القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: نال مني القدر؟...

 
الجمعة 04 حزيران 2021


آناهيتا م شيخاني 

بدأت حياتي كطفلة صغيرة لكن ليس كمثيلاتي, لم أكن مثل بقية الأطفال, لم أعش طفولتي , أبصرت عيناي على الحياة بخلافات و مشاكل بين والدي ووالدتي ( المدرس و المعلمة) وانتهى المطاف بينهما إلى الطلاق ومع قرار انفصالهما , قسما العائلة إلى قسمين وأنا في عمر الرابعة, وبمنشار خلافاتهما قسما جسدي إلى نصفين ..ارغمنا بقرار المحكمة بالانتقال, انتقلنا أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين مع والدتي الى منزل آخر في مدينة أهلها, بقي أخي الكبير وأختي في منزل والدي, أرغمت بابتعاد عن والدي وأخي الكبير وأختي الكبيرة, لم أعش علاقة الأب والأبنة, انحرمت منها ,لم أستطع أن أقول لأحد ما: أن لدينا منزلين , كانت روحي تتلاشى, تعيش في الشارع, مشردة , تائهة عن ممن حولي, فأثناء دوامي في المدرسة, كنت أتمنى الانضمام لفريق الألعاب لكن هناك عقبة بعدم قبولي, فالمسؤول يرفض انضمامي إلى الفريق بدعوى أنهم يريدون موافقة الأب والأم معاً.


مع أني عشتُ محرومة من حنان الأب , لكن والدتي لم تحسسني بذلك أبداً, كل الشكر لها لم تجعلني أشعر بنقص, كانت الأب والأم والأخ والأخت والسند والعائلة الوحيدة, لكن مع ذلك لم أعش طفولة جميلة وسعيدة مثل بقية الأطفال.
لدينا منزل جميل ودافئ وهذا بفضل والدتي طبعاً, وبجانب تربيتنا كانت والدتي معلمة مدرسة, تذهب كل صباح إلى عملها ولدى عودتها كانت تدخل المنزل بابتسامتها الجميلة, كنت أتشوق لرؤيتها عند العودة من المدرسة, مع إننا نعيش في نفس المنزل, لأنها كانت أم رائعة, أم تبتسم لطفليها رغم الصعوبات ,أم ضحت بنفسها لأجل أطفالها أم لم تترك أطفالها ولم تتزوج لأجل سعادتنا ومستقبلنا, أم قوية وصامدة وذات قلب ذهبي, أم بكل معنى الكلمة , نعم تلك التي أتحدث عنها بفخر هي أمي .
 ذات يوم...عادت إلى المنزل قبل أوانها المعتاد وعلامات التعب باد  على وجهها الجميل المليء بالبراءة, سألتها بعفوية : أمي ما بك فتجيبني متعبة قليلاً يا أبنتي ومع مرور الوقت بدأت تفقد قوتها شيئاً فشيئاً..
وعندما ذهبت للطبيب ,أخبرتُ فيما بعد بأنها تعاني من مرض السرطان وأصبح المرض في مراحله الأخيرة، اقترح عليها الطبيب أن تذهب إلى دمشق لتبدأ بالعلاج الكيماوي , نعم تلك المرأة القوية اكتشفت أنها مريضة بمرض خطير وخبيث (السرطان) تسلط عليها ونهش قوتها وجسدها , سافرت عدة مرات وقاومت المرض بعلاج الكيماوي , حاربت لأجلنا في معركتها مع السرطان.
كانت تحترق وفي كل حرقة أحترق معها.. تذوب كالشمعة... تتأوه , تلهث باكية أمام عيني, لم استطع مساعدتها أو أقدم لها شيء, سوى الدعاء بيني وبين خالقنا, اعتذرت لها نيابة عن المرض
كيف لك ان تؤذي أمي لم تستطيع النوم من ألمها لم يكن بيدي
حيلة سوى تقبيل وجنتيها الجميلتان عند غفوتها, كنت ألاحظ بكل غفوة لها وجهها مغطى بالبكاء كنت أبكي مع بكائها فأزداد ألمها
واضطرت الذهاب إلى دمشق لتكميل العلاج المتبقي هناك لمدة
ثلاث أشهر وأنا بعيدة عنها, فقط استطيع الاتصال بها وسماع
صوتها الحنون حاولت جاهدة الذهاب معها فرفضت ذلك, لم تكن
تريد ان أراها وهي تتألم لكنها لم تكن تعلم ان روحي تتألم مع روحها
بقيت وحيدة في المنزل مع جدتي (والدة أمي).
 ذات يوم نحس, وأنا عائدة من المدرسة, انتبهت لعيون جدتي 
حمراء والدموع تنهمر, أحاول أن أفهم وأعرف السبب, لكنها لم
تخبرني بأن أمي تصارع الموت, وخالي توجه الى العاصمة لإحضارها إلى المنزل لقضاء أيامها المحدودة والمتبقية, وهو في المطار الآن, فجأةً يرن هاتف المنزل لم يتجرأ أحد منا
على الرد , أنه خالي يخبرنا بأن والدتي في طريقها إلى العودة
جسد وبلا روح, لقد فارقت الحياة قبل أن تهبط الطائرة في المطار, يا إلهي إنها والدتي إنها حياتي, روحي, لماذا رحلت وتركتني وحيدة ,
وأنا في هذا السن الصغير, كان لدينا الكثير من الأحلام لنتشاركه بعد, لم أتحمل أو أتقبل الحقيقة بهدوء. كنت أرتجف, صُدمت, صرخت بشدة, بدأت الشهقات بذعر ترتطم بكل أجزائي وحلت الفوضى بكامل جسدي, أصابعي ترتجف, ضيق بالنفس .
عُقد لساني, لم استطع التحدث ليومين بكيت وبكيت لوحدي لم استطع
التقرب من أحد, ورثت أرث هائلاً من الحزن والمعاناة وأنا في
سن الرابعة عشرة من عمري, شعرت أن هذا العالم فارغ, العالم لا تسوى أي قيمة دون أنفاس أمي, شعرت أن كل ما في عالمي وحياتي مهدد بالزوال .
بعد ثلاثة أيام  قررت أختي الكبيرة مرافقتها إلى منزل والدي للعيش معهم دون أم, دون روح ( قرأت بمكان ما أن لكل إنسان بدايتان بداية حياة جديدة يهديها الله له وبداية حياة جديدة نختارها نحن).
 نعم انتقلت الى العيش في منزل والدي مع أختي ووالدي وزوجته وأولاده دون أمي, هنا بدأت بحياة جديدة لم أختارها أنا, بل أختارها القدر, بدا لي  كل شيء غريب, حياة جديدة لم استطع التعود عليها منزل جديد من دون أم, مدرسة جديدة, أصدقاء جدد.. طريق جديد.. كان كل شيء صعب وثقيل, مختلف جداً وبطريقة مختلفة ,كيف أعود إلى المنزل ولا أرى أمي, أصعب أنواع الألم منزل خال من الأم كيف لي أن أعيش دون أمي, دون حضنها الدافئ, دون قلبها الحنون, دون
أن أسمع صوتها الجميل, دون ابتسامتها.. لم أتقبل هذه الأفكار, حُرمت منها في وقت مبكر جداً, في وقت كنت بحاجتها , لم أشبع عيني منها, لم أستمتع بصوتها بشكل كافي وهي تناديني عند العودة إلى المنزل, لم أحضنها بشكل كافي بعد، يا الله لماذا أنا...؟.
 كئيبة أنا...الكآبة تدخل نفسي دون استئذان, كل مرة يصيبني الحزن أحتضن دميتي وأعود لسريري وأخبئ رأسي بدلاً من العودة إلى حضن أمي .
أهب لكم نصيحة من فتاة تربت دون أم ...
 أيها الأبناء احضنوا أمهاتكم لحد الشبع, أن الإنسان لا يشبع من أمه صوروهم, سجلوا أصواتهن وأدعوا لهن بعمر طويل, ولا تسالوني لماذا؟؟.. فكلما انتابني اليأس من الحياة, أنظر لصورة أمي، يحترق كبدي لدى مناداة طفل لأمه كلمة (ماما), أتحسس من دعوات
الأمهات لأطفالهم, لماذا رحلت من كانت تدعي لي..؟. 
يظن الجميع إني تجاوزت مرحلة الحزن والنسيان, لكن من المحال  فمازالت عالقة بذهني, .. عالقة بذلك اليوم وتلك الساعة بالتحديد, فكم كان يوم أليماً, سوداوياً .
لا تقل لي سيمر الوقت وننسى, فالاستمرار شيء والنسيان شيء آخر ,حاولت جاهدة التخطي حاولت الاعتياد, قلت لنفسي أنه قدرنا, لكن لحد الآن لم ينطفئ ذاك الحريق في كبدي, لن يزول ولم أنسى, لم اتخطى, لم أعتاد, بل زاد وزاد وأصبح أسوء وأسوء.
 أترى, تدرون ما هو الحرمان, عندما تشم رائحة ملابس شخص راحل, شخص اغلى من الروح, هذا هو الحرمان بحد ذاته, هل تعلمون ما هو الحرمان ..؟. عندما تتأمل وتتحدث مع صورة صامتة من خلف شاشة هاتفك, هذا هو الحرمان بعين أمه, هل تعلمون ماذا يحدث بعد أن تتوفى الأم, فالأم حنان أن ذهبت, ذهب كل شيء معها ذهبت الأوقات الجميلة ذهبت الضحكات السعيدة, كباراً كنا أم صغاراً
الحرقة مازالت ذاتها, تذكر أن المرأة مهما كبرت ومهما نضجت ومهما نجحت في حياتها سوف يكون من المهم جداً, وجود كتف تستند عليه, وحسب الأمر هكذا وحسب هنا, أدركت أن الحياة مستمرة
وستستمر وستبقى روح أمي معي إلى آخر نفس أتنفسه, لا شيء سيخفف وجع داخلي, ربما يخف قليلاً عندما أرزق بطفلة وأسميها (سلوى) ربما يخف الوجع, ربما يرقد نار كبدي, كانت حسرتي دائماً
على كلمة (بابا) والآن أموت من حسرة كلمة(ماما), عشت نصف حياة معها ونصف حياة مع والدي, وورثت من كليهما ندبة الماضي وحرقة الحاضر, وها أنذا أعيش مع والدي وزوجته وأولادهما وأختي وأخوتي الشباب يعيشون خارج البلاد ,أكتب ملحمتي مع الحياة لأكون مثلها قوية وصامدة .
 هنيئاً لكل من لها أم, حضن الأم أجمل ما يحظى به الإنسان, رحم الله
كل أم متوفية, رحمك الله يا أمي ولروحك السلام, فإلى لقاء منتظر وإلى أمل حالم باللقاء يا أمي .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.62
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات