القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: داعش وأزمة الهوية

 
الأربعاء 24 كانون الأول 2014


نوبار محمد

أضحت داعش حديث المحللين ومادة دسمة للكتاب والمؤلفين وشاع اسمها حتى غدت حديث المجالس والإذاعات العربية منها والعالمية كيف لا وقد أحدثت تغييراً في بنية المجتمع الشرق الأوسطي جغرافياً وتاريخياً وسلوكياً اختلف فيه المحللون والكتاب والنقاد فتارة هي في عيونهم دولة لا تمت إلى الإسلام بصلة وهو حديث كل من رأى الإسلام رحمة ونظر فإذا بحملة شعواء تصل الليل بالنهار للكيل للإسلام على أنه دين الإرهاب والتطرف فوجد نفسه متهماً يحاول جهد نفسه مدافعاً  عنها وعن معتقده فبرّء داعش من الإسلام حتى أخرجه من ربقة الدين، وتارة هو الإسلام نفسه وهو ما يميل إليه من كان يحمل بذرة الحقد على الإسلام منذ القديم ووجد ضالته في داعش.


 فصب جام حقده وتعصبه على الدين الإسلامي من منطلق لا يمت إلى الموضوعية بصلة بل هو مزيج من التعصب والهوى وردةٌ فعلٍ ليس إلا، ولعلّ التباين في فهم بنية التنظيم تعود لأسباب عديدة منها دراسة جانب واحد على أنه السبب المباشر والكلي في فهم بنية التنظيم مع إغفال الجوانب الأخرى والتي لا تقل أهمية. كما أن المشهد السياسي ألقى بظلاله على تحليل الموضوع وأثّر سلباً على الفهم الحقيقي مع العلم أن التنظيم تقف خلفه أسباب كثيرة لنشوئه وهنا سأحاول التركيز على جانب مهم لعلّه يكون سبباً في معرفة التنظيم . وهو معرفة بنية التنظيم من خلال بنية المجتمع الذي تتشكل منه .
هنا لابدّ لنا أن نعود إلى نصوص الشرع فنسقطها على تصرفات التنظيم وهل توافقه أم تُضاده وتعاكسه مع بيان الحوادث والعوامل المختلفة التي أدت إلى ظهور التنظيم على الوجه الذي نراه، بعيداً عن الأقلام التي تريد النيل من الإسلام عن طريق داعش ، وبعيداً أيضاً عن الذين فصلوا بين داعش والإسلام فصلاً تاماً بحيث يخيّل إلى المرء أن التنظيم قد هبط علينا من المريخ ولكلّ طرف دوافعه ، ولست    في بحثِ هنا في وارد التقليل من مستوى أي قومية أو لغة بل كل همّي معرفة الحق  وبيانه منتهجاً في ذلك الموضوعية ما استطعت ، ولعلّ أفضل مصدر لفهم بنية داعش هو القرآن الكريم نفسه . مع الأخذ بعين الاعتبار تاريخ الإسلام والعرب والرابط بينهما ووجه الانفصال بينهما والتمييز بين ما هو عروبي وبين ما هو إسلامي . حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود . فكثيراً ما تكون الجزئيات والتفاصيل سبباً مهماً لمعرفة الإشكالات العامة المطروحة على الساحة اليوم .
((الأعراب وعلاقة التنظيم به ))
هناك عشرة آيات ورد لفظ الأعراب فيها وهي الآيات التالية :
يقول سبحانه وتعالى ((الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم   (97)ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ( 98) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم   ( 99 ) سورة التوبة(( وجاء المعذّرون من الأعراب ...)) 90 سورة التوبة ((وممن حولكم من الأعراب منافقون... )) 101 سورة التوبة ((ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ...)) 120 من سورة التوبة ((....يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب ....)) 20 سورة الأحزاب (( سيقول لك المخلّفون من الأعراب ...)) 11 سورة الفتح (( قل للمخلّفين من الأعراب ...))16 سورة الفتح ((قالت الأعراب أمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ......)) 14 سورة الحجرات 
النقطة الأولى : الأعراب ودلالته ورابط العلاقة مع تنظيم داعش هي أسئلة مهمة لفهم بنية التنظيم و كثير من سلوكياته المنطلقة من مبدأ اجتماعي أكثر منه ديني فالآية القرآنية هنا تتكلم عن  جزء مهم من مجتمع متكامل هم الأعراب فمدلول الكلمة هم سكّان البادية من العرب والذين يتميزون بخصال معينة من نفاق وخداع وغلظة والتهرّب من السلطة ورفضها مما جعلهم يقعون في خانة الهجاء القرآني في معظم الآيات دون سواهم  ولكن هل كل مميزات الطرف الأخر ملائكية بحيث لم يذكرهم القرآن في هذه الخانة وهم العرب أو سكان الحضر ؟ ليس بالضرورة ولكن عندما يكون هناك طرف تغلب عليه طبائع التوحش والغلظة والجهل والمروق من الدين فكان أولى بالذكر من طرف تقل فيه هذه الطبائع أو تخف بينهم مع الأخذ بعين الإعتبار أن معظم العرب هم أعراب يعيشون في البادية عندما تم توصيف القرآن الكريم لهم ، ولابدّ هنا من توصيف ابن خلدون لطبيعة العرب حتى تتضح لنا الصورة أكثر وهو يدرس طبيعة العرب ككل أو معظمها  ، يقول ابن خلدون في مقدمته ((في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ))
((والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقاً وجبلةً، وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة))
 فخلال دراسة التاريخ الإسلامي إلى مرحلة الدولة العباسية مع استثناء مرحلة الخلافة الراشدة في معظم مراحله سنرى بأن طبائع الأعراب ظاهرة وهي حب القتل والغلظة والنفور من السلطة والقيادة والتوّحش . لا يخفى ذلك على ذو بصيرة فما كانت خلافة عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث تنتهي حتى ظهرت الفتنة التي أدت إلى استشهاده كما أدت إلى حرب بين الصحابة أنفسهم وبدأت حرب علي ومعاوية رضوان الله عليهم جميعاً ليقتل من قتل فيها من المسلمين ، ولو أننا لسنا هنا في وارد من كان وراء الفتنة ومن كان يحركها ولكننا نبين هنا أحداث من التاريخ طالما كانت سبباً في حروبنا و لمّا نجد لها الحلول المناسبة إلى اليوم ثم ظهر الخوارج وكفّروا عليًّ وهو ما هو عليه من الصلاح والتقوى والإيمان بل وصلت إلى مرحلة قتله . هل كان الإسلام يدعوا إلى ما حدث فعلاً ؟ لا يختلف عاقلان بأن ما حدث لم يكن سوى تغلّب طبائع العرب على إسلامهم ثم كان عهد الخلافة الأموية وما تم فيه من تحوير وتحويل وتحريف للخلافة من خلال جعلها وراثة بدلاً من شورى وراشدة . قتل فيها (الحسين ) حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه وريحانته على يد العرب أنفسهم والنبوة لمّا تمضي عليها إلا سنوات قليلة وحُمّل رأسه بعد أن فصلت من جسده إلى دمشق حيث كان يقبع هناك (أمير المؤمنين ) يزيد بن معاوية !!!! هل كان يزيد يطبق الإسلام والحسين رضي الله عنه مخالفاً لشرع الإسلام وما جاء به جده !!ليس وارداً هذا التحليل ولكن الحقيقة أن طبع القتل وحب السلطة والعصبية وراء قتله مع ما تم من قتل حتى في حرم مكة رغم قدسيتها و قصفها بالمنجنيق بعد أن تحصّن ابن الزبير فيها مع أن قضية قصف البيت الحرام كانت مرتين وليست مرة واحدة حيث أدى القصف إلى تهدم البيت العتيق ثم تم ترميمه وبنائه مرة أخرى  ولو مررنا مرور الكرام على شكل الدولة الأموية وما حدث فيها من أحداث غلب فيها طبع العرب على الإسلام سنرى العصبية العربية قد تورمت هنا وبدأت بظهور طبقتين من المسلمين هم طبقة العرب وهم الأشراف والحكّام الفعليّون للدولة ومقاليد الأمور كلّها في أيديهم وعلى الجانب الثاني طبقةٌ تسمى الموالي ولم يكن ذلك إلا انتقاصاً من شأن غير العرب على الرغم من أن معظم الموروث الثقافي والعلمي إنما حفظه هؤلاء (الموالي) حتى قواعد اللغة العربية كان حفظه على يد هؤلاء وفي هذه المرحلة تحولت المنابر إلى نقطة انطلاق لهجاء آل البيت والطعن فيهم انطلاقاً من عصبية قميئة غلب فيه طبع العصبية العربية على طبع التسامح ونشر الأخلاق والقيم حتى كان مجيء عمر بن عبدالعزيز فألغى هذه العصبية من المنابر وألغى حكم الاستبداد الساري في الدولة ليرجعها على ما كانت عليه من خلافة راشدة و (شورى) ولكنّ ذلك لم يدم طويلاً فقد عاد الطبع يغلب على التطبّع الذي هو الإسلام .
لقد تم القضاء على الدولة الأموية فكانت الدولة العباسية. الاختلاف بين الدولتين هو نظرة العصبية التي تم إلغائها في الدولة العباسية ولكن بقيت طباع أخرى سارية فيها من استبداد في الحكم وطبيعة القتل للمخالف سياسياً وهي طبيعة التوّحش والغلظة ولو علمنا بأن السفاح وهو لقب أطلق على أبو العباس أول خليف عباسي إنما جاء نتيجة الذبح الكثير الذي ألحقه بخصومه من بني أمية سنعلم طبيعة الدولة العربية الإسلامية الجديدة مع ما تم من قتل لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  . وصل الأمر أن يقتل الأخ أخاه وحادثة الأمين ذو الأصول العربية الصافية مع أخيه المأمون والذي كانت أمه تركية الأصل خير شاهد حيث كانت دوافع العصبية العربية وراء وقوف القبائل العربية مع الأمين ضد أخيه ذو الأصول التركية. هذه الأسباب وغيرها كانت سبباً رئيساً في انهيار هذه الدول وأن كانت أحداها تعمّر أكثر من الأخرى ولكن الحقيقة أن جميعها لم تصمد . 
فلنرى مرةً أخرى ما يقوله ابن خلدون في طبيعة العرب من خلال مقدمته ((فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر، فينقلونه من المباني ويخربونها عليه، ويعدونه لذلك. والخشب أيضاً إنما حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك. فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران. هذا في حالهم على العموم .وأيضاً فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس، وأن رزقهم في ظلال رماحهم، وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه، بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه))
ما يقوله ابن خلدون ليس فيه قدح بل هو توصيف دقيق لطبيعة المجتمع العربي لا الإسلامي مع العلم أن هذا لا يعني بالضرورة أن شكل المجتمع العربي أسودٌ كلّه ولو أننا قد نأتي إليه فيما بعد. وهنا قضية أخرى ألا وهي أن رزقهم في ظلال رماحهم هو بيان وتوصيف لحالة أو طبيعة أخرى يتميز بها العرب وهو القتل والنهب والغلظة وهو ما ينافي البناء والعمران ألا ترى العرب تحب عمر بن الخطاب و تراهم يستشهدون بأقواله وأفعاله أكثر من غيره من الصحابة لوجود طبيعة الغلظة والشدة  فيه وهو الذي عندما تولى الخلافة رضي الله عنه قال: (الّلهم إني غليظ فلينّي) وكي لا يفهم كلامنا في غير سياقه فيظن أحدهم أني أهجوا عمر رضي الله عنه أقول أن عمر قد أستعمل طبعه فيما فيه النفع له وللمسلمين ولم يكن يستخدمه لما فيه سوء أو شر معاذ الله.
وكثير من الغزوات التي كانت تسير باسم الإسلام ولكنّها كانت بعيدة عن روحه وعدالته فالغزوات التي كانت تتم فيها النهب والسلب والإسترقاق بين المسلمين أنفسهم نتيجة مطامع سياسية لم تكن تمثّل الإسلام بل كانت تمثّل طبيعة المتصارعين أنفسهم حتى كثير من التجاوزات التي تحدث ضد غير المسلمين لم يكن الإسلام معنيّاً بها والرجوع إلى تنبيهات الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الجند أكبر دليل على ما نقول ((لا تغلو ولا تسرقوا ولا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا طفلاً صغيراً)) وترك الناس وما يعبدون كل هذا وصايا طبقت أحياناً وتركت أحاييناً كثيرة.
النقطة الثانية: ما قاله ابن خلدون في مقدمته عن طبائع العرب اقتصرنا على فقرات منها مع ذكر الآيات القرآنية في وصف الأعراب وما فيها من الأهمية لدراسة بنية المجتمع العربي وما تم ذكره من الأحداث في العهدين الأموي والعباسي بيان لسلسلة احداث كانت تتغلّب فيها الطبائع على الدين ولكن النقطة المهمة هنا أن كلمة الإسلام ملازمة في تاريخنا للعرب حتى ظن البعض أن العرب هم الإسلام وأن الإسلام هو العرب وهو خطأ جسيم يقع فيه الكثير. فلا يجوز الحكم على رجل أسمه عبدالله على أنه مسلم كما لا يجوز الحكم على رجلٍ أسمه جورج على أنه كافر .
ولكي تتضح الصورة نورد هنا كلاماً أخر لابن خلدون في مقدمته وهي ((ان العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة))
وشرحه كما يقول ابن خلدون ((والسبب في ذلك أنهم لُخُلق التّوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبُعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهوائهم فإذا كان الدين بالنبؤة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خُلقُ  الكِبْرِ والمنافسة منهم فسهُل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المُذهب للغلظة والأنَفَة الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النّبيُّ أو الوليُّ الّذي يذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم))
النقطة الجوهرية هنا والذي يستفاد من كلام ابن خلدون أن الدين يذهب الغلظة والتوّحش والكبْر والمنافسة لدى العرب فهل يمكن فهم تصرف جماعات معينة اليوم من التوّحش والغلظة والكبْر والمنافسة إلا أن الدين لم يتمكن من نفوسهم  فكان الطبع غالباً لديهم. خلال دراستنا للتاريخ وذكر بعض التصرفات أو الحوادث التي مرّ ذكرها يتبين لنا أن طبائع المجتمعات لا تموت بل تبقى قد يُتمكن من تهذيبها ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تموت.
الدولة الأموية وكذلك العباسية طفت على سطحها في فترات زمنية هذه الطبائع ولكن لا يعدم أن نقول أنه أيضاً تمكّن الإسلام من طبائعهم في فترات كثيرة وما الحضارة التي يشهد لها القاصي والداني إلا صفحات مشرقة من تاريخ هذه الدولتان ونحن لا نتكلم عن ملائكة بل عن بشر يخطؤون وتتغلب عليهم طبائعهم في فترات كثيرة . فكما أن القرآن تكلم عن الأعراب وبين أخلاقهم المذمومة فلنعلم بأنه يقاس عليهم كل المجتمعات التي تشابههم من غير الأعراب وكما أن ابن خلدون ذكر خُلق التوّحش لدى العرب فقد ذكرها لدى الكرد والترك أيضاً، ولكن وبما أن عاطفة المرء تغلُب عقله في كثير من الآحيين فقد يظن البعض أن هذه الأخلاق موجودة لدى العرب وحدهم فينسون أنفسهم.
النقطة الثالثة والأخيرة: ماذا تمثّل داعش اليوم ؟ هل فعلاً هي تمثّل الإسلام أم أن هذا التنظيم وفي كثير من تصرفاته إنما يتبع طبائعها التي جُبل عليها العرب وخاصة أن من يقود التنظيم هم عرب بل جل من فيه عرب وقيادته يمثلّون البعث العراقي كما ورد في أكثر من تقرير وقد وصل الأمر بشرعي جبهة النصرة أبو مارية إلى وصفهم بمرتزقة البعث الذين يريدون حرف القاعدة عن مسارها كما يوردها من خلال تغريدات له على التويتر بتاريخ 3 /12 /2014 
هناك نقاط جوهرية جعلت هذا التنظيم بارزاً ومكروهاً وهي السادية في القتل والفيديوهات المنتشرة أكبر دليل ،وأكثرها صدمة هي الفيديوهات التي نُشرة أثناء مجزرة الشعيطات وما تخلّلها من تلذُّذ بالقتل بل في الذبح  وهو بيان لطبيعة التوّحش والعنف مع أن الإسلام ينهى أن تذبح دابةٌ أمام دابة أخرى تكريماً لها ولكن ما ظهر في كثير من الفيديوهات يتناقض مع هذا الحكم الإسلامي
و الذي يأمر بالإحسان في كل شيء ولكن أن يصل الأمر إلى حالة التلّذذ بقتل الضحية فهذا والله عين البلاء وعين المصيبة. حتى لو افترضنا جدلاً أن الإسلام لكي يقيم الحدود فأنه يأمرها في مكان يتواجد فيه الناس ليشهدوا حدوث الحد ولكن غفل القائمون على هذا التنظيم أن المطلوب هو حضور أهل من ظهر فيهم الجرم ليكون رادعاً لهم أي لأهل المنطقة وليس التصوير المتقن ونشره إلا خطأً شنيعاً يرتكبه أصحابه مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإسلام وضع شروطاً لإقامة الحدود تكاد تكون تعجيزية فما بال بعض المتطرفين يأخذون الناس على الشبهة والظنّة ولو راجعنا التاريخ الإسلامي وخاصة في فترة الخلافة الراشدة سنرى بأن الذين أقيم الحد عليهم يكادون يكونون أعداداً غير معتبرة بل لو علمنا بأن عمر بن الخطاب قد طلب في فترة أبو بكر الصديق أن يقيله من القضاء لأن أحداً لم يحتكم إلى القضاء سنفهم حقيقة الحدود في الإسلام .
ولقد وجدت هذه السادية في الطرف الأخر أيضاً وهو طرف النظام السوري ومراجعة للفيديوهات في بداية الثورة السورية وما كان يحدث فيه بيان شافِ ،ومازالت هذه الممارسات مستمرة من خلال التعذيب حتى الموت في أقبية السجون التابعة للنظام . 
تغلّب طبائع البداوة على عناصر التنظيم حتى في لباسهم ومظهرهم الخارجي فالملابس هي من الدلالة بمكان حيث يغلب لبس الثياب الأفغانية أو البسيطة والدالة على التقشف حتى في المعارك تجدهم إلا القليل بثياب بسيطة تدل على البداوة رغم الزخم المالي الذي يملكه التنظيم وقدرته على إلباس جنوده لباساً عسكرية متطورة ، وطبيعة بعدهم عن التحضّر والعمران من خلال تخريبهم للمدن وجعل المراكز الثقافية مقرات لعناصرها وتدريبهم على القتال أو حتى مسكناً لهم يبيتون فيها، وطبيعة نزوح الناس من مناطق سكناهم لبعدهم عن الثقافة الذي هو أساس العمران والبناء، وانشغالهم بالمال السهل (النفط) عن الأعمال والمشاريع التي هي أساس الدول، وكذلك معاداتهم بل منعهم لحِرفٍ كثيرة  كمنعهم لتعليم الفلسفة والكيمياء بدعوى أنها علومٌ كفرية مع أن هذه العلوم كانت منذ العصور الأولى للإسلام وتقبلّها العلماء من دون إنكار أو منع . ولو أن الفلسفة قد توقف العلماء عندها مجيزينها بشروط .
وقد بقي لدينا طبيعةٌ أخرى وهو ما يقوله ابن خلدون ((أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك)) فسياسة داعش والتي جعلت كل الناس أعداءً حتّى أقرب الفصائل تشابهاً في معتقدها لم يجدوا أنفسهم إلا وقد وقعوا في خانة العداوة مع تنظيم لا يفهم من السياسة شيئاً ويرى كل الناس مرتدين أو كفرة فجمعوا كل الفرقاء على حربهم وقتالهم وظنّوا أن إعلان الخلافة على نمط يشبه الخلافة في الاسم ويختلف عنها في التنظيم والنشأة والمضمون هو منتهى الإسلام وغايته. رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل الرسل إلى ملوك زمانه .ولكن في حالنا هناك شرٌ مطلق يقابله تنظيم يمثل نفسه بالخير المطلق وعليه لا بدّ من محاربة الشر المطلق .
هذا العامل الاجتماعي يعتبر بحق سبباً رئيساً في ظهور داعش على الصورة التي نراها اليوم لكن يجب علينا أن لا نغفل عن عوامل أخرى كانت سبباً في إذكاء وإشعال طبائع التوحش والعنف ونهب الأموال والسلب لدى التنظيم فمن يتمعّن في الوطن العربي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام سيرى بأن حالة الخذلان والضعف والاستبداد والديكتاتورية عوامل محفزة لهذا التنظيم فما عايشه أهل العراق منذ عام 2004 وبعد سقوط نظام صدّام حسين سيرى بأن هناك ظلماً كبيراً طبّق على طائفة معينة من أهلها تمثّل في احتلال قتل أكثر من 60000 ألف مدني حتى عام 2009 حسب الإحصاءات الأمريكية المسربة وميليشيات تمارس القتل الطائفي على أوسع نطاق وحكّام لم يكن همّهم إلا صب جام حقدهم الطائفي والانتصار للحسين وزينب من خلال سجن وقتل سنة العراق وما تبعه من نظام طائفي في سوريا أكمل ما بدأ به نظام العراق وخاصة مع بداية الثورة فنحن نعلم أن القتلى من السوريين أكبر بكثير مما يعلن رسمياً وحفلات القتل تحت التعذيب في السجون ما زالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذا البحث ناهيك عن براميل الموت والقنابل بكل أشكالها وألوانها مع سياسة الأرض المحروقة في كثير من المناطق ،وبلدة المليحة في ريف دمشق أكبر شاهد فقد تبين أنه كانت هناك مدينة تسمّى المليحة . إن سياسة القتل الممنهج والسادية فيها مع تلّون هذا القاتل بصبغة طائفية وسياسة التفرّد بالحكم والاستبداد هي عوامل مع  أخرى كثيرة أدت إلى ظهور داعش مع ما تحمله من فكرٍ متطرف على الوجه الذي نراه اليوم .
أجل داعش مسلمة فهم يشهدون شهادة الإسلام وظاهرهم إقامة أركانه ولكنّهم في أحكامهم بعيدون حقيقةً عن جوهر الإسلام وروحه القائم على أسس العدل والرحمة حيث يقول سبحانه وتعالى ((وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)) مخاطباً فيه رسوله صلى الله عليه وسلم . وما نراه اليوم ليس إلا طبائع غلبت روح الإسلام ونظامه طبائعٌ متأصلة ظاهرها الصلاة وباطنها التوحش والسلب والنهب باسمه ظاهره إقامة حد وباطنه شبٌ لمّا يكمل فهم اللغة العربية حتى يفهم الفقه الإسلامي وأصوله ومقاصد الشرع ،ظاهره راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وما كان جيش محمد يدخل أرضاً إلا كان الناس أشد فرحاً به من أنفسهم لما يتميّزون به من خلق حسن وطبائع مهذبة وقوانين ربانية تحدُّ من التفلت الأخلاقي وما نراه اليوم من هروب جماعي للناس من بيوتهم بسبب الظلم والحيف الذي سيلحق بهم من تنظيم وحشيّ لا يمتُ للإسلام إلا في قشوره وبعض الظاهر دليلٌ واضح أن الإسلام كلٌ متكامل وليس أجزاء حتى يظن البعض وهم حقيقةً الحاقدون على الإسلام أن ظهور بعض أجزاء الإسلام في تنظيم هو دلالة أنه الإسلام كله . أخيراً أرجوا أن أكون قد سلطت الضوء على جانب مهم لفهم بنية التنظيم ووضحت ماخفي فهمه وما توفيقي إلا بالله .
نوبار محمد
مدرس لمادة التربية الإسلامية 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات