القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: الشاعر في عزلته!

 
الأحد 24 ايار 2020


  إبراهيم اليوسف
 
ماالذي تغير على الشاعر في مرحلة العزلة؟
من شأن سؤال - كهذا- أن يلقى العناية به، ونحن ننظر إلى الشاعر، وهو محجور مع سواه. أسرته. ذويه، أو وهو وحده، واختياري لأنموذج الشاعر جاء لأنه ممكن النظر إليه كرمز إبداعي، وهنا فإنه يمكن استبدال اسمه في توصيفه بغيره، من المبدعين، أياً كانوا، ومنهم: الموسيقي، أو التشكيلي، أو المسرحي، أو الروائي، او القاص، أو الممثل إلخ، إذ ثمة ما يجمع هؤلاء جميعهم، من جهة ميلهم إلى العزلة - بشكل عام- بسبب متطلبات الإبداع، وإن كانت هذه العزلة في جذرها نتاج انفتاح على الآخر. انهمام به. انشغال به. انسكان به. تماثل فيه، لأنه محط عنايته، يقاطعه ليتواصل معه. يعيشه من الداخل، يستدعيه، ليعيد صورتيهما- صورته والآخر- في الشكل المتوخى!


ولعلَّ الدافع إلى تناول حالة الشاعر في معتزله، في محتجره، أن العزلة إحدى مفردات الإبداع، إذ يؤثر المبدع أياً كان- عالم الخلوة، كي يتواءم مع طقسه الإبداعي، بعيداً عن أية مؤثرات قد تشغله عن حالته، أو تخرجه منها، وهناك شعراء كثيرون على سبيل المثال لا يخرجون من - بيوتهم-  فترات طويلة، يعتكفون خلالها على عالمهم الإبداعي، ليغدو هذا الانقطاع عن الناس جزءاً من شخصياتهم، فلا نراهم بيننا إلا نادراً، ولدواع  اضطرارية، يكرهون، خلالها، عن الخروج على العالم الذي ألفوه، وأدمنوه، وإن كنا لنجد في المقابل، شعراء، يكادون ينظرون إلى بيوتهم. إلى الأمكنة، وكأنها- صفائح ساخنة- لايمكنهم المكوث فيها طويلاً، بل دأبهم الانتقال من مكان إلى آخر.
أتذكر، أنني لطالما كنت أرى أنه لا يمكن الشاعر أن يكتب قصيدته إلا إذا كان في - خلوته- مختبره، بل ولايمكنه أن يقرأ، بعمق، إلا إذا كان في طقس خاص: عزلة وموسيقا وشاي أو قهوة وموسيقا وقبل كل ذلك روح أنثى أو عطرها، ودأبت على هذا الاعتقاد. هذا الرأي، سنوات طويلة، قبل أن أضطرَّ في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لأن ألتحق بالعسكرية الإلزامية، لأجدني قد كسرت وهم عدم مقدرة القراءة أو الكتابة، وسط الضجيج، إذ كنت أفتح كتاباً ما - وغالباً- كتاباً أدبياً، لا دراسة، ونقداً، وبحثاً، وأغوص في عالم الكتاب، ومن حولي من الضجيج الذي يذكر بذلك النوع الذي ما كنت لأتحمله يوماً ما، بل إنني كنت أحياناً أخرج قلمي وأوراقي من جيبي وأكتب بعض ما يخطر في بالي، لأرسله، كما كتبته، إلى الصحيفة، أو المجلة، أنشره، بعد أن أوقعه باسمي!
والآن، بعد أن تمَّ فرض العزلة على الناس جميعاً، يخطر في بالي، أنه لو خير الشاعر الذي اعتاد العزلة، بين أن يواصل عزلته، وأن يخرج إلى الناس، لاختار الخروج إلى الناس، ليس لأن البيت بات يعجُّ بأفراد أسرته الذين ما كان لهم من قبل أن يجتمعوا معاً، وإنما لأن روحه الفوضوية - وهذا  حكم غير قابل للتعميم- روحه  المتمردة، التي لا تستسلم، ولاتستكين أمام أية قوانين لايشاءها، تدفع به إلى الخيارات الاستثنائية، خارج ما هو مألوف، خارج ما هو روتيني، بالرغم من كل ما يترتب على هكذا مغامرات من ثمن باهظ، في أحيان كثيرة.
مؤكد، أنه الآن، وفي هذه اللحظة التي أهرب من عالم القصيدة، أو في هذه اللحظة التي تنفلت القصيدة من بين يدي، فألجأ إلى كتابة ما أمكن من سرد. من مقال، فإن هناك شعراء مبدعين، من الأسماء ذات الحضور المعروف، أو من الأسماء الجديدة، تلك التي تكتب قصيدتها التي ستقرؤها الأجيال، وسيستظهرها كثيرون، وستتناولها الدراسات النقدية، لما لها من أهمية، لأن الشعر يكتب دائماً، أياً كان ظرف الشاعر، مادام أنه ينطلق من موهبة أصيلة، وأنه لما يزل وفياً لما بينهما من بروتوكولات، وعقود، لاتنقض!
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.28
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات