القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: غبار الوطنية الخانق

 
الأحد 11 نيسان 2010


رستم محمود

بعدما أمضت لاعبة التنس الهندية الشهيرة سانيا ميرزا - 23 عاما جزءا مهما من عمر مشوارها الاحترافي، وهي ترد على الزوابع الإعلامية التي كانت تستهدفها، في حملات لرجال الدين المحافظين في الهند، بسبب ارتدائها لتنورة رياضية قصيرة في مبارياتها، ها هي اليوم تتعرض لحملة تشهير كبرى، بسبب إعلانها نيتها الزواج بالقائد السابق لفريق الكريكيت الباكستاني صهيب مالك - 28 عاما -. حيث أن الطرفين بالرغم من انتمائهما إلى الطائفة الإسلامية في البلدين، وحيث يشكل الزواج بين مواطني الطرفين الهندي والباكستاني عرفا كلاسيكيا، إلا أن ذلك لا يرضي رافعي الحملات الوطنية، فزواج رمز وطني مثل اللاعبة سانيا التي وصلت إلى المركز 27 على قائمة التصنيف العالمي قبل عامين من مواطن باكستاني، في وقت تمر فيه علاقات البلدين بتوتر شديد منذ تفجيرات مومباي عام 2008، والتي اتهمت فيها نيودلهي الاستخبارات الباكستانية بدعمها، يعتبر نوعا من الخزي للمشاعر الوطنية للمواطنين الهنود.


سانيا ردت على تلك الحملات، في مؤتمر صحافي في مدينتها حيدر أباد: «بأن زواجهما ليس بيانا سياسيا بشأن العلاقات الهندية الباكستانية، وإن عائلتها سعيدة جدا، وهي ستستمر في تمثيل الهند وتأمل أن تكون في كامل لياقتها للعب في دورة الكومنولث والألعاب الآسيوية والألعاب الأولمبية عام 2012، وستحافظ على جواز سفرها الهندي، كما أن صهيب سيستمر في تمثيل بلاده باكستان». وعندما سئلت عمن ستشجع عندما تلعب الهند ضد باكستان في الكريكيت قالت: «بالطبع سأشجع الهند، ولكنني سأدعم زوجي أيضا». وأكدت أنها ستواصل مشوارها الرياضي فلا شيء سيتغير باستثناء أنها ستتزوج، وهو سيستمر في اللعب لبلاده».
في الوقت الذي كانت سانيا ترد فيه على الصحافيين، كان عشرون رئيسا أفريقيا برفقة الرئيس السنغالي عبد الله واد، يشاركون في افتتاح نصب «نهضة أفريقيا» في العاصمة داكار. حيث تقدر تكلفة التمثال المشرف على العاصمة بأكثر من 15 مليون يورو، وهو شيء أثار استياء المئات من الكتاب والمثقفين السنغاليين. ففي بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى 48 بالمائة ونسبة العاملين في القطاع الزراعي إلى 77 بالمائة من قوة العمل، ونسبة الصادرات تغطي فقط ثلث قيمة الواردات، لا يعرف أي شيء يحتاج إلى نصب يرمز للنهضة. لكن الموضوع الأكثر إثارة للاشمئزاز، كون أن ثلث العائدات ستعود إلى الرئيس واد البالغ من العمر 82 عاما، على أساس حقوق المؤلف، بصفته المبتكر الفني للنصب.
كل صباح تستطيع أن تقرأ في الصحافة عشرات الأخبار مثل هذه، أخبار عن حالات ونماذج ومواقف تعبيرية عن أشكال من الوطنية الرمزية، لكنها في العمق تبطن سلوكيات من التسلط والخداع والمزايدة والخلط.. الخ. بحيث تبدو الوطنية نفسها في موقف لا تحسد عليه. ففي الصباح نفسه يمكن أن تقرأ ما صرح به الفنان الإيراني الفار من بلاده مهرداد إشغي، والذي كان المطرب الرسمي للتلفزيون والإذاعة الرسمية الإيرانية المعروفة باسم «يدا فا سيما»، والذي شككت السلطات في ولائه لعمله في حملة مير حسين موسوي أبرز منافسي أحمدي نجاد في الانتخابات الأخيرة. وبعد رفضه الغناء في حملة الرئيس أحمدي نجاد قامت قوات الأمن بترهيبه حيث اعتقل وتلقى تهديدات بعواقب وخيمة. قال إشغي (40 عاما) من شقته في مدينة قيصرية التركية لوكالة الأسوشيتد برس، بعدما فر إلى تركيا قاطعا مئات الكيلومترات سيرا على الأقدم، في الجبال الفاصلة بين البلدين: «أنا مندهش من الطريقة التي تمت بها معاملتي. فقد كنت واحدا منهم. وكنت عندما أمسك بالميكروفون لأقدم برنامجا على الهواء، كان ذلك يعني أنهم يثقون بي ثقة مطلقة، لكن فجأة تغير كل شيء، لقد بات مشكوكا في وطنيتي، حيث كان من الممكن أن يقوموا بشيء رهيب ضدّي، من يدري. إن بقاء الثورة الإسلامية مسألة حيوية بالنسبة إليهم إلى حد أنهم لن يتخلوا عنها بأي ثمن». فهذا الفنان الشهير والمحبوب على قلوب آلاف الإيرانيين، تحول إلى خطر على الثقافة الوطنية والوطنية بذاتها في لحظات قليلة، والذين قادوا حملات التشهير والابتزاز ضد إشغي، كانوا بالتأكيد يتسترون تحت حجاب الوطنية وروحها ودوافعها، ويرفعون الحالة الرمزية لمناهضة إشغي إلى شكل من الدفاع عن الوطن. في اليوم ذاته يمكن أن تقرأ عن إعلان وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، عن اقتراب موعد فض الظروف المختومة التي تقدمت بها 21 شركة أجنبية و3 جزائرية دخلت في أواخر العام الماضي متنافسة للفوز بمناقصة قيمتها مليار يورو، هي كلفة بناء «مسجد الجزائر الأعظم» الذي سيرتفع بعد 4 سنوات مطلاً بمئذنة مختلفة عن سواها، وبمواصفات عملاقة على «خليج الجزائر» في حي المحمدية بشرق العاصمة، حيث ستكون مئذنته الرئيسية خاطفة للأضواء على كل صعيد، لأنها ستكون مئذنة ومنارة وناطحة سحاب في الوقت عينه. هذا المشروع الذي علق عليه أخد الكتاب الجزائريين بالقول: «في الجزائر مرضى بحاجة لعيادات ومستشفيات، وطلبة يحتاجون للمدارس وللجامعات وللوظائف بعد التخرج، إضافة إلى العمال والموظفين الذين يحتاجون لوسائل مواصلات أفضل تنقلهم إلى أعمالهم وتعود بهم إلى منازلهم، وأن بلاد المليون شهيد تزخر بمرضى ومحتاجين من كل نوع، وإذا كان لا بد من صرف مليار البناء المسجد، فلتذهب إلى ترميم المساجد الموجودة، التي تفتقر إلى أقل الظروف الصحية لمرتاديها « وفق ما ورد في مقاله. ويمكن أن تقرأ في الصباح نفسه عن تكريم مبالغ فيه تقوم به أحدى هيئات الدولة لأحد الداخلين لقاموس غينس، - حيث ربما يكون هذا الأخير قد مضغ أكبر علكة في التاريخ مثلا !! لكنه يتحول بقدرة قادر إلى رمز وطني..... إلخ من تلك الأمثال التي تدل على مقاربة رمزية لحقول الوطنية المتصورة.
لكن ثمة سؤال ملح في هذا المقام، حقا لماذا تحضر هذه التعبيرات الرمزية عن الوطنية في دول فشلت بالذات في القيام بالمهام الطبيعة المباشرة لمؤسسات الدولة، فهي أفعال كثيفة في دول ترتفع فيها نسبة البطالة وأرقام التضخم ونسب الفساد ويغيب فيها التأمين الصحي والرعاية الاجتماعية والمشاريع الإستراتجية؟ أليست هذه البهلوانات الوطنية ضربا لصناعة نسيج الوحدة الزائف بين الدولة وبعض المؤسسات الجماعية وبين غيرها من العموم الاجتماعي، حيث إن هذه النسيج يجب أن يصنع بالأساس وتلقائيا من قيام الدولة وهذه المؤسسات بواجبها تجاه العموم ذلك. ومن ثم ألا تبطن كل رمزية تغلف تلك الممارسات شكلا محضا لتغيب التعبيرات الحقيقية لمصالح هذا العموم. فالدين، أو قل تسيس التعبيرات الدين، وأبطال الرياضة والنصب التذكارية وحفلات التكريم والفنانين.. الخ تشكل مفاتح هذه اللعبة من التغييب والإلهاء.
حسبما يرد في أرقام البحوث، فإن السنوات القادمة ستشهد مزيدا من فشل الدولة ومؤسساتها في ربوع بلداننا، ومقابل ذلك، نتوقع أن تزداد تلك المظاهر حضورا في أكثر من حقل رمزي، وأن تغلف كل مرة بخطابات وأشكال من الحقول الرمزية تلك. وبالمقابل فأن فضحها وكشف زيفها سيعد مهمة بالغة الحساسية للنخب الثقافية في مجتمعاتنا، فالأصالة، حسب قول بليغ لصادق جلال العظم، لا تعني الانتماء للتراث والماضي، بل تعني فقط، الانتماء المباشر لمصالح العموم الاجتماعي الذي يعايشه المثقف.

المستقبل - الاحد 11 نيسان 2010 - العدد 3620 - نوافذ - صفحة 10

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.14
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات