القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: كارثة، وكارثة مضاعفة

 
الجمعة 10 نيسان 2009


  فاديا سعد
 
أنتِ في الأربعين؟ يا للكارثة!! وأنتَ بالخمسين من العمر وأب لأولاد صاروا شبابا؟.. الكارثة المضاعفة!!
اتفقت مجتمعاتنا العربية على أعمار معينة (الأربعين للنساء، والخمسين للرجال) على أن ترسلهم إلى القبر أحياء بعد أن تدق رقاب الجميع بمطرقة التهديد: الكهولة! الشيخوخة!! سن اليأس!!!
 وكما يصرخ بائعي عربات الخضار والفواكه لتصريف بضائعهم، يصرخ المجتمع في وجوهنا فيطلقون على الرجل إذا ما تصرف بطريقة مريحة: كأن يضحك من أعماقه، أو  يلعب مع الأطفال تفاعلا، أو يشارك بحوار مراهقين مناقشا، بأنه يراهق، ويريد أخذ دوره ودور غيره!


 وإذا ما بدأت المرأة تهتم بشكلها، ورمت بعضا من دلع أنثوي على زوجها، أو لمعت عيناها، فقد فقدت رصانتها، ونزلت عن مكانتها، أو اقتربت من سن اليأس، وتستجدي العاطفة.. وإذ ذاك يبدأ اضطراب أقل وصف فيه خلص الكأس، أي: كأس العمر!

ويعني هذا فيما يعنيه: أن صفارة الإنذار الذي يطلقها المجتمع من جيب بانتهاء كأس العمر تستدعي عددا لا متناهيا من الأفكار السوداء:
- ما فسح لنا الوقت كي نعيش الحياة بطولها وعرضها لنكتشف جوهر الأشياء!!.
- سوف يفرغ كأس العمر من غير أن نتذوق طعم الحبّ الذي يرفعنا للسماء السايعة كما قرأنا في القصص والحكايات!!
- آه.. فرغ كأس العمر ولم نعرف أن نترك بصمة خاصة على الأشياء أثناء عبورنا لها.
-         خلص العمر وربيعه كما خريفه وصيفه يساوي شتاءه.
 ونندب حظنا، ونتبع الندب على الحظ سلسلة تحركات عشوائية تضمن لنا قتل آخرين يشعرون بالسعادة.
والمجتمع الذي أخرج صفارة الإنذار بانتهاء العمر، يخرج لنا في نفس الوقت من الجيب الآخر حلولا وفق تصوراته:
الإعلانات بكافة أنواعها عن عمليات زرع الشعر وعمليات التجميل.
 وإذا لم يعجبك هذا الجانب من الحل فإنه سيدفع بك لتتمثّل مصطلح الطهرانية  وإرسالك إلى أبعد نقطة في هذا الحل.
بعض منا يتحرك ضمن إطار التجميل تصل أحيانا حد الهوس. آخرون وخاصة الرجال يختارون الطريق الأسهل: زيجة جديدة. ثلة من البشر يختارون العودة لممارسة هوايتهم الأولى قبل أن تأخذهم هموم المعيشة وما يتبعها من لهاث لضمان الحد الأدنى من الاستمرارية.
متاهات، ثم متاهات ندخل فيها ولا نعرف متى وكيف هو الشكل الجديد الذي نخرج به.
إذا ما ابتعدنا عن التعامل التجاري بموضوع العمر، فأوهامه وهواجسه من حيث المبدأ هي المشكلة التي علينا أن نتعامل معها قبل التعامل مع تقدم العمر نفسه، وعمليات التجميل ليست خطأ بالمطلق، والزيجة ثانية قد لا تكون خطأ بالمطلق، كما أنّ العودة إلى الهواية حل ذكي لمشكلة الطبيعة وقوانينها، وإذا تعدّت المسألة تلك السلوكيات الخارجية لاستجداء الشباب إلى عملية داخلية معقدة وبسيطة فإني لست ممن يجمّل العمر بافتراضات وهمية لقانوني الحياة والموت، بل من أصحاب نظرة:
فليخلص الكأس، أو بالعربي الفصيح:  للحذاء إن فرغ هذا الكأس.
 أيسلّم أصحاب هذه النظرة -لأمر التقدم بالعمر- أنفسهم بذلك تسليما سهلا للقانون الطبيعي: أي الموت؟
لا أعتقد،  وإنما نكون منحنا أنفسنا فرصة امتلاك الشجاعة الكافية لنعيش الحياة في هذين العمرين وغيرهما، بطريقة أكثر فاعلية تصل حدّ الدّهشة. أوقات نطلق فيها العنان لأشرعتنا على  حياة تحتل فيها الصداقة والحب والمسؤولية والواجب شكلا جديدا.
 يذكر "بونويل" المخرج الاسباني الأصل في مذكراته:
"قد أمضيت كل حياتي براحة كبرى وسط تناقضات كثيرة دون محاولة تلافيها، إذ تشكل جزءا في، من غموضي الطبيعي والمكتسب."
بالنسبة لي و لطالما صرت بالأربعين من العمر فلن أفكر بما سيحصل معي في الخمسين، ومتى صرت بالخمسين سأبحث عمّا أتمسك به، إلا أني الآن سأرغب بالمزيد من الأوقات التي ساهمتُ ملء إرادتي في إنشائها: أوقات حلوة حتى المرّ فيها يسعدني.
الآن؟
أجد أني ممن أخطئوا حد التخمة لكن الذي أدركه أكثر أني ما تخليت عن قلبي لثمن بخس، وهذا مصدر سعادة لا توصف.
 
والنتيجة: أن مجرد التحول في التركيز عن العمر وهواجسه يصبح العالم مختلفاً.  أكثر من ذلك: يجعلناننظر للنصف المملوء من الكأس بسعادة، وأيضا، وأيضا: لأننا مع هذا الشعور يمكننا أن نملأ النصف الآخر وفق إرادتنا.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات