القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

اخبار: جمعية سوبارتو و آلَ قمش ... بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا ؟؟!!

 
الخميس 05 تموز 2012


بدعوة من جمعية سوبارتو وبحضور مميز للمحاميين والصحفيين، ومشاركة المثقفين واللغويين، والمهتمين بالتاريخ والتراث الكردي، ألقى الاستاذ المحامي محمود عمر محاضرة بعنوان (آلَ قمش .... بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا  ؟؟!!)، يوم الأربعاء 4/7/2012م في مقر المجلس الوطني الكردي في سوريا – قامشلو.
المحاضرة هي توثيق لزيارة قام بها المحاضر إلى كردستان (تركيا)، وتحديداً إلى قرية آل قمش النائية، تأثر بما رواه القرويون على لسان آبائهم وأجدادهم عن هذه المجزرة التي ارتكبها الجنود الأتراك بحق سكان القرية، فجاءت كحكاية لمجزرة منسية ذهب ضحيتها العشرات من الأطفال والنساء والرجال، إنها وحشية لا يتصورها العقل البشري حيال هؤلاء السكان الأبرياء، همجية ما بعدها همجية، حقد دفين ما بعده من حقد.


تميزت المحاضرة بلغتها الأدبية المؤثرة في المشاعر والعواطف، وتوصيف الحالة كما هي بعيدة عن المبالغة في سرد الوقائع. هذا جزء قصير من نص طويل ومن قصة مؤلمة تبقى في النفس إلى الأبد:
" وفي صباح ذلك اليوم وبينما كانت البراعم تتفتح على الأغصان وتزهر الأشجار المثمرة وتسقط قطرات الندى من أوراق النبات والأزهار وينتشر عبق الورد والرياحين على أطلال آل َ قمش, كان الضابط وكتيبته المجلجلة قد اخترقوا منتصف القرية ووقفوا على أعلى التلة التي تتوسطها ,هذا المكان جيد لإتمام المهمة ردد هذا الكلام وأمر بجمع الرجال في فسحة الدار الكائن شمال التلة والنسوة والأطفال في فسحة الدار الكائن جنوبها, أوتي بالناس فرادى وكان العديد من الجنود قد أحضروا السلك الشائك الذي كان الأهالي قد سوروا بها بساتينهم شدت المعاصم إلى بعضها طلبوا من الناس التزام الصمت وعدم الاستفسار عن شيء, وعن أي شيء سيستفسرون بعدها وهم يرون بأم عيونهم كيف إن الأيادي العزل تكبل مقابل هذه الآلة العسكرية الضخمة ـ الله أكبر ـ ومع ذلك كان خوف الجلاد أعظم!!!.
 استغرقت العملية عدة ساعات كان خلالها  تشد  إلى أيادي النساء معاصم أطفالهم الصغار الذين كانوا من خوفهم يخفون رؤوسهم في ثياب أمهاتهم الواسعة (الكراس والخفتان) في حين كان بعض الجلاوزة مكلفين بتفتيش البيوت للـتأكد من عدم وجود أحد فيها, احتار الجنود في أمر الرضع القابعين في مهادهم حيث تهدهدهم الملائكة وتطمئنهم بأن موعدهم مع ذويهم الجنة ـ (صبرا آل ياسر وآل قمش فأن موعدكم الجنة ـ دلتهم محاضرات أتاتورك في الحضارة إلى فكرة لا يستدل عليها الشيطان, وقفوا فوقهم وهزوا برؤوسهم ولم تكد ابتسامتهم تنتهي حتى كانت الحراب تغرس في صدورهم, رفع الجنود أجسادهم الغضة بالبنادق والحراب مغروسة فيها فوق  رؤوسهم, وهم يقهقهون فرحا بالانتصار ـ الله أكبر ـ أي قلب يسكن جوف هذه الحيوانات المتغطرسة، الظامئة لدماء البشر، ومن صدر أية عاهرة ساقطة قد أرضعوا, يغادر روح الصغير البريئة جسده الصغير ليغدو طيرا من طيور الجنة, يستمر الجلادون في غيهم يقهقهون."
كما قام الأستاذ أحمد إسماعيل بقراءة قصة بعنوان (الصغير يضحك) من مجموعته القصصية  (رقصة العاشق) والتي حصلت على جائزة الشارقة للإبداع عام 2000م، حيث استلهم هذه القصة من حكاية رواها أناس أمامه عن مجزرة آل قمش.
في الختام أغنت المحاضرة مجموعة من المداخلات من قبل الحضور.
للمزيد حول المحاضرة يمكنكم التواصل مع جمعية سوبارتو على الرابط :
www.facebook.com/subartukomele
والبريد الالكتروني
 subartukomele@hotmail.com


وفيما يلي نص المحاضرة:

آلَ قمش .... بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا  ؟؟!!

المحامي محمود عمر

بين المجزرة والزيارة " لآلَ قمش" مسافةُ من الزمن تقارب التسعة عقود, وثالوث آخر من المسافات لا يتجاوز كل منها الساعة, في الأول تصل (آلُ قمش) وأنت تجتاز سهول نصيبين شرقا وبموازاة جبال طوروس التي تبدو من خلال النظر كخطٍ يخترق اللانهائي, ومن خلال الثاني بإمكانك الوصول إلى قرية علي بدران متجها أيضا بمحاذاة الحدود شرقا ولكن هنا من مدينة القامشلي.
الفرق بين الاثنين هو انك هنا تتجه جنوب الخط (بنخت) وضمن حدود الدولة السورية, وهناك تتجه شمال الخط (سرخت) وضمن حدود الدولة التركية, الحدود التي رسمها سايكس وبيكو!!في هذين الثالوثين ولقطع المسافة أنت بحاجة إلى أن تقلك سيارة,  أما من خلال الثالث ـ ولولا الحدود ـ فتستطيع الوصول إلى آلَ قمش سيرا على الأقدام متجها إليها شمالاُ من علي بدران ـ اللعنة على الحدود ـ زرع بذور الفرقة والجفاء في كل شيء وقطع حبل التواصل بين ذوي القربى على طرفيه, فأصبحت العائلة عائلتين والعشيرة عشيرتين والأب سرختي والابن بنختي و كذلك الأخوة .
 مات جدي وآثار الحراب على جسده رافقته إلى القبر, هذا ما كانت ترويه لنا جدتي دوما عن حكاية جدي ومجزرة آلَ قمش, هناك وفي ذلك العام كان الثلج لتوه بدأ بالذوبان من على أعلى قمم الجبال والتلال العالية, ودجلة والفرات بدءا للتو رحلتيهما السعيدة المعتادة كل عام في الفيضان, وبدأ الشتاء في لملمة خيمته آخذا الإذن بالرحيل, لتدب الحياة في كل شيء وتخرج الأحياء من سباتها الشتوي الطويل ,وتستعد لاستقبال الربيع، ربيع يعم فيه الخير والنشاط على كل المكان, ومعه كان الناس في عموم المنطقة و بخاصة في قرى ومدن وقصبات كردستان في انتظار ربيع آخر, وعدهم به أتاتورك حينما مرً عليهم في مدنهم وقراهم وطلب منهم مؤازرته وعدم الوقوف في وجهه وسعيه لبناء تركيا جديدة يتساوى فيه الكورد والترك, وعدهم برفع كل المظالم التي خلفها السلطان الذي زج بأبنائهم في مشارق الأرض ومغاربها و في حروب لا تخدم سوى ضعف السلطان وأهوائه, السلطان الذي أورثهم كل هذا الفقر والأسى, حلف بأغلظ الإيمان بأن دولته ستقوم على العدل والمساواة بين القوميات ,والأديان, وسينعم فيها الناس بالرخاء والازدهار والأمان, صدًقه الناس وماذا بيد هؤلاء البسطاء سوى ذلك, كانت عهود أتاتورك وعقوده معهم مبنية فقط على اللسان , الناس حينها ما زالوا يعتقدون أن دستور الرجال لسانهم ـ  جدي هذا كان من الناجين القلائل من المجزرة, لحسن حظه إن صغر سنه ساعده بالاختباء تحت الأجساد حينا, وادعاء الموت كلما كان يقترب منه الجناة حينا آخر, علما انه قد نال حظه الوافر من الحراب ولكن يبدو أن أيامه في الحياة ـ وكما يقال ـ لم تنقضي بعد, وصغر سنه هذا ساعده فيما بعد بالتعلق بثوب بعض النسوة  اللاتي كن يثقبن جدران البيوت البيت تلو الآخر بينما كان الجند غافلين في استراحة النصر ـ  نساءُ يحاولن النجاة بأرواحهن دون أن يمنحهم الخوف وغريزة الحياة فرصة الالتفات لصغارهن!!!! ـ العياذ بالله ـ هل هو يوم القيامة قد أصبح قاب قوسين أو أدنى في هذه القرية المسكينة, حتى تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها.

 أصل إلى آلَ قمش منتصف نهار شتائي يغطي فيه الثلج وجه الأرض و مع برودة الطقس وصمت المكان واخوف التجذر في العيون والنفوس, تحولت أحاسيسنا إلى ما يشبه الكرة الثلجية  التي تتدحرج بسقوط حر من عل دون أن تدري إلى أي مصيرٍ سيؤول حالها ـ الله أكبرـ ما هذا الخوف الذي جعل كل شيء أسيرا له كل هذه السنين, وكأن الجنود قد غادروا لتوهم القرية, كل ذلك لم يمنعني من أن اطرح أسئلتي الكثيرة على كل شيء وقع عليه حدسي أو نظري من بشر وشجر وحجر وقبور, أدهشني الأمر؟؟؟ الكل يريد الهروب من الأسئلة!!  أو لا يريد أن يتذكر شيء مما حدث ـ ما الذي حدث؟؟؟ وما الذي فعله هذا النمرود ,ليمتلك الرعب المكان والزمان بعد كل هذه العقود ـ ها هنا وقبل تسعة عقود تقريبا, في الرابع والعشرين من شهر نيسان عام أربعة وعشرين وتسعمائة وألف ومع التحفظ على التاريخ كون المرحوم جكرخوين ويوسف سليمان يعيدون تاريخ المجزرة الى عام1926أي ضمن المجازر التي ارتكبها اتاتورك بعيد ثورة شيخ سعيد ولكن أهل القرية وهم أدرى بشعابها يرفضون ذلك ويقولون ان أتاتورك قد قام بمحرقته في ذلك العام لخصوصية القرية وانه قد شم أن ثورة ستقاد فأراد ارهاب الأهالي كي لا يكونوا وقودها فجعلها وقودا لأحلامه الفاشية ـ ها هنا قامت القيامة حينما نصب أتاتورك من نفسه إلها , وأراد أن يحتفل بانتصاراته على طريقته الخاصة, حين كان يسعى لأن يمتطي صهوة حصان السلطة في تركيا, هكذا تبدأ القصة؟؟؟

الجزء الثاني
قضم أتاتورك ـ حين بلغ مراميه ـ الدستور والوعود التي أبرمها بلسانه وبلع ريقها وهو يبتسم مستهزئا من الذين صدقوه, يا لهم من مساكين و يا له عقد ٍواهٍ و واهن ـ بئس الدستور دستورُ يقوم على اللسان ـ وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت ـ لتوه كان قد فرغ من حروبه منتصرا و فيها وتحت وسادة مطامحه ومصالح أسياده أخفى اتفاقية سيفر لعام1920وما فيها من حقوق للكورد ونسخها واستبدلها معهم باتفاقية لوزان التي فصلها على مقاسه وأهوائه عام1923.وملخصها إن كل من في تركيا هو تركي وهو له أب, ومن يدعي خلاف ذلك فعليه أن يكون عبدا لأسياده الترك أو الرحيل وإلا سيلقى مصيره المحتوم, انقلب على الكورد ودهس على عمامة السلطان ووعد أسياده بأنه سيجعل الويسكي ماءاً لكل من يريد أن يتوضأ على هذه الأرض وانه سيبني على أرض الشرق دولة غربية بكل المواصفات, وليبين لهم صدق نواياه كان لا بدُ أن يمتثل شيئا من أفعال أسياده , رسم معهم الحدود ومزًق كل الإشارات التي تشير إلى العهد القديم المتخلف وارتدى البرنيطة والزى الغربي تأكيدا منه على علمانيته, ولكن هذا لا يكفي لا بد من شيء يساوي أو يفوق ما أنجزوه أنها المحرقة واستعباد الشعوب وتشتيتها ـ عجبا لشعب عانى الظلم والاضطهاد ويقوم باضطهاد شعب آخر ,أهذا ما قاله نهرو عن دولة كمال وحضارته هل سمع بآل قمش ومثيلاتها فيما بعد ليقول هذا؟؟؟؟ ما إن وصل نبأ إن أتاتورك ينوي الاستعداد للقيام بمراسيم الاحتفال وان آل قمش من عداد قرى الكرنفال  حتى توجه الأهالي من فورهم هربا نحو الجنوب صوب علي بدران وبقية قرى بن خت  بمحاذاة الوادي هربا من الجحيم, تاركين خلفهم كل ما يملكون على قلته, لماذا آلُ قمش؟ أنها قرية كبيرة ويسكن فيها عدد كبير من السكان, ومن عدة عشائر أنها صلة الوصل بين الشمال(سرخت )و الجنوب( بنخت) وهو ما سيجعل صدى احتفالنا ينتشر بسرعة أكبر بين الناس, هنا وفي عموم المنطقة؟؟!! ولا تنسوا إن هؤلاء الأوغاد كان يوفرون الملجأ والغطاء لكل مطلوب إلى إن يرَحلونه باتجاه الجنوب وهذه القرية كانت المحطة الأولى لكل أولئك الذين يريدون أن يلتحقوا بمن يريد أن يقف في وجهنا, وهؤلاء حموا وآووه العديد من الأرمن وهرَبوهم فيما بعد, وستكون هذه القرية إحدى أهم المحطات التي سترفد المدعو شيخ سعيد و كل من يريد إن يقوم بالثورات مستقبلا ضدنا, نعم يجب أن تكون آلُ قمش المسرح الأول لاحتفالنا الذي لن ينساه أحد!!! ألا تكفي كل هذه المبررات أيها الأحمق لتكون هذه القرية أول أهدافنا؟؟؟ في الجيش عليك ألا تعدم الوسيلة والمبررات لما ستقدم عليه, وإلا لا ينفع إن تكون جنديا في جيش الأب أتاتورك العظيم هذاما  رد به الضابط على أحد جنوده, وهو يستفسر عن مبررات إقحام القرية وحرقها , وصل  الناس إلى علي بدران التي تقاسم أهلها الرغيف معهم, هؤلاء المساكين لم يكن معظمهم قد سمع بشيخ سعيد بعد أو إن ثورة كردية ستقام, وإنهم ما أووا الأرمن الا لأن أخلاقهم وتعاليم دينهم تفرض عليهم ذلك( استجب استغاثة المظلوم وان كان كافرا), فكيف لا يستجيبوا استغاثة من تقاسموا معهم الحلوة والمرة ومنذ فجر التاريخ, هذه فقط لا يستطيع أن يجيدها أتاتورك وبطانته التي لم ترضع إلى حليب الغدر والخيانة, بينما كان أهالي آلَ قمش وبفارغ الصبر ينتظرون الأخبار, كان جنود أتاتورك قد أصيبوا بالصاعقة حينما وصلوا القرية ولم يجدوا فيها ما يكفي لإعداد الوليمة صدرت إليهم أوامر العودة, وبدأ جواسيسهم ينتقلون بين القرى الكردية وهم ينشرون خبراً آخر مفاده إن الدولة قد أصدرت عفوا عن جميع المطلوبين وإنها تريد فتح صفحة جديدة مع مواطنيها, وان كل ما أشيع من أنباء عن حرق القرى هي مجرد إشاعات فأي دولة تريد حرق قرى مواطنيها وان أتاتورك ما زال عند وعوده التي قطعها للكورد وعلى كل من هاجر أو حمل السلاح إن يتركه ويعود إلى موطنه مطمئنا, وصلت هذه الأنباء إلى علي بدران  وحواليها وسمعها أهالي آل قمش كغيرهم, شوقهم إلى قريتهم ورغبتهم في القيام بأعمالهم المعتادة في مثل هذه الأوقات من السنة كتقليم الكروم والأشجار وزراعة الخضار لم يسمح لهم بالتفكير في صدق الخبر من كذبه وما فيه من غدر, وحده الحاج أحمد دعاهم إلى التريث قائلا انه ليس لدى هؤلاء شيء اسمه الوعد. لم يلتفت احد لمواعظه, فسار هو خلف القافلة وهو متيقن من أن أمرا جللا تخفيه هذه الأنباء  وهو يتمتم الآية القراىنية التي تقول ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة اهلها أذلة... ولكن ما من مفر فلست بأفضل منهم وان كنت بحق كبيرهم فليحل بي ما سيحل بهم, لم تكد تصل قوافل المهجرين من علي بدران وبقية القرى إلى آلَ قمش حتى كان الجنود قد أعدوا العدة  وطوقوا المكان فرحين بالصيد الحنيذ, استقبلوا الناس وابتسموا لهم وقالوا إن أتاتورك هو أب الكورد والترك,وهو الذي يرعاهم دون تمييز, كان على الناس من قلة حيلتهم أن يصدقوا ما يقال لهم, بينما حدسهم يشير إلى إن هناك شيئا آخر يعد لهم وإلا لماذا هذا الكم الهائل من الجنود والعتاد وجمع أهالي العديد من القرى المجاورة في آلَ قمش,يا ترى ما الذي يعد لهم؟؟؟؟...

                                                        الجزء الثالث :

 لا تخافوا ولا تحزنوا يتم جمعكم لتلاوة بعض التعليمات وأخذ الحيطة والحذر من بعض المجرمين الذين يحاولون هدم ما نبنيه لكم ولنا جميعا من أمثال المجرم شيخ سعيد الذي يدعي التدين وهو أكثر الناس كفراً ـ أليس الذي يقف في وجه أتاتورك بكافر!!؟؟ـ هكذا كان يطمئن أعوان الطغاة أهل القرية وبقية من تم جمعهم, كان أهالي علي بدران يترقبون سماع الأنباء عمَا آل إليه مصير إخوتهم هناك ولكن الطوق الأمني حول آل قمش وعلى الحدود لم يترك المجال حتى للطيور لنقل الخبر, بعد إن تيقن الطغاة بأن ما تم جمعه كاف لإعداد الوليمة وإيصال رسالة سيدهم إلى أسياده والناس أجمعين, اشتد الطوق العسكري حول القرية أكثر.
وفي صباح ذلك اليوم وبينما كانت البراعم تتفتح على الأغصان وتزهر الأشجار المثمرة وتسقط قطرات الندى من أوراق النبات والأزهار وينتشر عبق الورد والرياحين على أطلال آل َ قمش, كان الضابط وكتيبته المجلجلة قد اخترقوا منتصف القرية ووقفوا على أعلى التلة التي تتوسطها ,هذا المكان جيد لإتمام المهمة ردد هذا الكلام وأمر بجمع الرجال في فسحة الدار الكائن شمال التلة والنسوة والأطفال في فسحة الدار الكائن جنوبها, أوتي بالناس فرادى وكان العديد من الجنود قد أحضروا السلك الشائك الذي كان الأهالي قد سوروا بها بساتينهم شدت المعاصم إلى بعضها طلبوا من الناس التزام الصمت وعدم الاستفسار عن شيء, وعن أي شيء سيستفسرون بعدها وهم يرون بأم عيونهم كيف إن الأيادي العزل تكبل مقابل هذه الآلة العسكرية الضخمة ـ الله أكبر ـ ومع ذلك كان خوف الجلاد أعظم!!!.
 استغرقت العملية عدة ساعات كان خلالها  تشد  إلى أيادي النساء معاصم أطفالهم الصغار الذين كانوا من خوفهم يخفون رؤوسهم في ثياب أمهاتهم الواسعة( الكراس والخفتان) في حين كان بعض الجلاوزة مكلفين بتفتيش البيوت للـتأكد من عدم وجود أحد فيها, احتار الجنود في أمر الرضع القابعين في مهادهم حيث تهدهدهم الملائكة وتطمئنهم بأن موعدهم مع ذويهم الجنة ـ (صبرا آل ياسر وآل قمش فأن موعدكم الجنة ـ دلتهم محاضرات أتاتورك في الحضارة إلى فكرة لا يستدل عليها الشيطان, وقفوا فوقهم وهزوا برؤوسهم ولم تكد ابتسامتهم تنتهي حتى كانت الحراب تغرس في صدورهم, رفع الجنود أجسادهم الغضة بالبنادق والحراب مغروسة فيها فوق  رؤوسهم, وهم يقهقهون فرحا بالانتصار ـ الله أكبر ـ أي قلب يسكن جوف هذه الحيوانات المتغطرسة,الظامئة لدماء البشر< ومن صدر أية عاهرة ساقطة قد أرضعوا, يغادر روح الصغير البريئة جسده الصغير ليغدو طيرا من طيور الجنة, يستمر الجلادون في غيهم يقهقهون.
في احدى البيوتات الطينية وقع نظر جلادين على امرأة يبدو انها أرادت أن تهب الحياة لجنين بطنها الذي لم ير النور بعد قلة الحيلة لم يهدها سوى أن تضع رأسها في زاوية احدى الغرف, أدرك الجلاوزة انها تريد أن تخفي شيئا ما, سرعان ما ركلها  أحدهم برجله القذرة وشدها من شعرها وأدارها نحو وجهه النتن , وبدا لهم ما كانت تريد أن تخفيه ,انهال الدمع من عينيها بينما كانت يداها ما زالتا معلقتين ببطنها تريدان ان تحميا الجنين ـ احمرت وجنتا البرزاني من شدة الغضب وكانت علبة سجائر التي يحملها  تهترأ
 في راحة كفه من الغضب و غزارة  العرق الذي يتصبب منها وأضحت العلبة بما فيها مجرد قطع ورق  كروية الشكل صغيرة ومبللة تسقط على الأرض دون أن يدري ـ حصل ذلك بينما كان أحدهم كان يروي له هذه القصة ـ كانت المرأة ترتجف خوفا وتتوسل اليهما ان يبقيا على حياتها من أجل الجنين بينما كانا المتجبران يراهنان على جنس المولود الذي تحمله , وكان الرهان على علبة دخان يدفعها الخاسر للآخر ـ يقال ان البرزاني من يومها لم يحمل  علبة سجائر ملفوفة ـ  تسابقا  المجرمان على بقر بطنها بحرابهم, سقط الجنين ذكرا قهقه الزنديق منتشيا, اليٍ بعلبة الدخان فقد فزت اليوم مرتين مرة بالدخان ومرة اخرى ها انا ذا أتخلص من عدو قادم  قالها بينما كان الصغير يبتسم فوق رأسه والحربة مغروسة في صدره  وتصعد روحه البريئة عاليا لتقطع المسافات نحو بارئها .
 وبعد إنهاء الواجب المقدس هرب البعض من قتلة الصغار   مع قهقهته خارج السرب نحو براري آل قمش هل جن هؤلاء؟؟ كلا أنها سكرة ونشوة الانتصار على هؤلاء المتمردين الصغار!! الناس تنتظر من يأتيهم من آل قمش بالخبر اليقين,  ولكن يبدو إن الحياة بكل آياتها قد توقفت في هذه القرية التي حكم عليها بالإعدام,(حتى هدهد سليمان وعفاريت الجن لم تكن قادرة على ذلك) لم يجرؤ أحد على الاقتراب أو الاستفسار ,عاد المتجولون في القرية من الجنود وطمئنوا سيدهم بأن الدور أضحت خاوية من ساكنيها, وأبلغ أيضا بأن الجمع قد اكتمل وهم بانتظار الأوامر.
يستمر الثلج في الذوبان كاشفا الغطاء عن خضرة الأرض المزركشة بكافة ألوان الربيع من الورد والزنابق والخجخجوك (شقائق لنعمان), يزداد صوت خرير المياه في دجلة والفرات ونهر آلَ قمش الصغير المتجه جنوبا. 
نُصب على عتبة باب الدار الذي يتوسط أعلى التلة قاعدة الرشاش ـ هذه العتبة المؤلفة من حجرة واحدة مستطيلة يندهش الناظر كيف تم قطعها وحفها وكيف أضحت ملساء وكيف رفعت إلى أعلى الباب ـ لم تكن هذه العتبة الوحيدة التي سويت بهذه الطريقة في القرية ولكنها وحدها التي نصب عليها رشاش الطغاة, ربما لتكون الشاهد الملك والوحيد على أن الأهالي جميعا رجالا ونساء صغارا وكهول  قد رموا بالرصاص من على ظهرها ,وربما كانت هذه الحجرة آخر شيء يقع عليه نظرهم ويودعونه في قريتهم.اللهم يا من تجعل الحجر ينطق اجعله يوم الحساب ينبئنا بما حصل لآلَ آلَ قمش يوم تحاسب الناس لديك.
 أمر صغير أتاتورك رامي الرشاش بان يوجهه أولا نحو صدور الرجال, تمهل الرجل واحتار وفاضت عيناه بالدموع, اعتلى السيد العتبة وأشهر مسدسه في رأس الجندي وبزق في وجهه قائلا: إن من يبكي لا يستحق أن يكون من رجال أتاتورك رد المسكين سيدي إنهم قد رفعوا أكفهم إلى السماء يكبُرون, كان الحاج أحمد قد استطاع إن يخطو وهو مكبل خطوة ونصفها إلى الأمام واستدار نحو أهله ورفع صوته بعض الشيء قائلا وهو يبكي: أيها الناس تعلمون إن بيننا وبين الموت دقائق ولم يمهلنا هذا الطاغي أياما لنكمل شهر رمضان لهذا العام ,ارفعوا أكفكم نحو السماء قدر استطاعتكم وكبروا معي حتى نصلي صلاة العيد الذي داهمنا مبكرا, استدار الحاج أحمد وأمم المصلين وكبرت الحناجر العيد(الله أكبر..الله أكبر... لبيك اللهم لبيك!!!!

الجزء الرابع:
  سيدي أنهم يكبرون الله رددها الجندي مرة أخرى ودموعه تفيض, أيها الأحمق نحن هنا لنقتل فيهم العيد ورمضان والتكبير...(أن نكون في مؤخرة الدول الغربية خيرٌ من أن نكون في مقدمة الدول الإسلامية) ألم تستوعب هذا القول لوالدنا أتاتورك؟؟؟!!! ستطلق؟؟!! أو افرغ هذا المسدس في رأسك الغبي؟؟ غريزة الحياة فيه كانت أقوى ودفع بسبابته الملتفة على الزناد باتجاه الداخل وانطلق الرصاص كانهمار المطر في ربيع آلَ قمش صوب الصدور التي كانت ومع تكبيرات الله اكبر تتهاوى نحو الأرض ـ لا تقتلوا دابة قبل أن تنهي شربها فكيف يقتل الناس ولم ينهوا صلاتهم بعد ـ استمر الرصاص منهمرا, ولم يمهل السيد جنودهم راحة بعد الانتهاء من قتل الرجال, على الفور أمرهم بالتوجه نحو النساء والصغار فالمعركة في لحظاتها الحاسمة ويجب أن لا يمنح جيش الله هذا فرصة النجاة أو الفرار!! أسكت الرصاص عويل وبكاء الصغار وبعض الزغاريد التي كانت تطلقه بعض النساء عندما كان يتهاوى بعض رجالهم من الشباب خاصة فهذه العادة متأصلة في الموروث الثقافي والشعبي الكردي منذ القدم  حيث تزغرد النسوة حينما يقتل شاب أو يموت عزيز تيمنا بيوم عرسه ـ لم يبق أحد ليعد طعاما لآل أل قمش بالرغم من انهم  اليوم مفجوعين ولمن سيعد الطعام ـ أزيز الرصاص الذي نقله الريح إلى الجوار قطع عليهم صمتهم وترقبهم الذي طال, ما الذي حدث ولما كل هذا الرصاص؟ لعله إطلاق في الهواء من أجل بث الرعب والخوف في النفوس؟ أو إن حقل للرمي قد اعد بالقرب من آلَ قمش وفيه يتم تدريب الجند واختبارهم؟ أو إن بعض ممن تطاردهم الدولة قد مروا من الجوار ؟ كان الناس هكذا يتصورون الأمر أو يتمنونه بينما حدسهم يخبرهم بأن أمرا عظيما قد ألم بآلَ قمش وأهلها, أمر الطاغية جنده بالمرور بين الجثث و غرس الحراب في صدر كل من تدب فيه الحياة , وخاصة هؤلاء الملاعين الصغار الذين كنت ألاحظ إن العديد منهم ينتقل ونحن نطلق الرصاص هنا وهناك أو يحاول بعضهم التخفي تحت أجساد النسوة والاحتماء بها, لم يكن حقد الأوغاد قد شفي بعد فغرسوا حقدهم بالحراب من جديد في أجساد الجميع أحياء وأموات والتمثيل بها عبر بقر البطون وكشف العورات واللعب بالأحشاء برؤوس الحراب, هل هؤلاء من بقايا ذرية تيمورلنك  وجنكيزخان؟؟.كان جدي مع القليل من أقرانه نالوا نصيبهم من الحراب التي انتصرت عليها إرادة الحياة ,كتموا أنفاسهم وتخفوا تحت الأجساد التي غرقت في الدماء, وتحت الأجساد تسير الدماء خائفة لتشكل ساقيتين الأولى أسفل التلة جنوبا فيه يتجمع دم النسوة والصغار, والأخرى أسفلها شمالا حيث يتجمع دماء الرجال التي تسير ببطء لتلتف حول التلة وتلتقي بأختها ليمتزجا معا بماء النهر ويشكلوا جميعا جديلة حزينة تسير في الوادي نحو الجنوب, ألوان شقائق لنعمان من حينها غدت أكثر حمرةً على طرفي الوادي!!.
كان أهالي علي بدران منشغلين بأعمالهم المعتادة , بدأ الدم يغلي في عروقهم حينما وشوش بعض الناس بأن أمرا عظيما قد حدث؟؟ أرسلوا رسلهم باتجاه الشمال وقبل أن يصلوا كانت الأنباء قد عمَت الأرجاء بأن آلَ قمش وعن بكرة أبيها قد أبيدت ـ وإذا آلَ قمش سئلت بأي ذنب قتلت ـ أمر الطاغوت جنوده بمغادرة ساحة المعركة وأخذ قسط من الراحة يتم تبادل التهاني خلالها بهذا النصر المجيد ورفع التقارير بذلك إلى القيادة في انتظار المكافأة, الأرواح تكمل رحلتها في الصعود إلى بارئها ,ورويدا رويدا تفارق الدماء الأجساد وتكمل رحلة سيرها في الوادي حيث تسرق الأرض قسطا منها لترتوي به.
 كان البعض ممن قدر الله أن يبقيه على قيد الحياة من النسوة والرجال والأطفال قد بدأوا  بلملمة جراحهم ومغادرة المكان خلسة والاجتماع في أقرب بيت, وعلى الفور قاموا بما توفر تحت أيديهم من أدوات بثقب الجدران الجدار تلو الجدار, كان البعض الآخر ممن استطاع التخفي في أماكن مستعصية من زوايا وأقبية وأكواخ الدواب يحاول أيضا أن يجد طريقه للوصول إلى الوادي ويتجه جنوباً بحثا عن الحياة, قدر الله لهؤلاء النجاة, و أعمى عنهم عيون الطغاة الذين طالت استراحتهم وسكرتهم فيها, نادى أحد الجنود: سيدي وماذا بشأن الجثث؟ وكيف سنتخلص منها؟ قهقه المتجبر بسخرية وقال: سيظل عقل الجندي صغيرا قدَ قامته, يا بني: أنت لا تعلم تاريخ هذه المنطقة, أنا أعرفه, اترك مصير ذلك لي, لم يعلم الجنود نية  سيدهم حينما أمرهم بلم الحطب وتفتيش البيوت من الداخل والخارج وجمع كل ما يمكن إن يتقد فيه النار, على الفور نفذ الجنود الأمر وجمعوا كل ما جمعه أهل القرية وما في بيوتهم من ثياب, وظلوا في انتظار ما ستتفتق عنه مخيلة سيدهم!! وهم يتهامسون فيما  بينهم عن مقصده من كل ذلك, لم تطل حيرتهم حينما ناداهم: في قديم الزمان و على مقربة من هذا المكان وفي مدينة أورفا ادعى إبراهيم ـ الذي يدعي هؤلاء بأنه جدهم ـ النبوة وتطاول على سيده نمرود وقام بهدم التماثيل الآلهة التي كانوا يعبدونها, واسترسل في سرد قصة سيدنا إبراهيم.......

الجزء الأخير:
 بعد إن فشل نمرود في نصح إبراهيم وردعه عن غيه وعصيانه حتى لوالده, كما فعل أصحاب هذه الجثث أو حاولوا أو كان في نيتهم أن يحاولوا عصيان والدنا أتاتورك ـ هنا حاول الطاغي أن يذرف بعض الدموع على سيده أتاتورك ومن قبله نمرود واسترسل في الحديث بعد إن مسح دموع التماسيح ـ نعم.. أيها الأولاد احتار نمرود في أمر إبراهيم وبعد إن فقد كل أمل بأن يعود إلى رشده أمر بجمع الحطب ـ كما فعلتم انتم الآن ـ وأخذ إبراهيم إلى أعلى القصر وتم رميه بين النار أمام مرأى من عيون القوم حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر, لذلك أوقدوا النار في جثثهم فقد اعتادوا ألأمر من أيام جدهم إبراهيم...الخليل.... قالها مستهزئا ؟؟!!! ولنكي أرى إن ما جمعتموه لا يفي بالغرض ألم يبق شيء ينفع للحرق, أراد أحدهم إن يجيب بالنفي؟؟ فسبقه آخر سيدي: كانت في البيوت نسخ من القرآن والكتب الدينية, إلا إن البعض منعنا من جمعها بحجة قدسيتها واتجه بنظره صوب ذاك الذي أراد أن ينفي وجود أي شيء, أيها الحمقى ألم أقل اجمعوا كل شيء قابل للاحتراق ,على الفور جمع بعض الجنود نسخ المصحف من البيوت ووضعوها أمامه الذي سرعان ما قام بتمزيق بعضها أعينهم ودهس عليها برجليه القذرتين, وهو يقول غاضبا: ألم أقل كل شيء لم يؤخرنا عن ركب الحضارة سوى ما في هذه الصحف من أقاويل عفا عليها الزمن,  ثم رمى بها فوق الجثث بعد إن أضرم النار في صفحاتها, على الفور سار النار في الهشيم الذي وزعه الجنود على الجثث التي بدأت تحترق وتنطلق منها رائحة اللحم المشوي وبدأ الدم يسيل تحتها من جديد حيث تنطلق منها فقاعات الغليان ـ أيتها النار التي كنت  برداً وسلاماً على إبراهيم ـ لما يا نار لم تكوني بردا وسلاما على آلُ قمش وأهلها؟؟؟ تصاعد الدخان وحمل الريح رائحة الدم المحروق والأجساد المتفحمة إلى الجوار واحتار الناس في الأمر ـ يا الهي ماذا يكون هؤلاء الأوغاد قد فعلوا؟ أبعد الموت هناك شيء آخر؟ لم يكن يدري الناس بأن آلُ قمش تدفع ضريبة النبي إبراهيم وثورته على أصنام نمرود وأتاتورك من جديد , تحول اللحم إلى سوائل رفدت الدم الذي يجري في الوادي وغدت العظام رمادا ولم يبق سوى البعض الذي لم يتمكن النار من الوصول إليه وبعض السلك الشائك, الذي كان يشد المعاصم إلى بعضها, فر الكثير من الطير هلعا, بينما تهاوت الصغار في نيران ال قمش وهي تغادر أعشاشها طلبا للنجاة, ولكن صغر سنها وعدم خبرتها في الطيران بعد قد خذلتها , في آل ُ قمش نحر الطير والحيوان والشجر والبشرـ وإذا آلُ قمش سئلت بأي ذنب نحرت؟؟ وإذا آلُ قمش سئلت بأي ذنب حرٌقت؟؟ .
 أمر الطاغية  بتفقد الجنود والعتاد بعد هذا النصر المؤزر الذي لن ينساه التاريخ!! تاريخ دولة أتاتورك وطلب اعداد العدة للرحيل فقد تمت المهمة بنجاح منقطع النظير, وظل بقية عمره يتقلد الأوسمة والنياشين, وأصبح أحد أعمدة دولة الدم هذه, وظل يذكرنا في مذكراته كيف ان طفلا وألسنة النار تنطلق من جسده الصغير قد فر من الجمع بعد ان متخفيا تحت الأجساد طالبا الحياة ,ولكنه حين اصطدم بي عاد مسرعا من حيث اتى ليكمل مسيرة الموت مع أهله, حينها يقول لنا ذلك الضابط :أدركت ان الكرد يهابوننا أكثر مما يهابون الموت.
 كان بعض الطير سباقا وحام حول المكان ومعه من الجبال والتلال القريبة نزلت بعض الحيوانات , وعلى الفور غادروا المكان بالصياح والعويل من هول ما رأوه, بينما كان من كتب لهم الحياة مستمرين في سيرهم وهم يحملون جراحاتهم وخوفهم نحو الجنوب وما كادوا أن يصلوا حتى كان لسان كل منهم يقول: دثروني .... دثروني, أي أغطية في العالم ستكون قادرة على أن تدثرهم وتلفلف شيئاً من بردهم وهلعهم, في آلٌ قمش أعدم الزمان والمكان, وما زالت الحياة معلقة فيها بين الخوف والرغبة في النسيان,  لم تقم على أرواح موتاها صلاة الجنازة,  ولم يجرؤ أحد أن يقيم لهم حتى صلاة الغائب, لا تقرأ على أرواحهم الفاتحة ,وان قرأها أحد فهو  يلتفت يمنة ويسرة دون أن يقف أو يرفع كفيه إلى السماء خوفا من العيون, لم تقاد على أرواحهم الشموع, ولم تقم لهم أربعينية, ولم يحيي ذكراها أحد حتى بعد كل هذه العقود.
يا الهي ما كل هذا الخوف المتجذر, أم إن خوف الناس مبرر من هول الفاجعة, في الفاجعة لم يسأل الناس عن أي ذنب اقترفوه, ولم تقرأ عليهم لائحة الاتهام, ولم تعقد لهم محكمة ميدانية كتلك التي تنصب للجنود أيام الحرب والطوارئ, ولم يسأل الناس عن آخر رغباتهم, ولم يحضر رجل دين ليلقنهم الشهادة ,وبعض مما يحتاجه الميت في رحلته نحو العالم الآخر, تركت الأجساد المتفحمة في أماكنها حتى دون أن يكلف الطغاة أنفسهم مشقة دفنها أو حتى طمرها ـ إكرام الموتى دفنهم ـ حرفًها الطغاة إلى حرقهم , بقيت هكذا إلى إن أُخذ الإذن بالدفن, وكانت غاية الجناة ليست الرأفة أو الرغبة بدفن جريمتهم ,ولكن الغاية كانت هي ارهاب الناس  , تدفق الناس من كل الجوار إ ـ الله أكبر ـ لم يستطع البعض تحمل الفاجعة فغادر المكان مسرعا , أراد البعض الآخر إن يتفقد عدد الذين افتقدهم ولكن ليس في المكان إلا رماد, استقر الرأي أخيراً على أن تطمر الأجساد في مكانها إذ ليس في المكان سوى الرماد وبعض العظام الهشة,وبعد أن انتها من طمر مقبرة النساء والصغار,تحولوا باتجاه جثث الرجال وكما كان الموت جماعيا كان كذلك الدفن, بعدها سورت كل مقبرة على حدة بالحجر الأسود وهي على ما هي عليه إلى لحظتي وصولي إلى القرية بعد ما يقار التسعة عقود.
 ليست الأمم والشعوب الأخرى على خطأ وهي تحيي ذكرى مجازرها أوتحيي ذكرى من مات ظلما ,أو تندبه حتى اليوم وبعد إن مرً على ذلك مئات أو آلاف السنين ,فقط كي لا تنسى وتزرع في ضمير ووجدان أجيالها اللاحقة  مأساة قصتهم الحزينة, أزور آل قمش بعد كل هذه الحقبة, وبين المجزرة والزيارة لم يحيي أحد موتاها ,الذين قضوا ظلما, ولم يكتفى بموتهم بل مثِل بجثثهم, وحرقت دون أن يطمر رمادها, ولم يسأل الطغاة لحينه عن سبب جريمتهم, لم تنظم شهادات وفاة لضحاياها.
 ألم يحن الوقت لنحيي ذكرى آل قمش ونطالب بمحاكمة الطغاة, ونفتح القبور بإشراف لجان دولية لنحصي موتانا ونتعرف عليهم ونضع على القبورشواهد, ما تم في آل قمش إبادة جماعية, وجريمة حرب ضد الإنسانية ,فلما لا نطالب العالم باعتبارها كذلك, حتى يتم تقديم  الجناة للعدالة, ونطالب أحفاد أتاتورك بتعيين هوية المسؤليين عن الجريمة وإلزامهم بتعويض ذوي الضحايا, كما تريد الشعوب الأخرى أن تحيي موتاها الذين قضوا في ظروف مشابهة.
على يد طغاة الشرق أبيد الكرد بالسيانيد وهجروا وانفلوا وقتلوا بالرصاصات الحارقة المحرقة المتفجرة  ولم يسلموا من الموت والحرق حتى  في السجون ـ يا الهي هل قدرنا أحفاد إبراهيم الخليل أن نموت حرقا ـ ولكن رغم هذا وذاك تظل لمحرقة لآل قمش غصة ومرارة ألم خاصة ,اذا أخذ الاعتبار بعدي الزمان والمكان وناسها البسطاء العزل الذين لم يرتكبوا إثما أو يشعلوا نار ثورة ,أو يفكروا بدولة, تظل لهذه المجزرة حرقة لأنها تسير في طور النسيان,  لذلك زوروا آل قمش واكتبوا لها القصائد وغنوها وتخيلوا لضحاياها الألف والتسعمائة والنيف صورا وارسموها واجعلوا منها لوحة تشكيلية تحكي المأساة, زوروا آل قمش وجردوها من كل هذا الخوف والصمت وأحيوها وابعثوا فيها الحياة , أوقدوا على قبورها الشموع ,قفوا دقيقة صمت وحداد,  لأني أزورآل قمش بعد كل هذه العقود وأتساءل بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!..
زوروا آلَ قمش وغنوا معها أغنيتها وهي الوحيدة التي ما زالت تحيي ذكراها وتحفر في ذاكرة الأجيال قصتها فقط كي لا تنسى؟؟؟؟؟!!!!!!
 

  ذكرى آلَ قمش   

 Biranina ale qemse
Ew sala ale qemse          jin u mer kirne hewse 
Wan wehse kure wehsa         ager berdane lase  
    Qir qire buke sale              xwin heriki newale
    (في آلَ قمش وبذلك العام جمعوا في * *  الدار الرجال والنساء وكل العباد
 اؤلئك الوحوش أولاد الوحوش * *  أضرموا النار في الأجساد
 مع صيحات وصرخات العرائس * * الدم يجري بغزارة في الواد)
Ew zaroke be guih li    wa sikandin ser u goh  
Qerp qerpe qere pace     ticar jibire me nace 
   Ji me kustin bav u xal     ji me girtin jin u mal  
 غرسوا في صدور الصغار   * *  كل حقدهم وغيهم بالحراب اؤلئك الأوغاد
      لن ننسى مهما امتد الزمان * * تلك الآهات التي سارت في السهول الو هاد
      سلبوا منا المال والعذارى وقتلوا * * فينا العم والخال ولم يبقوا حتى الأجداد)
De rabin tevde rabin      tevde weki birabin 
Rabin weki pilinga    dest bavejin tifinge 
Derde xemgin dejware     derman xwine neyare 
هلموا استفيقوا من هذا السبات * * وكونوا إخوة متحدين كالأوتاد
      هلموا حاربوا مثل الأسود * * ولتعانق أياديكم البنادق وتحقق الوعود
      فالجرح الأليم الذي ألم بنا ليس * * له دواء سوى دماء الأعداء في كل البلاد)

 .








 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات