القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: فيلسوف السلطة: توماس هوبز

 
الأثنين 15 كانون الأول 2014


خالص مسور

أيام عصيبة في تاريخ انكلترا رافقت ولادة الفيلسوف الإنكليزي السبعاوي (الولادة قبل الأوان) توماس هوبز فكانت ولادته في 5 نيسان عام 1588م في مدينة ويستبورت، وفي غياب والديه عاش هوبز في كنف أخيه الأكبر، وفي هذه السنة كانت الإضطرابات في إنجلترا تتجه نحو الثورة الطهرية التي تكاد تشل المظاهر الحياتية في البلاد.. وتوفي في عام 1679م ودفن في مدينة هاديوك في بلده إنكلترا. 
حلق توماس هوبز في دراساته في فضاءات الفلسفة المادية، والسياسة، والأخلاق. وإذا كانت الفلسفة في تلك الأيام موزعة بين المادية والمثالية حسب قول لينين: الفلسفة حزبية إما مادية أو مثالية، فحينها يمكننا اعتبار هوبز فيلسوفاً مادي النزعة، كما أنه اهتم إلى جانب الفلسفة، بالهندسة، والتاريخ، بينما اعتبره البعض المؤسس الحقيقي للسياسة في أوربا خلال القرن السابع عشر الميلادي.


وفي مسيرته العلمية كان هوبزيركز على تطوير كاريزما العقد الإجتماعي الشهير الذي كانت الفكرة المحركة للثورة الفرنسية ذاتها عام 1789م والتي أدخلت البشرية بشعاراتها في المساواة والحرية والعدالة إلى عصر جديد اتسم بالحداثة السياسية، وكان في سيمات الرجل شيء من ملامح التسامح المسيحي إذ دعا إلى التسامح ونبذ العنف والتعايش السلمي في المجتمع.
وحول العقد الاجتماعي والسلطة، رآى هوبز أن الإنسان تحركه دوافع الخوف من المجهول، والطموح نحو المستقبل، والقلق على نفسه ومصالحه، بالإضافة إلى أنه في تنافس دائم على المصالح مع الآخرين، لذلك لابد في هذه الحال من اندلاع حروب طاحنة بين الأفراد والشعوب. فكان وجود الدولة ضرورياً لحفظ المصالح والأمن والسلم. ومن هنا فقد برر هوبز الحكم المطلق، وللحاكم الحق في تحديد حتى القيم الاخلاقية والدينية. مقابل تحمله لمسؤولياته عن حماية المجتمع والملكية وفض النزاعات بين أفراده. وبهذا يمكن أن نحكم على هوبز بأنه يراوح بفكره الفلسفي، بين نظرية العقد الإجتماعي والحق الإلهي المقدس للحاكم.
وكان الإنسان في مرحلة الهمجية يرى أن كل ما في هذه الدنيا هو ملك له ويرى فيه حقه الطبيعي، وكان يعيش فوبيا الآخر وفي حالة قلق دائم، لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه بعد ولا يمكنه أن يضمن وسائل معيشته وحاجاته بالشكل الأمثل، وبالتالي هو معرض على الدوام للغزو والسلب و النهب من قبل الآخرين، وذلك لعدم وجود قوة خارجية توقف الغزوات والحروب المستمرة على المغانم والمكاسب، فالإنسان ذئب الإنسان حسب قوله. ومن هنا لجأ هوبز إلى مقولة التعاقد الإجتماعي، وضرورة أن تكون هناك قوة خارجية تحمي الفرد وممتلكاته من جشع الآخرين وسطوتهم، وهذه القوة تتمثل دوماً في سلطة الدولة اللوفياثانية الأثيرة لديه. ويكمن الفرق بين هوبز وغيره من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، في أن الآخرين يعتبرون أن الأفراد يجبرون الدولة على إعطائهم الحرية والتمتع بحقوقهم كأفراد، بينما يرى هوبز أن الضرورة تفرض على الأفراد نوعاً من التنازل عن حقهم الطبيعي من خلال العقد الإجتماعي ذاته مقابل ضمان الأمن وحماية حقوق الملكية. كما يكمن الفرق بينه وبين الفلسفة الأوجلانية حول ظاهرتي السلطة والدولة، حيث رأينا هوبز يؤيد السلطة المطلقة أو السلطة الإلهية للحاكم، أي أن كانت مشكلة السلطة هاجسه الرئيسي، حيث كان يطالب بضرورة خضوع المجتمعات للسلطة وعدم العودة إلى مرحلة ما قبل المجتمع أو الحالة الطبيعية التي تغلب فيها العاطفة على المنطق وضرورة اللجوء إلى استدلالات عقلية، فالحالة الطبيعية أو الحالة الأصلية تحرم المجتمع حقه الطبيعي من الوصول إلى المجتمع المدني، وأن وجود الدولة ذات السيادة المطلقة هو ضمانة لعدم الإنزلاق نحو حالة (الفلاش باك) بلغة النقد الأدبي أو النكوص نحو الهمجية أو ما قبل المجتمعية. بينما العقد الاجتماعي هو الضمانة لوصوله إلى حقه الإنساني والاجتماعي إلى المجتمع المدني. وهذا بخلاف ما يراه أوجلان من أن السلطة الدولتية القوموية بشكلها المطلق مناهضة لحقوق الأفراد والمجتمعية أو المجتمعات الطبيعية التي تخلو بالأساس من كل أشكال ما يعرف بالسلطة الدولتية، حيث أن الدولة شيء لا وجود له على أرض الواقع، بل هي كيان مصطنع جاء مع النظام الرأسمالي منذ القرن السادس عشر لخدمة الإحتكارات الرأسمالية بالدرجة الأولى، وهي الفكرة الأصح في هذه الحال بين توازنات مقولة العودة إلى المجتمع الطبيعي والمجتمعية الأوجلانية، وبين السيادة المطلقة للحاكم وطغيان السلطة الاستبدادية للدولة الهوبزية. 
. كما ركز هوبز على فاعلية قانوني الطبيعة، الأول، هو سعي الإنسان إلى السلام لأنه أضمن لحياته ومصالحه، والثاني، هو أن للإنسان الحق في أن يدافع عن نفسه بالسلاح وبغيره وبكل السبل والوسائل. وفي هذا المنحى كان لا بد لهوبز من أن يسعى نحو تطوير السلوك البشري نحو الافضل، أو نحو الإيثار وامتلاك روح التضحية والبذل، أي التوجه نحو تغيير ذهنية الفرد وتشكيل سلوك متطور يخفف من ارتباط الانسان الزائد بمصالحه المادية أو الذاتية، حيث أثبتت السلطة الليبرالية عن عجزها عن تحقيق مثل هذا السلوك، لذا علينا توجيه الإنسان نحو شيء خارج عن ذاته وتوجيهه نحو المثل العليا،  حتى يمكنه التضحية بمصالحه الذاتية ونبذ الأنانية في سبيل مباديء وأهداف أسمى، ورآى في الدين هذا المثل الأعلى وهو القادر على تشكيل السلوك البشري من جديد. 
وربط هوبز بين الأخلاق البشرية والمجتمع الآني الذي يعيش فيه، أي ليس هناك أخلاق دائمة بل أخلاق (دياكرونيكية) أوفي حالة من السيرورة مع المجتمع الآني الذي تواكبه. وعلى الإنسان في مجتمعه أن يطيع أولي الأمر وهو بذلك يعطي المبرر لكاريزمية السلطة في حالة شبيهة بالمفهوم الاسلامي للحكم. ومن جانب آخر فهو يرى أن المجتمعات غير قادرة على العيش بدون السياسة والاخلاق، إذ عن طريق السياسة يستطيع الناس التفاعل فيما بينهم وإدارة أنفسهم حسب متطلباتهم الحياتية، وبالأخلاق يمكن التعرف على الطبيعة البشرية والتعامل معها بما هو أفضل، وهنا يتشابه المفهوم الهوبزي مع النظرة الفلسفية الأوجلانية القائلة بضرورة الأخلاق والسياسة في المجتمعات البشرية. 
لكن فكرة الدولة عند هوبز ترقى إلى الحالة الإستبدادية، أي أن دولته العتيدة كلية القدرة وهي فوق القانون وحتى فوق الأخلاق والسياسة. بخلاف ما هي عليه عند أوجلان الذي يرى في الدولة القوموية إلهة أرضية طاغية تخدم المصالح الرأسمالية الاحتكارية كما رأينا، رغم ما يرى فيها بعضاً من الجوانب الإيجابية كالجانب الخدمي مثلاً. وبهذا الشكل أعطي هوبز المبرر للدولة القوموية بكبت حريات الأفراد ونشر العنصرية والاستبداد والكراهية بين البشر، تحت مسميات العقد الإجتماعي وتنازل الأفراد عن بعض حقوقهم للوفياثان الدولة القومية بكل طغيانها وشقاوتها ومساوئها.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات