القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: الروح المائية في شعر مؤيَّد طيّب

 
الخميس 23 شباط 2017


ابراهيم محمود

يسعى شاعرنا الكردي الكبير مؤيد طيب" 1957-..."، إلى استثمار الروح المائية، كما ينبغي لها أن تكون، ليكون جسد قصيدته بحجم ما يريد على مستوى الأرض التي ينتمي إليها جغرافياً : كردستان، على مستوى الشعب الذي ينتسب إلى ذاكرته: الشعب الكردي، على مستوى اللغة التي تهبُه المدد الحياتي، كما لو أنه الشباب الأبدي: اللغة الكردية، ولا بد أنه متفاعل وأي تفاعل مع غوايات الماء، خميرته النافذة الأثر، ليكون ذا حمولة إبداعية جهةَ الشعر الذي يُسمَّى به.
يسعى شاعرنا مؤيد طيب إلى أن يطلق قوله الشعري في اللامحدود وهو في أصوله العميقة إيماناً منه بجبروت الماء وهو يحفر مجراه في كل اتجاه، كأنّي به مقيمٌ علاقة توأمية بين جنّي الماء الشعري، وروحه التي تطلق أسماءها الكردية على ما حولها من الكائنات، تسمّي بشره العظام من شعر يليق بهم، أرضه ذات الجلال من شعر يتناسب وروعة الجلال فيها.


نباته الأرض، شجره الواصل بين الأرض والسماء، مياهه التي تسطّر الأرض، خضرته التي تعبقها، والهواء سيّد الروح، جماده المستنطَق، بهائم جغرافيته، ليل بلاده ونهارها....الخ.
يسعى شاعرنا مؤيد طيب، فيما يقوله، إلى أن يكون المتردد باسمه، وبدمغته، ولهذا يحضر كرده خلل جمله، صوته المنطلق حيث جهاته الأربع، وفي الإثر يحضر شهداؤه وقد انبعثوا في حياة جديدة، صحبة الروح المائية التي تفعّل حيوات تترى، يحضر أبطاله بحرارة خطاهم.
يسعى شاعرنا، في " قصائد مختارة "، إلى أن يطلق العنان لروح شعره المائية لتكون في أوج عنفوانها، تعزيزاً لكل من أفصح عنه: إنسانه الكردي، شهيده، صديق الحياة، مأثرة الحياة، فالشعر بروحه هذه مدّاح الحياة وهجَّاء الموت، وفي مديح الحياة يحضر أهلوها، طالبو الحرية والسلم، ونابذو العبودية والحرب، في هجاء الموت يحضر القتلة والسفلة وأذنابهم حيثما كانوا، وهو الفارق الكبير بين الماء النميز والمستنقع بالتأكيد.
في " قصائد مختارة ": مختارات حياة، عجينتها المستساغة تبرز الموجة المائية، انسيابية النبع، رشقة الماء، اندفاع السيل، انسكاب المطر، كما هو التفاوت بين المشهد الوامض في الشعر، والفسيح منه، وثمة الأسئلة المتتابعة في إهابها الشعري اللافت. دققوا في " هوَ ":
" هو- سنٌّ لبني- لا يغادر لثاتنا- هو- ريح فاسدة- أطلقها التاريخ- هو- كابوس بهيم- يجثم على غدنا .ص 30 ".
هل ثمة من يخطىء في العنوان لمعرفة هذا الكابوس: المستنقع، الطاغية، الظلام الموبوء؟
وما يكون حصاد القلق من مسار العالم:
" من ضجري ومن بَرمي- أفرُّ من نفسي،- لكنْ أنَّى وجَّهت وجهي- لا أرى غير نفسي.- لست أدري: هل خلا العالم من ناسه- أم أن عالمي ما عاد إلا- أربعة حيطان من المرايا ؟!. ص 58 ".
أسئلة بطعم المائه ولونه، ورائحته، وتلون أدواه وأطواره، لكنها تنفتح على مسائل حياتية، ودونها ما كان شعر، ولا صدى للشعر هذا.
ولنمعن النظر في هذا المقام الشعري، حيث التوحد بين قلب أكبر من جسده، وجبل يجسّد وطناً في الدلالة ووطن يقرَأ مرتلاً في طلاقة الشعر:
من فوق الجبال- من فوق البحار- مثل ريح مسرعة – ثمة خنجر يلبّي  استغاثتي- أصله في كف " متين "- ونصله فوق قلبي .ص 79 ".
ولنمعن النظر في هذه المفارقة بين ماء هو الحياة، ومن يهدر الحياة هذه:
" دجلة والفرات- كفّان حزينتان- تُطبقان عينين مفتوحتين لمقبرة ميتة- اسمها:- عراق !.ص 98 ".
وما يكونه المطر في استرسال المعنى، ما يكون المعنى في المضمار المطري :
" المطر رسالة عشق- من السماء- إلى الأرض – جوابها- دفق الينابيع والعيون- وتبسُّم الورد والعشب- على محيَّا السهول- وشفاه الجبال .ص 197 ".
وما يأتي بلسان صبية كردية ضمن عائلة مهجَّرة من قبل جلاوزة النظام العراقي سنة " 1975 ":
أي كوردستان- هَبيني نشقة من هواء!- من جبل ما غادره الثلجُ بعد- حورائي مقيدة- تحت خيمة سوداء بالية- في صحراء- دون أب، دون أم .ص 224 ".
هنا، يمكن للكلمات أن تترك حروفها الصامتة، وتهبط إلى الأرض، حيث مفارقات الحياة، وتؤدي مهمتها على أكمل وجه، أي أن تهب الماء ما يجعل بالصورة والصورة عما يجري، أن تكون هي ذاتها الماء الشاهد على عف قائم.
هنا يمكن لمتحرّي ظلال المعاني: الماء، أن يتعرف على ما تيبَّس في المكان، وهو ينطق برعب الفاعل، إذ الصحراء أبعد من أن تكون خلواً من الماء، إنها الماء المفارق لأصل محتج على مستهتر بروح الماء، وأن يكون التعرف بالمقابل على الجبل الذي يُرى محل عزاء، ومؤاسياً، ووحيداً، كما لو أنه يبكي أهليه: جبل الثلج، والجبل الدال على الحياة المحاصرة. وبين صحراء وجبل، يمكن تبيُّن تباري المفارقات، والنائبات المنزّلة بالكردي صغيراً وكبيراً.
وفي لعبة شعرية، في بانورامية المسعى الشعري وداء الشعر النبيل، ما يقرّبنا أكثر من هذا التباري الجاري:
" دجلة ماءٌ.. وعن الماء يبحث- لذا ترى الماء- يقطعُ عنقَه- أما أنا فعطِشٌ، وعن العطش أبحث- لذا أخشى أن أموت- بداء دجلة:...الخ.ص265 ".
من ينادي من؟ أهو المعذَّب بدجلة المأهول بمائه، وجنّياته، وأغانيه، وماضيه التليد، وعراقة أهليه الأُوَل، وخصوبته، أم دجلة ذاته، وقد أحيل بينه وبين اسمه، بين كونه جنَّتي الهوية، ومطارَداً من زبانية الحياة، ومن ينصرها: الشاعر وما يمثّله فيها، ومن يمثّلهم خلل سلسبيليات أمواه دجلة؟ دجلة المهدور، الموقوف، المعتقَل، المستهان به، المنزاح عن مهامه.
والشاعر في فقد صلات الوصل بالماء، جرّاء أرزاء من لهم اليد الطولى في مأساته، يوثّق لهذه الحالات.
لكن الشاعر، وإيماناً منه بأن الشعر ينبثق فعل حياة، وإن كان ندَّابة، لا ينسى ما يعنيه الشعر بدفقه المائي من قيمة، وهو معانق قريته: النموذج، معانق ما يرتقي به عالياً: الجبل ، وفي البرزخ المفتوح : غزاله، وفتح فتوحه: رؤياه الشعرية
" آه يا أهل قريتي !- ذا الجبل العالي- كان: أنا !- وذاك الغزال المليح – كان حبيبتي.ص 275 "..
هذه الروح المائية تعرّف بهويتها أنَّى تحركت، أو حلَّقت، أو حط رحالها لأنها ترتكز إلى جذور قائمة ومتحركة، بلغتها أو بلغة الشاعر الأم، كما في مجموعته الشعرية ذات العنوان الجامح" لا الريح تقلّني، لا التراب ينزّلني "، إن تجاوبنا مع ذائقة الألماني هيجل بأن الشعر الشعر، بوجود المترجم المترجم يمكن أن يبث بوح روحه المنعشة لأي كان، في أي لغة كانت، كما هو المجال الحيوي لما هو كوني، وما هو مائي فيه، وهي المجموعة التي استقرت ضمن مستلَّة عنوان " قصائد مختارة "، ويبقى التفاعل مع اللغة: الأصل ذا نكهة مائية مائزة، وربما بتصور آخر:
يسّاقط الثلج- على قامتك، وقامة جبل شاهق- لو لم يكن هناك ماسورة البندقية- ولا كانت النار في صدرك- ما كنت أعلم- أيها هي قامتك- وأيها قامة الجبل الشامخ؟ ص63 ".
وكما في هذا النص الفسيح بطابعه المطري" مطر "، وقد ورد المقبوس سالفاً:
المطر- رسالة العشق- من السماء- إلى الأرض- جوابها- دفق الأنهار والينابيع- وزهو الورد والعشب- على محيّا السهل- وثغور الجبال. ص 228".
أو في " ضباب " :
" الضباب،- هو ذا طرحة عرس التراب-بأصابعها الذهبية- تكشفها الشمس عن وجهها-هلمَّوا يا قلوباً طيبة- لم تفطم من ثدي الطبيعة بعد- هلموا يا أعيناً- لم يمسها- صدأ الحياة بعد- هلموا إلى حفلة هذا العريس ذي القد الشامخ- والعروس البهية الحسناء.ص 230 "...الخ.
في الحالتين لم يخالف الماء مبدأه في الانتشار والازدهار، وعلى يدي الشاعر الفنيتين، بما أنه كان يمتلك أهلية التسرُّب إلى الأعماق، بما أنه كان يتضمن القدرة في إنعاش روح الهواء بجعله أكثر خفة، بما أنه يتراءى بوجهيه: هيبة الحياة، ورهبة الموت، ولا بد أن شاعرنا الكردي الكبير في امتلاكه سر هذه الروح، لديه الرصيد الضامن في كل ذلك، كيف لا يكون هكذا، وهو الكردي الذي ينسكن بمقولة كردستان: أرض الألف ثورة والألف حسرة، إنما – أيضاً- الألف مسعى للنهوض والاستنهاض إخلاصاً لروحه المائية، أعني بذلك لمورده المائي الذي يمنحه هذا التناثر التكاثر حيث يكون وأنَّى ينظر، والريح تقله والتراب يحمله !
م: أهداني شاعرنا الكردي الكبير مجموعته الشعرية " قصائد مختارة "،ترجمة: ماجد الحيدر، منشورات " مكتبة الجزيري"، دهوك، 2016، وهي عبارة عن ترجمة لمجموعته الشعرية التي ورد اسمها في المتن " لا الريح تقلّني، ولا التراب ينزّلني "، منشورات أفستا، ستانبول، 2014، وأحسب أن المترجم كان ذواقة في الترجمة، تفاعلاً مع روح الص وتبيُّناً له، ما خلا هنات في بعض الكلمات والصيغ، وبعض الأخطاء اللغوية، وهي محدودة.
ومن باب التجاوب مع هذا الشعر الجميل، كتبت هذه الكلمات المتواضعة تحية لروحه المائية في الشعر، وعمره الشعري المديد.
دهوك- في 22/ 2/ 2017 .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات