القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: الضبع والداب على اثنتين

 
الخميس 24 ايلول 2020


إبراهيم محمود

كان اجتماع الضباع استثنائياً، فلَكم عبَّر هؤلاء الضباع عن انزعاجهم مما يقوم به الداب على اثنتين، وسبب انزعاجهم هذا، هو تكراره لاسمهم، في تلك الأعمال التي يخجلون من القيام بها، كمّا أكد كبيرهم على ذلك، وكما عبَّر عن ذلك القدير فيهم بلغة واضحة:
-لهذا، لا بد من لقائه، وتنبيهه إلى ما يجري .
أحد الضباع رفع رأسه عالياً، وخاطب الكبير:
-أتريدني أن أضع له حداً يا كبيرنا ؟


نظر إليه الكبير وقد باعد ما بين شدقيه، فرحاً بسماع صوته:
-المسألة أكبر من مجرد وضْع حد له، لن نستفيد من ذلك شيئاً، إنما لا بد من الدخول معه في حوار معه، وأنا من سيتولى هذه المهمة.
صدرت همهمة من الضباع، وقالت أنثاه القريبة منه:
-هذا لا يليق بمقامك يا عزيزي الضبع .
سال لعاب الكبير بمقدار حب الكبير لضبعته، التي لطالما بعثت في جسمه النشوة الضبعية، وهو ينظر إليها، هازاً رأسه:
-ولماذا لا أكون أنا؟ وفي حالة كهذه علي أنا أن أقوم بذلك .
كانت رؤية الداب على اثنتين معهودة، حيث إنه عرِف بالتواجد في كل مكان.
اقترب منه الضبع وهو سالك طريقه إلى جهة معينة. شعربوجوده يقترب، جهَّز سلاحه، أغلق الضبع فمه، علامة الأمان:
-ماذا تريد يا ضبع؟
اقترب منه الضبع أكثر.
نبَّهه على عدم الاقتراب أكثر من ذلك، إذ سيحصل له ما لا يريد :
-اطمئن، لو كان لدي نية في إيذائك، لفعلتها على غفلة منك، كما تتصرفون أنتم يا سلالة آدم. أنا آت إليك لأمر يهمنا معاً، فدعني أشعرْك بذلك .
تمسَّح به الضبع عدة مرات، كان شعره ناعماً، ورغم ذلك فإن الداب على اثنتين كان شديد اليقظة:
-أنتم لا يؤمَن جانبكم يا ضبع .
فتح الضبع شدقية، وحرَّك رأسه عدة مرات :
-أوتضحك يا ضبع ؟
رد الضبع:
-وهل أنتم وحدكم من يضحكون ؟
علَّق الداب على اثنتين بهزء:
-وتعرف الكلام كذلك؟
-نعرف كل شيء، إنما على طريقتنا، وبأسلوبنا، نحن الضباع، لدينا عالم كامل، يتناسب وخاصيتنا الضبعية، أما أنتم يا سلالة آدم، فتعتبرون كل شيء مميَّز عائد إليكم، وما هو قاس، ومزعج، ومخيف، ومقرف، يخص غيركم .
سد الداب على اثنتين منخريه بإحكام:
-رائحتك منفّرة يا ضبع.
ها قد بدأنا نبدأ الحوار. إنها رائحتنا المعتادة، منذ كان الضبع الأول فينا، إنما هي مشكلتكم في تفسير الروائح. هل توقفتم أنتم عند رائحتكم الكريهة من الداخل، ولماذا تتعطرون، وتغتسلون وتغتسلون، لتوحوا لغيركم أنكم نظيفون وذوو روائح طيّبة، وتنسون الرائحة الأخرى .
تملّك الفضول الداب على اثنتين:
-أي رائحة أخرى ؟
تمسّح به الضبع، وقال:
-لا تخاتل يا إنسانو، نحن نعرفكم جيداً، وأنتم لا تعرفون أنفسكم .
-هل لك أن توضّح؟
-سأوضح طبعاً، هناك أفعال لا نتحملها نحن، تقومون بها. تنسبون إلينا منكراتكم. ألا يقول أحدهم في وصف سواه بأنه " ضبّع فلاناً "؟ ما دخلنا بكم. أليس أحدكم يقتل سواه ويتركه في العراء، يدفنه حياً، يقتل بالجملة، ينال من سواه هو وبيته وأفراد عائلته، حتى داخل العائلة الواحدة، ينال بعضكم من البعض الآخر، وباعتماد الكثير من الأفعال المخزية ؟
هز الداب على اثنتين رأسه:
-وتعرفون يا ضباع ما نقوم به ؟
قالها، بأسلوب تخلله ضحك متقطع .
-نحن نعرف حدودنا، ونعيش حدودنا، ولنا سعادتنا، و...
رفع الداب على اثنتين يده، سائلاً الضبع:
-أتعرفون السعادة ؟
هز الضبع ذيله، وحرَّك رأسه صعوداً وهبوطاً:
-يا لكم من مثيرين للشفقة! ربما إذا كان للسعادة اسم لكنّا نحن،ولو تكلمت لأشارت إلينا. نولد سعداء، ونأكل طعامنا ونحن سعداء، و...
اعترض الداب على اثنتين على حديث الضبع :
-عن أي طعام تتحدث أنت؟ لماذا لا تقول عن أنكم تفترسون سواكم، وتنهشون سواكم ؟
فتح الضبع فمه، وبا على وسع:
-أضحكتني ضبعياً. هذا هو جهلكم بالأمور. نحن لا نفترس أحداً. أنتم من تسمّون ذلك، هكذا أودعت الطبيعة فينا ما علينا القيام به، إنما دعني أكمل. نحن نعيش السعادة في مجموعنا، ونحتفي بالقادم الجديد إلينا، سعداء جميعاً، ونغِير على ما نريد ونحن سعداء، وحين نتعرض للقتل، لا تفارقنا السعادة، ونقيم في مكان واحد، ونحن سعداء، وندافع عن أنفسنا بسعادة غامرة.. أما أنتم، فهل تعرفون إلى السعادة طريقاً فعلياً؟ كم تنالون من بعضكم بعضاً، وكم تنهشون لحوم بعضكم بعضاً، وتأتون إلى بعضكم بعضاً على غفلة..لسنا كذلك، إننا نعيش طبيعتنا ونخلص لها، طبيعتنا المأثورة منذ الأزل، سوى أنكم تنسبون أفعالكم القبيحة إلى غيركم، وأنتم ضعفاء جداً. انظروا، كل هذا الدمار والخوف والقلق الذي تحْدثونه، بما تصنعون، لتوهموا أنكم أقوياء، ولكنكم دون هذا الذي تصنعونه في القتل والخراب، ضعفاء جداً، ولهذا أردت مفاتحتك بهذا الموضوع.
-ماذا تريد يا ضبع. لا تجبرني على إخراج المسدس ؟
رفع الضبع رأسه، وقال:
-أرأيت، أنتم دائماً مستعدون للقتل. ما أريده منك، ما نريده نحن الضباع منكم، أن تكفّوا بلاكم عنا. ألا تأتوا على ذكر اسمنا. نحن نعلم بكل شيء يخصكم، وأنتم لا تعرفون شيئاً حقيقياً عنا. تقولون فلان مثل الضبع، إذا غدر بسواه من بني جنسه، أو نال منه، أو آذاه كثيراً . مالنا ومالكم يا الداب على اثنتين. دعونا وشأننا، أنتم تعرفون طباع الضباع، إذا أردنا إيذاء أي كان، نغير عليه ونحن مكشوفون، وهذه هي طبيعتنا، خلافكم، وأنتم تتربصون ببعضكم بعضاً .
اضطر الداب على اثنتين إلى أن يطبطب على رأس الضبع الذي استغرب تصرفه هذا:
-ماذا تريد يا ضبع؟ أن أغيّر بني جلدتي؟ أن نترك ما نعرَف به، هذا مستحيل، هكذا عرفنا أنفسنا، هكذا نفسّر تصرفاتنا .
تمسَّح الضبع به عدة مرات:
-فإذاً، هذا الخراب الذي نشهده يومياً، بسببكم أنتم؟ أنتم تسيئون إلى أنفسكم وإلينا .
-أي إساءة ؟
-ها قد نسيت ما تحدثنا فيه، يجب أن أحذّر قومي الضباع بلزوم أخْذ الحذر منكم أنتم أكثر، يا سلالة آدم، وأنتم تتلفون كل شيء تصل إليه أيديكم.
-وتتكلم الحكمة يا ضبع ؟
-لقد تعلمناها من تصرفاتكم يا سلالة آدم، ولو فهمتم القليل مما يخص غيركم، لما كنتم الآن، كما عرفتم به الآن وقبل الآن... سأتركك سريعاً قبل أن تنال مني بسلاحك القاتل .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات