القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: الانسان

 
الثلاثاء 05 تشرين الاول 2021


زاكروس عثمان 

اتصلت به تطلب منه ان يُحَضرَ نفسه بعد خمسة ايام لرحلة عائلية إلى جبل كزوان، شكرها على دعوتها اللطيفة ثم اعتذر عن تلبيتها لانشغاله ببعض الامور، لكنها اوضحت له أنها دعته إلى الرحلة لتحدثه في مسالة هي بالنسبة لها مصير، ولأنه يعرفها سيدة جادة ورصينة توقع انها بالفعل تواجه مشكلة خطيرة، لينزل عند رغبتها ويوافق على الدعوة.  
في اليوم المحدد للرحلة حضرت حافلة في الصباح الباكر لتقل عائلتها وعائلته إلى الجبل للتمتع بيوم ربيعي جميل، حيث يخرج مئات الناس للتنزه في مثل هذا الوقت من السنة، غادرت العربة المدينة واخذت نسمات مثقلة بالندى وعبق الحشائش تهب على ركابها، لتنعش صدورهم وتنثر البهجة في نفوسهم، فاخذوا يغنون يصفقون يتصايحون، لتتحول الحافلة إلى مهرجان صخب، فيما بقي دينو صامتا في مقعده يرمق صديقته يلدا بين الفينة والاخرى، ليجدها باردة الملامح ساهمة وهي ترد على نظراته بنظرات كسيرة محيرة، ما جعله طوال الطريق يفكر بالموضوع الذي ستخبره به، 


وصلت الحافلة إلى الموقع، سارع الفتيات والفتيان إلى نصب الخيام، وسرعان ما انغمس القوم في سحر الطبيعة، اقتربت يلدا من دينو وقالت له: بَلَغَ الصخب ذروته، واختلطت الناس بالناس، وما عاد احدهم يعرف كيف يعثر على شريكه، هيا نتسلل ونبتعد عن جماعتنا إلى بقعة خالية، سوف اسير وانت على بُعدِ خطوات اتبعني. 
سار دينو خلفها دون ان ينطق بحرف حتى ابتعدا عن الناس ودخلا ثنايا الجبل، جلست على صخرة التحق بها وجلس إلى جانبها، طلبت منه ان يشعل لها سيگارة، قدم لها السيگارة  قالت له: طلبت ان تشعلها انت وتضعها في فمي، فعل ما ارادت منه، قالت: هل تعلم يا دينو لم اطلب مرة من ابن خالك الذي تزوجني منذ 15 سنة ان يشعل سيگارة ويضعها في فمي.
استغرب دينو وقال في نفسه هل جنت يلدا ما دخل السگائر بموضوع الحياة والموت الذي قالت انها ستخبرني به سألها: لماذا لم تطلبي منه انه زوجك.
يلدا: أنا اقرف منه... سوف اخبرك بسر اكبر من ذلك، منذ ان تزوجني لم اسمح له ان يُقَبل شفتي.  
دينو: تريدين القول انك لا تحبيه.
يلدا: بل اكرهه. 
دينو: غريب... ما اعرفه انك تزوجته عن رغبة، ماذا حدث إذا.
يلدا: الذي حدث انك اتيت وافسدت كل شيء. 
دينو" مستغربا": حينها لم تكن معرفة بينك وبيني، بل لم اتعرف عليك الا في حفلة خطوبتكم، شخص لا تعرفيه كيف يفسد حياتك إذا.
يلدا: نعم في تلك الحفلة افسدت حياتي.  
دينو: كيف كيف. 
يلدا: في حفل الخطوبة رايتك اول مرة سألت ابن خالك من يكون ذاك الشاب، اخبرني انه ابن عمتي المعروف بـ دينو.
دينو: ثم.
يلدا: ماذا اقول غير إني عشقتك من أول نظرة.
دينو: مااااذا.
يلدا: فكرت في تلك اللحظة ان انهض واخبر ابن خالك إنني لم اعد ارغب به، واهرب من الحفلة، ولكن خفت من الفضيحة، فكرت ماذا اقول لأهلي حين يسألونني باي عقل وافقت على الزواج من الرجل وبأي عقل ندمت ولماذا لم اقرر فسخ الخطوبة الا في الحفلة.
دينو: يا الهي... اين كنت انا من كل هذا.
يلدا: قلت لنفسي ارضي بنصيبك يا بنت، بعد الزواج سوف تنسي دينو وتحبي زوجك.
دينو: وبعد الزواج  بدأت تحبي زوجك.
يلدا "امسكت بصدره واخذت تهزه": كنت ساحبه ولكنك لم تعطني فرصة.
دينو: هل تريدين ان افقد بقية عقلي... اي فرصة لا اتذكر اني ابديت نحوك اية عاطفة. 
يلدا: لم تفعل ولكن من سوء حظي انك كنت قريب زوجي، تزورنا باستمرار ونحن نزوركم، لم تغب عن ناظري حتى تعطني فرصة كي انشغل بزوجي وانساك.
دينو: لو كنتُ اعلم أنني تسببت لك بكل هذا الجحيم لغادرت البلد نهائيا كي تعودي لنفسك وزوجك. 
يلدا: قلبي هو جحيمي انه يريدك، وبعد العمر الذي مضى تيقنت انه لن ينساك حتى لو تفتت إلى تراب، استسلمت له وها انا افعل الشيء الذي كان علي ان افعله قبل 15 سنة.
دينو: تتركي زوجك.
يلدا: بل اذهب إلى حبيبي. 
دينو: حبيبك هو زوجك. 
يلدا: بل انت. 
دينو: كيف اكون حبيبك وانت لك اسرة و زوج وهذا الزوج يكون ابن خالي، ولي زوجة واسرة، هل نسيت اننا دخلنا العقد الاربعين. 
يلدا: اعرف انني حتى لو طلبت الطلاق من زوجي لن تستطيع ان تتزوجني لأنك متزوج، والاهم سوف يعلم ابن خالك انني انفصلت عنه من اجلك، وانت لا تستطيع ان تضع نفسك معه في هذا الوضع المحرج.  
دينو: تماما... هيا نعود إلى الجماعة، لا شك انهم ينتظروننا.
يلدا: لم اطلب منه الطلاق ولن اطلب منك الزواج، ولكن اريد ان اهبك نفسي وتكون لي فيك حصة.   
دينو: تريدين ان تكوني عشيقة لي. 
يلدا: عاشقة... عاشقة، لستُ عطشة إلى قضيبك انما إلى ذاك المجهول الذي اسرني منذ ذاك الحين. 
عرف دينو صعوبة الحالة النفسية التي تمر بها سيدة أربعينية متزوجة تعترف له بحبها، بدا وكأن صخور الجبل تتهاوى على رأسه، ماذا عليه ان يفعل كيف يتصرف، طلب منها العودة، قالت: لن اعود قبل ان اسمع منك ردا.
دينو: لو لم تكوني زوجة ابن خالي ربما كنتُ اوافق ولكن، قاطعته وقالت: اعلم انك تعاشر نساء كثيرات، الفارق بيني وبين هن هو حظي البائس الذي جعلني زوجة لابن خالك ولكن هل هذا يفرق كثيرا.   
دينو: نعم هذا هو الفارق ولهذا لا استطيع هيا نعود قبل ان يبحث عنك زوجك.
اخذت المرأة تقترب من حافة وعرة، ارتعد دينو في مكانه إذ بدا عليها انها تريد فعلا ان تلقي بنفسها فوق الصخور، توسل إليها ان تعود، قالت بشرط واحد.
دينو: لا حاجة ان تذكريه انا موافق هيا تعقلي وابتعدي عن الحافة.
يلدا: حين التفت اريد ان اراك فاتحا ذراعيك كي تضمني وإلا.... لم يبقى امام دينو سوى الرضوخ لهياج امرأة لم يعد عمرها يتحمل اثقال عشق صامت، فتح لها ذراعيه، هرعت إليه فضمها كما لم يضم امرأة من قبل، اخذت تتلمس وجهه... شعره... يديه لا تصدق انها حققت مرادها، همست له: دعنا هكذا حتى يرحل الناس وتغيب الشمس اريد ان اشبع من كل شيء فيك، بعد ذلك لا يهمني ان القيت بي اسفل الحافة، احس دينو ان مشاعر يلدا ليست نزوة طائشة، بدأ قلبه ينفلت من جليد عقله، فاخذ يعانقها بحرارة، حين احست بدفء قبلاته غلبتها النشوة فأخذت تجهش بهجة، صَغُرَ الوجود من حولها فما عادت ترى غير دينو ولا تسمع غير صرير دواب الارض، استلقت على قِطع الصخور وقالت: هذه اثمن من فراشي الزوجية تعال نأخذ قيلولة معا، تمدد دينو بجانبها وغابا برهة عن الوعي وحين استيقظ دينو وجد يلدا بجانبه عارية وهي تفيض بالرضا، سألها هـ هـ هـل مارسنا اللللـ، قبل ان يكمل كلامه قالت له نعم نعم مارسنا الللـ وانا اليوم ملكة الكون، هيا نعود إلى جماعتنا قبل ان يشكوا بامرنا.
على طريق العودة سألته: كم امرأة مارست معهن الحب.
دينو: 13 سيدة. 
يلدا: اي واحدة منهن اسعدتك اكثر، ما الضير لو اكون الـ 14.
دينو: في رحلة مثل رحلتنا هذه ذهبت منفردا اتمشى في ركن مهجور من الجبل، يبدو انني سهوت عن نفسي وابتعدت مسافة عن الناس، حتى صادفت امرأة بدوية ترعى الغنم، قدمت لها سيگارة وطلبت منها جرعة ماء، سألتها ان كانت ترغب في كأس من النبيذ، قالت: يگولون انها حرام بس اريد اجرب، قدمت لها الزجاجة تذوقت جرعة من الخمر لم تستسغ طعمه اللاذع، ثم حركت شفتيها ولسانها وقالت: طعمها حامظ  حلو مر، تناولت الزجاجة اخذت رشفة اخرى وحركت رأسها تصيح: يا ويلي يحرگ الحلگ  بس طعمو زين، ثم قالت: تعال اگعد، جلسنا نتبادل اطراف الحديث، حتى اتينا على الزجاجة، سألتني وهي تترنح: تحب النيچ، قلت: نعم، قالت:  وآني زاد، مارسنا الحب على صخرة في الهواء الطلق، قاطعته يلدا وقالت: وانا لا اطلب منك اكثر مما منحته للبدوية، اخبرني لماذا استهوتك راعية اكثر من بقية صويحباتك.   
دينو: لأن الامر كان صدفة حتى أني لم اعرف اسمها ولا هي عرفت اسمي. 
يلدا: هل كنتَ تقدم الخمر لكل ضحاياك.
دينو:  لم يكن هناك جاني حتى تكون ضحية، كل زوجة او زوج حين يحتاج الهرب قليلا من رتابة حياته يثمل من نبيذ خفي خاص به.
يلدا: لست ثملة ولكن اريدك حتى النخاع، ضاجعني في هذا الخلاء وليكن الرب شاهدا، لا يهمني ان جاء زوجي ووجدني بين احضانك.
دينو: هل روحك ثملة إلى هذا الحد.
يلدا: ثملة حد الوجع.
دينو: كيف امتلكت الشجاعة كي تفاتحني بالحب. 
يلدا: قريبات لك قلن لي انك ابليس، كلامهن دفعني للقدوم اليك، ضحك دينو، سألته غاضبة: لماذا تضحك، اجاب: حين نعود إلى المدينة لا تطلبي مني ان نمارس الحب مرة اخرى، قالت: لن اطلب إلا اذا استبد بي الروح. 
مضت سنين، وجاءت رياح صفراء نهشت شجيرات الجبل وقتلت غزلانه، ونثرت البارود فوقه وتحته، وما عاد الناس يأتون اليه، هرب دينو مع اسرته من ريح السموم إلى اوروبا، وما كادت تمضي اشهر حتى شدت يلدا الرحال مع اسرتها والتحقت به، وسرعان ما اتصلت به تخبره انها انفصلت عن زوجها، حيث انتهت الاسباب التي تجعلها تعيش مع رجل وهي تحب غيره، وانها سوف تنتقل إلى المدينة التي يسكن فيها لتكون قريبة منه، اخبرها دينو انه لا يفكر في ترك زوجته واسرته، قالت: لا اريد منك اكثر من ان تنجدني كلما فتك بي الروح، سألته: ما العمل الذي تتمنى ان تكمله قبل ان يفتك بك كوفيد ١٩،اجاب: ان اعرف طبيعة الانسان. 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.55
تصويتات: 9


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات