القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: إلى ابنتي peri

 
السبت 15 ايار 2021


خالد إبراهيم

كل عامٍ وأنتِ بألفِ خير، وهنيئاً لي لأنكِ اشعلتِ في قلبي شمعة حبٍ وأمل 
كل عامٍ والعالم كله بألفِ خير، العالم الذي يخرجُ من ابتسامتكِ مثل سربٍ من العصافير، مثل رائحة البرتقالة، ومن عينيكِ صفصافةً، ولبلابٌ يدفعُ عني خناجر الملاعين، وحمامةٍ تحملُ قلبي إلى مكانٍ لا تطوله أيادي البشر.
كل عامٍ وأنتِ بين يديَّ هكذا مثل فراشةٍ تطير بخفقان قلبي، تطيرُ بين صمتي وهالة أنّاتي.
كُل عامٍ ومعشر الفيس بوك بألف خير


أبطالنا الأشاوس، حدود بلادنا، حجارة بلادنا، رجالاتنا ونساءنا، محرري الأوطان، وأصحاب رايات النصر المهيب
كل عامٍ وتبقينَ أنتِ اليقين الوحيد بين يديَّ 
اسمعيني جيداً يا ابنتي، يا أخر ضوءٍ في هذا العالم المعتم
حياة الإنسان مثل الكتاب، وهذا الكتاب يتكون من ثلاث فصول، الأول هو الماضي والثاني هو الحاضر والثالث هو المستقبل، الماضي عبارة عن أخطاء وعثرات وأسرار، والحاضر محكوم بالرغبات والمستقبل مقيد بالأحلام، وعندما تقرأ كل إنسان بشكل صحيح، وتمتلك كل أسراره، وفصول حياته فهذا يعني أنكَ حرفيا تسيطر عليه، وبإمكانكَ أن تقوده إلى الطريق الذي تختاره أنتَ له، ولا يمكن جمع اللبن بعد وقوعه على الأرض
نظرتُ إلى هذا الحشد من البشر، نملٌ وجرادٌ يغزو حجرة غيبوبتي، وصفوة خلوتي.
على هذه الأرصفة المصقولة اضعت ظلي، ظليَّ الذي تفسّخ من رطوبته الجافة، وتضاريسه الوعرة، ذاب بين رائحة بول المشردين في هذه المحطة التي شهدت الكثير من الويلات، المحطة التي تبتلع أسرار الملايين من الملاعين، الشرفاء، والكتاب، والمطربين، والمطربات، والشعراء العرصات، والسياسيين القوادين، والصحفيين، وفناني الرسم التشكيلي والغير تشكيلي، ظليَّ الذي ينثرُ بقايا خطاياه ويعدو مثل الروح السورية الخاسرة، بين لهاث الأزمنة والتاريخ المتعرج بين الحلمات، والأفخاذ المفخخةِ البيضاء، ظليَّ الذي يعوم فوق مياه المهابل الإسمنتية، والمعدن المخادع الذي يفصل عنق الضحية بعد تخوم الاغتراب الأزلي، الطويل الأمد.
دائماً أقول لنفسي، لماذا السماء بعيدة عن هذه الأرض؟ 
هل جُننت؟ 
وهل أنا عاقلٌ أيها الغريب الأطوار؟ مرةً أخرى تعود أليَّ مسلوخاً، مشوياً، بلا طعم ورائحة، بلا لونٍ ووجهٍ، بلا أسنانٍ، صنعوا لكَ ذيلا، بل بتَ دابةً تعدو بين الدواب، نعجةً، خاروفاً، كبشَ فداءٍ أيها الأبله المصنوع من لعاب القدر.
بل تعدو على ضفاف خابوركَ الحزين، تنثرُ بقايا رجولتكَ الخُنثى عبثاً، وتحبلُ البراري مِن وجهكَ الزاني القبيح، تهرب الطيور وهي حُبلى ببيض رجولتكَ الحدباء، وتطفوا الأسماك بمعدةٍ فارغة وهي تحاول استنشاق زفير أيامكَ الباقية على صفيحٍ مُعلق بين الأرجل والأفواه الملطخةِ بالطين والذل، بل مِثل قطارٍ تسير على سكةٍ مِن تضاريس أوجاعكَ، تسحلُ ملايين الخطايا، تَمرّ من مدينة لأخرى، تلملمُ أسرار الناس، تعلمُ عنهم كل شيء، حفظت وجوههم، طريقة تفكيرهم، وماذا يأكلون؟ ويشربون؟ 
أنتَ الكهلُ الذي تجاوز كل الويلات، وشهد الدمار في أغلب المدن والقرى.
أنا ظلكَ الأسمر، الساخن في الحلمِ واليقظة، بئرُ قضاياك، ساحة اعداماتكَ الصامتة، قلمكَ الذي يَجنُّ بين الحين والأخر، هدير أحزانكَ، أنا طعم دمعتكَ بين شفاه طفلةٍ بريئة تضاهي أيامكَ الخراب كلها، أنا أتربة قبركَ الفارغ الذي ينتظر، الوردة الحمراء الذابلة، ألملمُ بكاء المنافقين ساعة موتكَ المشتهى، أنا هذا الحبر وهذا الترف، أنا المطر والسيل والجفاف، الربيع وكل فصول السنة، أنا البرد الذي تسلل داخل عظامكَ المنخورة ذات شتاءٍ مضى.
أنتَ جثة من هواء، لا تركض ولن تصل، لا ظل لي، لا وجه لي، نسيتُ الأحلام وهي تختنقُ، أنا الذي يخون في الدقيقة ألف مرة، هل سمعت عن الكوارث الإلهية؟ هل قرأتَ روايات الأساطير؟ هل تعلم ما هي العجائب السبعة؟ وهل مرَّ عليكَ أسم برج بابل؟ بابل المضرجة بالنخيل والعذابات، بالانكسارات والخذلان.
أنا ظلُّ جثتكَ المشوية عند صفع الهواء بجوف العتمة الجافة، أنا أول خيط ظلامٍ يزفُ هذه المدائن المحشوة بالمقابر ورائحة الأجنة، وأول أشعة شمسٍ تُصهر الأحقاد وتنير محراب الأعين العمياء

هكذا دون أحد، مثل اليتيم الذي خرج من تحت الأرض، ليُرجم بالحجارة في الدقيقة آلاف المرات، مثل اللقيط الذي عثروا عليه في حاوية قمامة، أو أمام مسجد، أو كنيسة، أو جانب ضفة نهر جاف، لا يهم، وأنتَ تتعرض للمسخ الإلهي، لأن أمام قانون الله تسقط كل الاحتمالات، وكل الأسئلة، ولا مكانٌ للأجوبة التافهة، لا مكانٌ سوى لعملكَ الصالح، لتاريخكَ النظيف، لصدى صراخ أمكَ وهي تحبو نحو رائحة ثيابكَ عندما كنتَ جنيناً بريئاً خاليا من الأخطاء والنزوات والشهوات.
طفلتي الصغيرة
ارفعي أصابعكِ العشرة، واصرخي بوجه النسبِ والمَلِة، والملاعين والقوادين، وقولي هذا أبي، هذا هو الكتاب الممزق والقصيدة المخبأة منذ ولادة أول سنبلةٍ في التاريخ، قولي لهم واسحبي السيف من غِمد اليقين وشديني كرجفة حلم يستيقظ من لهاف عينيكِ، اعصريني كبرتقال بين شفتيكِ، شمي آثار خيالاتي وأنّات الليالي المسلوخة، أنثري رماد جسدي على رصيف لقياكِ وقولي 
هذا هو قبرُ أبي
ينطُّ قلقٌ مِن أعماقي بشكلٍ مُترَف، يحاول الخروج، ينمو مِثل حشيش الخشاشِ في دمي، يُفتتُ أعصاب روحي، نعم يا ابنتي، لا تكوني مثلهم، ولا تصدقي أحداً، احبيني، اشتاقي اليَّ في الدقيقة ستون مرة، وفي الثانية ستون مرة، وفي المرة الواحدة ستون غيمة ستطفو بأنفاسي حول عنقكِ الجميل، ولا تضعفي ذات يوم، ولا تقولي كان خائناً ولم يزل
لم أخن أحداً بقدر خيانتي لنفسي، ولقلمي المتصبر المتصدع، الجميع خانني ولم ينتبه عليهم أحد

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.66
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات