القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: الإخوة والمال.

 
الأربعاء 10 نيسان 2013


 بيار روباري 

كنتُ عائدآ من جولة قمتُ بها على الأجهزة ومعدات المحطة الكهربائية التي أعمل بها بنظام المناوبات وكل نوبة تدوم 12 عشرة ساعة عمل أحيانآ تكون المناوبة نهارية وأحيانآ آخرى ليلية. وفي كل نوبة يوجد عدة عاملين كمراقبين للأجهزة للحفاظ على تدفق التيار الكهربائي باستمرار من المحطة للمدينة وتعتبر محطتنا محطة رئيسية من ضمن المحطات التي تغذي مدينة حلب بالكهرباء. ومع دخولي  إلى غرفة المراقبة حيث كنا نجلس مع زميلي أبو أحمد سمعتُ رنة الهاتف الخليوي الخاص بي يأتي من داخل درج الطاولة. لأننا في العادة أثناء العمل نستخدم الهاتف الأرضي الخاص بشركة الكهرباء.


المهم أسرعت الى الدرج وتناولتُ الهاتف دون ان أنظر في رقم وإسم المتصل. فضغطت على مفتاح إستقبال المكالامات وإذ بصوت أخي يرن في إذني فرحبتُ به ومع الكلام إتجهتُ الى خارج الغرفة ورحت أتمشى في الممر وكانت الساعة تقترب من الثامنة ليلآ حسب توقيتنا المحلي .
رد أخي قائلآ: مساء الخير بس ما أكون قد أيقظتك من النوم !
أجبته: لا يا أخي لم أنم بعد، الليلة لدي مناوبة للصبح.
فأجاب: طيب على خير، كيف الصحة والحال وكيف الأهل والأولاد؟
قلت: الجميع بخير لا تقلق من هذه الناحية. وكيف حالك أنت؟
أجابني: الحمد لله إنكم بخير. حالي ماشي الحال فأهم شيئ صحتي بخير.
أجبته: يسعدني سماع ذلك والله يطول بعمرك ويعطيك الصحة على طول.
رد: آمين والله يسمع من فمك.
قلت: الله كريم. إمرني أخي !
قال: إسمع يا أخي جيدآ إذا كان يصلك صوتي بشكل جيد، انت تعلم الإتصال من خلال الخلوي مكلف لذا لا استطيع الإطالة سأختصر الكلام والباقي سنكمله عبر الإيميل موافق؟
قلت: بالتأكيد موافق أخي تفضل إنني في الإستماع.
قال: تتذكر كم مرة تحدثنا حول موضوع شراء سيارة خاصة للبيت؟
قلت: نعم أتذكر.
رد قائلآ: إذا كنت ما زلت ترغب في شراء السيارة، الأن بامكاني ان ارسل لك المبلغ الذي يمكنك من القيام بذلك.
فماذا تقول في الأمر؟
قلت: نعم ما زلت ارغب في شراء السيارة للبيت لأننا حتى الأن بدون سيارة. هذا إذا كان ذلك لا يشكل ضغطآ ماديآ عليك !
فأجابني: لا .. لايشكل ذلك ضغطآ علي. إذآ إتفقنا غدآ الأثنين خلال النهار سوف إرسل لك النقود وسأقوم بالإتصال بك بمجرد ان أقوم بتحويل الحوالة البنكية وفي الليل سوف ارسل للك نسخة عن الحوالة عبر الإيميل كما في المرات السابقة.
1
قلت: على خير وألف شكر سلفآ.
 أجابني قائلآ: إذآ صفي نيتك وتوكل على الله والنقود خلال ثلاثة أيام سوف تكون لديك باذن الله.
اما الشكر فإتركه الى ما بعد شراء السيارة.
تعلم ما عليك القيام به والله يخليك إختار سيارة حديثة من الوكالة وإبتعد عن السيارات الإيرانية التعبانة. نصيحتي خذ سيارة جيكية أو يابانية أو كوريا جنوبية أما السيارات الألمانية فهي غالية الثمن.
قل لريزان ان ينسخ الحوالة لك غدآ ليلآ لأنه يتقن إستخدام الكومبيوتر أفضل منك. وإذا لزمك بعض النقود الإضافية فخذ من نقودي الموجودة لديك وبلغ تحياتي للأهل والصغار جميعآ ووفقك الله.
فما هو رأيك بالذي قلته؟
قلت: أخي أوافقك الرأي لسنا بحاجة الى سيارة غالية ولا سيارة معتة. انا من رأي نأخذ سيارة كورية فأسعارهم  ونوعياتهم معقولين ويبقى السؤال الموديل ومن عند أي وكالة.
أجاب: هذه مقدور عليها فإلى ان تصلك النقود بامكانك القيام بجولة على بعض الوكلات والمعارض ووضع عينك على سيارة معينة. إختار الموديل واللون حسب ذوقك الشصي لأنك انت الذي سيستخدمها ويقودها.
أجبت: وهو كذلك. اتعلم يا أخي كم أفرحتني هذه الليلة بهذا الخبر الله يفرح قلبك ويحفظك من كل سوء.
لقد طولنا المكالمة عليك أليس كذلك؟
أجاب ضاحكن: أيهما أكثر كلفة السيارة أم المكالمة الهاتفية من عدة دقائق؟
قلت: معك حق ومع ذلك لا أريد ان إخصرك المزيد، بامكاننا التواصل عبر الإسكايب والإيميل.
أجاب: وهو كذلك تحياتي وليلة سعيدة.
قلت: مع السلامة ووفقك الله وشكرآ على الإتصال.
بمجرد ان أغلق أخي خط الهاتف سرحت بما قاله وأخذتني الفرحة بعيدآ. في ساعتها كاد الكون كله لم يسعني من البهجة والسرور.
              
في تلك الليلة لم أنم تقريبآ من الفرحة وأخذت صور وموديلات السيارات تتزاحم في دماغي وسيطرة على مخيلتي ولم أصدق متى تشرق الشمس لأذهب الى البيت ومن هناك الى سوق السيارات لإلقاء نظرة عى السيارات وأسعارهم وتحديد السيارة التي يمكن شراءها ضمن المبلغ الذي وعدني به أخي لشراء السيارة.
في الصباح مع حلول الساعة السادسة سلمنا أنا وأبو أحمد المناوبة لزملائنا الأخرين بعض توقيع محضر التسليم والتسلم حسب إصول العمل لدينا. ودعت زملائي وتمنيت لهم نهارعمل هادئ وأخذت حقيبتي ووضعتها في سرج الدراجة النارية وصعدت عليها وأدرت مفتاح التشغيل وإنطلقت باتجاه حي الأشرفية بمدينة حلب حيث بيتي.
خلال خلال ثلاثة ارباع الساعة وصلت إلى البيت رغم إنني توقفت عند احدى الأفران وإشتريت خبزآ ساخنآ وتازة للبيت. وما أن فتحت باب البيت وإذ بشيرين وبريفان ينادون بابا وصل .. بابا وصل وهموا يسرعون بتجاهي فسلمت عليهم وقبلتهم وسألتهم:
متى إستيقظتم من النوم وأين ماما؟
ردت بريفان: أنا من عدة دقائق إستيقظت وماما موجودة في المطبخ تحضر لنا الفطور. تركتنا بريفان عند الباب وأسرعت الى المطبخ لتخبر والدتها بوصولي.
وشيرين قالت وهي تمسك بيدي: أنا في السادسة والربع إستيقظت وبدأت أراجع دروسي وعندما فقت ماما والأخرين كانوا مازالوا نائمين.
قلت لها: الله يعطيك العافية ويوفقك يابنتي. هل إستيقظ أخوك ريزان؟
ردت شيرين قائلة: نعم أبي فهو في الحمام يستحم، اما إخوتي الصغار مازالوا موجودين في الفراش.
قلت: خذي حبيبتي ضعي جنتايتي في غرفتنا من فضلك.
2
ردت شيرين: تكرم أبي.
قلت: الله يكرمك ويحفظك على حنانك وإهتامك بدروسك. أخذت الحقيبة وإتجهت الى غرفة نومنا.
في هذا الأثناء كنت خلعت حذائي ولباس العمل وإرتديت البيجامة والشحاطة وإتجهت باتجاه المطبخ وما رأتني المدام بادرت بالتحية قائلة:
- صباح الخير إبن عمي، إعذرني كنت مشغولة بتحضير الفطور. كيف كانت مناوبتك؟
قلت: يسعد صباحك المناوبة كنت عادية فقط نمت قليلآ.
سألت: ليه شو إلي حدث؟
قلت: ولا شي. انا رايح انادي على الصغار مشان يفطروا معنا.
قالت: حسنآ الصغير صاحي وهو يلعب على الكومبيوتر.
أيقظت أزاد وأسرع مباشرة الى دورة المياه وأنا إسطحبت كاميران معي وذهبنا الى المطبخ سويآ.
جلسنا جميعآ حول الطاولة بعد أن سكبت الحليب للأطفال وسكبت قدحين من الشاي السيلاني ذو النكهة الطيبة لنفسي وللمدام.
قلت: بسم الله الرحمن الرحيم. إتفضلوا الف صحة.
ردوا: على قلبك.
بعد برهة من الزمن قلت الليلة الماضية إتصل عمو سربست من المانيا وسأل عنكم بالإسم وحملني تحياته لكم وإنه بخير وإموره على مايرام. وسأل عن دراستكم كثيرآ وإذا ماكنتم قد تعلمتم إستخدام كموبيوتر الجديد (اليد) بشكل جيد.
شيرين علقت وقالت: إننا بحاجة الى بعض الوقت بعد لإتقان الكومبيوتر بشكل جيد، لأن ريزان لايعلمنا كما يجب !
سألتني بريفان: بابا متى يمكننا الحديث مع عمو بواسطةعبر الإسكايب؟
قلت: عن قريب حبيبتي إن شاء الله.
أثناء الطعام لاحظت إم ريزان تحدق فيني وعلى لسانها كلام ! قلت ماذا هناك، لِمَ تحدقين فيني هكذا ؟
أجابت: اراك في مزاج جيد رغم قولك بأنك لم تنم إلا قليلآ، كيف يساوى هذا مع ذاك ؟!
قلت: عزيزتي سر مزاجي الرائق هو ذاك الإتصال البارحة من أخي.
ردت وأجابت: يا حبيبي هذا ليس اول إتصال من اخاك. هل وجد بنت الحلال ام في الأمر شيئ آخر؟
قلت: شيئ آخر سأخبرك به في الوقت المناسب، لذا لاتستعجلي على رزقك.
قالت: الله يجعل خير.
أجبتها: آمين .. وهو على كل حال خير.
ردت: غدآ لناظره قريب.
قلت: لم يحدث شي بعد حتى أتحدث عنه وبمجرد ان يحدث شيئ سوف أخبرك به. وحسب ظني لن يطول الأمر أكثر من إسبوع زمان أوعشرة أيام ويتضح الأمر.
خلال ربع ساعة زمان كنا إنتهينا من تناول الفطور فخرجت زوجتي الى عملها مصطحبة البنات معها لتوصلهم في دربها الى المدرسة وأنا بقيت مع الصغار في البيت وريزان كان قد سبق والدته في الخروج ذاهبآ الى مدرسته.
قفلت باب الشقة حتى لايخرج الأولاد من البيت وفتحت لهم الكومبيوتر وحضرت العابهم وقلت لهم إذا إحتجتهم لشيئ ايقظوني فأنا ذاهب للنوم لبعض الوقت. قبل ان انام قفلت المطخ  أيضآ ووضعت المنبه على الساعة الحادية عشرة  صباحآ.
نمتُ لبعض الوقت إلا أن الصغار أيقظوني عدة مرات. مرة يريدون ان يشربوا ومرة بسبب خلاف بينهم حول الألعاب. مع رنة المنبه قمت من النوم وتوجهة الى الحمام وبعد الحمام قمت بحلق ذقني وإرتديت ملابسي وقمت بتحضير طعام الغذاء لأبنائي وإنتظار عودة ريزان من المدرسة لكي أترك إخوته عنده والذهاب الى احدى أسواق السيارات العديدة في المدينة والتي قد زرتها قبل ذلك مع ريزان.
3
لكن حينها لم نكن نملك النقود لشراء سيارة ولو حتى مستعملة. يومها تفرجنا على السيارات وعدنا الى البيت بنوع من الحسرة في القلب. الاف السيارت مصطفة بجوار بعضها البعض وكل واحدة أفضل وأجمل من الإخرى وأنت لا تستطيع إمتلاك واحدة منها ولو أقلها سعرآ ونوعية بسبب المادة.

كان الطقس جميلآ والشمس ساطعة وتلمع بكل بهائها وأخذت من كبد السماء مكانآ لها ودرجة الحرارة بلغت ذروتها حسب معدلات المعتادة خلال فصل الخريف من شهر تشرين الأول في السنة. عاد ريزان من المدرسة بينما كنت قد أطعمت الصغار آزاد وكاميران وتناولت طعامي معهم.
قلت لريزان: يا إبني أنا ذاهب الى المدينة وستبقى انت مع إخوتك. تناول طعامك وقم بكتابت وظائفك
ليوم الغد. قلت إخوتك لم يخرجوا من البيت الى الأن فإذا إنتهيت من كتابة وظائفك وخفت الحرارة بامكانك أخذهم الى حديقة الحي وشراء شيئ ما لهم ولكن لا تطول هناك أكثر من ساعة.
لا تنسى أن تكون قبل الثالثة في البيت لأن خواتك سيعودون من المدرسة وليس معهن مفتاح البيت.
سألته: هل معك نقود كافية لشراء شيئ ما لإخوتك؟
أجاب: نعم أبي معي نقود كافية.
قلت: طيب على خير دير بالك على إخوتك وانا ذاهب ولا تنسى إخبار ماما بأنني سأعود قبل العشاء إن شاء الله.
أجاب: حاضر أبي.
حملت حقيبتي وإستلمت درج المبنى بعد ان أغلقت باب الشقة. لم يمرعلى وجودي في محل السيارات إلا ربع ساعة وإذ بهاتفي الخليوي يرن وما أن قلت ألوا، حتى جأني صوت أخي سربست وهو يقول:
- أنا أخوك سربست. كيف الحال؟
أجبته: أهلين أخي أنا بخير وأنت كيفك؟
أجاب: لا أسمعك بشكل جيد تحرك من مكانك أو إرفع صوتك قليلآ.
قلت: حاضر أخي سوف أخرج للخارج حتى آخذ راحتي في الكلام.
سألني وقال: أين انت موجود؟
ضحكت ...
رد معلقآ فهمت أنت موجود في محل السيارات أليس كذلك؟
أجبت: نعم بالضبط.
قال: فيها الخير والله يوفقك في الإختيار. إسمع أخي الحبيب أنا بخير والنقود أصبحت على الطريق. وفي المساء ستكون نسخة عن الحوالة عندكم على عنوان إلإيميل وبامكانك نسخها الليلة مباشرة. ولا تنسى أن ترسل لي صوركم مع السيارة التي ستشتريها بالإضافة الى نسخة عن عقد الشراء ومواصفات السيارة ولاحقآ فليم قصير وانتم تقودون السيارة.
قلت: أولآ تشكر وسلمت يداك وما طلبته هذا أقل ما يمكننا فعله لكَ. على فكرة اللون الفضي يعجبني أكثر من الألوان الإخرى.
أجاب: إختار اللون والموديل الذي يناسب ذوقك، لأنك انت الذي ستقود السيارة وتستخدمها.
 أخي دارا: يجب ان أعود الى العمل لذا إذا كان لديك سؤال ما إسأل قبل أن أغلق الخط؟
أجبت: لا .. ليس عندي اسئلة. شكرآ وعن قريب إن شاء الله سنتحدث معك عن طريق الإسكايب.
أجابني قائلآ: على خير ونهارك سعيد وسلامي للجميع وبالتوفيق.
قلت: مع السلامة .. مع السلامة وأغلق الهاتف.
بعد تلك المكالمة عدت الى المحل للقيام بجولة إخرى على السيارات وهذه المرة بثقة أكبر ومعنويات عالية وإحساس جميل ولم تكاد تسعني الدنيا من الفرحة في تلك اللحظة. أعتقد إن المسافة الحقيقة بين البشر تكمن في المشاعر والمحبة التي تربطهم وليس في عدد الكيلومترات التي تفصلهم عنبعضهما  البعض.
4
بعد جولة جديدة بين السيارات الخاصة والتمعن في الأسعار والمواصفات والمقارنة بين الموديلات والأنواع، قررت بيني وبين نفسي شراء سيارة (كيا- ريو) موديل 2010 صناعة كوريا الجنوبية. لقد وجدتها سيارة معقولة السعر( 700.000 ل.س) أي ما يعدل عشرة ألاف يورو ومن ضمنها تأمين على  السيارة لسنة كاملة مع ضمان ثلاثة سنوات.
إلى جانب ذلك إستفسرت حول موضوع التسجيل وإخراج رقم للسيارة وطلبت من أحد الموظفين كتالوك ولائحة بالمواصفات والأسعار وشروط البيع وأخذتهم معي للبيت لدراستهم بهدوء.
لم يمر سوى عدة أيام حتى إتصلوا بي من البنك المصرف التجاري السوري- فرع حلب وأخبروني بوصول حوالة بنكية باسمي وأخبرني مِن مَن والمبلغ المحول. شكرته على الإتصال سألته عن سعر صرف اليورو حاليآ لدى البنك فأجابني:
- اليورو اليوم عندنا يساوي 70 ليرة سورية.
قلت: سعر جيد.
أجاب: نعم هذا صحيح. إن اردت سحب المبلغ لا تنسى هويتك الشخصية.
قلت: لا بالتأكيد لن أنسى.
أجاب: يومك سعيد.
أجبت: ونهارك أيضآ ومع جزيل الشكر على هذه الخبرية الحلوة.

في نفس اليوم إتصلت بأحد الأصدقاء وطلبت منه ان يرافقني في الغد الى محل السيارات بحكم خبرته ومعرفته الجيدة بالسيارات. بالفعل وافق على ان يرافقني إلا انه إشترط ان يكون بعد الظهر. قلت له لا إشكال في الأمر. إتفقت معه على موعد محدد والمكان الذي سنلتقي به حسب رغبته. واخبرته إن إشترينا السيارة سيرافقني الى القرية فوافق مشكورآ.
في الصباح توقفت في البنك وسحبت المبلغ وقمت بتحويله الى الليرات السورية عند محلات الصرافة لان السعر المعروض عندهم كان أفضل من البنك.
بعد الظهر إلقيت صديق أسعد وإتجهنا الى محل السيارات وقمنا بجولة بين السيارات وأشرت على السيارة التي أرغب في شرائها. أمعن أسعد في السيارة ونظر في المحرك وشاهدها من الداخل وإطلع على المواصفات وتحدث مع احد العاملين في المحل حول شروط البيع وكل الإمور المتعلق بالبيع.
ثم أخبرني برأيه قائلآ:
- السيارة وفق السعر والشروط المعروضة للبيع مقبولة. إذا كنت ترغب في شرائها توكل على الله.
قلت: نعم ارغب في الشراء وأريد هذه السيارة إلا أنهم قالوا لي عندما كنت هنا من عدة أيام بأن اللون الفضي لم يعد يوجد منها وانا كنت ارغب بذاك اللون.
أجابني أسعد: اللون الأسود أيضآ جميل بل حسب رأي أجمل من الفضي ولكن ذلك يعود الى ذوق كل شخص بالتأكيد.
قلت: على خير، توكلنا على الله وإتجهنا أنا والأخ أسعد الى مكتب الشركة الموجود في الطابق الأول للمبنى لشراء السيارة.
وبعد حوالي الساعتين انتهينا من عقد الشراء وكامل المعاملة التمعلقة بذلك مثل عقد التأمين لسنة كاملة وموضوع النمرة وأوراق التسجيل ودفع المبلغ والتوقيع وتسليم السيارة. بعدها بارك لي جميع الحاضرين وشربنا قدح من العصير لكوني لا أشرب الكحول. وإستلمت جميع الأوراق والمفاتيح وحقيبة كهدية. وعندما قمنا بجولة قصيرة بالسارة داخل باحة المحل كان يملكني شعور غامر بالفرحة والبهجة وكدت لا أصدق إن الحلم أصبح حقيقة !
لقد فرح الأخ أسعد كثيرآ وبارك لي في السيارة عشرات المرات مشكورآ.
بعدها ودعنا صاحب الشركة والعاملين فيها وإنطلقنا بالسيارة أنا والأخ أسعد وهو يقود السيارة لأنني لم أكن قد سقت السيارة من قبل.
5
في البداية توجهنا الى إحدى الكازيات (محطة البنزين) وقمت باملاء ضبو السيارة بالبنزين وقمت بشراء بعض الزيوت والأشياء الضروية للسيارة. قبل ان ننطلق من جديد إتصلت بالبيت وطلبت منهم بأن يحضروا أنفسهم لكي نسافر الى القرية لأن عطلة نهاية الإسبوع قد حلت.
قالت إم ريزان: نحن تقريبآ جاهزين.
أجبتها: هذا جيد.
سألتني قائلة: إبن عمي أين انت الأن ومتى ستعود الى البيت؟
قلت أنا حاليآ موجود في المدينة وحوالي ساعة زمان سوف أكون في البيت وفي الحال سننطلق الى القرية.
قالت: طيب نحن بانتظارك.
قلت: الى اللقاء.
ردت: مع السلامة.
قمنا بجولة بالسيارة في منطقة هادئة وقليلة المرور في أطراف المدينة وقمت أنا بقيادة السيارة وجلس أسعد بجواري محاولآ مساعدتي وتشجيعي أثناء السواقة وكنت أقود السيارة بهدوء وقليلآ من الخوف. عندما جلست خلف الموقد كان شعوري لا يوصف وخاصة السيارة حديثة وموديل نفس العام.
وأول ما جلست سميت باسم الله وشكرت أخي ودعوت له بالخير والصحة وترحمت على والدي رحمه الله. علق الأخ أسعد وقال:
- صدقني قليلون من هم من طينة أخوك فإحمد ربك الذي أنعم عليك بمثل هذا الأخ ولا تخذله.
أجبته: صدقت يا أخ أسعد. فعلآ أخي سربست من طينة خاصة ونادرة في هذه الأيام. إن شاء لن أخذله يومآ وهذا وعد امام رب العالمين وأمامك.
قال: أتمنى ذلك وإلا ستخصر أخاك نهائيآ.
قلت: لن يحدث ذلك بإذن الله.
بعدها إتجهنا نحو حي الأشرفية حيث بيتنا وتوقفنا عند الفرن الألي القريب من الحديقة وطلبت من أسعد
البقاء في السيارة وأنا سأذهب الى البيت لجلب العائلة والحقائب لنجعل لهم مفاجئة سعيدة فوافق على ذلك وقلت له لن نتأخر كثيرآ عليك.
من الفرحة والسعادة لم تكاد قدمايا تلامسان الأرض وأنا أقطع الشوارع المؤدية إلى بيتنا في إحد البنايات العادية العديدة التي يتشكل منها الحي والذي يسكنه غالبية كردية والذي يقع على قمة هضبة عالية في المنطقة الشمالية من مدينة حلب. كان شيئ في تلك اللحظة جميلآ والناس سعداء هكذا بدى لي وإنتابني شعور بأن كل الناس تشاركني فرحتي.
لا أدري كيف وصلت إلى البيت وصعدت الدرج وبذلت جهدآ كبيرآ لكي لا أفشي وأحرق المفاجأة. 
فتحت الباب وناديت: يا أولاد هل أنتم جاهزون؟
ركض الصغار نحوي سلمت عليهم وإتجهت الى الصالون فألقيت بالتحية على البنات وريزان وولداتهم.
ردوا التحية بالمثل وقالت زوجتي:
- شو تأخرت وين كاين الى الأن؟
أجبتها: كنت في المدينة مع أحد الأصدقاء وإعذروني إن كنت قد تأخرت عليكم بعض الشيئ.
قالت: حصل خير.
سألني ريزان: أبي ماذا حدث بشأن السيارة؟
قلت: لا شيئ جديد الأمر متعلق بالنقود، لكن الله كريم. لم يعلق على ذلك وإكتفى ما قلته له.
بعدها قلت: طيب هيا بنا لم نعد نملك الكثير من الوقت وإلا فاتنا جميع الرحلات.
نهض الجميع وأخرجنا الحقائب إلى أمام الدار وأغلقت الباب بالمفتاح ونزلنا الدرج على مهل. وأخذنا نشق طريقنا بتجاه كراج ميكروباصات القرية حاملين تلك الحقائب. وإذ بي إم رزان تقول متى سنتخلص من هذا العذاب؟
6
قلت: عندما يشاء ربك.
وبعد مضي أكثر من عشرة دقائق من المشي وصلنا إلى جانب السيارة فهنا قلت:
- توقفوا !
- صاحوا ماذا حدث، لِمَ علينا التوقف؟
قلت: لا تضوجوا وضعوا الحقائب على الأرض وناديت على أسعد قائلآ:
يا أسعد: عن إذنك لو تفتح صندوق السيارة لنا.
إلتفت أسعد فشاهدنا وفتح صندوق السيارة. نظر أفراد العائلة جميعهم إلي والى السيارة باستغراب !
قلت: لا تستغربوا لقد أردتها مفاجئة لكم، إنها سيارتنا فضعوا الحقائب بصندوق السيارة يا أولاد.
فبدلآ من وضع الحقائب راحوا ينطوا ويقفذوا في الهواء من الفرح ويدوروا حول السيارة ويلامسوها بشيئ من الرقة كمن يحرص لكي لا يجرح الأخر.
وللتأكيد أكد أسعد على كلامي لكي يصدقوا ويقتنعوا بأن ذلك ليست مزحة والسيارة ليست للأخ أسعد.
ووضعت بين يديهم عقد البيع والشراء. فأخذوا يقبلوني ويباركون لبعضهم البعض. كادوا يطيروا من الفرح وسألتني زوجتي من أين النقود؟
قلت: من أخي سربست كتر الله من أمثاله وحفظه من كل سوء.
قالت: الله يعطيه العافية كم هو حنون وكريم ومحب، كنت اتمنى ان يكون لي أخ مثله. على كل حال هو بمثابة أخ عزيز لي.
إذآ هذا هو الموضوع الذي لم ترغب التحدث عنه في حينها ولهذا لم تستطيع النوم من عدة أيام في العمل أثناء نوبتك الليلية.
قلت: هذا صحيح. لقد أخبرني بذلك وسألني إن كنت ما زلت ارغب في شراء السيارة فقلت نعم ومن ثم ارسل النقود مشكورآ وإلتزمت الصمت لحين وصول النقود الى هنا ومن ثم قلت لنفسي إتركها مفاجئة سارة لهم وهذا ما حدث الأن.
أجابت والفرحة يغمر عينيها: وأي مفاجئة سلمت يداك وأيادي أخوك.
قلت: تشكري. على فكرة أسعد لا يريد ان يصدق بأن النقود من دون اي مقابل.
أجابت: لأن القليلين من هم قادرين على حب إخوته بهذا العمق والمستوى.
أجبت: هذا ما قلته لأخي سربست ذات يوم.
وعندما أخبرت الأولاد بأن السيارة من عمو سربست فرحوا كثيرآ وأخذوا يشكرون عمهم ووعدوا بكتابة رسالة مشتركة ورسم بطاقة شكر وإرسالها له عبر الإيميل.
لايمكنني أن أنسى تلك الفرحة الغامرة التي علت وجوه أبنائي ودموع السعادة التي ترقرت في أعينهم وهم يركبون السيارة مهما حُييت.
قلت لريزان: إسمع يا إبني غدآ أو بعد عليك إرسال رسالة لعمو سربست مرفقة ببعض صور السيارة وصورنا مع السيارة ونسخة عن عقد الشراء وجميع الأوراق الخاصة بالسيارة.
أجابني ريزان قائلآ أمرك أبي.
صعدنا جميعآ الى السيارة والأخ أسعد قاد السيارة داخل المدينة وما أصبحنا خارج المدينة جلست مكان أسعد خلف القود وإنطلقنا بإتجاه القرية والتي تبعد حوالي ثلاثين كيلومتر عن مدينة حلب.
توقفنا أمام الدار ونزل الأطفال و أسرع ريزان لفتح البوابة الخاص بالسيارات لأننا نملك من قبل جرار زراعي لذا كان من السهل الدخول بالسيارة الى أرض الدار من تلك البوابة.
نزلن جميعآ من السيارة وأنزلنا الحقائب وأدخلناها إلى البيت إلا ان الصغار والبنات أصروا البقاء عند السيارة. كان المساء قد بدأ يرخي بظلاله واللامبات راحت تضيئ الواحدة تلوا الإخرى في شوارع القرية المعبدة وكأنها نجمات تلمع في سمائها.
جلسنا أنا والأخ أسعد وإم ريزان أخرجت الأغراض من الحقائب وذهبت لتحضير العشاء لنا وريزان رتب كتبه وكتب شقيقاته ووضع الماء في الغلاية الكهربائية لصنع إبريق من الشاي.
7
أمضينا ليلة مليئة بالفرح بمناسبة شراء السيارة. في الليل لم يلفت الأمر بال أحد وقليلين من الأقرباء شاهدوا قدومنا والذين رأوا ظنوا بأنها لذلك الصديق.
في الصباح بعد تناول الطعام إستأذن الصديق أسعد بالمغادرة الى حلب حيث يعيش. ركبنا السيارة أنا وهو وريزان وقمنا بايصاله الى المدينة وأرسلنا بعض الصور ونسخ عن أوراق السيارة لأخي عبر الإيميل. وبعد الظهر إتصلت به عبر الهاتف وأخبرته بشراء السيارة ونوعها والمبلغ الذي دفعته مقابلها وبالإيميل الذي أرسلناه له. فرح جدآ بالخبر وبارك لنا فيها وتمنى لنا الخير على وجهها. ومن جهتي شكرته كثيرآ وبأننا مدينون له بالكثير.
بعد عودتنا من حلب كان قد تجمع عندنا في البيت الوالدة والإخوة ولاحقآ قدموا الأقارب. وهنا تحولت فرحتنا بالسيارة إلى يوم كئيب وحزين !
أول ما سألني أخي الأصغر مني مباشرةه: هو ماهذه؟
أجبته: سيارة كما تشاهد.
رد قائلآ: ومن أين لك النقود؟ بدلآ من يبارك لنا في السيارة ويفرح بها !..
قلت له: النقود من أخي سربست.
كنتُ قد فاتحته في الموضوع منذ فترة فحين تجمع بين يديه مبلغ من المال أخبرني وأرسل لي النقود منذ عدة أيام والبارحة قمت بشراء السيارة.
رد سألني وقال: بإسم مَن سجلت السيارة؟
أجبته: بإسمي مع موافقة أخي وهو حيٌ يرزق إسأله إن كنت لا تصدقني.
وما أن سمع هو والأخرين وبما فيهم الوالدة تغيرت وجوههم كليآ وأخذوا يعلقون بكلمات خارج نطاق الأدب والذوق دون أي مبرر. ثم غادروا البيت دون ان ينطقوا بكلمة مبروك ولم أستوعب ما هو الجرم الذي إرتكبته بحقهم ! وبعدها قاطعوني ولم يعودوا يردون على تحيتي ولاحتى على عائلتي.
لقد عكروا علينا فرحتنا بدلآ من مشراكتنا الفرحة، مع العلم كان هدفنا من شراء السيارة هو تحسين وضع البيت والأهل.
وبالطبع السيارة لا بد ان تسجل بإسم واحد منا وبما أنا الذي فاتحت أخي بموضوع السيارة وقمت بشرائها وأكبر إخواني في البيت بغياب أخي سربست والوالدة إمرأة مسنة ولا تكتب ولا تقرأ ولا تستطيع السواقة، لذا طلب مني أخي أن أسجل السيارة بإسمي وهذا ما حدث.
ولم يمر سوى بضعة أيام إتصل أخي الكبير سربست بي وأخبرني بأن إخوتي والوالدة إتصلوا به وحالوا إقناعه بأن يأخذ السيارة مني ويسجلها باسم أحد منهم أو باسم الوالدة لأنني سوف أخذ السيارة لنفسي ! فقلت لهم هذا غير وارد وأخي سجل السيارة بإسمه بمعرفتي وبطلب مني. وما دخلكم أنتم بهذا الأمر أنا دفعت النقود وهو قام بشرائها وإنتهى الأمر. ولماذا لا يجوز ان تكون باسمه وان تكون باسمكم ؟!
وقال لي يا أخي دارا:
إن الطمع يعمي عيمن إخوتك والحسد يسود نفوسهم للأسف الشديد، هذا ما توصلت اليه من خلال حديثي معهم. فالأفضل أن تتجنب الرد عليهم وفي كل الأحوال لايستطيعون فعل شيئ النقود مني والسيارة مسجلة بإسمكَ فتهنوا بها انت وأطفالك.
وتابع كلامه قائلآ: الحياة مدرسة غنية بالتجارب الحلوة والمرة. والمال هو أهم أسباب العدوات والإقتتال بين الناس والدول والإخوة فلا تستغرب من تصرفاتهم هم أيضآ جزء من البشر. يا عزيزي قليلون من هم مستعدون للعطاء دون مقابل.
أجبته: ألست أيضآ أنت أخي مثلهم؟
أجاب: حسب علمي نعم.
قلت: ولماذا أنت مختلف عنهم كليآ ولا تفكر بنفس منطقهم ؟
أجابني: صحيح نحن إخوة ولكننا مختليفن والإختلاف من نِعم الله على البشر.
قلت: الله يكتر من أمثالك ويحفظك. لا توأخذني عذبتك معي.
8
رد: أهم شيئ لا تحزن ووكل ربك والى اللقاء في مراتٍ اخرى مع تحياتي.
أجبت: ألف شكر ومع السلامة.
ومن ذلك اليوم عندما أيقنوا بأن أخي سربست لن يستمع لهم قاموا بشن هجوم عنيف عليه وحاولوا تشويه سمعته وإتهامي أنا بأشياء لا تليق بالإنسان العادي اللجوء اليها في خصومته مع الأخرين فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بالإخوة.
فبدلآ من أن تسعدنا شراء السيارة وتفيدنا في الحياة اليومة، أصبحنا بسببها نحن الإخوة أعداء !!! ...
إنتهت.
 إذا كان المال يشعل الحروب بين الأجناس  ...  فإن السيارة تخلق العدواة بين أقرب الناس 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات