القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

سانحة أدب من ساحة حلب .. كتاب نادر لمؤلف كردي غير معروف

 
الأربعاء 25 تموز 2007


د.آزاد أحمد علي
كاتب وباحث كردي سوري- قامشلي  
pesar@hotmail.com

في إطار احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006، تم تحقيق ونشر كتاب "سانحة أدب من ساحة حلب" لمؤلفه محمد خورشيد أفندي الكردي. وقد قام بتحقيق النص من مخطوطة فريدة الأستاذ محمد كمال. تبرز أهمية هذا الكتاب من بين جملة من الكتب التي  صدرت بهذه المناسبة لخصوصية مضمونه وعمق انتماءه إلى مجتمع ومناخ مدينة حلب الجغرافي والسياسي.


  يتصف الكتاب بالسمات الرئيسية لمؤلفات القرن التاسع عشر، فمن حيث الشكل جاء صياغة هذا النص الأدبي النثري / الحواري إنسجاماً مع أدبيات المرحلة، والتي برزت في أجواء تتسم بضعف النتاج النثري، وبالركود الفكري المخيم على معظم مجتمعات الشرق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية ومن ضمنها مجتمع مدينة حلب.
 وبذلك ينتمي سانحة أدب من ساحة حلب إلى النصوص الأدبية الانتقالية المنبثقة  عضويا من التراث والمتدرجة نحو الأنماط الأدبية المعاصرة،  فقد استمد شكله من منظومة المعارف والتقاليد الأدبية لتلك المرحلة، ويعتبر من ناحية الشكل والصياغة صيغة جنينية لكل من الرواية والمسرح معا، وربما يصلح أن يكون أصلاً لكلا الفرعين وأبا للنثر في تلك المرحلة، فقد تداخل على صفحات الكتاب ما هو نثري روائي بما هو نثري حواري.
النص عبارة عن أحاديث وحوارات يتبادلها ثلاث شخصيات، وهم:
الشخصية الأولى، الكاتب / الراوي.
الشخصية الثانية، عارف، الرجل المتنور العاقل الحريص على بلده.
أما الثالث فهو أبو عمر، رمز الجهل والغنى والغباء والتظاهر.
وإن كان النص لم يتخلص من إيقاع النظم وفنون السجع وصناعة البلاغة  التي اعتذر الكاتب نفسه عن تواضع مستواها في نهاية المتن،  لكن يظل النص في الوقت نفسه مشبعا بالأبيات الشعرية، والتي إن دلت على شيء تدل على طغيان ما هو شعري على ما هو نثري حتى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر في مؤلفات المتنورين والأدباء.
لذلك نجد أن كتاب "سانحة أدب"  من المحاولات النثرية التي سعت للفكاك من مدارات النظم والشعر.

مضمون الكتاب غني وطريف، فهو على شكل مشروع تربوي تنويري للتوعية وللدعوة إلى العلم والحداثة ونبذ الخرافات.
ومن الملفت أنه يمدح كثيرا الصحف ودورها في المجتمع، وخاصة صحيفة الجوائب المحلية، كما يدعو بقوة إلى نشر وقراءة  جميع الصحف ويعتبرها مدخلا للمعرفة والتنوير، ومعيارا للتمدن والتطور و"سر نهضة الأوربيين ومعدن جواهر المتفننين".
ثمة نزعة إرشادية مسيطرة على مجمل النص تتمحور حول الدعوة لاكتساب العلوم الحديثة، ومهاجمة الطرق الصوفية، وتخليص الإسلام من الشوائب والرياء، والعودة إلى المنابع الأصلية للإسلام، ويستشهد بآيات من القرآن الكريم لدعم مقولاته وأفكاره.
مؤلف الكتاب محمد خورشيد الكردي، شخص استثنائي، وعلى ما يبدو كان واحد من  الشخصيات الكردية التي تنتمي إلى تيار الإسلاميين المتنورين الإصلاحيين، لكنه لم يؤتَ حظاً من الشهرة, وربما لخصوصية نشاطه وسلوكه الشخصي،  حيث يتبين من النص نفسه أنه كان من الأشخاص المنزويين في مدينة حلب، البعيدين عن العامة والأصدقاء، ومن الغريب أنه ينفرد بموقف شخصي حاد من الصداقة والوفاء: "ومن هذا القبيل أفيدك أمرا غريب، ليكون لأهل الآداب منه نصيب، وهو أني منذ حياتي أبحث عن صديق، يكون عونا لي في الشدة والضيق، فلم أجد سوى من يحتقرني إذا كان في القدر يعلوني، ويحسدني إذا كان في المرتبة دوني، وإذا غبت عنه يغتاب، وإن عاملته ساء ظني فيه وخاب، ومن أجل ذلك رضيت بالإنفراد، واعتمدت  في جميع أموري على رب العباد" ص95
فمن الواضح أن الرجل شخص انطوائي ينظر ويكتب  بمعزل عن جماعة منظمة،  يقضي وقته في الاشتغال بالمعرفة والأدب، والإطلاع على التراث والثقافة والفقه الإسلامي، حتى جاء كتابه في المحصلة ليكون مرآة لأوضاع حلب أواخر القرن التاسع عشر، وتعبير عن هواجس أبناءها المتنورين والإصلاحيين,  يتم فيه الكشف عن أزمة المرحلة, وأهم المعضلات السياسية والاجتماعية والفكرية التي تواجها المجتمعات الإسلامية.
 كما يتصف الكتاب بسمة التنظير الشامل لمعضلات المرحلة، وذلك من منظار إسلامي "ويزينها بميزان الشريعة" ص18. لذلك فالمؤلف كشخص يدرج ضمن الدعاة والمنظرين الإسلاميين، وليس من بين الذين واجهوا السلطات العثمانية، وربما لم يكن ضد بقاء السلطة العثمانية  كنظام إسلامي من حيث الجوهر.
وإن البحث العميق في هذا النص الأدبي – الإرشادي المشبع بالألم والرفض لواقع مجتمع حلب بوصفه نموذجا وتعبيراً عن المجتمعات المدنية الإسلامية أواخر العهد العثماني, هو بحث وقراءة لأفكار المتنورين والإصلاحيين في مرحلة ما قبل الكواكبي وغيره من رواد عصر النهضة والأنوار العربية.
 وما يؤكد على الشحنة السياسية والاحتقان الفكري لتلك المرحلة أن للكاتب محمد خورشيد نص آخر تم تحقيقه ونشره بنفس الكتاب وهو: "القول المبذول في تراجم النغول " وهو نص يؤرخ لقضية سياسية في زمن جميل باشا, الذي كان والياً على حلب من سنة 1879 الى سنة 1885م ن ومن خلاله يتناول حالة النقمة على الحاكم العثماني، ويكشف عن الحراك الاجتماعي والسياسي النهضوي، ويشير إلى دور بعض النشطاء مثل عبد الرحمن ابن أحمد ابن مسعود الكواكبي، وعبد الرحمن آغا كتخدا وغيرهم.  
أخيرا يبدو الكاتب من دعاة التفاعل والتماثل مع الحضارة الغربية ومدنيتها، أنه أفندي ليس باللقب وحسب وإنما ثقافة ورؤيا، إذ انه يبالغ في نقد البداوة والتخلف العشائري. وفي الجانب الآخر يبدو شديد التحمس للإمبراطورية البريطانية التي تحكم ثلاثمائة مليون إنسان حسب إحصائيته في تلك الحقبة، ولا يخفي دهشته وإعجابه من حكم امرأة لهذا الإمبراطورية العالمية، ولكنه يستدرك ولا يدعو لاستنساخ تلك التجربة فيخصص جزءا من كتابه لسوء أحوال ومعيشة الأوربيين. كما انه من الملفت أن منظومته الفكرية السياسية كانت تفتقر إلى أي مضامين قومية سواء كانت كردية أم عربية.
 في الختام يمكن التأكيد على أن هذا الكتاب وثيقة مهمة لتاريخ المنطقة الاجتماعي والفكري والسياسي وحاضرتها الفاعلة حلب الشهباء، يجد فيها القارئ والباحث جوانب موسوعية هامة مدرجة ضمن نص أدبي متخم بالنزعة النقدية الوعظية والإرشادية، ويتصف بالغيرية والحرص على المجتمع الإسلامي بشكل عام والحلبي على وجه التخصيص.
ـــــــــــــــــ
الكتاب : سانحة أدب من ساحة حلب.
المؤلف: محمد خورشيد أفندي الكردي.
تحقيق : محمد كمال
إصدار : فصلت، حلب ـ 2006 
عدد الصفحات: 143

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات