القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: موسم الهجرة إلى* الجهات الخمس..!

 
الأحد 07 ايلول 2014


طفل صغير
طفل مذعور
سقط في المنعرج الجبلي
سقط ، وهو هائم على وجهه
لا أحد يعلم
أين أبواه
أين أخوته
أخواته
أصدقاؤه
طفل صغير..


صغير كصباح
كبير كمأساة
عال كذروة
لايعرف أين هو
طفل في التاسعة من عمره
وسادته حجر
سريره حجر
ولحافه السماء
شفتاه متيبستان 
على زبد
على حلم
وصورة ملك طاووس
كل شيء تركه وراءه
لعبته
وبيته
ورائحة شجرة الدار
داره التي تهدمت
ولا يعرف في حلمه الكابوسي
من تحت أنقاضها
طفل صغير
نام في بيته
واستيقظ
كي يكون
مشروع لاجىء
مشروع ذبيح
"مقطع من مشاهدات شاعركردي"

نم
يابنيَّ
نم
قتلوا أباك
فلتفدك أمك
بروحها...!!
"من أغنية تراثية كردية"

إبراهيم اليوسف

ثمة قصص كثيرة، يرويها الفارون من بين فكي وحش الحرب على من هم روح العراق، وعراقته، ووجهه الأصيل،: مسيحيوه، صناع الحضارات، وكرده الإيزيديون، وشبكه، بل وكرده جميعاً، وهي حرب مسعورة من شأنها أن تبتلع الأخضر واليابس، في آن، فلا منجى منها البتة، لأنها تجهز على مكونات المكان كلها، لاسيما أن أوارها يضرم على أيدي وحوش، في أشكال آدمية، بلا ضمائر، بلا أحاسيس بشرية، لا فرق لديها بين أحد وآخر، في نهاية المطاف، وإن استقوت على أبعاضهم، في إطار ابتلاع نفسها، وفق ترسيمة خارج إرادتها، مادامت أنها ليست أكثر من كائنات هلامية تسير عبر مشيئة حبر أجندات وخطط ريمونت كونترول بنوك الجهات المجهولة المعلومة.

وليس أكثر مأساوية من هذه القصص اغتصاب كريمات عائلة إيزيدية أمام أبيها وأخوتها، وهم مربوطون، ومن ثم قتلهم أمام أعينهنّ، حتى وإن كانوا اضطروا إلى إشهار إسلامهم، كراهية، قبل أن يقدن إلى سبيهن، شأن الأم التي يُرمى وليدها بعيداً عن صدرها، دون أن تعلم مصيره، وهي في مسباها المجهول، في انتظار بيعها في سوق الرقيق، مادامت فائضة عن حاشية بلاط خليفة الإرهاب الذي يستعرض فحولة زبانيته الأمراء مع أجساد الحرات، الكريمات، تاركاً بعضاً منها في ذاكرة هاتفه"الثريا"، معتبراً ذلك من صلب رسالته الملتبسة.

أجل، القصص كثيرة، أصعبها ذلك المسير الماراثوني من قبل الأسر المنكوبة، وهي تتجه إلى الجبال، هرباً من بطش أزلام داعش، وهم ينكلون بالضحايا، حيث يزداد عمق الجرح، ويزداد الألم به، مادام هناك من أبناء الأسرة من هو في قبضة هؤلاء الوحوش الكاسرة، أسرى ومسبيين، بما يجعلنا نخفف من وطأة ومرارة وشراسة وعورة الدروب الجبلية، وطول الطريق،الذائب في السراب واللهاث، وحرارة الطقس، وانعدام ماء الشرب، بل والرغيف، لاسيما أن ذلك استغرق بضعة أيام، متمسكين ولوبمجرد خيط واه من أمل بالخلاص، في إطارغريزة الحفاظ على الوجود، وهوالحفاظ على الحياة....

من أصعب الحكايات التي رواها بعض الإيزيديين، أنهم اضطروا وحرصاً على حياة أطفالهم الصغار أن يفتحوا شرايينهم، أو أوردتهم، لافرق، كي يسقوا أطفالهم من دمائهم، لئلا يموتوا، وهذا ما يكاد يشبه الخرافة، ويذكر بقصص مأساوية كردية جرت أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما تمت إحدى أكبر هجرات القرن الماضي، من وان، تجاه المناطق الأكثر أماناً.


وللحقيقة، ثمة ما يُتوئم سهل نينوى، وسنجار، من خلال الجراحات المثخنة في جسد أهل المكانين، لاسيما المسيحيون، والإيزيديون، إضافة إلى الشبك، فقد كان صيف 2014، جدّ دمويٍّ، وجدّ عاصف، بحق هؤلاء جميعاً، منذ أن سقطت الموصل في أيدي داعش، وهروب الجيش العراقي الذي كان قد نقل للتو عتاده العسكري إلى هذا المكان، بعد أوامر من حكومة المالكي، وكأن ما جرى ليس إلا عبارة عن عمليتي"تسليم" و"استلام" بين داعش وهؤلاء، ولقد كان الأمر ملفتاً، في عرف أبناء الموصل، وما يحيط بها من سهل نينويٍّ شسيع، ما أدى بأبناء المكان أن يستغربوا، وهم يقولون:"ما الذي حدث؟" أي تواطؤ يتم جهاراً نهاراً.؟"، بل أية حكومة هذه التي لا تملك ذرة ضمير مادام أن مئات الأبرياء من جنودها الذين لم يفهموا اللعبة ووقعوا في الأسر تم إعدامهم على أيدي هؤلاء الغزاة، من دون أن يرفَّ جفن لها؟"، ولا تزال رسائل محافظ الموصل أثيل النجيفي التي أرسلها من هاتفه النقال إلى وزير الدفاع يطلب منه التحرك السريع، لأن همجيي داعش في الطريق إلى مكانهم، بيد أن هذه الرسائل لا تلقي الاهتمام، وكأن لسان حال الوزير"ماكو أوامر...!" وتتعزز الصورة أكثر من خلال اعترافات د. فؤاد حسين رئيس ديوان الإقليم الذي يؤكد أنه اتصل بصديقه ونظيره، طارق نجم مدير مكتب المالكي، كي يعلمه بالخطر المبيت ضد الموصل، ويدعوه مع وفد خاص إلى هولير للتحرك السريع، حيث رد عليه:" أنتم دبروا الأمور في الإقليم، ونحن نتدبره في بقية مناطق العراق"، بل وأن حكومة المالكي كلفوهم لحماية عرب وكرد و تركمان كركوك و أنهم لم يدخلوها، دون التنسيق مع بغداد، إذ يبدو أنه رغم أننا نعيش في عصر ثورة المعلومات، والإعلام، إلا أن أسراراً كثيرة تتم، من دون أن نعلم....!!!.

بعد رحلة يوم واحد، يفاجىء علي غيدان قائد القوى العراقية في الموصل ونائبه عبود كنبر جبارياور وكيل وزارة البيشمركة، قائلاً:" نحن في الطريق إلى هولير، دلونا" فيتم ذلك، ويوعز إلى البيشمركة لاستقبال من معه، ليتم نقلهم بوساطة طائرة إلى بغداد، في اليوم التالي، حيث يأتي هروبه، بداية للنزوح الجماعي.

نحن هنا، لسنا أمام ريبورتاج صحفي-فحسب- ولاعن أمام عرضحال، بالتفاصيل الصغيرة والدقيقة لما جرى في مدينة عريقة، يعيش فيها العربي إلى جانب الكردي، والمسيحي مع الإيزيدي والشبكي والمسلم وغيرهم، وفق عقد روحي متفق عليه، لولا فساد السياسة، والمصالح، استطاع هؤلاء جميعاً صياغته على مدى التاريخ، رغم ما سيشوب صفو مثل هذه العلاقة على أيدي هذا القائد الظالم، أو ذاك، ممن زرعوا الريبة، بين بعض مكونات المكان، وإن راحت حكمتهم تتغلب عليها، ليصوغوا دستورهم الخاص، بما لا علاقة لدستور المركز به البتة. أجل، لسنا إلا أمام فيلم حقيق، فيلم واقعي، يكاد ينتمي إلى الواقعية الخرافية، وهي الواقعية التي قد يصطلح عليها،في ما بعد المرحلة السحرية، لأنها تكاد لا تصدق.

مكبرات الصوت في جوامع المكان، تعلن النفير، وأصوات النواقيس تختنق، وسط فحيح الكربون الذي يسبق الديناميت، وهو يحول جماليات الكنيسة إلى مجرد أنقاض، تتضارب جدرانها ببعضها بعضاً، تلتقي هندسة بلاطات الأرضية، بزخرفات السقف، والجدران، بل تنسف النوافذ الأبواب، وتحترق طبعات الأناجيل، كما المخطوطات، والتحف، وسيرة المكان، مادام حارس المعبد، وهو يحرس رائحة آبائه، وصليبه، منذ ما قبل الإسلام بمئات السنين، يترك داره، وما فيها، من ذكريات وأثاث، وراءه، بعد أن يخضع لتدرجات حبر التصنيف الداعشي، كي يولي الديارالأدبار، متوجهاً صوب إقليم كردستان، حيث يطمئن فيه إلى أهله هناك.

المشهد ذاته، يتكرر مع الشبكي، حيث تنوس تغريبته بين بغداد، وإقليم كردستان، مادام أنه يتوزع بين الإحساس إلى انتمائين، أحدهما عربي، والثاني كردي، وهو ما لا نتوقف عنده، لفحص أحماض أرومة المظنة، في هذا المقام، لاسيما عندما نعلم أنه إذا كانت هولير، وبقية خرزات عقدها، المنتظمة في خيطها الكردستاني مابين زاخو، ودهوك، والسليمانية قد استقطبت مليوناً ومئتي ألف نازح، فإن من أعداد الكرد من بينهم لا تتجاوز الثلاثمئة ألف كردي لاجىء من المكان المعروف ضمن خريطة سوريا، ناهيك عن حوالي مئتي ألف إيزيدي، ليكون من تبقوا، بعد حصيلة هذا الجمع، والتقسيم، عرباً، ومسيحيين.

صحيح، أن هؤلاء الذين رفضوا تقديم الجزية، وفروا بأرواحهم، دون أن يحمل أحدهم ، من أملاكه، وأمواله، سوى ما يرتديه من ملابس، ولم يسمح لهم بإخراج حتى مراكبهم، ما جعلهم يقطعون مسيرة ما لا ينتهي من أميال اللهاث والتعب، على أرجلهم، ومن بينهم الأطفال، والشيوخ، بيد أنهم كانوا أكثر طمأنة، ممن سيكرر هذه التغريبة-وهم جيرانهم الإيزيديون والشيعة- الذين استشعروا خطر داعش، ولاذوا بأرواحهم من الموصل، من دون أن يكون في بال أحد أن سنجار/شنكال، ستكون الهدف التالي لداعش، بل وبهذه الفجائعية، والوحشية، والبربرية.

ثمة من قصد من مسيحيي الموصل أهله في إقليم كردستان، وثمة من لم يكن له أقرباء يحتضنونه، فكانت حكومة الإقليم عنوانهما، هذه الحكومة التي تعرفت على أول دفعة من اللاجئين إليها، منذ انتفاضة الثاني عشر من آذار2004 في سوريا، حين لاذ بها حوالي بضعة آلاف من الكرد، بعد أن انتفاضتهم تلك، خشية انتقام النظام الدموي الذي راح يلاحق نشطاءهم..!.

مخيمات عديدة، أقيمت، في إقليم كردستان، وأشهرها مخيم دوميز الذي أعد، مع تقاطر الآلاف من الكرد بعد الثورة السورية، لاسيما بعد الحصار، متعدد الوجوه، لمناطقهم، و هو ما كلف الإقليم الكثير، لاسيما أن نزوحهم من الشطر الكردستاني الغربي إلى الشرقي، جاء، في الفترة الأكثر حرجاً في تاريخ الإقليم الذي يعيش تحديات كثيرة، وسبب هذا الحرج، أن رئيس الحكومة المخلوع-أي المالكي- أصدر قرارات عدة، من أجل حصار الإقليم، ما أثر على مستوى الحياة فيها، إلى درجة تعثر سداد رواتب موظفيه، وجاء نزوح ما يقارب ربع مليون كردي من مناطق كوباني وعفرين وقامشلي ليشكل عبئاً كبيراً هناك، وقد تم صرف حوالي خمسين مليون دولار على آلاف الأسر اللاجئة، بعد مرور سنتين-فقط- على احتضان هؤلاء اللاجئين، من دون أن تساهم المنظمات الدولية إلا بنسبة لاتصل إلى العشرين بالمئة نفقاتهم، ومن دون أن تؤدي حكومة المركز واجبها، تجاههم، رغم أن رئيس الحكومة المالكي-نفسه- كان لاجئاً في سوريا، وكانت أعداد العراقيين اللاجئين في سوريا قد وصلت أربعة ملايين شخص، ومنهم الكثيرون لما يزالوا هناك، رغم هجرة بعضهم، بسبب تدهور الوضع الأمني في سوريا، لاسيما في ظل ظروف الحرب.

تحدث كثيرون من أبناء الموصل" ومنهم بعض العرب الذين تركوا بيوتهم كما كتب عن ذلك الناقد الدكتورمحمد صابرعبيد"ابن الموصل" في ملحق النهار، واصفاً رحلته وأسرته صوب دهوك، ومنها إلى تركيا"، حيث اضطروا لترك ديارهم، والنزوح الجماعي، ليكون مصيرهم متشابهاً، حيث تتم رعاية الذين لاحيلة لهم، من إمكان تأمين الإقامة، عبراستئجار بيت، أواللجوء إلى أحد الأقرباء أو المعارف، وإن كان العيش في المخيم، لاسيما من قبل من اضطر لترك بيته المجهز بكل أثاثه، ولوازمه، وحاجاته، جد صعب، حيث استقبال مئات الآلاف، على حين غرة، مفاجأة، صادمة، تلكىء -حتى من هم من عداد أكبرالدول- عن تأمين كل شيء دفعة واحدة،للاجئين إلى بلدانهم، حيث هناك قائمة الأولويات: الأمان، والماء، والرغيف، والدواء، ربما قبل مولدات الكهرباء، والمراوح، وأجهزة التكييف، أوالحمامات-رغم ضروريتها- إذ أن توفيرها سيكون جد صعب-دفعة واحدة- لاسيما أن القاسم المشترك بين مكاني اللاجىء: قديمه، وجديده، هوارتفاع مؤشرالحرّ والقرّ، صيفاً وشتاء، من دون رحمة، ناهيك عن مفردات عوامل الطبيعة، من مطر، وثلج، وعاصفة، ورياح، إذ لا يمكن الاستعداد لمواجهتها، إلا في ظروف الاستقرار.

من حق اللاجىء- وقدتم الاحتفال بيوم اللاجىء العالمي في أواخرحزيران الماضي" أياً كان- أن يستشعر بهذه المفارقة، وهي مفارقة من الممكن فهمها عند إعمال الحكمة، بيد أن المسافة تظل شاسعة بين حياتي: البيت الأول، ومخيم، الملاذ، كما أن هناك من يتفهم هذا التحول الكبير الذي طرأ على حياته، عندما يلاحظ أن أولويات قائمة الضروريات متوافرة، وأن لا راحة له، إلا أن يعود إلى رحابة منزله، مرة أخرى، هذا المنزل الذي يحتله الغرباء، وقد يكون من عداد ثكناتهم، أو مواخيرهم، أو دور فتاويهم الهزلية التي تفتقت قبل أيام عن تحريم تناول"المخلل"، كما أنها تفتقت من قبل عن تحريم تناول الهمبرغر، أو"الكباب" أو"الكنتاكي"أوحتى"البقلاوة"..!

منذ أن تم غزو الموصل، بدأت رحلة النزوح الجحيمي، من قبل مسيحيي المكان، حيث يقبل قلة منهم، وهم أصحاب المصالح بأن يتعامل معه على مبدأ"أهل الذمة" ويدفع الجزية، وهناك من يولي وجهه صوب مناطق سكنى المسيحيين في" عينكاوة" وغيرها، حيث الأمان هناك، وهو ما يدفع بالناطق الرسمي باسم الحزب الوطني الآشوري ماجد إيليا، وبعد هزيمة الجيش العراقي أن تحل البيشمركة مكانه، في سهل نينوى لحمايتهم من داعش. ويزيد على ذلك القس يوسف ياقوراعي كنيسة ماريث آلاها الكلدانية، قائلاً:" يومياً نستقبل الآلاف، اللاجئون بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وهناك حوالي خمسمئة أسرة سكنت المركز الثقافي..!

أعداد مسيحيي العراق كانت تصل المليون ونصف المليون شخص، حسب إحصاءات ثمانينيات القرن الماضي، بيد أن أعدادهم تقلصت تدريجياً، بسبب دكتاتورية النظام الدكتاتوري الصدامي، بعيد حربي الخليج الأولى والثانية، ولم يبق منهم إلا مئات الآلاف الآن، حيث هاجر أكثرهم إلى أوربا، وكان أول استقبال رسمي لهم- بعيد غزو الموصل- من قبل وزير الخارجية الفرنسي" لوران فابيون في مطار باريس، الذي أكد أنهم سيستقبلون بضعة آلاف آخرين منهم، وهو أمر مقلق حقاً، لأن المنطقة باتت تفرغ من مكوناتها الأصيلة: لاسيما المسيحيون، ديانة المكان الأصيلة، والقديمة، و"الطائفة" الثالثة بحسب الاصطلاح الديموغرافي، إضافة إلى الإيزيديين وهم يحتلون المرتبة الرابعة من حيث ديانتهم، والثانية على اعتبارهم من الكرد الأقحاح، ناهيك عن الكرد الذين يتوزعون بدورهم في مهاجرالعالم، بل والشبك وغيرهم. وقد طالب بعض مسيحيي نينوى بأن تكون لهم"محافظة"خاصة بهم، ما أزاد من مخاوف بعض الذين يتوجسون من التعددية، ويرون فيها خطراً على وحدة هذا البلد، و كان الكاتب البرلماني الكردي مؤيد طيب أحد الذين رأوا ضرورة هذا المطلب، لأن في تحقيق التعددية غنى للعراق كله.

واتَّخذ حوالي خمسة وتسعين ألف مواطن من الشيعة والتركمان من منطقة سنجار ملاذاً لهم، منذ غزو داعش لمناطقهم، وقدتم استقبالهم، رغم تردي أوضاع المنطقة، بسبب الظروف التي مروا بها، وتبعيتها حتى الأمس القريب إلى حكومة المركز، بيد أنهم سيضطرون لمغادرة المكان مع الإيزيديين أثناء محنتهم الكبرى. وصرح د. فؤاد حسين، رئيس ديوان الإقليم"أن أعداد اللاجئين، بعد غزوة داعش وصلت إلى المليون ونصف شخص، من العرب، والمسيحيين، والشبك، والإيزيديين"، إضافة إلى حوالي ربع مليون كردي من غربي كردستان لجأ إلى الإقليم منذبداية الثورة السورية وحتى الآن، وهو رقم كبير، ومن بين هؤلاء اللائذين بهذا المكان، حوالي عشرة آلاف عائلة من الأنبار، فروا بسبب اشتداد المواجهات، ونقص الكهرباء، يقيمون في منطقة شقلاوة، وتقدم لكل أسرة من ميزانية الإقليم حوالي مئتين وخمسين دولار شهرياً، وهو مبلغ قليل، إذا قورن بارتفاع آجار البيوت بالنسبة لمن لايلجأ إلى المخيمات، وقد قدم لهم ما يلزمهم من "بطانيات" ومواد تموينية، وغيرها من الحاجات الضرورية، ويرون أن من أول المصاعب "تأمين السكن"، وانقطاع أبنائهم عن الدراسة، في أماكنهم، بسبب الظروف التي مروا بها، كما أن عدم إتقانهم للكردية يسبب لهم عدم المقدرة على التواصل مع المحيط الكردي، بالشكل المطلوب.

رغم بعد سنجار مئة وأربع عشرة كيلومتر عن الموصل، من جهة الغرب، إلا أن حوالي ستمئة مركبة تقل سفاحي داعش فاجأوا أهلها، في تمام الساعة الثانية ما بعد منتصف1-2 من آب الجاري، إذ احتلوا بعض مجمعاتهم السكنية التي تقع بالقرب من مناطق لبعض القبائل العربية التي احتضن بعضها مسلحي داعش، لينتشر الخبر بسرعة البرق عبر الهواتف النقالة: داعش ترتكب مجزرة بحق الإيزيديين، ما يربك الأهالي الذين سرعان ما يتركون ديارهم، لاسيما إثر انتشار أخبار أخرى"إنهم يغتصبون النساء" ويسبوهن، ويعدمون حتى من يدعي تبديل دينه، معلناً إسلامه، كما سيحدث مع مئات الأسر المتبقية التي تنقل إلى تلعفر، ويتم ذبح الرجال، والأطفال، وتوزيع النساء إلى ثلاثة أماكن، بحسب أعمارهن. ويؤكد د. فؤاد حسين أنه لم يكن في إمكان داعش النجاح في الوصول إلى سنجار، لولا أن العشائر المحيطة بسنجار انقلبت على الكرد، وشاركت في الهجوم، بغرض نهب البيوت، وسرقتها، بل والمشاركة في سبي النساء.

لم يخطىء مؤلفا"لا أصدقاء للكرد سوى الجبال" هارفي موريس وجورج بلوج، في عنوان كتابيهما/العبارة التي أصبحت مثلاً يضرب به، أنى ذكرت معاناة الكرد، لأن عوائل الإيزيديين، استطاعت أن تمضي صوب جبل"شنكال" تتسلقه، وتمضي في متعرجاته، وهو عمل مضن، ليتحصنوا هناك، وهم بالآلاف، وإن كانت داعش تبث عبر مكبرات الصوت"لقد استرجع البيشمركة سنجار"، أو"ليعد المدنيون إلى ديارهم آمنين"كي يتخذوهم دروعاً بشرية، لاسيما عندما تتعزز قوات البيشمركة، لمقاومتهم، وليواصل هؤلاء السير، على غير تعيين، يواصلون الليل بالنهار، تجاه دهوك، كي يتيه بعضهم، ويظهر في حدود غربي كردستان، وليتم استقبالهم من قبل الاتحاد الديمقراطي وقوته العسكرية في معسكر"نوروز" في ديرك، أو ليتوزعوا في مناطق سكنى الإيزيديين في تربسبي- قبورالبيض وقراها:تل خاتون، آله رش، أوتلجه...، بل وليصلوا إلى ريف عامودا، أومن يتم استقبالهم في معسكر الهول، ليحاول النظام السوري أن يبيض صفحته، من خلال إيوائهم في هذا المعسكر.

صحيح، أن أمريكا التي قامت بمشاركة قوات البيشمركة جواً من خلال الشروع بقصف مواقع داعش التي امتلكت أسلحة ست فرق عسكرية عراقية، ولم يكن في المقابل لدى هذه القوات سوى الأسلحة الدفاعية، تأخرت، طائراتها حوالي أسبوع، في أداء الواجب الإنساني الذي كان يفترض أن يبدأ منذ اللحظة الأولى من بدء مجزرة سنجار، لكنها، أنقذت آلاف الأسرة العالقة في الجبل، بل رمت لهم ما يلزمهم من ماء وطعام، بعد معاناتهم طوال تلك الأيام الأقسى في حياتهم، وبينهم أطفال وشيوخ، يتم الحديث عن موت كثيرين منهم إلى تلك الدرجة التي يحكى فيها أن بعض الجثث لما تزل مبعثرة على الدروب والطرق الجبلية، لم يتم دفنها، وتنهشها الوحوش. لكن ضخامة أعداد اللاجئين إلى الإقليم شكل إرباكاً لقيادته، ما دعا نيجيرفان البرزاني رئيس الحكومة للقول:"ما حدث فوق طاقتنا"، وهو حقاً كذلك، لاسيما عندما نعلم أن دولاً قديمة كلبنان، وتركيا، والأردن من الجوار السوري أعلنت عن عجزها عن توفير سبل الإغاثة، واستنجدت بالهيئات الإغاثية الدولية من أجل ذلك.

ثمة ظروف قاسية يعيشها اللاجىء-أياً كان- و-أينما كان-لاسيما بعد صدمة اضطراره لترك دياره، وبيئته، إذ سيعيش في ظل علاقات جديدة، حيث يعيش في دهوك وحدها حوالي سبعمئة وخمسين ألف لاجىء- والرقم في ازدياد- ثلاثمائة ألف منهم من سنجار، و مئتان وخمسون ألفاً منهم من شيخان وتل كيف، وثلاثمائة ألف منهم من الشبك "الشيعة"، غادروا ستاً وخمسين قرية من قراهم، ما جعل سلطات دهوك-كما يقول محافظها- تستعين بالمباني الحكومية، والجوامع، والحدائق، لتأمين الإقامة الأولى لهؤلاء الضيوف-ومن أهل البيت-بل إن سبعمئة مدرسة في المحافظة خصصت لاحتضان هؤلاء، ما اضطرهم لتأجيل امتحانات طلاب الصف السادس الابتدائي شهراً كاملاً.

معاناة كبيرة لهؤلاء اللاجئين، لاسيما هؤلاء الذين يعيشون تحت الخيام، حيث حرارة الطقس تبلغ الخمسين درجة مئوية، وحيث هناك خوف من انتشار الملاريا، كما يؤكد ذلك مدير صحة دهوك، الذي يزيد على هذا أن هناك نقصاً هائلاً في بعض الأدوية، لاسيما في ظل اعتماد الإقليم على إمكاناته، مع استمرار تجاهل حكومة المركز عن أداء مهمتها.

الدفعة الأولى من المواد الإغاثية الأمريكية كانت عبارة عن عشرين ألف غطاء، وثلاثة آلاف وثلاثمئة خيمة، وبعض المواد التموينية، ويأتي كل ذلك، ضمن قراري أمريكا والاتحاد الأوربي في دعم الكرد الإيزيديين، في محنتهم، وقد استقبل نيجيرفان البرزاني ايرتارين كوزن، وأعرب عن قلقه حول أوضاع المنطقة، وتوقع تدفق المزيد من اللاجئين إلى الإقليم، راسماً صورة لواقعهم، ودور حكومته، مطالباً حكومة المركز بدفع رواتب الموظفين العراقيين النازحين. 

وشكر المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيرس حكومة الإقليم التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين السوريين والنازحين العراقيين إلى أراضيها، وإن كانت أعدادهم تفوق طاقة الإقليم كما أبلغه السيد نيجيرفان البرزاني عن ذلك. ومن شأن الجسر الجوي الموعود من أمريكا وأوربا لتقديم المساعدات الإغاثية إلى اللاجئين والنازحين، تخفيف معاناة الإقليم التي بلغت ذروتها، ولما يزل اللجوء والنزوح الداخلي في تصاعد لافتين، حيث حجم المأساة كبير، بل كبير جداً..!

*مع الاعتذار من روح الكاتب الراحل الطيب صالح 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 11


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات