القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: «عن النقد والرواية»

 
الأثنين 24 كانون الثاني 2011


محمد باقي محمد
    
      إذن ها نحن ندخل المشهد الثقافي من بوابته الأكثر إشكالية ، بوابة النقد ، وها نحن نباغت القارىء بالإعلان عن خلل بيّن بيْنَ الأدب في أشكاله المُختلفة وبين نقده ، فإذا أردنا التحديد ، وتوقفنا بباب الرواية على وجه التخصيص ، أمكننا ردّ مُجمل النثر العربي المعاصر في مشرق الوطن العربي إلى ثورة الشريف حسين بن علي 1916 ، التي وُسمت  بالثورة العربية الكبرى ، ربّما لأنّها أسّست لحلم العرب في بناء دولة عصريّة مُوحّدة ومستقلة تشمل شبه جزيرة العرب وبلاد الرافدين وبلاد الشام ، ولا نظنّ بأنّ الأمر سيختلف كثيراً مع الانتقال إلى بقية أجزاء الوطن العربي ، ذلك أنّ إنتاجه النثري سيحتكم إلى رؤى رواد النهضة العربية ، ولن يخرج عنها في كثير ، وهو لا ينأى بحال عن حلمهم في مشرق البلاد !


     بهذا المعنى ربّما كان القول برواية عربية تقليدية - تمّ الاشتغال عليها بدلالة نظرية الأدب الغربية ، كتلك التي جاء عليها رينيه ويليك مثلاً ، أو بدلالة نظرية الرواية ذاتها كما في كتاب جورج لوكاتش الذي يحمل العنوان نفسه - وارداً  ، ما يطرح أسئلة جديّة ومقلقة بهذا الخصوص ، أن هل نحن أبناء شرعيّون أو غير شرعيّين لنثر الجاحظ والتوحيدي وابن المُقفع ، أم أنّنا أبناء شرعيون لرينيه ويليك - كناقد - وميغيل سرفانتس - كروائي ،  أجمع الكثير من الدارسين على ريادته لهذا الجنس - !؟ رواية ترسّمت المُنجز الغربي -  حتى -  في تسمية أشجارها التي لم تكن  تنتمي إلى المنطقة ، فجاءت على الفعل الماضي في إحالاته إلى ضمير الغائب الشهير " هو " ، وحضر الروائي الكليّ الحضور ، الذي كثيراً ما لوى عنق الأحداث وفق مشيئته  ، فحرم شخصياته من النموّ الحرّ وفق منطقها الداخليّ ، وانبنت على زمن فيزيائيّ تقليديّ ، تسير سيالته من الماضي صوب الحاضر فالمُستقبل ، ربّما لأنّ  الروائيّين لم يُعفوه - إذاك - من نسق التعاقب ، كانت الحدوتة جاهزة - إذن - بما تتطلبه من حبكة وعقدة وحلّ ، ولم يكن ثمة لعب على الفنيّ في تلك الرواية !

     في ما بعد سيُقيّض لروائيّين عرب أن يبيئوا الرواية الكلاسيكية تلك ، وقد يحضرنا في هذا الجانب أسماء مهمة كنجيب محفوظ وحنا مينة - في روايته " الشراع والعاصفة " - على سبيل المثال لا الحصر ، ما أتاح لأجيال تالية من الروائيين إنجاز رواية تتسم بالجدة ، في إطار من التفرّد ، ناهيك عن الاشتغال على مفهوم المُخالفة ، على هذا ستنتقل الرواية من تقنيّة السارد الكلي الهيمنة إلى تقنية السرد المُتعدّد الأصوات ، ولن يكون هذا الانتقال بمعزل عن إنجازات علم النفس ، هذا بغضّ النظر عن المواقف المُتباينة من تلك الإنجازات ، وبخاصة ما جاء عليه فرويد ، ولعلنا نستنجد هنا بنجيب محفوظ - ثانية -  مُتوسّلين المثال في روايته المعنونة بـ " ميرامار " ، ما يذهب بنا جهات التأكيد على أنّ الرواية العربيّة لم تكتف بالتأصيل ، بل أنّها خاضت معركة الحداثة باقتدار ، وقد يكون الخروج عن المثال الأوروبي -  في حدّ ذاته -  إجازة مرور للقول بتلك الحداثة ، لتحلّ - من ثمّ - مفاهيم الابتكار والاستلهام والنقد محلّ مفاهيم التقليد والاقتباس والنقل ، ولنا في رواية حنا مينة " الشمس في يوم غائم " خير مثال على ما نودّ التدليل عليه ، وفي هذا الإطار جاء اشتغال الروائيّين على تيّار الوعيّ ، لينهض بتحرير لغة الشخصيّة تحريراً كاملاً  بعيداً عن تدخّل السارد ، وقد نتذكّر - في هذا الجانب - إنجاز الروائيّ المعروف هاني الراهب داخل الفصل الذي جاء على لسان المرأة في روايته " الوباء " ، أو ما كتبه سليم بركات في غير رواية له ، واضعين في اعتبارنا انتقال المقال إلى الفعل المضارع غالباً ، واعتماد ضمير المُتكلّم الذي يسمح بالغوص - عميقاً - في الدواخل القصية للشخوص التي تنثال على المتن ، ثمّ حضرت الأسطورة لتؤسّس للتجاوز ، فانهمك بعض الروائيّين في التشبيك بين متونهم وأساطير مُتواترة معروفة ، فيما لجأ بعضهم الآخر إلى اجتراح أسطورته الخاصة ، أو إلى توليف عناصر أسطرة داخل المتون ، كما في اشتغال الـ : د . عبد الرحمن منيف على شخصيّة متعب الهذال " مدن الملح - التيه " !
     كان العسكر قد تسلّموا السلطة في أكثر من قطر عربيّ غبّ الاستقلال بوقت قصير في ظاهرة عالمثالثية بامتياز ، ربّما لأنّ الأقطار العربيّة هزمت في حرب الـ 48 أمام إسرائيل ، فحمّل الجيش وزر تلك الهزيمة للسياسيّين ، وانقلب عليهم مُتسنّماً سدّة السلطة ، وشيئاً فشيئاً راحت دولة العسف تتوطّد ، فحضر المكان الافتراضيّ تحاشياً لغضبها ، حتى لكأنّ الروائيّ العربي كان يترسّم مبدأ التقية الإسلاميّ خوف السلطان غالباً ، ولأسباب قد تندرج تحت خانة الفنيّ أحياناً ، هذا كان حال جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف في " عالم بلا خرائط " ، إذْ حضرت " الطيبة " كمكان رمزيّ بديل للمكان الواقعيّ !
    وفي خطوة أخرى اشتغل الروائيّون على تقنية الرواية داخل الرواية ، فحضر الروائي داخل المتن كشخصيّة روائيّة ، ولنا في " شكاوى المصري الفصيح " ليوسف القعيد خير مثال على هذا الحضور !
    ولم يكن المُتكأ التاريخي بعيداً عن الأذهان ، إذْ تمّ استلهام الموروث التاريخيّ في هذا الجانب ، لتمكّن الروائي من قراءة الحاضر بدلالة الماضي ، لكن لا كزمن ارتجاعيّ بل كزمن مُتنقل بين الماضي والحاضر والمُستقبل ، وذلك عبر دوائر مرموز تتسع باستمرار عبر مستويات التأويل ، ذلك أنّ  الرواية فن مُتحرّر من سلطة اللاهوت ومن سلطة الزمن الأصل ، ولنا  في " الزيني بركات " لجمال الغيطاني - الذي استمدّ مادته الأساس من " بدائع الدهور " لابن إياس - انموذج في ما ذهبنا إليه من رأي !
     حتى الوثيقة بحرفيّتها حضرت في المتن الروائيّ ، ربّما بهدف " وقعنة " العمل ، أو بهدف التجديد والتنويع في أساليب السرد ، وقد نجد مثالنا هنا في " بيت الخلد " لوليد إخلاصي !
    هكذا - ربّما - لعب الروائيون العرب على التجريب ، فخاضوا غمار المتحوّل ، وعملوا على خلخلة الثوابت والبديهيات ، وإذا كان القول بحداثة عربية في مجال الرواية ممكناً ، كانت الإشارة إلى أنّ هذه الحداثة - على تأثرها بالغرب - جاءت لتجيب على أسئلة تخصّ الثقافة والمجتمع العربيََيْن ، نقول إنّ إشارة كهذه ضرورة من جهة ، وإقرار بواقعة من جهة أخرى !
     قطع الروائيون العرب مسافة طويلة - في طريقهم - من  الماضوية والنقلية إلى الكشف والتجريب والإبداع  ..  من المُطلق - الملحمي مثلاً - إلى التاريخي المُعقلن  - ما أعاد الاعتبار للواقع المُعاش - على الطريق نحو إنجاز رواية تخييل ،  رواية راحت تقطع شأواً كبيراً على طريق النضج الفنيّ ، فتبدّت حداثتها على أكثر من مُستو ، سواءً أكان ذلك على مستوى العلاقات الكلية بين عناصر اللغة والزمان والمكان والشخوص ، أو على مُستوى العلاقات الجزئيّة داخل كلّ عنصر ، وفي هذا الجانب يمكننا أن نستشهد بصنع الله إبراهيم في روايته " تلك الرائحة " ، وسيحضرنا اشتغال أحلام مستغانمي في ثلاثيتها " ذاكرة الجسد ، فوضى الحواس ، وعابر سرير " ، أو اشتغال عبد الرحمن منيف في ثلاثيته " أرض السواد " كأمثلة أخرى على الطريق ذاته ، وسيمدّنا إلياس الخوري في " الوجوه البيضاء " وعلوية صبح في " دنيا " وسليم بركات في " الريش " بغير مثال على امّحاء المسافة بين الواقعيّ والمُتخيّل ، فتنفتح أمام الرواية العربية آفاق لا تحدّ !
     وعطفاً على الشق الثاني من موضوعتنا - أي على النقد - يُمكننا القول بأنّ أحد مشكلاته الرئيسة تتجلى في أنّه ما يزال يتعامل مع المادة الروائية على أنّها حدث حقيقيّ لا جدال فيه ، ولهذا فهو ما يزال  يناقشه بالقياس إلى مُطابقته للواقع !
     إنّ العمل الروائي يتقدّم على النقد ، شانه في ذلك شأن أي عمل فنيّ ، وخلال مسيرته الطويلة  تناوب النقد الأكاديمي والنقد غير الأكاديمي - الذي مارسه الأدباء ذاتهم - على المشهد الثقافيّ ككلّ ، فحضرت قراءات الـ : د . طه حسين - التي جمعت بين الحالين - إلى جانب إنجاز الـ : د . محمد مندور ، الذي اقتصر في عمله على السياق الثاني ، وما بين هذا وذاك اشتغل ميخائيل نعيمة وعباس محمود العقاد - إلى جانب آخرين - على موضوعات شتى!
     هنا أيضاً قد نتساءل أن هل نحن امتداد للقاضي عبد القاهر الجرجاني وابن قدامة وابن جعفر والآمدي ، أم أنّنا صوى لنورثوب فراي وجاك دريدا وتزفيتان تودورف وكلود ليفي شتراوس ورولان بارت وميشيل فوكو .. إلخ !؟ ذلك أنّنا في ما أتوهّم أمام مُشكلة لا تقلّ عن سابقتها ، إن لم تكن أكثر أهميّة وإلحاحاً ، وتتمثل في غياب المثال والقدوة أو اختلاطهما ، إذْ لا تؤسّس إشارات مُتباعدة لمحمود درويش - مثلاً - أو لصبحي حديدي إلى ما جاء على لسان التوحيديّ في " المقابسات " أو في " الإمتاع والمؤانسة " من آراء إلى حضور مرجعيّ للترتث النقدي العربي في اشتغال النقاد العرب !
     أمّا اليوم فلا تبدو الصورة شديدة التبدّل ، إذْ ما يزال النقاد والأدباء يتناوبون - أو يتعاونون - على الممارسة النقدية ، هذا هو حال نبيل سليمان - الروائي والناقد مثلاً - أو حال جبرا إبراهيم جبرا وإلياس الخوري ، وفي الجانب الآخر تحضر أسماء عديدة كإدوارد سعيد ومحمود أمين العالم و صلاح فضل وجابر عصفور وإحسان عباس ، يمنى العيد ويوسف اليوسف  ومحمد بنيس وعبد الله الغدامي ، هذا على سبيل المثال لا الحصر، وإذن فلماذا الحكم الجائر الذي تصدّر مقالتنا حول تخلف العمارة النقدية عن العمارة الإبداعيّة !؟  هل يعني هذا بأنّ النقد الذي يبوّب ويصنّف ويرتّب ، ويبعد أنصاف المواهب - أو المتسلّقين على الأدب عنه - غائب !؟ وهل نودّ الذهاب جهات غياب نقاد  شديدي الأهميّة على مستوى الوطن العربي !؟
     وفي الجواب قد نوافق على محتوى السؤال الأوّل في معرض الإجابة الضمنية عليه ، لكنّنا سنجزم - من كلّ بدّ - بوجود قامات نقديّة كبيرة مشهود لها كإجابة عن التساؤل الثاني ، مُمثلين لذلك بحنا عبود أو يوسف اليوسف أو إدوارد سعيد أو جابر عصفور أو فيصل دراج ، وقد نتحايل على الموضوع بجواب آخر أن نعم ثمّة نقّاد كبار في الوطن العربيّ ، بيد أنّنا نفتقد إلى تقاليد نقديّة ، وعليه فقد نجازف بالقول أن ليس ثمّة نقد ، ولإزالة المُلتبس في كلامنا والمُتناقض سنوضح المسألة بمثال ، فنذكّر بأنّ الإمارات المتّحدّة تنفق كثيراً على الثقافة ! يكفيها في هذا الجانب مسابقة أمير الشعراء ، ولكن هل لنا  أن نتحدّث عن حركة شعريّة فيها تنتمي إلى عقد الثمانينات مثلاً .. أو التسعينات.. أو ما بعدها !؟ الجواب - قطعاً - هو النفيّ ، إذْ ليس ثمّة حراك ثقافيّ حقيقيّ هناك ، فهل نطالب  الناقد أن يغامر بلقمة أولاده ، ليبوح بهذه الحقيقة !؟ هذا يُحيلنا إلى  الجهات التي ترعى النقد - اليوم - في مشرق الوطن العربيّ ومغربه ! 
     ثمّ أنّ المحسوبيّة والشلليّة إذْ تطلّ برأسها كدمّلة قبيحة ، ناهيك عن القراءات الصحفيّة التي تتسّم بالسرعة والسطحية والاحتكام إلى المزاجي والعلائق غير الصحيّة ، إلى جانب غياب كبير للمنهجيّة ، يُسهم في تشويه الصورة وإفسادها !  ولهذا - ربّما - حقّق شاعر كأنسي الحاج حضوراً لافتاً ، مع أنّه لا يُقارَن بشاعر من وزن المرحوم خليل حاوي ، ولهذا - أيضاً - قد نتساءل كيف لنا أن نقارن شغل يوسف اليوسف على ت . س . اليوت ، أو عمله في " المعيار والقيمة " ، بنقده التطبيقيّ على تجارب شعريّة مُعيّنَة !؟
     بقي القسم الذي يخصّنا من السؤال والهاجس ، ولذلك سنبدأ من التسمية لنُصحّح الواقعة ، فنُذكّر بأنّنا نجترح كتابة القصّة أساساً ! لقد اقترفنا كتابة الرواية لمرّة واحدة ، وذلك عندما تفكّرنا في موضوعة عجزت القصّة القصيرة عن استيعابها لامتدادها في الزمان والمكان ، ولسنا ندري إن كنّا سنعيد  الكرّة ! ثمّ أنّنا نتحدّث عن جنسَيْن متباينَيْن في المُمارسة يجتمعان - فقط - تحت سقف النثر، فالقصة تتطلّب التكثيف والتبئير والاقتصاد اللغوي ، ذلك أنّها - إلى الآن - حدث   شديد الضبط  في زمنه ، يتصدّى للشخصيّة الإنسانيّة في واحدة من حالاتها .. في لحظة انقطاعها عن السياق ، وانبتاتها عن المؤسّسة المهيمنة ربّما ، سواء أكانت هذه المُؤسّسة عائلة أو قبيلة أو طائفة أو دولة ! بهذا المعنى قد تكون القصّة القصيرة نداء تلك الشخصيّة في تواصلها مع روح الجماعة ! في حين أنّ الروايّة عمل مُركّب ممتدّ في الزمان .. ممتدّ في المكان ، ومتعدّد الشخوص ، إنّها الوريث الشرعي للملحمة ، وهي السجلّ الطازج لليومي في حياة الناس ، أي أنّها تاريخ الخلاّقين المبدعين من الشرائح الشعبيّة في مواجهة التاريخ الرسمي ، وبالتالي فهي قادرة على رصد حركة المجتمعات إذْ تنعطف ، وهذا ما قد لا تستطيعه القصّة القصيرة ! بقي أن نأتي على نصيبنا  من النقد في ظلّ ما أسلفناه ، لنقول بأنّ الآخرين يشيرون إلى أنّنا لم نتحصّل على  حقّنا  منه ، هل تريدون مثالاُ !؟ إذن دعونا نُسرّ لكم  باسم ناقد أكاديميّ مجتهد هو الـ : د. نضال الصالح ، الذي همس لنا بذلك ، ويتفّق معه في المسألة آخرون كالأستاذ نذير جعفر، أو الأستاذ محمد محي الدين مينو ، ما اقتضى التنويه !
  • ورقة عمل ألقيت في مهرجان العجيلي للرواية في الرقة 10 / 12/ 2009 ، ويشكل الشق الثاني منها جواباً على سؤال في المنحى الذي جاء عليه !

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات