاغة من قبل الدولة، وذلك من خلال الإصلاحات القانونية وغرس المثل العليا للعلمانية في المدارس الحكومية ومؤسساتها . وذلك من أجل إزالة أسلمة الدولة والمجتمع  . حيث لم تكن هذه الأسلمة بقادرة على تعبئة الجماهير لسببين رئيسيين هما : أولا ، إن الدولة كان لديها نخبة صارمة واستبدادية، فيما يخص تفسير العلمانية في إطار نظام الحزب الواحد، الذي لا يسمح لأي طعن في أساسه . ثانيا، كان في طبيعة تشكيل الدولة القومية الجديدة، ووسط (النخبة الحاكمة)، حيث كانت تتألف من الطبقات السياسية المدنية والمفكرين والعساكر والبيروقراطية المركزية في المناطق الحضرية /  الذين تلقوا تعليما جيدا وخاصة في الجامعات ووسائل الإعلام .  وعززوا أنفسهم كمركز معتمد من قبل الدولة . مقابل ذلك من جهة أخرى، كانت الطبقات المتباينة تتألف من سكان الريف المحافظ، عاجزة اقتصاديا وكانت الأقل تعليما، ومن المحرومين من أي وثيقة ذات مغزى للطعن في المركز المهيمن من النخبة العلمانية . في الظرف التأسيسي هذا امتدت تلك الصورة، إلى أن تم الانتقال إلى الديمقراطية التعددية الحزبية في تركيا في 1950، طوال تلك الفترة ( ربع قرن ) كانت التحولات بطيئة لتأخذ  الديمقراطية مكانها في عموم البلاد، حيث كان للتحضر والتنمية الاقتصادية وانتشار التعليم دور بالغ في ذلك . وعلى الرغم من تدخلات وانقلابات عسكرية عدة، مارست  الديمقراطية التركية تقدما كبيرا زمن تورغوت أوزال في منتصف 1985 إلى  1990 .  إلى أن وصل الأمر، لما حدث في تركيا في انتخابات عام 1995 في تركيا، حيث كانت علامة هامة في مسيرة المحيط الجماهيري نحو المركز النخبوي، أي أن سقوط الدولة والسلطة كساحة احتكارية لنخبة تركيا الحاكمة .
منذ انتخابات عام 2002، شهدت تركيا صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وتجديدا لذلك الصعود في انتخابات 2007 بدت الديمقراطية ونخبها، كند للنخبة العلمانية . فهذا الصعود لحزب العدالة والتنمية، كان موضع حذر من قبل تلك النخبة العلمانية . وعلى أساس الافتراض بأن العلمانية في تركيا ستحل محلها المشاريع الموجهة حسب الشرع الإسلامي. على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية الحاكم، قد أكد مرارا وتكرارا أن لديه توجها أوروبيا وغربيا، حيث الالتزام التام نحو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، مطالبا المتشككين أن يقدموا دليلا على أن الحزب لديه أجندة خفية من أسلمة البلاد. وهنا علينا أن نلاحظ أن تلك الحالة قد انقلبت، فالمحيط ( النخبة القادمة عبر صندوق الانتخاب) باتت حاكمة، بينما النخبة العلمانية باتت لاهثة  وراء الرغبة بالمشاركة .

* هل بذلك تؤكد أن ذلك الفصام، بين ما هو شعبي ديمقراطي وبين ما هو علماني نخبوي، هو فصام تكويني وتاريخي ولا فكاك لهوية الدولة التركية منه، على الأقل بتركيبتها الحالية ؟ .
ـ هذا صحيح، فتركيا الحديثة لا تزال تسعى إلى تحقيق التوازن الملائم بين الدين والعلمانية في بلد كل سكانه مسلمون تقريبا . وبالنظر إلى التجارب التاريخية والحديثة، تركيا تقدم مثالا ممتازا على دراسات أولائك الذين يسعون إلى إجابات عن الأسئلة التالية : هل يمكن أن يتعايش الإسلام والديمقراطية؟ إلى أي مدى يمكن أن يكون ثمة توفيق بين الدين والعلمانية؟ إلى أي مدى يمكن تمارس الحرية الدينية في بلد مسلم، وبخاصة حرية التعبير الديني . إلى أي مدى يمكن أن تتمدد الدولة العلمانية في بلد ذات الأغلبية المسلمة؟ كيف يمكن لأغلبية مسلمة معالجة مشاكل الأقليات غير المسلمة؟  . وهنا ينبغي أن تكون الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها في سياق مماثل لانتشار عالمي للديمقراطية وارتفاع الدين . القسم الأول من هذا التفكير يجب أن يمس ويهتم بتطور الأيديولوجيات السياسية في تركيا، بدءا من الإمبراطورية العثمانية، والى الوقت الراهن . القسم الآخر، يجب أن يناقش الأشكال المعاصرة للتعددية الحزبية في تركيا . الجزء الثالث يبحث في المسائل الخلافية المتعلقة بالدين والدولة العلاقات بين بينهما، كمعطيات مطلقة . وكل ذلك لينتج تصور ما عن مستقبل حرية الدين ومستقبل العلمانية في تركيا. 
تاريخيا كانت الإمبراطورية العثمانية دولة إسلامية، فيها رئيس الدولة بمثابة الخليفة الذي يمتلك السلطتين الزمنية والروحية على حد سواء . الثقافة السياسية التقليدية للإمبراطورية، فضلا عن جهازها الإداري، واصلت وبنفس الروح، الإدارة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لعموم البلاد . في بداية القرن السادس عشر، أوائل القرن السابع عشر، دخلت الإمبراطورية العثمانية فترة من التراجع العسكري والاقتصادي . وقتها ظهرت أفكار جديدة بشأن ضرورة إجراء إصلاحات في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية . وبناء على ذلك، رأى القادة العثمانيين ضرورة إدخال إصلاحات في هياكل الإمبراطورية . ووقع التحديث الناجم عن ذلك، في مصلحة نوع من علمنة الإمبراطورية العثمانية، وعلى عدة مراحل، تلك العلمنة التي كانت قد بشرت بها الأحداث الهامة. ويمكن ذكر الثورة الفرنسية في عام 1789كأهم حدث عالمي ساهم في جهود التحديث وإدراج التأثيرات الغربية على الدولة العثمانية .
 قدم مصطفى كمال أتاتورك، الزعيم المؤسس لتركيا الحديثة، وبوحي من مبادئ الحداثة تلك، تغييرات جذرية في المجتمع التركي بهدف تغيير بنيتها الأساسية وإعادة تعريف المجتمع السياسي. وحاول لإزالة المجتمع من إطاره الديني، وبالسماح للمجتمع بالشعور بالانتماء إلى أمة “المعرفة حديثا بالأمة التركية وليس الإسلامية” . ولتحقيق هذا الهدف، بدأ أتاتورك بحركة التغريب الثقافي لتمكين الدولة التركية من التآلف مع النظرة الجديدة التي ستحل محل النظرة الدينية والثقافة الكلاسيكية. لذا فصل أتاتورك بين الدين والسياسة، لاحظ هنا بين الدين والسياسية وليس بين الدين والدولة، كخطوة وشرط مسبقا لفتح الأبواب للقيم الغربية . ولذلك، أصبحت العلمانية أحد المبادئ المركزية للبرنامج الأتاتوركي لتحقيق التحديث . الإصلاحات العلمانية، التي أجريت خلال العقد الأول للجمهورية الجديدة، التي تأسست في عام 1923، كانت تهدف إلى التقليل من دور الدين في كل مناحي المجتمع التركي . وكان الدافع وراء برنامج العلمنة هو الحد من أهمية القيم الدينية في المجتمع، والإلغاء التام في نهاية المطاف للمؤسسات الثقافية والسياسية المباركة من قبل الإسلام ورجاله . وتم تنفيذ هذا البرنامج من خلال سياسة مدروسة تتألف من ثلاث مراحل : علمنة رمزية، علمنة مؤسسية، وعلمنة وظيفية .  إلغاء الخلافة (1924)، وإغلاق المزارات الدينية (türbes)، وحلقات الدراويش عام  (1925 )، وإلغاء وزارة الشؤون الدينية عام (1924) ، وإزالة مادة الدستور التي تعتبر أن الإسلام هو دين الدولة (1928)، ) وتغير من الأبجدية العربية إلى اللاتينية عام (1928) الشيء الذي كان يعني قطيعة كاملة من المنتجات الثقافية والأدبية الماضية . وكانت الخطوة الأخيرة عبر “تتريك” الآذان والدعوة إلى الصلاة (1932 ) .

* ما يظهره التاريخ الحديث للعلاقة بين الإسلام السياسي والنخبة العلمانية في تركيا، وكأن هذه الأخيرة مستبدة وممانعة أمام التطور الطبيعي للنموذج الديمقراطي في البلاد، لأن هذه الأخيرة ستؤدي مباشرة إلى فقدانها لمكانتها التاريخية الحاكمة . هل هذه الحالة حتمية ؟ .
ـ ربما هو المشهد العام فحسب، لكن التاريخ السياسي التركي شهد فترات معاكسة لذلك تماما . فحينما انتقلت تركيا إلى سياسة التعددية الحزبية في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم، كان ثمة نقطة تحول في تخفيف الموقف الرسمي تجاه الدين، وإنهاء عصر العلمانية الصارمة التي وضعها حزب الشعب الجمهوري “حزب أتاتورك” الذي بقي في السلطة لمدة تزيد عن ربع قرن . عاد الإسلام السياسي في إطار التعددية الحزبية إلى الحياة العامة، ففي عام 1950 فاز الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس في أول انتخابات بعد الانتقال إلى النظام الديمقراطي، وهو الشيء الذي أخرج حزب الشعب الجمهوري من السلطة . حيث أن الكثير من المفكرين السياسيين الأتراك قد عللوا الطبيعة “الاستبدادية” لحزب الشعب الجمهوري خلال فترة الحزب الواحد، كمساهم بارز في ظهور المعارضة التي تحبذ المزيد من الديمقراطية والتحرير، وتمثل ذلك بفوز الحزب الديمقراطي في أولى الانتخابات الديمقراطية . هذا الحزب دعا  إلى موقف متسامح من الدين، للاستجابة للاحتياجات الواقعية للسكان، بما في ذلك الاحتياجات الدينية. وهذا ما أكد الدور المركزي للإسلام في المجتمع التركي، وبين حجم القوة التي يحتلها الإسلام في تشكيل السلوك السياسي للمجتمع التركي .
في تلك الانتخابات العامة الديمقراطية، سعت الجماعات الدينية للتأثير على الأطراف، وذلك عن طريق تقديم الدعم لطرف سياسي معين ( حزب عدنان مندريس ). وينظر إلى نفوذ الجماعات الدينية التي دعمت الحزب الديمقراطي كأكبر مؤثر على المجتمع التركي . بعد وقت قصير من تلك الانتخابات ومن وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة، وأخذ الدين بالظهور بشكل أكثر صراحة في الحياة الاجتماعية والسياسية في تركيا . على سبيل المثال، وسعت حكومة الحزب الديمقراطي من التربية الدينية في جميع المدارس، أذا رغب الآباء في تدريس ذلك لأبنائهم، وسمحت الحكومة لدخول الدين إلى جبهات مجتمعية أخرى، على سبيل المثال، عن طريق السماح بالمجلات والدعاية الدينية في المجال العام . وبذلك، بدت الايديولوجيات السياسية المستوحاة من النظرة الدينية وكأنها ضد المثل العليا للتحديث والعلمنة. وبالتالي، ارتفع التوتر والجدل الدائر حول التعبير عن الإسلام من قبل المؤسسات السياسية الحاكمة .
بالعموم، تركيا كان لديها تجربة فريدة من نوعها في صياغة العلاقة بين الدين والدولة، ولكن بعض الفترات كانت مؤلمة في شأن تسلط النخبة الحاكمة على الديمقراطية، وتلك الفترات هي التي رسمت الصورة التركية الكلاسيكية كمتباينة للتطلعات الدينية . فمثلا، علق الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر 1980 الديمقراطية الهشة في تركيا وتسبب في حدوث انهيار في السياسات الحزبية من خلال حظر جميع الأحزاب السياسية، وإرسال قادته للمحاكمة . وكانت الانتخابات الأولى بعد الانقلاب العسكري التي جرت في عام 1983 نقطة تحول في التاريخ السياسي التركي، ونتج عن تلك الانتخابات وصول تورغوت اوزال  إلى السلطة حيث تغير مجمل المجرى الثقافي السياسي التركي لعدة عقود قادمة . أوزال كان من  يمين الوسط الليبرالي المحافظ، فحزب الوطن الأم الحزب ( “ANA VATAN” ) أطلق  سياسة التحرر والديمقراطية في تركيا، هذه التي يسرت التعبير عن الإسلام في المجال العام  بدرجة أكبر من ذي قبل . وكجزء من سياستها، حذفت الحكومة المواد 141 ، 142 ، و 163 من الدستور لرفع العقبات التي تحول دون حرية الفكر . كما أن حزب “الوطن الأم” اعتمد اقتصاد السوق الحر من خلال حركة الخصخصة على نطاق واسع .
الانتخابات العامة في 24 ديسمبر عام 1995 كانت نقطة تحول في التاريخ السياسي التركي الحديث . حيث أسفرت تلك الانتخابات التي جرت في إعادة تشكيل الدين والسياسة في الحياة العامة . التطورات السياسية فيما بعد بوقت قصير من تلك الانتخابات، فضلا عن الجهود التي بذلها حزب الرفاه لتشكيل الحكومة، وانشغالات المواطنين الأتراك، بغض النظر عن آرائهم السياسية أو تفضيل درجة من التدين . شهد فوز حزب الرفاه بدرجة كبيرة جدا . ففوز حزب الرفاه، كان المرة الأولى في التاريخ السياسي منذ تأسيس الجمهورية التركية، التي يحوز بها حزب يشهر الأسلمة على الأغلبية. الشيء الذي يعني أن الخطاب السياسي للحزب ذو التوجهات الدينية حظي بدعم شعبي واسع . ومن خلال استمرار تلك السيرة للحياة السياسية في تركيا، ستبين أن الدين لم يكن مجرد خطاب أيدلوجي، بل كان حملا سياسيا، لا يقل أهمية عن الاقتصاد والسياسة الخارجية .. الخ .

* لكن أكبر نقد يوجه إلى العلمانية التركية، يمكن رصده من خلال عمل “مؤسسة الشؤون الدينية”  . فهذه الأخيرة، تعبتر شكلا فاضحا لتدخل الدولة في الحقل الإيماني الروحي لمواطنيها ؟
ـ إلى حد كبير هذا الكلام صحيح، فهذه المؤسسة يعمل بها نحو 80 آلاف موظف في جميع أنحاء تركيا . وبها مديرية تدير جميع المساجد في البلاد، ويتبعها كل الأئمة والخطباء، وتنظم الدورات الدينية للصغار والكبار في عطلة الصيف . لكن يلاحظ أن المديرية تخدم فقط من السكان المسلمين في البلاد، وهذا غير جائز باعتبار الدولة علمانية، ويثار تساؤل عما إذا كان توجهها ذلك متوافق مع العلمانية أم لا . وعلاوة على ذلك، فإن التفسير السني الأرثوذكسي يغلب على الإسلام الذي ينظم أنشطة المديرية الرئيسية، حيث تستثني الطوائف غير الأرثوذكسية، وخاصة المجتمع العلوي، وهي نقطة أخرى تتعرض لمناقشة عنيفة في تركيا  
بعض العلمانيين والليبراليين وقليل من الجماعات الدينية يقولون، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة، أن وجود المديرية كمؤسسة عامة هو ضد المبادئ العلمانية، حيث يجب أن تكون الدولة على الحياد من جميع الطوائف الدينية ومن الأيمان وعدم الإيمان نفسهما . وبعض الجماعات الدينية تملك مثل تلك الرؤية حول المديرية، فقط من أجل الحصول على مزيد من الحرية والاستقلال لممارسة الحرية، ودون سيطرة الدولة. وهم يجادلون بأن منظمات المجتمع المدني ينبغي لها القيام بأنشطة دينية. بعض العلمانيين يؤكدون أن الدولة لا ينبغي أن تكون صندوق مالية المديرية، فهذه الأموال يتم تحصيلها من قبل الضرائب، التي لا تجبى فقط المسلمين، بل أيضا من غير المسلمين والملحدين .  وبشكل كامل فأن المجتمع العلوي يندرج ضمن هذه الفئة التي تعارض بشدة وجود هذه المديرية وتمويلها من قبل الدولة . وهم يجادلون بأن المديرية يهيمن عليها من قبل الإسلام السني الأرثوذكسية، وهي لا تخدم احتياجات العلويين . ويقولون إن المجتمع العلوي يرغب في أن يكون معترف به من قبل الدولة وبعض الجماعات العلوية ترغب في الحصول على تمويل من الدولة لل” Cemevis “ مكان عبادتهم الخاصة .
لكن ثمة المجموعة الثانية، التي ترى بقوة ضرورة الوجود الدستوري للمديرية، لأنهم يرون أنها آلية للسيطرة من قبل الدولة على الأنشطة الدينية. ففي رأيهم، يجب رصد النشاطات الدينية، ونطاق الحرية الدينية يجب أن توضع من قبل الدولة من أجل حماية والحفاظ على الطابع العلماني للدولة . ويشاطر هذا الرأي إلى حد كبير من قبل الكماليين والعلمانيين والجيش . لكن الأغلبية النخبوية الثقافية في تركيا، لا ترى أي تناقض بين المثل العليا للدولة العلمانية ووجود المديرية، ولكنها تود أن ترى المزيد من النشاط الذي تقوم به المديرية، بحيث تعبر عن التعددية والتنوع من جهة، وأن تكون الدولة أقل سيطرة على الشؤون الدينية من جهة أخرى.

* ما يمكن تسميته ب”المسألة العلوية” تبدو كتحدي للدولة في التعبير عن علمانيتها من طرف، ومن طرف آخر لتعبر عن ديمقراطيتها، كيف تقرؤن هذه المعضلة في تركيا راهنا ؟ .
ـ راهنا يعني موقف حكومة حزب العدالة والتنمية، فبقدر ما يشعر المجتمع العلوي بالقلق، فثمة بعض العلامات الجيدة التي تعبر عن تطور إيجابي في وضعهم . فقد أعلن نائب رئيس مديرية الشؤون الدينية، أن مؤسسته أهملت العلويين حتى يومنا هذا، وكان ذلك على الملأ . بعد هذا الإعلان العام، اجتمع ممثلون عن بعض المنظمات العلوية مع المسئولين في المديرية، لمناقشة وجهات نظرهم ومطالبهم . حيث ركزت مطالبهم على الاعتراف ب”Cemevis” كبيوت للعبادة مثل المساجد، وتلقي الأموال العامة والتمتع بالامتيازات الأخرى التي يتمتع المساجد . ومن المهم أن نلاحظ أن المجتمع العلوي هو متنوع جدا وتعريفهم لـ “العلوية” وعلاقتها مع الإسلام تختلف اختلافا كبيرا من طرف لآخر . بعض الجماعات العلوية تملك الادعاء بأن العلوية تمثل تفسيرا ليبراليا وتقدميا للإسلام ، ويجادل البعض بأنها نموذج إنساني فريد للنظرة للوجود، في حين أن غيرهم من الجماعات العلوية ترفض أية علاقة لها بالإسلام، وتزعم أن العلوية دين له نظرة فلسفية خاصة وطقوس مميزة .
هذه الجماعات الأخيرة من وجهة نظر مديرية الشؤون الدينية تقوض البنية الوطنية، وبالتالي ترفض التعاون معها حتى الآن .  لكن الجماعات التي ترى العلوية تحت مظلة الإسلام، فأنها في حوار مع الدولة بصفة عامة، ومع المديرية خصوصا، في محاولة منها للحصول على الاعتراف الكامل والمساواة في التمثيل في مؤسسات الدولة . وبدأت الحكومة الحالية، ولأول مرة، بالتعامل المباشر مع المجتمع العلوي . حيث عين رئيس الوزراء اردوغان علويا كعضو في البرلمان من حزب العدالة والتنمية .  وفي لفتة للاعتراف بالمطالبات العلوية، شارك رئيس الوزراء اردوغان في عشاء مع بعض القادة العلويين .
في الآونة الأخيرة، بدأت الحكومة سلسلة خاصة من “ورشات عمل العلويين “ وذلك للاستماع إلى العلويين، لتحديد المشاكل والمطالبات العلوية، وإعداد خريطة طريق لإيجاد حلول لها. وحتى وقت أجراء هذه المقابلة، عقدت سبع حلقات عمل في عامي 2009 و 2010 تحت رعاية الدولة . وجمعت حلقة العمل الأولى بين زعماء المجتمع العلوي، وبعد خمس حلقات عمل دعي المثقفون وقادة الرأي من جميع الخلفيات السياسية والثقافية بما في ذلك العلماء والمؤرخين وعلماء دين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام .  حيث تم صياغة توصيات للحكومة لتطوير وتحديث دور العلويين في الدولة

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات