القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: «عن قصيدة النثر» إلى صبحي الحديدي منارة رغم الإيغال في النأي

 
الأربعاء 01 نيسان 2009


محمد باقي محمد

   ألأنّنا أعداء لما نجهل، أم لأنّ الأذن تطرب لمألوفها، كان كل هذا الهجوم على قصيدة النثر!؟ ولماذا نسي شعراء التفعيلة الاتهامات التي طالتهم، أو طالت روادها، من تجديف أو اتهام بالتآمر على العربية، وصولاً إلى وصفهم بالطابور الخامس!؟ أليست هذه هي التهم التي واجهها بدر شاكر السياب وبلند الحيدري ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي!؟ ثمّ أليست هي التهم ذاتها التي أطلقوها هم في وجه شعراء النثر لاحقاً!؟
   ربّما كان علينا أن نخجل من مواقفنا المتزمتة، نحن أبناء القرن الواحد والعشرين، في حين أنّ أبا حيان التوحيدي جاء على رأي متقدّم في الموضوع، إذْ قال : " وفي الجملة، أحسن الكلام ما رقّ لفظه، ولطف معناه، وتلألأ رونقه، وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنّه نظم، يطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع"  (1) وبيننا ما بيننا من زمن!


    في هذا الإطار يستشهد الكثيرون بأنّ محمود درويش أخرج نثره من جنة التفعيلة، في حين أن الحقيقة تذهب إلى أنّ الراحل الكبير لم يتخل عن قصيدة النثر في طبعات أعماله الكاملة كافة، وقد أستشهد بقوله عنها في حوار جمعه مع عباس بيضون وأمجد ناصر وغسان زقطان " بين ما يعطي شرعية لقصيدة النثر أنها تقترح كسر نمطية إيقاعية، وتسعى إلى إنشاء إيقاع آخر ليس بديلاً لكنه فعّال، فضلاً عن أنه يؤسس لحساسية جديدة. اقتراح قصيدة النثر هذا هو أهمّ العوامل التي جعلتني أشعر بقدرة الوزن على أن يكون نمطياً. بالتالي هناك بيني وبين قصيدة النثر حوار ضمني، أو مبطن. لكني أجد حلولي داخل الوزن، والوزن ليس واحداً، ولو كانت له العروض نفسها. ثمة وزن شخصي في كلّ قصيدة، بل وأكثر من وزن داخل البحر نفسه" ( 2 )، وربّما أورد قصيدة له من ديوانه " سرير الغريبة" 1999 ، يقول فيها " أحب من الشعر عفوية النثر والصورة الخافية/ بلا قمر للبلاغة: حين تسيرين حافية تترك القافية/ جماع الكلام، وينكسر الوزن في ذروة التجربة" ( 3)! أمّا لماذا صدّر درويش ديوانه " كزهر اللوز أو أبعد" ( 4) بعبارة التوحيديّ التي أتيت عليها آنفاً، فسأترك الإجابة على هذا السؤال للمتمترسين ضدّ قصيدة النثر، ولن نُحيلهم إلى رأي آخر للتوحيدي يرى فيه بأنّ " في النثر ظلّ من النظم، ولولا ذلك ما خفّ ولا حلا ولا طاب ولا تحلاّ، وفي النظم ظلّ من النثر، ولولا ذلك ما تميزت أشكاله، ولا عذبت موارده ومصادره، ولا بحوره وطرائقه، ولا ائتلفت وصائله وعلائقه" ( 5)!

   ربّما يكون شاعر من وزن" فايز خضور" قد فصل نثره عن قصائد التفعيلة في شعره، ونشره تحت عنوان " فضاء الوجه الآخر"، ولكن من قال بأنّ قصائد " خضور" النثرية أقل جمالاً - أو تلويناً أو تنويعاً أو مجازاً أشدّ تخففاً من البلاغة - من قصائده التي أوكأها إلى التفعيلة!؟
   وقد يحضرني في هذا المقام ما أورده الشاعر علي كنعان في أحد الأمسيات، فلقد أفاد بأنّه ليس مع ما يسمى بقصيدة النثر، لكنّ ابنته لا تقرأ - أو للدقة - لا تحفظ له شيئاً من شعره، في حين أنّها تحفظ الكثير للراحل رياض الصالح الحسين، أو يحضرني حوار جرى بيني وبين أحد الأصدقاء من شعراء التفعيلة، ذهب فيه بأنّ المدافعين عن قصيدة النثر كثيراً ما يستشهدون بالشاعر أنسي الحاج، مع أنّه لا يحفظ للـ " حاج" شيئاً! كان كلامه يدور في فلك الغرابة، و كان لا بدّ من جواب، فإذا بي أردّ عليه بأنّني- على صداقتي له- لا أحفظ له شيئاً، على الرغم من أنّه يكتب التفعيلة! وذات أمسية كنت أقدّم فيها الزميل محمد غازي التدمري في محاضرة له عن الحب في الشعر العربي والغربي، جاء فيها على رأي يتلخّص في أنّ الشاعر الغربيّ تمكّن من اكتناه الحب كمعنى، وعبّر عن فهمه هذا شعراً، بينما وقف الشاعر العربي عند حدود الجسد، ولم يتمكّن من الإعراب عن الحبّ كماهية ، وكان أن همست في أذنه مُتسائلاً إن كان عجزه هذا لا يتأتى عن انهماكه بالشكلانيّ، فصادق من فوره على ما تقدّم من كلام!
   وقبل شهر أو أكثر قرأت في " الأسبوع الأدبيّ " مقالاً لافتاً للدكتور الشاعر نزار بريك هنيدي، يُقارن فيه بين قصيدتين للشاعر المعروف ممدوح سكاف، الأولى كان قد كتبها قبل ثلاثين سنة على نمط التفعيلة، وجاء فيها على الثورة وماهية الشعر ودور الشاعر، والثانية كتبها مؤخراً على نمط فصيدة النثر، متصدياً للمفاهيم ذاتها، لكنّ فحواها - بحسب الهنيدي - اختلف، وبحصافة يُسند السبب إلى أنّ الشكل لا يُحدّد الثوب الذي نلبسه للعمل الفنيّ فقط، بل يُحدّد رؤية الشاعر للفن والحياة، أي أنّ الأشكال التقليديّة تحيل إلى رؤية تقليديّة، على ألاّ يُفهم ممّا سبق بأنّني أشم قصيدة التفعيلة بالتقليديّة، ذلك أنّ كل شكل يُحيل إلى همس مُختلف للتاريخ!
    وفي الخواتيم أعود إلى درويش لأتساءل : ألم يكن محمود يتطلع - كما نزعم - إلى جسر الهوة بين وزن الشعر ونثر الشعر!؟ وعليه هل أنا على خطأ إذ قلت بأنّ التواشج بين شعرية النثر ونثر الوزن بلغ ذرى غير مسبوقة في ديوانه " أثر الفراشة - 2008"، وأنّه إنّما كان يشتغل على نظم وكأنّه نثر ( 6)، وعلى نثر كأنّه نظم، ومن ثمّ ألم يأزف الوقت الذي نقرّ فيه بجمال القصيدة دون تضييق عليها في الشكل!؟
-------------------------------
  1 - أبو حيان التوحيدي - الإمتاع والمؤانسة - الليلة الخامسة والعشرين.
  2 - محمود درويش الأعمال الكاملة - دار الريس /1995 /
  3 - محمود درويش - سرير الغريبة / 1999 /
  4 - محمود درويش - كزهر اللوز أو أبعد / 2005 /
  5 - أبو حيان التوحيدي - المقابسات - المقابسة /60 /
  6 - صبحي الحديدي - ناثر الوزن ( مقال ) - موقع دروب الألكتروني 18 / 3 / 2009

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات