القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: سفينة «مولانا» البغدادي

 
الجمعة 29 كانون الأول 2017


 ابراهيم اليوسف

الآن، وانا أتابع فيديوات أبي بكر البغدادي، وصوره، عبر الإنترنت. أحس أحياناً بأن الخليفة الذي التقيته، ليس ذاك...!.
أجل. تلك العبارة شدتني أكثر...!
وصلت الفندق، وبدأت أستعرض الشهادات المدونة التي أعدها لي موظف المحكمة العجوز المتقاعد. بدا لي أنها قد صيغت بخط جد جميل، ناهيك عن كتابتها بمهارة ديوانية. أكثرها تناول تعرض الناجيات والأطفال للاعتداء الجنسي، أو حول كيفية فرض الاستتابة على الإيزيدين، بالإضافة إلى وصف مطول لإحدى المقابر الجماعية، من قبل إحداهن. أكثر هذه المعلومات حصلت عليها، من قبل. إما عن طريق لقاءاتي بعدد من الناجيات في كامبات اللجوء، أو عن طريق المراسلة التي تمت بيني  وبين المعنيين بشؤون الإيزيديين.


لفتت نظري من بين لفافة الشهادات، أكثر، واحدة كتبت عن أبي بكر البغدادي، بعد أن أوقعتني عبارة منها، في مصيدتها. جاء فيها:
الآن، وانا أتابع فيديوهات أبي بكرالبغدادي، وصوره، عبرالإنترنت. أحس بأن الخليفة الذي التقيته، ليس ذاك...!.
كيف يحصل ذلك؟
امرؤ، يدعي التقوى، يطبق الشريعة، ويمنع المرأة من ارتداء السوتيان، بل والكعب العالي، ويدعولتحصين صدرها بالدرع المغطي لمفاتنها، ويفرض عليها اللباس الداعشي،  بل ويأمر بقطع رؤوس المونيكات، وختان النساء. الختان الذي لم ينفذوه أثناء فترة أسري
أعتقد أنهم لم ينفذوا ختان النساء في دولة الخلافة، لأن المنظمات الحقوقية ثارت على بعض مموليهم، ومزوديهم بالأسلحة والعتاد
لا ليس هو من رأيت...
 يجتهد كاتب المحكمة في التعريف باسمه الحقيقي، وأسمائه ، وكناه،  وألقابه، الأخرى. ودراسته، ويبين بأنه قد ولد في سنة 1971، ولم يكن من الطلبة المتفوقين، لذلك فلم تقبله الجامعة في الفرعين  اللذين أرداهما، ومنهما التجارة والاقتصاد،  وأرغم على دراسة الشريعة، دون أن تكون رغبته المفضلة. وقد بدأت دراسته الجامعية في العام 1991، ونال الماجستير، وكان طالب دكتوراة، إلا أن سجنه أحال دون نيله لهذه الشهادة، وأنه قد أعفي من الالتحاق بالجيش العراقي، بسبب قصور في نظره. كما أن له شقيقاً قد قتل في حرب صدام وآية الله الخميني. وكان يعمل إمام جامع، قبل أن  يتم إلقاء القبض عليه، ويسجن في سنة 2005 في سجن بوكا الأمريكي، جنوب العراق.
أي قصور في نظره؟
إنه أعمى البصيرة والبصر
لا يعنى كاتب المحكمة كثيراً بمعلومات تدرج البغدادي في صفوف القاعدة، ولا بتسنمه  إدارة أمور هذا التنظيم بعد مقتل أبي مصعب   الزرقاوي . وإنما يركز أكثر على الشذوذ الجنسي لديه. إذ يرى أنه تعرض في طفولته للاعتداء من قبل زوج أبيه، ولذلك فقد أدلى أحد زملائه في السجن، باعتراف خطير، مفاده أنه كان يطلب منه أن يلوط به باستمرار..!.
 
هذه المعلومات قرأت الكثير مثلها، في شبكة التواصل الاجتماعي، وفي تقارير بعض المعنيين بسيرته، لكن الرجل قدم أخطر معلومة، لما يكتب عنها أحد بعد، على لسان إحدى الناجيات التي قالت له:
كنا حوالي مئة طفلة وفتاة، وسيدة، ممن تتراوح أعمارهن ما بين التسع سنوات والثلاثين سنة. تم جمعنا في قصر خاص.
مكثنا هناك أسبوعاً كاملاً، لم نتعرض لأية ضغوطات إلا فيما يتعلق بإلزامنا على الاستتابة. وتم فرزنا ما بين رافضة، ومذعنة، إكراهاً. في اليوم الثامن جيء بعدد من الأطفال الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والاثني عشر عاماً. كان هؤلاء من الأطفال الجميلين.
عندما جاؤوا بنا. عصبوا أعيننا، وأوصلونا إلى هذا المكان الرحب. الهادىء. لا أعرف أين يقع. كان القصر وحديقته يحدان نفسهما. إذ يبدوان معزولين عن العالم كله.
المصادفة وحدها، جمعتنا في هذا القصر المتميز. إنَّه جدّ ضخم. أجواؤه تشبه تلك عوالم ألف ليلة وليلة. كان يعتبر نقلة كبيرة، من عالم السجن الرهيب، إلى هذا العالم الرحب. كنت أنتظر مصيري في أن أساق إلى معسكر، أو شقة، أو إلى أحد أسواق النخاسة، كما  كان يتم تهديدنا:
أسلمن تسلمن..!.
 
لم أعرف سبب هذا التغيير المفاجىء. بل لم أعرف أين نحن. ثمة طباخون، وأطعمة،  وغرف نوم مريحة، وحمامات، وأطباء، وممرضون وممرضات، ومهندسو تقانة، وموظفات مكياج، ومصممو ملابس، وخياطون، وفرق موسيقية، ولاعبو سيرك، وملاعب أطفال، وحدائق، طيور، وغزلان، وأرانب، وأحجال. لم تعوضني كل هذه الأجواء عن الحنين إلى أهلي، ولا حتى عن رفيقاتي اللواتي غادرتهن بصمت، عندما أمسك أحد هؤلاء الزبانية بيدي وسار بي خطوات:
مولانا انتبه إلى أنك حزينة، اهتمي بنفسك. أبشرك لقد اختارك..!
سألته:
من هو مولاه؟، وماذا يعني أنه اختارني. كنت أسأله، وفي مخيلتي صورة أزدهاك. حين كانت تقدم له القرابين، إلى أن قاد كاوا الحداد الثورة، وأشعل النيران المقدسة، في أعالي الجبل، إعلاناً عن ولادة الحرية..!
أنت الآن في سفينة الخليفة؟. ألم تسمعي بسفينة سيدنا نوح. إننا الآن في سفينة سيدنا الخليفة، لكنه ليس فيها
لا أفهم أي شيء؟. وكيف رآني؟.
هو لا يعيش بيننا. إنه في مكان آخر. كل السفينة مراقبة بالكاميرات. ثم إنه ولي الله. ينام ويرانا
بعد أن انتهينا من وجبة العشاء. اقتربت مني إحداهن ومضت بي، وهي تقول:
لقد تم اختيارك لتكوني من بين حوريات السفينة.
لكنني لا أريد. أريد أهلي..
أنت أول إيزيدية يتم اختيارها. غريب أمرك أنت من اللواتي" يتمنعن وهن راغبات". احذري. أنت فتاة بريئة، كما هو واضح على محياك. ما أكثر الوشاة هنا..!. كل من ترينهم وشاة. إن علم بك أحد فإنهم سيدخلونك غرفة- التقشير- سيتم تقشير جسدك، في شكل بصلة، أفهمت..؟.!.
استفزتني العبارة، وبت أتظاهر بالفرح، ما دمت مراقبة. مرت علي ورش نسائية كثيرة. منهن من قادتني إلى الحمام، لأغدو بين يديها تلك الطفلة الصغيرة التي طالما استحمت على يدي أمي...
إنها أول مرة ترى إحداهن جسدي منذ أن أسندت إليَّ أمي شؤون استحمامي إليَّ
 
 منهن من ألبستني أجمل وأزهى وأبهى الملابس الحريرية الشفافة. منهن من عنيت بمكياجي وزينتي وكأنها خريجة أكاديمية تجميل دولية عليا. منهن من وضعت التاج على رأسي. فتحت عيني، على سعتيهما، وصرت أتساءل:
 
 أي كابوس أعيش فيه؟. ها أنا أبدو وكأنني عروس. لكنها تجهز كي تزف إلى وحش مجهول. ربما من الورشات الغريبة التي أثارت إعجابي ورشة البارفانات والعطور وورشة الورود. لقد كان مع كل ورشة خبيرة، أو مهندسة لاختيار العطر، أو باقة الورد.
كنت أخفي توتري. رأسي كان أشبه بمجرشة أفكار:
لابدَّ من أن أنجو.....!
لابد من أن ألجأ إلى دعاء"المرة الواحدة في الحياة"  المستجاب. الدعاء المجرب الذي يتحقق للإيزيدي، ما يحلم به، ولا يعرفه الكثيرون، كما قال أبي:
هناك من يؤجله. ثم يموت ولا يستفيد منه. وهناك من يستهلكه في شأن غير ذي أهمية..
أدرت وجهي نحو جهة الشمس. أغمضت عيني. ثم رحت أناجي ملك طاووس:
أنجني، يا ملك الملوك، القدوس، من هنا وأعدني إلى أهلي دون أن يمسني أحد إلا ذلك الإيزيدي الذي أختاره شريكاً لي...!
بعد قليل، أتت مجموعة نساء، ومضين بي عبر أنفاق مضاءة بالكهرباء، في مركبة تشبه الحناتير، عبر طرق طويلة، لا أدري كم من الوقت مضى، و إلى أين رحنا. كان يمتلكني شعوران متناقضان:  الخوف والثقة بالحياة. بعد قليل تم إنزالي من ذلك الحنتور،  كي نجلس في آخر، فاره، يشبه مركبات المراسيم الرئاسية التي نجدها في التلفزيونات.  لا أدري كيف كان يسير. سمعت أحاديث خافتة بلغة غريبة، لا أفهمها. علمت فيما بعد إنها الشاشانية. أهلي طالما ذكروا الشاشان بخير، فما الذي حبب بهم هؤلاء السفاحين، مصاصي الدماء، حتى يتركوا بلادهم ويأتوا إلى هنا في هذه المهمة البائسة؟.
بعد قليل. وصلت إلى مكان يبدو شبه معتم. سميته القبر. تمت إضاءته بالقناديل، والشموع. تتوزع فيه مجموعة من الفتيات والأطفال، وهم عراة، وبينهم رجل ملتح. أخذوني إليه. ما إن وصلت إليه حتى بدأ  بتعريتي، أمام أعين جميعهم، ثم حملني كما طفلة صغيرة  إلى سرير ناعم، واسع، وسط الصالة. هرولت وراءنا بعض الفتيات اللواتي كن يدلكنه. لقد شعرت بالقرف من هذا المنظر. وازداد قرفي لما انضم إلى الجوقة عدد من الأطفال، وهم يؤدون أدوارهم، دالكين جسد الرجل، وأعضاءه...!
حاول فكَّ حمالتي صدري، فلم يتمكن
ارفعيهما قال لي
ما اسمك يا حمامة لالش؟ أنا اخترتك ملكة جمال الإيزيديات. منذ أن وصلت المكان، وأنا أتابعك
كيف تابعني هذا القرد الأجرب- ترى- وأنا أراه لأول مرة. رحت أسأل ذاتي، وأنا أشعر بكره كل ما هو جميل، مصيره مثل سلة القمامة هذه.
ليتني لم ألد. لقد كرهت نفسي. كرهت جمالي. ليتني خلقت قميئة، قبيحة، بشعة، بدلاً من أن تهدر كرامتي على يدي هذا الفاسق
اسمي بهار....!.
بهار كلمة فارسية، وتعني الربيع، أو تستخدمونها أنتم اليزيديون أيضاً؟.
على فكرة، أنتم عرب، ولستم كرداً. في دولة الخلافة ستتأكدون من انتمائكم إلى العربية. مع أن لا فرق بين عربي وأعجمي في ديننا الحنيف إلا بالتقوى....!
نعم يا مولاي نستخدمها نحن الكرد الإيزيديون
قولي:
نعم يا حبيبي
نعم.......
 
ثم أجفل نهداي وهما ينغرسان بشوك شاربيه ولحيته، وهو يداعب بأصابعه الخشبية عضوي التناسلي. كنت أحسُّ بأن قنفذاً بات يتحرك بين فخذي، وهو يشم مثلث جسدي. يداعب مشفري بأنفه. بلسانه.. أشعر بالغثيان، وأعض على شفتي. افتحي فمك. خذي لساني. مدي أناملك إلى عضوي
أين ميثاقك يا ملك طاووس. قلتها. ثم رفعت يدي في وجهه قائلة:
مولاي. ثمة ما أريد أن أعلمك به فأنا مصابة بداء الكبد....!
لعنك الله، أيتها الكافرة الرجيمة....
لا أدري كيف خطرت الفكرة في بالي.ارتدَّ إلى الخلف، كمن صعق بكهرباء عالية التوتر. استوى جالساً على طرف السرير، وعضوه الذكري منتصب يقطر سائلاً أبيض. سرعان ما راحت إحداهن تبتلعه، وهي تخفي العضو في فيها.
أشار إلى طفل في الرابعة عشرة من عمره. أقبل نحوه الشاب. خلت أنه سيجامعه، من مؤخرته. تفاجأت بأن الأمر بدا لي معكوساً. إذ جاءه الطفل من ورائه، وهو يحتضن مؤخرة الخليفة، يلوط به. ثم أشار إلى آخر، أصغر سناً،  من الأول،  أن يتمدد أمامه على السرير. استوى الرجل الملتحي فوقه، والطفل يئن تحته. بينما طالب الشاب الآخر بأن يواصل ما يقوم به
كدت أركله برجلي لأرميه أرضاً أسفل السرير
ياللعار ما الذي يحدث؟.
نادوا عبد الموالي الصومالي
لم أكن أحتاج إلى المزيد من التكهن لمعرفة أن قد طلب امرءاً كي يلوط به
أحسست بأن الرجل مني بأول هزيمة، من هذا النوع، في حياته. بعد قليل.صاح:
 هاتوا لي قدحاً.
 هرول أحد الأطفال ليحضر له كأساً من الويسكي وفي قعره بضع قطع ثلج مستديرة صغيرة. أفرغ نصف ما في الكأس في جوفه
خذوها إلى اللجنة الطبية....
تركت الإكليل. الطرحة. السوتيان. الكيلوت. تركت كل شيء ورائي، وأنا أسير على رؤوس أصابعي، بعد أن قادتني ثلاثة منهن إلى الخارج. سلمنني إلى أحد البوابين المسلحين. همسن في أذنه. سار بي، عبر الممرات. لم ينظر في. اكتشفت أن المكان كله مراقب بالكاميرات، وإلا فإن هذا الرجل كان سيعتدي علي في الطريق.
ها قد وصلنا..
قال لي بمصرية خشنة
سألتني الطبيبة:
ما بك؟.
أنا مصابة بداء الكبد. ثم سألتني عن أعراض هذا المرض، وأسماء الأدوية، فشرحتها له
نظرت في عيني. في وجهي
شفاك الله، حقاً إنها مريضة. قالت لمن حولها، وهي تبتعد عني....
من هناك، جاءت بي إحداهن إلى القصر نفسه. كل من هم هناك رأوني عارية. كنت أذوب خجلاً. تمنيت لو أنني مت. هرولت بعض صديقاتي نحوي، أتينني بعباءة، تدثرت بها، إلى أن اخترت ما أريد من الملابس
ماذا حدث لك؟ صرن يسألنني
لا شيء...
كنت أقول
في صباح اليوم التالي، نودي باسمي. ودعت كل من هم هناك. صديقاتي الإيزيديات خفن علي. لاسيما إنني شرحت لإحداهن ملخص ما جرى لي. إنهن كن يرثينني وأنا أحضنهن. على الباب الرئيس اقترب مني شخص عصب عيني
حذار أن ترفعي العصابة عن عينيك
كانت هناك سيارة تنتظرني
افتحوا لها الباب الخلفي
ثم اتخذت مكاني، قلقة، متوترة. لكنني كنت أحسُّ بالزَّهو، بالرغم من أنني أحسُّ بحاجة شديدة للتبول.
لقد انتصرت عليه
أهو البغدادي نفسه؟.
صرت أسأل نفسي
سارت بي السيارة. ومثانتي التي تؤلمني تنتفخ تدريجياً.  أكاد أصرخ. فأنا في حاجة للتبول، ولكن كيف؟. كنت واثقة أنهم سيأتون بي إلى سجن- العنيدات- كما تمت تسميته بعد أن جمعت فيه كل اللواتي لم يبدلن دينهن. هناك سوف أتبول. كنت أتصبب عرقاً. إنه البول نفسه يخرج من مسامات وجهي وجسدي. مر الكثير من الوقت ونحن على هذه الحالة. لا أسمع كلمة للسائق. كنت ظامئة، أيضاً. فجأة خارت قواي. واندلقت البولة، وكأنها نبع تفجر من بين فخذي. كل شيء تبلل. ثمة ماء ساخن سال من أعلى ما بين فخذي حتى داخل فردتي حذائي اللتين امتلأتا بالبول، فاضطررت لإفراغه. بولتي صنعت مستنقع باتت أمواجه تضطرب على هدي حركة السيارة التي كانت تقطع الطريق.
أما من أحد يوقفها؟
كنت أسأل نفسي
ثم أجيبني:
سيطرات هؤلاء لا توقف مركباتهم
بعد قليل. التفت إلي السائق، وقال:
ارفعي الطميشة عن عينيك. انزلي، إنه المشفى الكبير. اسمك مدون عندهم. من هنا الباب. حاولت أن أتباطأ. بينما انطلقت السيارة بعيداً. كان هناك عدد من المرضى، واقفين، تحت الشجرة. حاولت أن ألجأ إليهم.
مابك ياابنتي؟
اذهبي وبدلي ثيابك. خذي عباءة عمك هذه، إلى أن تعودي. ثم همست في أذن زوجها مالم أفهمه.
أأخذك إلى مكان ما؟.
أحسست أن كنزاً وقع بين يدي. قال لزوجته:
انتظري دورك. أما أنا فسآخذها إلى بيتها.
ركبت السيارة، وأنا مبللة، من دون أن أصدق كيف أنني انفلت من بين أيدي هؤلاء.لابد أن خطأ ما تم.
أتعرفين أين أنت الآن؟
قلت له نعم
لم أكن أعرف أين أنا
مضت بي السيارة، بعيداً. شعرت براحة كبرى، وأنا ألف العباءة حول جسدي. كنت أحس بأنني نصف حرة. قلت له:
عماه. سأنزل لكن عباءتك.
 لتكن هديتي إليك...
سرت على غيرهدي، في شوارع المدينة التي لا أعرف. إلى أن أحسست بالإعياء. وقفت أمام أحد الأبواب. سأطرقه. لاضير، وليحدث لي مايحدث. فتحت امرأة عجوز الباب.
أناضيفة، ياعمتاه...
تفضلي ياابنتي..!
ما إن دخلت، وأنا ألف نفسي بالعباءة، حتى طلبت مني إحضارالطعام، من دون أن تسألني من أنا.
عمتاه أريد أن أستحم، لكن ملابسي متسخة...
لك ماتريدين ياابنتي. ثم أحضرت لي بعض الملابس:
إنها ملابس بناتي اللواتي هاجرن. توجهي إلى الخزانة خذي منها ماشئت.
استحممت على عجل، لأنظف جسدي، من آثار لمسات ذلك الرجل.وقبل أن أخرج قلت في نفسي:
لابد من أن تكون العجوز على بينة من كل ماحدث لي
شرحت لها تفاصيل ماجرى لي. لم تتفوه ببنت كلمة. قبل أن أنام، انفتح الباب الخارجي. قلت في نفسي:
لقد اهتدوا إلي.، أخيراً....
  ورحت أكثف توسلاتي إلى الشيخ آدي. نهضت العجوز من سريرها، ثم طرقت باب غرفتي:
لا تقلقي. إنه ولدي. لن أتخلى عنك، إلا وأنا ميتة. ثم راحت تستقبله، وجلسا إلى وقت متأخر، وهما يتهامسان. علمت أنها تحدثه عني. أياً كان موقفه، إلا أنني شعرت بالطمأنينة. فأنا سأمضي ليلتي هنا، وليحدث غداً مايحدث. سأكون سعيدة إن يطلق أحدهم علي رصاصة، يضع فيها حداً لمأساتي.
صباحاً. استيقظت. كانت العجوز وابنها ينتظرانني، كي أتناول الإفطارمعها. أسرعت للحمام، غسلت وجهي. مشطت شعري قليلاً. ثم توجهت إليهما. لم أشعرباية رغبة في تناول الطعام. سلمت على الرجل. إنه يبدو في الأربعين من عمره:
تناولي الإفطارابنتي. أمي قالت كل شيء. أعدك سأعمل ماأستطيع عليه. تناولنا الإفطار، ومضى في حال سبيله، كي أعلم منها بعد خروجه أنني في ضيافة إحدى الأسر المسيحية، التي لم تنزح بعد. وأن ابنها الذي اضطر لإشهارإسلامه مدير إحدى الدوائر المهمة. أقمت في البيت حوالي عشرة أيام، إلى أن جاءني ابن العجوز ذات يوم:
لقد عثرت على من سيهربك إلى مناطق البيشمركة. وسأدفع له مايريد
عماه، ماتدفعه سيصلك
ابنتي، تباً للمال. كرامتك وحياتك أغلى بالنسبة إلي. أنا معني بك كما ابنة لي.
مساء، دخل الرجل البيت ومعه رجلان آخران. عرفنا على بعضنا بعضاً، وقال:
خذي مايلزمك من المال والألبسة والهدايا. ثقي بالرجلين. إنهما هربا أسرتي، وأوصلاها إلى  شقلاوة، في بداية الحرب. الآن الظروف أفضل. سيوصلانك إلى مناطق البيشمركة.
لاشيء يلزمني، ما أريده هوأن أصل إلى هناك. ودعت الرجل، وإذا بي أجد أمه تستعد كي ترافقني.
ارجعي، عمتاه، دعيني أودعك من هنا. فقط أريد دعاءك..!.
 لن أتركك يا بنيتي، سأكون معكم. مضت بنا السيارة. اسمك الآن هو ناديا حسين. إليك ببطاقتك الشخصية. انسي اسمك الأول، فنحن لم نسألك عنه. ازداد أملي بالحياة، أكثر.  كنت أنظر إلى الأضواء، من وراء زجاج نافذة السيارة، متسلحة بحجاب اللباس الشرعي الذي أرتديه، لأول مرة، في حياتي، بهذا الشكل.  كانت السيارة تخرج من شوارع المدينة، وكلما وصلنا إلى إحدى السيطرات استوقفونا، سألوا عن أسمائنا. ثم سمحوا لنا بالمغادرة. بعد أقل من ساعة. قال لي أحد الرجلين
الآن أنت في أمان...!.
لم أصدق ما أسمعه. أحسست بروح ملك طاووس ترفرف في السيارة، بدأت أتنفس الصعداء. انحنيت لأقبل يدي العجوز. كدت أقفز لأقبل يدي الرجلين.
سأسأل العمة عنكما، وسيصلكما أكثر مما وصلكما
صدقي، يا ابنتي، ليس همنا المال. ليتنا استطعنا أن ننقذ حياة كل الإيزيديات. إن من تلوذ ببيت عمتنا جانيت، وابنها يوسف، هوفي أمان 
 
الآن، أستطيع أن أهنئك، هاهي أضواء البيشمركة. لا نستطيع التقدم أكثر
سيري من هناك. الطريق واضحة. ما إن تقتربي منهم اخلعي العباءة، وارتدي ملابسك النسائية. وقفت السيارة، على جانب الطريق. نزل الرجلان يودعانني. نزلت العجوز وهي تحضنني راسمة علامة الصليب. ابتعدت السيارة، شيئاً فشيئاً، وأنا رحت أمضي صوب البيشمركة. حياتي أصبحت في خطر، فلربما أطلقوا علي الرصاص، وظنوني أحد مجرمي داعش.
لايمنع، فلأقتل برصاصهم، قلت لنفسي
المسافة بيني والساترالترابي تقترب. خبأت نفسي وراء كومة من الأحجار. ثم صخت بأعلى صوتي، معرفة بي
أنا أختكم. كنت مسبية عند داعش
 
بعد قليل وصلني أحد البيشمركة، وهو يصوب بندقيته تجاهي
ارفعي يديك، إن كنت صادقة. رفعت كلتا يدي. سار تجاهي. فتشني، بخجل، على نحو سريع. عندما عرف أنني فتاة  إيزيدية حقاً.  سار بي إلى إحدى سيطراتهم.. حدثتهم بالكردية : أريد أن أرتاح ساعة. لدي الكثير لأحكيه. وحكيت كل هذا لهم، قبل أن يأتوا بي إلى من تبقوا من أهلي....!. 
 فصل من رواية"شنكالنامة"
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات