القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

الفنون الجميلة: أديب مخزوم ذاكرة التشكيلي السوري و راصد حكاياتها

 
الأثنين 12 ايلول 2022


غريب ملا زلال 

أديب مخزوم ( 1962 )، صلاح الدين محمد ( 1949-2016 ) و أسماء أخرى دخلت الحياة التشكيلية السورية كفنان تشكيلي، و بقي الفن نبضهم في كل تحركاتهم في هذا الفضاء الجميل رغم أن القلم سرقهم كثيراً و أبعدهم إلى مسافات أخرى، لا بأس بها بعداً، رغم أن قلمهم ذلك كان يغمس بألوان الفضاء ذاته و أبدعوا به أيما إبداع، فكلاهما أديب و صلاح الدين أسسا قراءة تشكيلية تقارب التجربة التشكيلية السورية على نحو عام و تجربة الكثير من الفنانين على نحو خاص و إن كان لكل منهما مفرداته الخاصة أثناء سيره في هذا الطريق الطويل، الشاق، العذب، الجميل، فإن إستفاد مخزوم من لغته الأدبية و الشعرية الكثير فإن محمد إتكأ على نحو كامل على العمارة و هندستها حيث كان قادماً منها، سنتحدث هنا عن تجربة أديب مخزوم الفنان على أن نعود لاحقاً إلى صلاح الدين محمد .


أديب مخزوم من كثرة ما عرف كناقد تشكيلي له حضوره المميز في الإعلام السوري، الورقية منها و المرئية و السمعية حتى درجة الإغراق نسي الوسط أن هذا الذي يبذل الكثير ليتحدث عن الآخرين و يقدمهم و يكشف خبايا ريشهم بقلم محب و صديق للجمال و الفن، و عاشق لأسرارها و الكشف عنها و يحب كل من يتعامل معها و كل من يعيش في هذا الوسط و يتنفس فيه، ناسياً أنه فنان تشكيلي له عالمه كالآخرين، ناسياً نفسه، باحثاً عن الآخر دون أن يبذل هذا الآخر يوماً أو لحظة بأن هذا الذي يتحدث و يكتب عنه وعن أعماله و حياته و تجربته، و يركض قبله إلى معارضه علّه يقتنص عذوبة و دفئاً من بين ثناياها و يعرضها على العامة، في صحيفة محلية أو في دورية عربية أو في برنامج إذاعي أو تلفزيوني، أو في كتاب، دون أن يفكر أحدهم بأن هذا الذي ترك نفسه و ذهب إلى الآخر ليضعه تحت الضوء هو زميله في الريشة و اللون، فبكل جرح أقولها، و على إمتداد هذا الزمن الذي تجاوز الثلاثين عاماً، و مع طابور من الفنانين التشكيليين و على الأخص منهم الذين يمارسون الكتابة إلى جانب الريشة ألا يوجد أحد، أقول ألا يوجد أحد ليلتفت إلى هذا الإنسان كفنان ليقول عن تجربته ما يمكن أن يقال، تأتيني الصدى : لا أحد فالكل غارق في ليلاه .
أديب مخزوم من الأشجار المثمرة التي تشتهر بها بلادنا، أثمرت في البدايات الشعر حين أصدر مجموعته الوحيدة " أحبك أكثر في سواد الزمن الآتي " و أثمرت فيما بعد الموسيقا حين بات يملك مكتبة ضخمة منها تمتد في عمق القرن الفائت، ثم أثمرت الفن التشكيلي و ما تزال، إلى أن أثمرت النقد و القراءة فبات القلم رحلته الغنية به يشيد عمارته النقدية، العمارة التي إشتهر بها، و فيها وجد مسكنه الأوفى و الأدفأ، فكان عطاءه كبيراً، و فيها أصدر كتابه " تيارات الحداثة في التشكيل السوري " .
أعيد لأقول بأن مخزوم الناقد أكل الكثير من مخزوم الفنان التشكيلي فلولا تداركه في السنوات الأخيرة و عودته إلى اللوحة بقوة حبه للبحر و لقواربه ربما كان لتدفق قلمه القدرة على هضم ريشته، لكن الصحوة اللونية أيقظت مخزوم الفنان لممارسة سيرورة لا متناهية لإرساء دعائم سياقاته الخاصة ضمن حركة محكومة بكامل ممكناته المرتبطة بدورها بمعرفته الواسعة لمعطيات نصه / عمله، فذاكرته مفتوحة على آفاق كثيرة، و لهذا يضعنا و هو معنا أمام تقابلات ممكنة بين الألوان، سواء أكان ذلك داخل السياق الواحد، أو داخل عدة سياقات لكن بنسغ يقتضي وعي الحالات لذاتها، و هذا عنصر حاسم في شكل التأمل لتلك الحالات مع الحاجة لخلق حوار إنساني / جمالي يفتح المجال لفهم الدلالات مع الإشارة إلى( المدلول / المفاهيم ) الغائب / الحاضر، مع ضرورة التفريق بين مختلف الآليات المتداخلة و المتدخلة لكسب الحيز الأوفر في الزمكان، و يمكن بالتالي ألا يغيب عن ذهن مخزوم إرتباط عتبات أعماله المكتظة بالدلالات بالمتخيل لديه، و إن في صياغات لونية تداولية في لغتها و في تجسيميتها، فهذا النمط من النصوص / الأعمال لا تعترف بمحدودية التساؤلات بقدر ما تعترف بنية المؤلف / الفنان في تشكيل أفق القارئ / المتلقي كمؤشرات وضعية هي في الأساس حقائق مبعثرة في العالم كظواهر تبحث لنفسها عن معايير لائقة لتثمر نتائج بالغة الجمال .
يبدو من الطبيعي أن تأتي أعمال مخزوم خلطة فنية مرهونة بالعثور فيها على قوائم تمتد في أكثر من مدرسة فنية، فلا غرابة في ذلك فإنشغاله بالنقد الفني له أثره على ريشته، و إن كان يطمح إلى خلق أنموذج لعمل تكون حقيقته متشظية في الذات / الأنا، و تثير مخيلة القارئ / المتلقي، و تضعه أمام سجال لا ينتهي في زمن معين .
مخزوم ينفتح على كل التجارب، و يقارب كل المدارس، و قد يجر أكثر من مدرسة إلى ذات اللوحة، و قد يوحي لك بالتناقض الذي ينبض به أعماله، فهو يحمل الجهات جميعها ليضعها في الإتجاه الذي يسير فيه و إليه و إن كان ذلك صعباً و وفق إيقاع بطيء، إلا أنه مستعد تماماً إلى الإقرار بأن هذا التنوع قادم لا من التنوع في المواضيع بل من المبادرات التي يقوم بها و ينشغل عليها مخزوم، و لعل أكثرها وضوحاً هي التوليفة التي يعزف عليها، تلك التوليفة التي تندرج ضمن تفعيل الإتجاه حيث التناقض / التوازن يتماشيان بتمايز الشكل مع الإتجاه و هذا يجعله يتاخم الولع الذي سيغدو مختارات تلاحق الحكاية، حكاية مخزوم ذاته و كذلك حكاية المتلقي و هو يقف أمام عمله و قد يكون من الصعوبة بمكان الظن أن مخزوم يغير مكاشفاته من عمل إلى آخر بحثاً عن المغاير، تلك المكاشفات التي تؤرقه كثيراً، لإلتقاط لحظة إستيقاظ الوعي المعرفي التي بها يتجاوز التشابه و يؤكد على الإختلاف بإمتلاك قوة التأثير في السياق و بالتالي إثراء بناها السردية .
بين الواقعية و التعبيرية و التجريدية ينتقل أديب مخزوم، له في كل حقل نمطاً من الخلق و بالتالي نمطاً من التفكير دون أن يغلق نوافذه مطلقاً، فهي مشرعة عليها جميعاً ( أقصد على المدارس الفنية ) دون أن تقيده إحداها، بقي طليقاً نحو أفق مفتوح و ذاكرة تحصد الرغبة و الإفتراض، و ينزاح بإشاراته نحو كسب مفردات بصرية ناجزة قد تكون هي الدال و المدلول معاً .
لن نجازف بالقول إن قلنا إن عودة مخزوم للون هي بحد ذاتها مجازفة، فغيابه لعقود طويلة مع إنهماكه العذب في بناء عمارته النقدية التي وفق فيها إلى حد كبير، و باتت سماءه التي يتفيأ تحتها، و سيطرته على قلمه، كان ذلك كافياً لرسم القلق لديه و لدينا، و لكن صحوة خطواته المرهونة بالعثور على إيقاعات غير ذائعة هي حقيقة جرأته و مغامرته تلك، هي نوع من رد الروح لمهاراته التشكيلية بجماليتها التي تستجيب لكشفه و رصده لفضاءاته التي تلتصق على نحو ما بأحاسيسه في بعديها العاطفي و الإنفعالي، بأحاسيسه الوطيدة بعلاقاتها مع الواقع بمفهومه الأعمق، و خلق عوالم مصغرة هي التي ستلخص لاحقاً تجربته .
‏......... 


















 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات