القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

آراء.. وآرام (2 / 2)

 
الأحد 15 تشرين الاول 2006

القسم الثاني والأخير

 هيثم حسين


مداخلة الأستاذ فيصل القادري:

(قُدِّمت المداخلة مكتوبة)

كتعريف تعرَّف به الرواية: هي الأدب الواقعي، الأدب الذي  يزيل الشوائب المتراكمة في فكر القارئ، ويحاول تنقية فكره، فمن هنا انطلق الروائي هيثم حسين بقلبٍ وفكرٍ مشحون يداوي الجروح ويكوي الحروق بوصفه للحياة اليومية وتصويره الدقيق لعادات وتقاليد مجتمعه وخاصة مدينته عامودا التي يصوّرها بعمومياتها وخصوصياتها ويذكر في روايته:


 (سيصوّر مدينته، سيصوّر أحوال مبدعيها،دراويشها، طيّبيها،مسحوقيها، مهمَليها،منسيّيها،المتمرّدين على أنفسهم فيها..سيصوّر اكتشافاتهم،عللهم،أحلامهم، جنونهم، استجنانهم.)ص 175 عامودا أحرفها لا تتجاوز  الستة أحرف  وكلّ حرفٍٍ من اسمها  يقابله لغزٌ،  يقابله عشق، وكأن الكاتب يضخّ في كلّ حرف عشقاً حينما يذكر:   
- اللغز الأوّل - العشق الأوّل: (هو العشق لمدينةٍ ترغمكَ وتُدمنك على الثبات والصمود والمعاندة..
- اللغز الثاني - العشق الثاني: هو العشق لمدينةٍ لن نفهمها مهما ادّعينا قوّة منهج التحليل، وعمق الربط، وعدم الانحياز..
- اللغز الثالث - العشق الثالث: هو العشق لمدينةٍ عصيّة على النسيان رغم جبروت التناسي المُمارَس عبثاً..  
- اللغز الرابع - العشق الرابع: هو العشق لمدينةٍ تحبط كلّ محاولات التحدّي؛ تحدّي أبنائها لها بالبعد عنها، إذ تقهرهم، وترغمهم على السكنى في الماضي، فيها، فهي الماضي البهيّ غير القابل للاستعادة..
- اللغز الخامس - العشق الخامس: هو العشق لمدينةٍ تُحقَن وتحقِّن بمعطِّلاتِ ذاكرة عصيّة على التعطيل، تتعاطى مخدِّراً ينشّطها، يثوِّر ذاكرتها، يلهب أعصابها وينخرها كي تبقى متيقّظة تحمي جنوننا من التعقُّل.
- اللغز الأخير –العشق الأخير: هو العشق لمدينةٍ هي مدْفن عشّاقها، تضيق بهم، وتضيِّق عليهم، فتلفظهم إلى الجوار متسوِّلين خجولين على أبواب كافيتريات منزوية.  ترفّق فروحي عاموديّة.. ترفّق فأحزاني عاموديّة.. ترفّق فأنا عاموديٌّ حتّى الجنون..) ص100-101
فالكاتب يتأسّف ويتألّم على ما يعانيه مجتمعه من تقاليد بالية وزيف الممارسات السلطويّة الـلا أخلاقية و اللا إنسانيّة ، دفعته تلك الممارسات إلى أن يحتجّ ويثور ويبحث عن بدائل حقيقيّة في روايته ، فبطل هذه الرواية (آرام) الذي يعيش أزمنته الاقتصاديّة و السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة أجدها  أزمات، آهات، أمنيات، حروق، وحسرات، ويحاول قدر الإمكان  البحث عن نافذة للتخلّص من أتون الجحيم الأعمى .
ومن جانب آخر في الرواية، أسماء شخصياته ، فهي في الغالب أسماء فلكلوريّة كرديّة فشخصيّة (هجار، بافي كيشو ، جيليكا دفي).. أيضاً في رسالة آرام الثانية التي يوجّهها لسيداي جكر خوين، يستحضر الرمز التاريخيّ في ذكره جكر خوين، ويذكر أسماء هي ألقاب تطلق على المرتزقين فيقول:
( لا زال كرتيلو وجلكو و أمثالهما يزاودون علينا بانتهازيتهم فالمزاودات والانتهازيات قد أبدعنا فيها وابتدعنا أساليب حديثة ص17).
أو حينما يذكر قسمي عامودا  على حسب تقسيم  حيندرو و إسماعيلو بحارة (روتا) الصلّع دلالة الفقر  وحارة (بورتا) المشعرين دلالة الغنى فهي من الذاكرة الشعبية العامودية ، ونجد في الرواية عدداً لا بأس به من الحكم والأمثال الكرديّة منها: (Tas hat û çingiya çi rast çi derew (.
وأيضاً استشهاده بواقعة "كُرِّي" المشهورة. وفي الختام بقي أن أقول: إنّ رواية آرام تعدّ وثيقة رفض للعبوديّة والفساد ومحرك بحث عن الحرية المرتجاة أملاً في استنشاق هوائها الطلق والاستمتاع بشمسها الساطعة في مدينة كمدينتنا عامودا . ولكم جزيل الشكر.

مداخلة الأستاذ إسماعيل كوسا:
(قُدِّمت المداخلة مكتوبة)

هذه قراءة مستعجلة للرواية، لأنّها وصلتني متأخّراً، وقرأتها على عجلٍ، فأرجو ألاّ يفهم من هذا الرأي على أنّه هجوم شخصيّ على الأستاذ هيثم حسين، وإنّما هو رأيي الشخصيّ في هذا الكتاب، ومن هنا أؤكّد مرّة أخرى بأنّه ليس تجريحاً ذا خلفيّات شخصيّة، وإنّما هو رأيي، وهذا الرأي بحدّ ذاته قابل للنقد، ولكلٍّ رأيه، وأتمنّى أن يتقبّل هذا الرأي بعيداً عن متاهاتٍ أخرى..
بداية، أسقطُ صفة الرواية عن هذا (الكتاب– النصّ)(آرام.. سليل الأوجاع المكابرة) لكنّي سأستخدم كلمة (الرواية – الراوي) في هذا السياق تجاوزاً، لا تحمل هذه الرواية في طياتها أيّة دلالةٍ إبداعيةٍ لمعنى الرواية كفنٍّ له خصوصيّة وتكنيك معيّن، لا شكلاً ولا مضموناً، فقط نجد لدى الراوي (هوس أو عُقدة) في عرض عضلاته اللغويّة – الثقافيّة، كأنّه يخاطب طلاّب المرحلة الإعداديّة، مستشهداً بالشافعيّ وقصة (جبر من بطن أمّه للقبر) وناظم حكمت وفيلم تايتانيك وسيداي جكَر خوين وإلى ما هنالك من كلمات مدرسيّة باهتة، وأمثال شاحبة عفا عنها الزمن ومضى.
بطل الراوي – الرواية (آرام) شخصيّة مرتبكة- لا بل شديدة الارتباك، شخصيّة فظّة متعالية – مزعجة، ربّما في داخل (آرام) أشياء جميلة وجديرة بالكتابة، لكنّ الراوي وباستهلاكِ محليٍّ فاضح يستغلّ هذه الأشياء لمآربه ومعاركه الوهميّة التي لم نجدها ونقرأها يوماً على الساحة الثقافيّة، وهذا الاستغلال في إطارٍ كتابيٍّ تكتيكيّ، بحدّ ذاته انتهاك وتقزيم لقيمة الكتاب والإبداع معاً.
هنا سؤال يطرح نفسه، لماذا هذا التقزيم المدروس للروح الإبداعيّة في عامودا، وخاصّةً في الفصل الثاني من الرواية.
في هذه الرواية – النصّ... كلّ شيء تافه وقبيح، في نظر الراوي، ماعدا الراوي ومعلوماته السوبرمانيّة، واكتشافاته الماجلاّنيّة، وشخصيته (آرام) الإلهيّة العظيمة، وبالإضافة إلى ذلك الاختباء عمداً وراء إعطاء هالة لغويّة فارغة لعامودا وشرمولا.. في أكثر صفحات الرواية وكأنّه (القدّيس يوحنا) ليصل بنا في النهاية إلى مقولته الشهيرة المدوّنة على الغلاف الأخير (لا عدل إلا هنا.. أو هنا يرقد العدل منذ بدء الخليقة).
الرواية مستهلكة الأفكار والشخصيّات، لا نجد صراعاً اجتماعيّاً داخلها، فإنّ كلّ ما نجده يبدو لي على الأقلّ هو صراع انتقاميّ ما بين الراوي والمجتمع، الذي ينصب نفسه محامي دفاع عن قيمه النبيلة، وعدو شرس لحياته الفاحشة البذيئة.
يمكن القول ببساطة: إنّ هذا الكتاب – الرواية تجاوزاً لا تعبّر سوى عن كاتب وعلى الرّغم من قوّة بلاغته (المدرسيّة) لا يحمل - داخل نصّه – رؤية إبداعيّة ذات إشراقة ووله ووميض، فهذه البلاغة والجزالة اللغوية لم تنقذ هذا النصّ الباهت ولم تضعه في خانة الإبداع الروائيّ، لأنّ الإبداع نفسه يخلق بلاغته العظيمة.
كما أنّني أجد في الرواية عبثاً فكريّاً، فهي قريبة تماماً لروح المقامات، وكما يبدو لي أنّ الراوي يروّج لايديولوجيا سياسيّة معيّنة، ويحاول مبطّناً قدر استطاعته خلال سرده تأكيد هذه الايديولوجيا ليصل إلى أحكامه القيميّة حول المجتمع فالمجتمع الذي لا يفكّر مثله، هو مجتمع شاذّ وعاقر ومقامر و.. و..
أكثر من نصف صفحات الرواية مخصّصة للهجوم على الأدباء (هم أنصاف أدباء – في نظر الراوي- وعلى الفنّانين والشعراء وهم أيضاً أنصاف وأقزام... لماذا... الجواب عند الراوي وليست في روايته).
وفي اعتقادي لا يؤكّد هذا سوى عن مآرب الراوي الشخصيّة – الوهمية داخل أناه الكتابيّة وداخل شخصيّته المرتبكة، أمّا إذا كان الهدف هو تقشير المجتمع وتحليله إبداعيّاً والوقوف عند سلبيّاته فلماذا لا نجد هجوماً على طبيب مثلاً (أليس هناك طبيب سيء، أو صيدلاني أو موظف في السجّل المدنيّ.. أو في أي دائرة أخرى.
هل علل هذا المجتمع في الشعراء والكتاب والفنانين، الذين يريدون العيش بطريقتهم الخاصة فقط.
فإنّ تخصيص جانب كبير من الرواية –عمداً– للهجوم على شريحة معينة من المجتمع تتميّز بخاصيات وسلوكيات معيّنة لا تشبه سلوكياتنا وخصائصنا، يعتبر إجحافاً كبيراً ومؤلماً، لا يليق بكاتب يودّ أن يكون روائياً كبيراً في أوّل طلّته الكتابية، فلا يدلّ  هذا سوى عن عقدة أدبية داخل الراوي نفسه، محاولاته الدائمة في سياق قراءة الرواية على أن يكشف لنا عن مدى عمق ثقافته التراثية والحاضرة ومعرفته بكل أسرار وقواعد اللغة والمجتمع واللعبة وسبر أغوار كلّ نفسٍ يمرّ في الرواية، ليس لشيء فقط ليؤكد لنا أيضاً أن صورة المثقف الحقيقي يجب أن تكون مثل صورته كمثقف حقيقيّ، وبقية الخلق إمّا جاهلون أو مجنونون أو شاذّون، ما عدا بطله آرام الذي يحمله وزر أخطائه.
في اعتقادي أن هذا النصّ، الذي سمّي تجاوزاً رواية، ليس له بعد فكري – إبداعي، إنما هو تقرير ايديولوجيّ – حزبيّ- مدبلج بطريقة انترنيتية ذكيّة عن حالة مدينة (يقزّمها الراوي إلى درجة الحضيض – على الرغم من التظاهر بحبّه العميق والولهان لها) ليس لإبداعٍ مطلقاً، فقط لينال ثقة مسؤوليه وكأس نبيذهم الجميل في ليلةٍ مقمرة من ليالي عامودا الجريحة على يد انفصامييها. هذه الرواية هي تيه كاتب في لغة جامدة إلى حدِّ الملل.   
 
مداخلة الأستاذ عادل زيدو:
( وردت المداخلة مرتجلة وباللغة الكرديّة )

لا تمشي صفة الرواية على هذا النصّ فهي مجرّدة من صفة الرواية، فللرواية مقوّمات وطرق عدا عن الموهبة، طرق كتابة الرواية من حيث الحبكة والشخصيّات والبيئة، تلك التي تضفي عليها صفة الرواية، فالحبكة: مجموعة أحداث تحدث، والحدث عبارة عن مجموعة مواقف، مجموعة من المواقف تشكّل الحبكة، والحبكة ضعيفة في معظم الرواية.
تبدأ الرواية برسالتين، تقعان في صفحات قليلة، الأحداث في مدينة عامودا، ولا يوجد ارتباط قويّ بينها، لا أحسّ بأنّ الكاتب خلق شخصيّة سببيّة، وارتباط الحبكة ضعيف غير مرتبط، الجوّ والبيئة أعتقدها من شكل الرواية وأعتقد أنّ ما كتبه هيثم حسين بنظري هو مقالة نقديّة، أو نقد أدبيّ، ولا تشكّل رواية ، فالرواية أضخم من هذا . والشكر

مداخلة الأستاذ عمّار حاج قاسم:
( وردت المداخلة مرتجلة وباللغة الكرديّة )

الرواية من المدينة، ونحتاج إلى الكثير لنصل إلى حالة المدينة، حيث المدينة لها مقوّماتها، ولا ينطبق على عامودا اسم المدينة، ولا الدرباسيّة ولا القامشلي حتّى، وصبغة الرواية إن كانت هي صبغة المدينة فهي مجرّدة منها، والكاتب في روايته يوضّح مشاكل عامودا، ولكن على الرغم من تكرار كلمة عامودا كثيراً في الرواية، فإنّ الكاتب لم يذكر شيئاً من مشاكلها. إن قصد التوثيق.
فربما شخصيّاتك في الرواية هي عاموديّة، فمثلاً حينما ذكرت الأحدب، أو ما يسمّى جيليكا دفي، تطرّقت إلى جوانبه النفسيّة، وعقده الجنسيّة، والأمور التي تحدث له في عامودا، من سخريات البعض عليه، وأظنّ بأنّك بذكرك الأحدب في الرواية، ضاعفت من مشاكله وعقده وهمومه. وركّزت قبل قليل على الحرائق، فعلى الرغم من قوّة هذه الحرائق، لكنّك لم تعبّر عنها بقوّة، وأظنّ أنّ الرواية خالية من الحرائق، وأعتقد بأنّنا لم نصل إلى مستوى الرواية بعد. وشكراً

 مداخلة الأستاذ كرم يوسف
هيثم حسين ممسّداً روح آرامه:
( وردت المداخلة مرتجلة)

هيثم حسين عبر روايته البكر" آرام سليل الأوجاع المكابرة" يحاول جاهداً الإمساك بيد بطله العاموديّ ليتمكّن معه وعبر معالم عامودا الحزن لدى آرام أن يوزّع هندسيّاً أحزان آرام على تضاريس عامودا المكان الزمان لآرام .
أبرز النقاط التي يمكنني التعقيب عليها في الرواية:
 - استمداد آرام للصبر حيال كلّ ما يجري له من ضرورة الديمومة والاستمرار في الحياة وليس لأيّ داع آخر.
 - آرام إذا استطعنا تحويله إلى رمز فهو رمز كيفيّ ولكنّه يبتعد مسافة 28 كم عن قامشلو ومسافات أخرى ليست متساوية عن بقية المدن الكردية السورية ليكون هو سفيراً للاسم والحزن الكردي عن كل تلك المدن في عامودا وليكون سفيراً عن نفسه أيضاً في عامودا ذات الحزن "الآراميّ" وهو عبر شخصه يختصر دورات دم لكثير من الشباب الكرديّ السوريّ.
- اعتماد آرام رمزاً إسقاطيّاً.
 - الرواية بين الصفحة 100-120 لا يذكر فيها أسماء شخوص الرواية خلال الحوار ممّا يولد الفتور لدى قارئها.
- اللغة على مدار الرواية ليست ذا نبض واحد فاللغة الشاعريّة للرواية تهبط ثمّ تعاود الصعود على الرغم من أنّها استطاعت في أغلب صفحات الرواية البقاء في نفس النبض لا سيّما في الفصل الثالث من الرواية حيث تعدّ لغة الرواية هي البطل بدل الشخوص .
- الصراع موجود في الرواية حيث الصراع الحداثويّ في الرواية ليس بحاجة إلى بندقيّة أو سكّين لكي نستدلّ مباشرة على وجود الصراع ولكنّ الصراع موجود بشكل غير مباشر من خلال صراعات آرام وأصدقائه مع واقعهم المرّ.
- الرواية استطاعت فرض سمة جديدة للرواية الحداثويّة وهي أنّ الرواية ليست وظيفة مدرسيّة إنّما لوحة تشكيليّة حيث لا التزام بقواعد إلاّ قاعدة الإبداع.
- الكاتب في اختيار اسم الرواية غير موفّق بحسب رأيي فرواية هذا القرن تعتمد على الاسم كواحد من عناصر التشويق.
 - التشويق في الرواية يكاد يكون غير موجود حيث الاعتماد الرئيسيّ على السرد والفلاش باك.

مداخلة الأستاذ حسن دريعي:
(قُدِّمت المداخلة مكتوبة)

لست بناقد أو دارس أدبيّ، ولكنّني أعتقد نفسي  قارئاً جيّداً. ومن هنا وفي ندوتنا هذه أقول بحميميّة إنّني توءم روح هيثم في رواية "آرام سليل الأوجاع المكابرة" لمواكبتي هذه الرواية من ألفها إلى يائها، كواحد من أسرة عامودا تحترق..
وكثيراً ما وجدت  كقارئ  للرواية أنّ الأستاذ هيثم يكتبني، أو لربّما يستنطقني في سطوره ومابين هذه السطور، كما كتب غيري في روايته..
 كتب في حيّز يجب أن نجده جميعاً هامّاً من  المكان العاموديّ، شئناه أم أبيناه، معتزّ ومفاخر به بلا جداليّة أبداً،  بجمال حوريّة بحر، أو حبيبة بقي الحبّ لها حبّاً أحاديّ الجانب ...
أو بزمامة أحدب نوتردام في شكله  الخارجيّ ورقّة قلبه الملائكيّ، فيا ترى لماذا كتب فيكتور هوغو الرواية، ولماذا منحنا نحن فلماً رائعاً وعالميّاً، ومن هنا لن أنوح عامودتنا الصادقة مع نفسها والقائلة هذا جمالي وهذا قبحي، واتركوا جمالي جمالاً، وقبحي قبحاً، ولا تجعلوا من جمالي قبحاً، ومن قبحي جمالاً.. ولا تكرّروا مكاني أبداً، فتكراره وجعله مستنسخاً أو كليشيهاً، جريمة بحقّ الإبداع.. بلا إبداع مقولب مصفّق له بحماس منقطع النظير ... 
ورواية آرام منحت هذا الحيّز المكانيّ كلّ عمقه وأبعاده ، بكلّ تجلّياته ...
أما زمان آرام.. فقد جاء في زمان مختلف عن زمن ما كتبتُ في عامودا تحترق، ورغم ذلك كأنّني أمام ثنائيّة أدبيّة، أو ثلاثيّة، أو رباعيّة مستقبليّة قريبة..
لأنّه لازال في رحم عامودا الخير والعطاء، الكثير الكثير ممّا سيتناوله أبناءها البررة ومبدعوها في كتاباتهم وفي إبداعهم..
 رواية "آرام سليل الأوجاع المكابرة" هي نتاج ينصهر فيه المكان والزمان والإنسان العاموديّ، انصهاراً خلاّقاً مبدعاً، أجده مبدعاً لواقع هذا الانصهار كفرد عاموديّ، وأنا أجد عامودتنا همّاً من همومي، كحبيبة أهيم بها عشقاً، ممو زينيّاً، فرهاد شيرينيّاً..
ومن هنا في ر واية "آرام.." هكذا كان وعي وإبداع الكاتب فيما كتب متلمّساً بأصابع طبيب جرّاح بحنانٍ وحبٍ لأوجاع مدينته عامودا المكان، حيث تسرّب إلى مفاصل بالغة الدقّة والتعقيد والأهمّيّة عبر إبداع مبدع في اختيار شخوصه ...
 أقف عند ذلك المريض المبدع المصاب بمرض الحراشف، المكتوم القيد، والذي كان مجموعه في الشهادة الإعداديّة /285/ درجة، ويبدع في البكالوريا ، هذه الشهادة التي سرقت منه في مديرية التربية في الحسكة، وفوق ذلك يتّهم بسرقتها، ويحرم من الدراسة الجامعيّة لأنّه مكتوم القيد، بالرغم من أنّه من سكّان ولاية ماردين بجبالها، بسهلها، واليوم هو بائع شاي في زاوية منسيّة من شوارع العاصمة دمشق.. فهل هناك جور قوميّ وإنسانيّ أكثر من ذلك..؟!!!
ومن هنا فالكاتب جاء بأبطاله بعضهم من الواقع الملموس، والقصيدة ، والقصة، والرواية، ليست رخاً ،  كلّه من نسج خيال  محض، ولكن في بعضها الآخر هي  خيال خصب مبدع أجاد في إبداعه من خلال ذاكرة عامودا المليئة بهم ...
عامودا  التي يجب أن لا نخجل بها  ترفّعاً، استكباراً مجوّفاً في أحشاء أحشائه، زيفاً لا عاموديّاً في نهاية المطاف.. نفراً نافخاً في بوق استنفار خلّبيّ عن فضّ بكارة عامودا البالغة العاقلة الراشدة، اللبيبة، الحصيفة، المحافظة على بكارتها من طوفان نوح وإلى  الطوش والسينما  وآرام ...
هكذا فرواية آرام طرحت بجرأة ذلك الصراع في عذابات شريحة واسعة من أجيال عامودا أو خارجها، هؤلاء الباحثين عن ذواتهم المسلوبة في الوطن في ديار الغربة ...
ولا يمكن للرواية أن تستوعب مئات الألوف من الحالات كما في مثالنا السابق بائع الشاي المكتوم القيد ..
ومن خلال هذا الصراع أراد الكاتب أن ينسف من جذوره كلّ ما حوله من بالٍ وعتيق في تلك التشقّقات والتصدّعات العاموديّة، التي مطلوب، مطلوب، مطلوب ، الحفاظ عليها بالية، متشقّقة ، متصدّعة، ومطلوب بقاؤها على حالها إلى يوم الدين... 
 يصرخ فيها كما يرغب ويشاء وفق الواقع الملموس والصريح بأسلوبه الخاصّ به، بسرده الخاصّ به، بشاعريّته الخاصّة به، بإبداعه الخاصّ به.. ليضع بين السطر والسطر سطراً،  ليمرق من خلال ذلك، بعضاً من أفكاره ومواقفه بالرغم من عدم تقصيره في ذلك، ورغم ذلك لم ينجُ منها ..
 هوذا حبل السرّة بين عامودا آرام.. وعامودا تحترق مكانيّاً وإنسانيّاً...
 وبالتالي فهي حصيلة تناقضات عامودا بمكانها، بزمانها، بأهلها، بسكّانها، بجمالها، بقبحها..
أليست هي  عامودا النكات التي غزت الوطن والعالم..  لماذا ؟! لأنّها مدينة تتفرد بنفسها دون سواها..
ورواية آرام جاءت لتتناول جانباً من هذا الجمال والقبح العاموديّ، من هذا الحلو والمرّ العاموديّ، ومن هنا فهي جديرة بكاتبها، جديرة بأبنائها، جديرة أن تقف بين شقيقاتها من الروايات التي يرنّ صداها في كلّ الأصقاع ..
ورواية آرام كما في كافّة فنون الأدب والفنّ والموسيقى العاموديّة..
 جاءت في تحدّ واضح وصريح لمحاولات خنق عامودا، والتضييق عليها وحصرها إداريّاً بين قوسي النصر شرقاً وجنوباً، والفرن الآليّ غرباً، والخطّ الحديديّ وما دونه شمالاً ..
رواية آرام ليست حقناً في شرايين المكان والزمان العاموديّ بمادّة قاتلة، وإنّما هي عملية تجميليّة برؤية كاتبها كما يشخّص ويصف في متناوله الملموس، لا إسقاطات لرؤانا لها وعليها، ومن هنا فالكاتب لا يكون صورة مستنسخة لفهمنا ورغبتنا نحن في رسم ملامح روايته ..
وعندما يكون أبطال وشخوص الرواية محض نسج خياليّ للكاتب، لا علاقة لهم بالواقع أو منه، وإنّما هم خارجه ، يتصدّر شعار الأدب في خدمة الأدب، ويتراجع الأدب في خدمة قضيّة هامّة...
 ليأخذ هذا الأدب ومنه الرواية لخدمة ذلك، سواء اقتربت كثيراً من ذلك أو أقلّ من الكثير بقليل، والكاتب من خلال استطلاعه آراء القرّاء يستطيع وحده أن يحكم بأنّه حقّق ذلك أم لا وبالتالي يستطيع تقييم نتاجه بدقّة العارف..
ويقيناً سيكون هناك تباين في الآراء، في الفهم، في التقييم، ولكنّ هذا يشترط عدم الموقف المسبَق من الرواية وكاتبها، ولربّما لا يكون التقييم دقيقاً من مجرد القراءة الأولى، أقول ذلك من المسحة الفلسفيّة للرواية هذه التي قد يجدها البعض صعباً على سهولة فهمه لها..
لا حاجة للقول بما هو الفرق بين النقد الأدبيّ، الدراسة الأدبيّة، والتقريع والتشتيم والهجوم العاصف على الرواية وكاتبها معاً ممّا يبعث على الدهشة والاستغراب متسائلين : هل نحن حقيقة أمام تقازف لايمتّ إلى الأدب بصلة ..
 ومن جهة أخرى يجب أن نقرّ ونعترف بأنّ رواية آرام جاءت في قحط الأقحاط من عامودا اللّهمّ باستثناء أعمال الندرة اليسيرة من الإخوة ، خارج المواقع الأنترنيتية، لتكون بحقّ رواية عاموديّة ، ومن يقول غير ذلك فهو متجنٍّ، فمن يعطيني رواية كهذه بغض النظر عن أسلوب كاتبها المتفرّد به، فيقيناً سأنحني له ولعمله بخشوع تامّ، لأن المطلوب هو التشجيع االلامتناهي وليس كسر (المقاديف) وبالتالي الحدّ من الإبداع غير المحدود ، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة.. 
أقول ذلك كما قلت ومن خلال تماسّي بالرواية ومعها، هي الحقيقة دون سواها كما فهمتها لا فهماً مغلوطأ ممّا قد يقع فيه الغير لربّما لسوء فهم أو عدم فهم نهائيّاً ..    
فالطاقات الثقافيّة و الفنّيّة والموسيقيّة  العاموديّة الخلاّقة المبدعة صمدت أمام محاولات النيل منها سابقاً واليوم ومستقبلاً، لتأتي رواية أرام مد ماكاً مشرّفاً  في صرح عامودا العصيّة العاصية ...
هي أرشفةً لجانب من تاريخ عامودا بأهلها، والذي ليس تاريخاً للولاة والحكّام، وإنّما تاريخاً للبؤساء في رواية ملتزمة بهمومهم، وذلك بطقوسيّته الخاصّة به أدبيّاً و بولوجه إلى ذاته المفروضة عليه إخلاصاً عامودياً ، كما هم عليه مثقفوها أدباؤها فنانوها أبناؤها البررة  أينما حط بهم الترحال والتجوال..
لتبقى عامودا في رواية أرام عامودتنا جميعاً، الأمّ الحنون الرؤوف .. وهي حقيقة لأجمل الأمّهات ... والشكر لكم.   

مداخلة الأستاذ بشير ملاّ نواف:

بدايةً، أنا لست ناقداً، فقط لي وجهة نظر حول هذه الرواية من خلال قراءتي لها، حيث تختلف رؤية القارئ عن رؤية الناقد، فالأخير يفكّك حسب القواعد والأصول، بينما القارئ يبحث عن ذاته لا شعوريّاً في النصّ الأدبيّ. ما لاحظته في رواية (آرام) قلّما وجدت نفسي فيها.
لكلّ عملٍ أدبيٍّ نواقصه، فكيفما كان الكاتب مبتدئاً، وتجربته الأولى لم يستطع الكاتب أن يمسح المساحة التاريخيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة....لعامودا، لأنّ عامودا أوسع وأكبر بكثير من هذه المكنونات التي اعتمدت عليها في الرواية.
من جهة أخرى اعتمد الكاتب على شخصيّات موجودة في الواقع شكلاً ومضموناً. مع تغيير وإضافات خفيفة من خياله، هذا ما أفقد النصّ عنصر التشويق، سيّما إن كان القارئ من مدينة عامودا، سلفاً يتعرّف على الشخصيّة عند ذكر الكاتب، ذاك أو تلك.
اعتمد الكاتب على اللغة كثيراً، إنّ اللغة مهما كانت رقيقة لا يمكنها أن تعبّر عن العواطف والمشاعر إذا كان النصّ يفتقد عالماً جديداً وخيالاً مبدعاً، هذا ما لاحظته في الفصل الثاني من الرواية. 
اختار الكاتب اسم (آرام) عنواناً لروايته، من الناحية الشكليّة ليختم الرواية صفتها الكرديّة. أمّا اسم (آرام) فمدلولها المعنويّ يعني الصبر والهدوء. وشخصيّة (آرام) ذو طابع قلق، لم يستطع تحمّل المصاعب والصبر عليها، بدليل هرب من الواقع، مرتبك من ناحية علاقة بطل الرواية بالشخصيّات الأساسيّة كبافي كشو والأحدب وغيرهم.
إنّها علاقة غير مباشرة، هذا ما يضعف دوره المحوريّ، ويصبح (آرام) جسراً في الرواية يعبّر به الكاتب عن شخصيّاته. وشكراً.

مداخلة الأستاذ دحام عبد الفتاح:
( وردت المداخلة مرتجلة وباللغة الكرديّة )

على الرغم من عدم قراءتي لكلّ الرواية، وليس بإمكان القارئ أن يحكم على الرواية من قراءته الجزئيّة، ولم أكن على علم بانعقاد الندوة إلا قبل وقت قليل، ولم يتسنّ لي الوقت الكافي لقراءتها لضعف في بصري، ولكن قرأت قرابة (30 إلى 40 صفحة) ومتفرّقات عابرة من الرواية.
ليس من أحد يعرّف بالرواية بشكل حقيقيٍّ وكما قال الأستاذ (أشار هنا إلى الكاتب كرم يوسف) إنّ الرواية لوحة تشكيليّة فنيّة، ولكن أقول حتّى اللوحة لها عناصر فنّيّة يجب أن يعتمد عليها، وعندما نعرّفها نستطيع أن نعطي رأينا فيها كرواية أولاً وحتى قراءتي أجد أن القارئ للرواية كمن يقف على تلة عامودا أو حاووز الماء لينظر إلى عامودا من أولها حتّى آخرها.. هي هكذا الرواية ورؤية الكاتب هيثم حسين وقبله الكاتب عبد الحليم يوسف، رؤيتهما سوداوية إلى عامودا.
 ألاحظ بأنّ الكاتب وضع نظّارة سوداء أمام عينيه وهو يكتب عن عامودا.. تحدّث الكاتب عن نهر عامودا وتغطية النهر من قبل البلديّة، فهل من الممكن أن يكون نفق اللواطة والتحشيش والقتل والسوء كما ذكرها الكاتب..؟ فمثلاً لماذا لم يذكر انتقال سوق العرصة إلى فوق الغطاء الإسمنتيّ وتنظيمها، وأيضاً إزالة الأوساخ التي كانت أمام أعيننا.
في البداية عندما سألتم عن تاريخ عامودا، ما مدى ارتباطها بالرواية..؟ ولقد وشوشت هيثم في ذلك، لكنّه قال بأنّ لذلك رابطاً.
منذ عام 1925 وحتّى الآن عامودا ليست عامودا المذكورة في آرام أو سوبارتو، حيث وقف الكاتبان على النواحي السوداء في عامودا، وعند انتقادنا لوضعٍ ما علينا النقد  ليس من قلب أسود.. وكذلك لابدّ من الابتعاد عن النقد المجامل،
عندما كانت عامودا مركز الأدباء والشعراء ما كانت هناك الدرباسية أو الحسكة أو القامشلي، عندما هاجر الناس إلى عامودا جلبوا أموالهم معهم ولكن السيدا عبيد الله حمل كتبه على كتفه، وكان يعطي العلم لمريديه كمتنوّر يزيل العمى الصوفي عنهم، يفتّح أذهانهم، وأمثاله آخرون تخرّجوا من مدرسته التنويريّة تلاميذ له: كالشيخ فتح الله، محمدي ديكي، جكرخوين، شيخموس قرقاتي وغيرهم، بعضهم أصبح كتّاباً والبعض الآخر أصبح  سياسيّاً.
عامودا قاعدة الأدباء، عشّ المنفيّين والمتمرّدين على سياسات أوطانهم، وتلك الأفكار نثروها أو  وزّعوها على من حولهم ونحن الآن ثمرة أفكارهم وأعمالهم.
كـ: ملا حسن كرد، رشيد كرد، قدري جان، عفدي تيلو وآخرون، بنوا نادي كردستان في عامودا، انطلقوا من عامودا، هذا هو تاريخ عامودا .
مررت بالقرب من بيت هادي آغا (على لسان الملا حسن كرد)، رأيت شيخ أحمد حسو، كان يدقّ على المزهر وكان ينشد: جيش الأكراد قد فنا  شيخكي وعفدكي وأنا.. وعندما استُنكِر عليه ذلك ردّ: أنا أغنّي على نادي الأكراد.. وعندما سُئل: من علّمك هذا الكلام ؟ أجاب: أحدهم علّمني هذا الكلام.
 أردت أن أقول لهيثم وحليم إنّ عامودا ليست غابة سوداء، وتعتقدون أنّكم تنتقدون عامودا. وإن كان هذا النقد من منطلق الحرص والحبّ، لأنّه من الحبّ ما قتل..
عامودا مميّزة، مركز الأدباء والشعراء، فلو رجعنا إلى التفاصيل، لوجدنا لو لم تكن عامودا ما كانت عليه، لما أصبحت ما هي عليه الآن. وشكراً.

مداخلة الأستاذ محمّد سيّد حسين:
(تُرجمت هذه المداخلة عن الكرديّة)

قراءة نقديّة وتقييميّة مختصرة لرواية" آرام سليل الأوجاع المكابرة" للأستاذ المحترم هيثم حسين من منشورات دار الينابيع 2006م
ممّا لا شكّ فيه أنّ أيّ رواية، مقالة، قصيدة، كتاب، في الكثير من المجالات والنواحي والأصعدة، الأدبيّة ، الثقافيّة، الفنّيّة، والفكريّة، سلباً وإيجاباً، قابل للتقييم والنقد، وأنا سأتطرّق إلى الرواية التي تحمل عنوان "آرام" للكاتب القدير هيثم حسين وبطريقة أدبيّة، شاعريّة، في جميع حقولها المتعدّدة الألوان، والغنيّة. من عصارة محتواها الشائق، استخلصت هذه العبارات، الواردة فيما يلي :
آرام ينفض غبار التاريخ عن عامودا المخلصة.
عامودا مدينة.. موطن.. وتاريخ، قائمة منذ بدء الخليقة، آرام القلق سليل الحوريّين والسوباريّين، من بين أطلال التاريخ من جديد ينفض غبار التاريخ عن الأكتاف، من عمق التاريخ العريق، من الرُقُم المدفونة فيه، مكابرة.. علوم.. ملاحم وأساطير الآباء والأجداد.. ينقل أصالة التراث القديم إلى كلّ الجهات..
القضيّة المنقَّب عنها بفؤوس المستكشفين لم ترَ النور قطّ على شفاه الأفق، بقيت تائهة ومعلّقة في زرقة السماء، شهاب يخلّف ألوان قوس قزح، أليستا (يوم القيامة بلغة الحوريّين) المعهود قام فيها. 
آلهة الحبّ الخالدة خطت إلى الحياة من جديد، آرام الشاهد على المآسي  ترافقه رسائل العشاق غدوّاً ورواحاً.. نافد الصبر لا يستنصح نفسه
مجنون عامودا ثمل، عنيدٌ لا نظير له، لا يأتمر بأمر أحد، ابن عامودا العريقة في جنونها، حمل منذ أكثر من ثلاثين قرن صرّة نصائحه على كتفه، كوجبة برغل قليلة الدسم محترقة *، كجبس باهت وفاكهة لم تنضج بعد..
من جديد يحاول محاولة كبيرة، من أجل الأحداث العاموديّة، *في موئل الحكم والذكريات الباهتة * فالأمل يبعث الذاكرة..
إنّ كتابة الرواية مسألة معرفيّة، سوداويّتها تفزع القارئ..
كفى.. أيّها العاشق العاموديّ .. امسح جداول دموع الحزن  عن خدودك.. صلّ الدعاء الأخير لمدينتك..
* * *
لا تزال رسائل العشاق ترافقه غدوّاً ورواحاً..علوم وأخبار العشّاق تفتح معبراً في الزمن..
ارتعاشة ريشة القلم، تفسّر أسرار أحلام المتأمّلين، على صفحات بيضاء وسط غابات الحروف الصامتة، هم الذين يتحكّمون بجمال الكلمة، قوة الإبداع هي التي تكتب بالدموع، بمعاني نبضات القلب تعترف بها.
الجاهليّة خزينة الضعفاء..
لو أن أحداً يدري جيّداً، كيف يبحث في المكان، سيدرك أنّ الآمال لم تفقد فيها بعد..
آرام سليل الأوجاع المكابرة ، تقيُّ، دائم الإعجاب بنفسه، جسورٌ في سرد مآسيه، صريح صادق، أحياناً يجد نفسه، حامياً مظلّة الدين..
السياط توقظ الأموات من القبور، وكأس الخمر، يصيّر الندلاء أنبياء...
أخي.. ارفع كأس عامودا.. اكسر تماثيل الطغاة..على قبر الفتيان الشهداء؛ شهداء السينما، اقرأ حكم الأفيستا المبارك. 
حرّر الحصان الجموح من القيد، لأجل عشيقته الأوروبيّة .. حرّره.
إيّاك أن تنسى خنجر أبيك، وكيس تبغه..
يا شارب الخمر الدم يغلي، لا تفكّر في الانتحار، ضع تاريخ الملاحم نصب عينيك، خاني، وجزيري، مم وزين، سيداي نامي، وجكرخوين أوسمة لنا، وذكريات مشرّفة، لا يطفئون شموع الأمل..
سليلو الأجيال المتنوّعة، يتطلّعون نحو قمم الجبال..
مسلّحٌ بالقلم، يلعن المتقاعسين، يقاوم لأجل البقاء، لا يهاب رهبة الموت وطنيّ دون وطن رعيّة مذَلّة، ضحيّة الحبّ، يقطّر الدم من عينيه..من القلب ينزل الدموع.. أيا مسكيناً يبكي على نفسه!
على شفاه الابتسامات .. عواطف جيّاشة، في مذبحة الحبّ، كمَّ الرجولة..
إنّ الحياة عشيقة غانية، ساحبة الأفكار، سارقة النوم، معدومة الحيلة.. بالكدر والألم لا تلحقّ بها.. لتكن آمالك يقظى وعد لأرضك..
* * *
الذكريات أكثر الأحيان مخادعة، النسيان هبة طبيعيّة.. ذكريات اللجوء، كوابيس الغربة والهويّة الأجنبيّة، لا تموت قطّ.
ضاقت الدنيا بالعاموديّين وانقلبت على رؤوسهم، حتّى الإله يأخذ النصائح والعبر من أفواه المجانين.
خلق في عامودا إنساناً، وعاش معها أيّامها ولياليها الهادئة، وتخطّاها بالمعاناة، قد هام بهذه المدينة، ومن روحه وجسده لا يرحلُ قطّ..على أجنحتها، سوف يذهب عمره مع الريح..
السخريات.. الحكم والأمثال ابتسامات على شفاهها.. من ذوي العيون الناعسة، التي لا نظير لها
* * *
آرام العائد من تيهه، العائد من رحلته المريرة، ثمل، عاشق ولهان، توقّف على عتبة تجربة عبثيّة، جريح المشاعر والأحاسيس، يمضي سني عمره في عامودا..
أيّها الأجنبيّ ! لا تتلفّت وراءك ! إن لم يهمّك الأمر،اختر فقط بقعة مباركة، من مسقط رأسك لأجل قبرك..
متحسّس من كلّ من حوله، مكتوم القيد، كسير النفس، آماله وأمنياته، في صحارى مقصوصة الجدائل.. تائهة..
كفى كفى وكفى أخي، الجرح عميق ونازف، انقطع أمله من المساندة، والدواء بعيد المدى..
على أبواب كلّيّة الطبّ، كالعبيد يبيع الشايّ، حتّى في يوم القيامة، ليس له إحصاء وسِجلّ، لا يستحقّ أن يكون له ربّ، ملاك عند أبواب الخطايا، بريء يلحّن الأصوات والألوان على حوافّ لوحة تشكيليّة، يُدَوْزِن الآلات الموسيقيّة بأصابع الملحّنين..
* * *
إنّ تلك الطفولة المشرّدة تحرق الآمال التي في داخله، وتخبّئها في الصمت مجهولة.. فهي طفولة بريئة، لا توقفها أيّ العراقيل..
قلق.. مشغول البال.. سريع البكاء، لا ينتظر حتّى الله كي يروّضه..
شيئاً فشيئاً، بريشة فنّانين تشكيليّين، يبذل أقصى ما عنده، لكنّ المساحة لاتسع لوحته،  ألا ليت لو يحقّق مشاريع قبلاته في الأحلام ويصيّرها واقعاً ملموساً .. ينتقل من حلم إلى آخر.. مجنون الأحلام ، يلهث وراء السراب، يتمنّى تمنّيات غير مجدية..
"الكذب حمار دون لجام"، أبترُ لا يعترف بأسراره، مبدع في الأكاذيب، يدبلج في ظلّ الخيالات أحلاماً ممنوعة وحينما يفتح عينيه على اتّساعهما، تهرب منه مبكّراً..
لا يقتل بطولته في الأحلام أبداً.. زعيم القشامرة، أسد لا يُجارى، صيّاد الذئاب، يصارع الضبع فيصرعه، وفي السباق، لا يشقّ الغزال له غباراً..
متردّد كقربة مبخوشة، طبل الاستغاثة، متفنّن في نسج الأكاذيب، ساحر.. مليئة جعبته، ما فوق الأرض وما تحتها بادٍ له..
كيشو، عزّو، هجار، ميشو، آرام والأحدب أناس مجتمع عامودا، يذرون آلامهم فوق تلّ شرمولا..
كاللصّ وصاحب البيت.. تشبّثوا بعامودا..
قصّة طويلة، تاريخ من دون وضوء.. عاشق عامودا،  فقط بذكر اسمها يسكر.. قاطع طريق لا ينسى الطوش.. مقدام  لا يتراجع عن استرداد المنهوبات .. يلفو عليها..
كلّ من لا يعشق عامودا، بدهيّ أن لا يجنّ مطلقاً.. لو تكون عامودا جحيماً لن يغادروها.
لاجئ، مهاجر.. تجّار البشر المخادعون، باعوك على الحدود بأبخس الأثمان.. دع قيادك لعقلك، فلا زلنا في قلب الحدث، ومناسبتها قادمة إيجاباً..لا زالت الإنسانيّة، تتوافر بكثرة في بعض الأماكن، وحدها سكرات الموت تنتظرها، ودائماً إحياؤها مقاومة..
* * *
عامودا بانتظارك، الأمّ الحزينة تتأمّل عودتك، بالترجّي والتوسّل، لا توصل نفسها إلى أهدافها إنّه زمن المقاومة !
حتّى الحيوانات البرّيّة والمائيّة، ترجع إلى مواطنها الأولى، فلا تلقِ بحجرك على غير هدى، جهدك مقدّس ومبارك.. الهرب واللصوصيّة ليسا من شيم الكرام.
من عذريّة ليالي عامودا.. اكتسبِ الجرأة والشجاعة.. اجعلْها بذوراً.. وفي أفئدة الشبان ازرعها..
كم جميل لو أنّ الإنسان يقاسي من أجل أرضه! يفضَّل أن (ترى) تكون شاهداً المعاناة، المصائب والدمار في مدنك.. ضائقتك حينما تكون ذليلاً على أرضك، مقهوريّتك من قلب النار.. غريب عن الوطن، الفقر، اليأس والعوز عناوينك.. يُنظر إليك على أنّك طفل سفاح، يتماوج مع خدع الزمان، ما ظلّه سقف.. ما دفّأه لحاف.. باباً باباً يفتّش شوارع وأزقّة المدينة، يصاحب الكلاب ويحالفها .. جدّيّ يحارب العقلاء..
السجن الانفراديّ، السوط، التعذيب، التمثيل بهم والحيرة، ما أقصته قطّ عن موطنه عامودا.
إنّ  الروائيّ يبعث عامودا في هذه الوثيقة، يخلّدها.
كفاك عدّاً للقرون..! لا تذرِ الشكوى عليها، فالشكوى دأب الضعفاء، ولينحدر دمعك على حقّك، لأنّ النضال يتطلّب معبراً، لا بدّ أن تنفتح له السواقي، حتّى بيت الله لم يحقّق مرادك، "والطائر لا يحلّق إلاّ مع سربه"، "الخرزة المثقوبة لا تبقى مع العطّارين." أمن يوم يا ترى يكمل فيه الأحدب دينه، يكفيه فخراً أنّه عاموديّ، ويفوح منه عبق مسكها وعنبرها.. حصان جموح.. لا تيْئس...! شبقه سيبدع في أولى النتائج، سيفك لم يصدأ بعد، لا تفرّ من جبهة المعركة، اكسر سلاسل وقيود الخوف، لا ترثِ لحالك كثيراً، فكلّ الجبال حدباء..
خجلك يبدي ملامح الاعتراف، بداية التخاذل تمطرك، لا تذبلْ الكرامة في ذاتك، أزل الحقد والحسد عن قلبك الانتحار دأب الضعفاء، حقّك في الحبّ مشروع، وكلّ من يسند نفسه إلى القدر،عديم الأمل..
فرج الذئب والانتظار، لن يجلبا لك الحظّ قطّ، فما نيل المطالب بالتمنّي، المقاومة تدقّ باب الخلاص، فمن الخير أن تسأل عن نفسك، عمّن جعلك أحدب ، بقاء الميْئوسين دائماً على الأمل، وبأنّ الغد القريب يبشّر بالتفاؤل..
السوداويّة والأمور المؤجّلة رأسمال سيّئ، اجعل نور القمر.. يوقظ عنفوان العشق..
يتحرّق على أنثى، يتلهّف على أخبار عشيقة فائقة الجمال، عسى أن يتحقّق حلم اليوم المشهود، ويتلمّس الجسد واقعاً.. لا تنزعج ! في كلّ يوم تشرق فيه الشمس، اصلح ذات البين بين الحقد والحبّ..
* * *  
الشاهد شريك اللّصّ، القاضي حاكم الاثنين..
لو أنّ الأبنية بدون أسس وأعمدة، ستنهار بالكامل.. لو أنّ النصّ لا ينتقد سيبقى باهتاً يطاله الصدأ.. 
تجاعيد وجهه مثل فِلاحة حذاء الطريق، لا يتجرّأ أن يدلي بشهادته، والزمن أيضاً لا يدلي بشهادته، يقنّع أفعاله..
عامودا التي ولدت من تاريخ الفجيعة، انتقلت إليها رعود الانتفاضة من قامشلو..
آرام الراحل إلى التراث الأدبيّ، يتحدّث مع ظلّه، يدور في دوّامة الارتحال حول نفسه، كثير الأصدقاء يقاسي ألم التاريخ..
عند كولا عنتر، ضفاف نهر دارِى الجافِّ الحلق في عامودا الصامدة، ولا تزال تنتج المبدعين..
إسماعيل.. وحيندر.. وهوارو يتقاسمون ميراث عامودا..الوجهاء والإقطاعيّون، يقسّمون المجتمع فيما بينهم.. مشعر، أصلع، يتيم، كلّهم مجانين ومهابيل.. محمودٌ وعثمان.. ألوان الطيف العاموديّ.. دخلوا في طور النسيان.
كما أنّ نقد الكتّاب، لا يقبل من قلب الموضوع، عند ذلك، فإنّ روح عدم الاعتراف تهرب منه، ووباء الأنانيّة، والشهرة، يتكاثر في حقوله، كذلك، الخيط يبتعد عن الإبرة..
البطالة، الجهل، سادا المنطقة، في الوقت الذي ترقد فيه على النفط..
إنّ آرام لا يهتمّ بحبّ عقيم، فقد وهب نفسه لعامودا، وهو متفائل بأنّ عامودا ستنجب أجيالاً متتالية، وكأمثال الأستاذ هيثم ، سيربّون تلك الأجيال أبطالاً..
العوز مدرسة ميْئوسة، لكن فقط في عامودا هو نبع الإبداع..
لسان اسماعيلو و كيشو والأحدب الذين يبدعون للأجيال القادمة لساناً عامّاً وبليغاً.. من ركام الأطلال المدمّرة سيبنون قصوراً ومؤسّسات، سيودّعون أغنية الحزن والبكاء..
كنّا نعتقد أنّ عظام آرام، في طمأنينة تل شرمولا قد اهترت، وها هو كاتب الرواية النشط والواسع المعرفة، بعصا التنقيب يوقظها من ذلك السبات القاتل.. ومن جديد لأجل البقاء يستكشف التاريخ..
                                                      
مداخلة الأستاذ إبراهيم محمود:
( وردت المداخلة مرتجلة وباللغة الكرديّة )

قبل كلّ شيء، مساء الخير، وأتمنّى أن تكون هذه فرصة جميلة للقاء بكم، حيث نحن في عامودا، وكما تعرفون أنا أكتب باللغة العربيّة، ولكنّي سأحاول أن أتحدّث بلسان أهل عامودا.
أذكر هنا بداية ذلك الملك الفرنسيّ الذي طلب من أحدهم في أن يتعلّم الإسبانيّة، وحين تعلّمها، طلب منه أن يقرأ رواية سرفانتس (دون كيشوت)، وفي هذا الإطار، ورغم أنّ رواية الكاتب هيثم حسين (آرام) مكتوبة بالعربيّة، فإنّها تتحدّث عمّا هو كرديّ، ويمكن تخيّلها بالكرديّة.
ورغم أنّني كتبت مقالة بالعربيّة عنها، هي (مستقرّات السرد)، نشرتها إنترنيتيّاً، فإنّ التحدّث بالكرديّة، هو للتواصل أكثر من خلالها.
إنّ كلّ حدثٍ مرتبط بوقته وبلسان من يعيش من خلاله، كما همو أنتم، هنا أنتم أصحاب هذا البلد . إنّ علاقة القارىء بما هو مكتوب، كما في رؤية حجرة مرمية في الماء، حيث يتمّ النظر في موقع الحجرة بداية، وبعد ذلك متابعة الدائرة التي ترسمها، والذي يتابع حركة الحجرة فقط، لن يستفيد شيئاً. والرواية التي كتبها هيثم هي هكذا، فثمّة من يحدّد موقفه منها، كما هو المتابع لكيفيّة سقوط الحجرة وغورها في الماء، ولكنّ الابتعاد عن المكان الضيّق، يمكّن من رؤية المثار أكثر.
لا أمارس أستذةً على أيّ كان، فلكلّ رأيه المختلف في الرواية، ولكن هل كلّ قول هو رأيه؟
النقد يظلّ مختلفاً بالنسبة للرواية  من جهة الموضوع، والحدود، قرأت كتاباً قبل عدّة أيام للكنديّة، هي ( مرجريت أتوود)، باسم (مفاوضات حول الموتى: تأمّلات حول الكتابة)، ثمّة فصل حول علاقة الكاتب بموضوعاته، وآخر مع القارىء، تذكر أمثلة كثيرة، وتري أنّ تحديد الرواية من جهة التعريف والموضوعات غير ممكن، والروايات تكون مختلفة بذلك.
في هذا الصدد أذكر أيضاً، أنّني نشرت مقالاً بالكردية عن رواية حليم يوسف (خوف بلا أسنان)، وهي الرواية الأولى عن الحدث الآذاريّ، ثمّة اختلاف في الموقف، اختلاف كتابة مختلفة عن التاريخ، عن قامشلو عن عامودا...
بالنسبة لهيثم حسين، كتب عن عامودا، عمّا يكونه هيثم حسين، كتب عن حريق عامودا، وعن حريقه الخاصّ. حيث نرى مزجاً بين الشعر والنثر، الشعر الذي يجلو المأساة، والنثر الذي يكتبها، وهو حاول أن يكتب مازجاً بين الاثنين. ولعلّ الذي يتحدّث عن عامودا، ومن خلال موقفٍ ما من هيثم حسين، يكون بعيداً عن الرواية.
كلّنا يعلم ماذا قال فلوبير عن نفسه، بعبارته: أنا مدام بوفاري. لقد حمل في ذاته الذكر والأنثى. بالمقابل، يذكر الروائيّ ساباتو في كتابه (الكاتب وكوابيسه)، عمّا يجب أن تكون عليه الرواية، محدّداً على أنّ الرواية التي لا تُقلق الآخرين ليست رواية.
ما أقوله ليس تكريماً للكاتب هيثم حسين، إنّما هو رأي يخصّ الرواية والموقف منها.
هنا أتساءل، كمثال: تُرى من يكون آرام..؟ هكذا لا ننظر إليه، أهو شخص جيّد، شخص وسيم، شخص متّحد مع نفسه، وضعه السيكولوجيّ متّزن، لا.. كيف أصبح وما حال إليه !
و بعد رجوعه يقول هذه الكلمات! وفي النهاية  وصل إلى المقبرة، بأسلوب نيتشويٍّ أو كجبران خليل جبران، ثمّة ما هو أبعد من هذا.
ما أقوله مجرد مثال، فآرام يحمل مفارقات، فيه السلب والإيجاب، وعلى هذا يمكن التعامل معه. ولا بدّ بالتالي التفريق بينه وبين هيثم.
لديّ الكثير من الملاحظات، لكن هذه الملاحظات تجعلني أتحرّك في عامودا وأعيش، الكثير من الأشياء تدخل عقلي، أنا حسب رأيي.. هيثم كتب عاموداه، وللأسف فعندما أقول لماذا كتب عن فلان وعلان؟ هنا يكون الخطأ، وهذا ليس سؤال الرواية ..!
حيندر خارج عامودا لا يصبح زيد وعبيد، إن غيّرتَ اسمه يجب أن يبقى حيندر، إسماعيلو يجب أن يكون إسماعيلو، هذا المكان يجب أن يكون هكذا، إنّه يحمل رؤاه، عندما أقول هذا النهر، كم  يحمل من الأشياء الجميلة! وكم هو رائع!
معنى ذلك أنّ الرواية  يجب أن تشوبش، تبحث عن  (الشاباشيّة) (تزاود).
 هو كتب عن حرائقه الشخصيّة، عن حرائق عامودا، ليست عامودا وحدها، كما قلت. عامودا مكان، نموذج أو مثال، لكنّ عامودا تمتدّ كثيراً ومن الجهات الأربع، عامودا قبل سنتين ليست عامودا 1937م، في هذا التاريخ كانت النار تأتي من (فوق)، في الحدث الآذاريّ، كانت أرضيّة. 
إنّ الطوش، كما تمّ ذكره، هو: النهب، كان مرتبطاً بالنهب أو مرتبطاً بـ توش بالفرنسيّة، وتعني اللمس، وما في اللمس من مسٍّ....
في حدث عامودا قبل سنتين، النار بدأت من على الأرض، هؤلاء الذين هاجموا عامودا، كانوا من خارج عامودا، الذين كانوا قبل سنتين في هذه المنطقة، هنا يجب أن نفصلهم عن بعضهم، ونفرّقهم.
ومرّة أخرى أقول هذه الكلمة الأخيرة، وهذه ليست ملاحظة على أيّ كلمة تقال: إنّ كل واحد يقوم ويقول كلمته، هذه الكلمات التي  يمكن أن تقال، الرواية قالت كلمتها بدورها، بمعناها الخاصّ بها.
يتوضّح في نهاية الأمر إن شئت أم أبيت، رواية آرام ستجد مكاناً لها، ودون شكٍّ ستدخل تاريخ عامودا  وشكراً.

تعقيب هيثم حسين:

سأردّ بشكل عامّ. يقال: أن تقاضي الآخر على تفكيره لأنّه لا يفكّر مثلك، وتجرّمه أو تحاكمه، لأنّه ليس نسخة فوتوكوبيّة عنك، فهذا بحدّ ذاته إجرام. أعني عندما تحاسبني وتؤثّمني على عدم توافق وتطابق تفكيري مع تفكيرك.. فهذا منافٍ ومخالفٌ لما ينادي به كلّ واحدٍ منّا من حرّيّة الفكر، وحرّيّة المبدع. نحن نختلف لنأتلف، لم نأتِ لنتعادى.
حاولت في روايتي أن أبتعد عن الكلاسيكيّة، أحد الأساتذة ربّما قال إنّها كلاسيكيّة، وربّما قال آخر إنّها ليست حداثيّة حتّى، لربّما تعوّدنا نمطاً معيناً من الرواية: لها بداية وعقدة وحلّ، هذا الحلّ إن كان مرضياً أو غير مرضٍ، لابدّ منه. ويبقى حلاً بالمفهوم العامّ.
قبل أن أبدأ بكتابة الرواية قرأت أشياء كثيرة فيما يتعلّق بالرواية، لتعينني على كتابة الرواية، لم أُرد أن أكتب هكذا، أي دون ارتكاز إلى قراءات تنير لي سبيل كتابتي.
حينما جعلت الرواية قسمين:  الأوّل: هناك.. بعد،  والثاني:  هنا، قبل .
هنا، وبعد، وقبل، في اللغة العربيّة ظروف زمانيّة ومكانيّة، عندما تُقطعان عن الإضافة، فإنّهما تدلاّن على الزمان والمكان، الزمان والمكان كلاهما هنا. هذا إذا تحدّثت في الجانب اللغوي..
"آرام" الشخصيّة المحوريّة والتي تحمل الرواية اسمه، هو آرام الظاهرة، آرام تركته بدون شكل محدّد ، لم يكن صعباً عليّ جعله رجلاً طويلاً أو قصيراً، يلبس نظّارة أو لا يلبس، عمره خمسون أو أربعون أو ثلاثون سنة..
آرام تركته كالكثيرين من الأشخاص في عامودا، هناك آرام في الخفاء، آرام في الليل، آرام في النهار، تركت آرام على نحوٍ ما شخصيّة حلوليّة، أحياناً يراجع آرام ذاته فيتحدّث عكسها، وإذا قلتَ لي: آرام هو أنت ؟ أقول: فيه بعض من صفاتي ولكنّه ليس أنا، وإذا قلت لي: أنت هجار.. أقول: أنا ولست أنا، كلّ واحد منهم هو أنا، وكلّ واحد ليس أنا، كما قال الأستاذ إبراهيم محمود قبل قليل على لسان فلوبير: أنا مدام بوفاري. نعم. أنا آرام ولست آرام ، أنا هجار ولست هجار..
وددت أن أوضّح عدّة نقاط لم يعلّق عليها أحد، وهي كيف يقرّر آرام الرجوع، وكيف يقرّر الرحيل، يتّضح في الزمن، نقطة الانتقال من الألفيّة إلى الألفيّة، نقطة انتقال القرن، عنصر الزمن له دور هامّ لا يستغنى عنه هنا لفهم التحوّل، أو إن شئت التناقض.. آرام يقرّر الرجوع وهو في قلب الجلبة والصخب، إذ وجد نفسه وحيداً في تلك الضوضاء. وفي نفس اللحظة في مكان آخر آرام يقرّر الهروب من الهدوء إلى الجلبة والصخب.. وددت هنا طرح فكرةٍ محدّدة بعينها وهي: عندما تموت فكرة ما في مكان وزمان محدّدين، فإنّها تولَد في اللحظة نفسها في مكان آخر، أي توالد الفكرة وعدم فنائها التامّ.
في نفس اللحظة بين الساعة الثانية عشرة والساعة الثانية عشرة ودقيقة، في دقيقة الالتقاء هذه، يتم تقرير فكرة، هذا يقرّر الرجوع إلى الهدوء والآخر يقرّر الهروب من الهدوء، آرام يتوزّع في المكان، يتبعثر، يكون أكثر من آرام واحدٍ، هنا وهناك..
أمّا بعضُ القرّاء العاموديّون – حصراً- فإنّهم لا يريدون (ولا أريد أن أقول: لا يستطيعون) أن يتحرّروا من نظرتهم إلى الرواية بقولهم: تاجرتَ بعاهة فلان أوعلان،.. يدي محترقة أقول عنها محترقة. لا أنفي ذلك!
وعندما تقول لي: وضعتَ نظارة سوداء حينما نظرت لعامودا. نعم. وضعت نظارة سوداء ونظرتُ بقلب أبيض، لن أنظر فوق غطاء النهر سأنظر تحت النهر، لن أغمض عيني وأقول لماذا جمّلوا النهر، سأفتح عيني وأنزل تحت النهر، إن كان الآن كذلك، فكيف سيكون بعد ثلاث سنوات، إن كان الآن نفق الموت واللواطة والتحشيش، سيصير نفق القتل والتقتيل والاستقتال...(وهنا قاطعني الأستاذ دحّام وقال: لماذا لا ترى العكس). قلت: لا أرى العكس لأنّ هذه المقدّمات الطبيعية تؤدّي إلى نتائج طبيعيّة، أبدأ من هذه المقدّمات بشكل واقعيّ، أجد بأنّه كانت هناك حلول أخرى. كما أنّني لا أملك الدعم الماديّ والقوّة المادّيّة لأساهم في وضع حلول لها، سأعرض المشكلة على الأقلّ، وهذا أضعف الإيمان. ودمتم .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات