القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: أحلام مقيدة

 
السبت 20 شباط 2010


  نور شوقي

اختلط الوقت عليه, وهو يعاني كمية الأسئلة المنهمرة علية. لم يعد يعي هل النهار أرسل زبانيته  ام إن الليل أرسل خفافيشه. وجوه قبيحة مخيفة تتناوب عليه , تارة بالضرب , وتارة أخرى بسيل من الأسئلة المطلقة, لا جواب لها عنده, ولم يسمع بها مذ كان سلطاناً على تلك الامضار, والى الان حيث بات غريب يتنسم هواء الربيع من خلال أمسه الدامي, ويكحل ناظريه بألوان أصبحت باهتة , إلا أنها كانت في يوم من الأيام زاهية براقة , تضلل حدود مملكته بربيع دائم, وتحفز المرء أن يعيش بهناء و رخاء حتى آخر لحظات حياته, ومتأملا بحياة أخرى , عله يفعل ما لم يفعله بسبب محدودية سنينه في حياته الأولى.


س:ستعترف رغماً عن انفك؟.
ج:ياْخي أنا جاهز للاْعتراف , ولكن بماذا اْعترف!.
س: أنت تعرف , ويجب أن تعترف؟.
ج:ياْخي لقد أنهكتموني....
س:(صفعه) لا تقل ياْخي...يا يا خائن.
ج: أسف أسف, يا أخي لقد أنهكتم أنفسكم, إذا كنت خائناً, ما هي خيانتي , وأنا اْعترف!.
س: (صفعة أقوى) اكرر للمرة الالف لا تقل يا أخي (لمرافقيه) يبدو انه سوف يتعبنا, ضعوه في ثلاجة الأمانات المنقرضة .
عند سماعه اسم الثلاجة شعر بوخز البرد تنخر نقاء عظامه , صرخ, انتفض, ثار, علهم يكتبون في ضبطه ما يجعلهم لا يضعونه في الثلاجة , إلا إن الوقت كان قد فات , والمحقق تلاشت ملامحه بين طيات الظلمة الحالكة. بالمقابل هو ايضاً كان يتلاشى في تلك الظلمة, لكن بمرافقة شخصين كانا يجرجرانه ورائهما, ويدخلانه من بوابات مقفلة, كبيرة وشاهقة, وأخرى صغيرة بالكاد فاْر يولج جسده من خلالها , ومن خرم قفلٍ إلى آخر, إلى أن توقفا أمام باب كباب بيته , مكتوب عليها (من يدخلها لا يخرج ومن خرج منها كأنه ولدا من جديد).
نازع كثيراً عله يثني الشخصين من عدم إدخاله, رغم يقينه بعدم جدوى ذلك, إلا إن بصيص الأمل هي التي كانت تثيره على المقاومة , وفجأة شعر بيدٍ ثالثة دخلت النزاع القائم , فتح عينيه , وإذ بزوجته توقظه وهي تهزه من كتفيه, وقد تبلل من التعرق , وتفاعلت رائحة عرقه مع رائحة البول النازل من قضيبه دون إرادته, وهي توبخه قائلة: انهض يا رجل , وكاْن عزرائيل نزل عليك, انهض وتوجه إلى الحمام , اخلع ملابسك واغتسل جيداً.
حتى تلك اللحظة لم يصدق بأنه كان يحلم, بصوتٍ شبه مبحوح طلب من زوجته أن تلكزه , أو أن تعض يده لكي يتأكد من انه كان في حلم, من جانبها الزوجة كأنها كانت تنتظر هذه الفرصة لكي تثار لنفسها, أمسكت بيده وعضتها , لم تترك يده ألا بعد أن أحست بألم الصفعة التي تهاوت على خدها , من قبل الزوج المتألم, وهو يصرخ ويسبها: يا بنت (...) طلبت منك أن تعضيني بقصد التحرر من آثار الكابوس الذي كان جاثماً على صدري, لا أن تنهشيني ككلبةٍ مسعورةٍ.
أجهشت الزوجة بالبكاء, وهي تعترض على طلبه وسلوكه معها, وأردفت قائلة: لولا ابنك لما أيقظتك , الله العليم ماذا فعل في المدرسة حتى طلبوا منه أن يحضر وليَ أمره.
عند سماعه تلك الكلمات , ارتبك الرجل ولم يعد يركز على جملة مفيدة, بات يهذي بما رآى في المنام, وهو يقول: كنت اعرف إن حلمي سوف يتحقق, ولا تظني إني سوف أضع نفسي بين أياديهم, حتى لو أدى ذلك إلى فصل ابنك من المدرسة, في المحصلة مصير ابنك الشوارع, ولا تحلمي أن يصبح طبيباً, أو محاميا, أو مهندساً, أو حتى زبالاً لدى دائرة حكومية.
حاولت الزوجة أن تهدأ من ثورته , التي لا تعرف أسبابها ودوافعها, فأسكتها بصفعة ثانية وهو يصرخ في وجهها: أنتِ لا تعرفينهم, اسأليني أنا ؟, أنا الذي اعرفهم, وقد ذقت من عسلهم, لا تعرفين كم كان طول كل واحدٍ منهم؟, ولا عرضه؟, ولا ملامح وجهه؟, بكل صفعة كنت أنسى من أنا؟, أو من هو أبي أو من هي أمي؟, أو هل أنا مولودٌ ام لا؟, كنت أرى ألواناً لم أرها في حياتي؟, أتعرفين لو كنت مكاني , كانوا سيجعلونك تشربين بولك الذي تبولته, وتلدين دون أن يضاجعك احدٌ منهم.
لم يعرف كم كان قوة الصوت , إلا انه شاهد فمَ زوجته مفتوحاً, بعد الصرخة التي نتج عنها, رآى بلعومها ولوزتيها, وهي تقول: يكفي ؟ اصحى كنت في حلم ؟ دائماً تخاف , حتى أثناء الحلم لا تقوى على الدفاع عن نفسك؟ ماذا دهاك؟ لم تكن كذلك ؟ من اجل إرادتك وقوة شخصيتك اْخترتك وفضلتك حتى على ابن عمي, و أصبحتُ زوجتكَ, و لو لم تكن مذنباً وسجنتَ مع الكثير من أمثالك, ماذا حدث؟ هل متَ؟ ام هُتكَ عرضكَ؟, أو خرجت ورأيت أولادك مشردين, أو هُدمت معاملك , أو تم إحراق إنتاجك الزراعي, لم تفنى المعمورة إن دخلت السجن مدة عام, افهم لست أفضل من الذين سجنوا؟, اْصحى وعد لرشدك, أريدك كما كنت سابقاً تمشي فتهزَ الأرضَ تحت قدميكَ, الضعف و الخوف جعلاكا وهناً اتجاه أي موظف حكومي.
بدأ بالبكاء كطفل فُطم عن صدر أمه للتو , وهو يؤكد لها , بان من يضرب بالعصي على قدميه , ليس كالذي يعدها, وهاج من جديد وكأنه أخطاء حين ذرف عبراته أمامها, وظن بان ما تم هو انتقاص لشخصيته و رجوليته, وأنها سوف تذله عند أي مشاحنة قد تٌشن بينهما, فصفعها للمرة الثالثة وهو يقول: لا تظني باني سوف انجر وراء كلامك , و أذهب برفقة ابنك إلى المدرسة.
طردها من الغرفة ككل مرة, ولم يغتسل ايضاً ككل مرة, ومر عليه اليوم ككل يوم و العام ككل عام, وبقي الخوف سيد الموقف ككل مرة, إلا انه بين الحين و الحين يحاول شم عبق الربيع رغم زكامه الدائم من تفاعل رائحة البول والعرق.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.83
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات