القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: رسائـلٌ ملـونـة

 
الأثنين 16 حزيران 2008


فرمان صالح بونجق

كَتَبَتْ لهُ :
الطقسً باردٌ ، ولكن الدفءَ يملأُ جسدي، يتساءلُ مَنْ حولي ... لِمَ أشعرُ بالدفءِ إلى هذهِ الدرجةِ ؟. الحقُ معهم فأنا وحدي أدركُ كيفَ ومن أينَ يتدفقُ الدفءُ إلى جسدي.
ليلةَ لبارحةِ التقينا، كُنتَ أنتَ كما كنتَ، وأنا أيضاً كنتُ كما كنتُ، وككُلِّ ليلةٍ نلتقي بها وفيها، أناديكَ.. هكذا بالأمسِ..عفواً ليسَ بالأمسِ، إنني أشعرُ بأنَّ لقاءَنا كان قبل قليل بل...!! أنا أيضاً أتساءلُ لماذا أشعرُ بأنك معي  ؟.، وكيف يحدثُ بأنكَ لازلتَ معي وأنا أكتبُ إليك؟؟.


الطقسُ باردٌ، نصف الكُرَةِ الشماليِّ.. وأقصدُ النصف الشمالي من الكرة الأرضيَّةِ. ولكنْ هل لازلتَ متميزاً في الجغرافيا؟. واللغةُ الأجنبيةُ ماذا حدثَ لها؟. كنَّا نختلسُ النظرَ إلى ورقةِ امتحانكَ ، ولم يحدث أنك مانعتَ ذاتَ يومٍ، ولكنك كنتَ تقولُ من حينٍ إلى آخرَ : ياغشاشات.
لاأدري لماذا تجرجرني ذاكرتي إلى أيم الدراسةِ؟. ماذا كنت أقول؟.آآ كنت أقولُ : الطقس باردٌ.. والثلجُ لايزالُ يتهاوى فوقَ زجاجِ نافذتي .هنا في هذه البلادِ البعيدةِ يسموننا : ذوي الرؤوس السوداء، لايهمُ.ولكنني رغم ذلك لستُ اشعرُ بأنني أعيشُ في هذه البلادِ البعيدةِ، لقد ولدتنا تلكَ الأرضُ، إنها أمُّنا . أيعقلُ أن أنسى؟؟. آسفةٌ مرةً أخرى (أيُعقلُ أن ننسى ؟؟.).
صحيحٌ أنًّ السنواتِ تسرقُ العمر، ولكنها لنْ تستطيعَ أنْ تسقَ كل شيءٍ، والغربةُ أيضاً، صحيحُ أنها كسنابكِ الخيلِ تدوسُ رقابنا، ولكنها لنْ تفعلَ شيئاً، فهناكَ ما نعتزُّ بهِ، وما نعيشُ من أجلهِ، أُمُّنا الأُمُّ، وأحلامنا التي لم تتحققْ. ياالله لاأدري لماذا يأخذني اللغوُ في حديثي اليومَ ؟. سامحني مرَّةً أخرى..أحلامنا تتحققُ ، فنحنُ حققنا جزءاً من أحلامنا، أو أننا نحققها على طريقتنا.
ألمْ نكنْ نرسمُ أشياءً جميلةً ونحن ُفي تلك السنواتِ المبكِّرةِ من العمرِ؟؟. وما يهمنا إذا كانت تلك الرسومُ لم تتحولْ إلى أشياءَ أخرى، المهمُ أننا لازلنا نرسمُ. على فكرة، هلْ لازلتَ تذكرُ عندما رسمتَ شيئاً لايشبهُ أي شيءٍ، وقلتَ عنهُ بأنه صورتي ؟. ياالله..لقد قال عنها مدرِّسُ الرسمِ ِآنذاكَ: بأنها (اللوحةُ المفقودةُ)، التي تمثِّلُ اللازمانَ واللامكانَ واللاشخوصَ. لقد كان ذلك المدرسُ مجنوناً كانَ سريالياً. (لقد قال عن نفسهِ بأنَّهُ فنانٌ سريالي). سرياليتك تلك لازلتُ أحتفظ ُبها.
هناكَ منْ يقولُ بأنَّ الطقسَ يزدادُ برودةً.. لاأدري لماذا يحاولونَ التأثير علي ؟. فليتركوني لِدِفْئِي، فأنا لستُ اشعرُ إلا بالدفءِ.
بلادنا كانت دافئةٌ، وحقلُ القمح ِالمجاورِ لبيتِ عمي كان في شهرِ نيسانَ، وفي الجهةِ الشرقيةِ، وعندما كانت الشمسُ تنحدرُ في طريقها إلى المغيبِ، كنا نلتقي، حيثُ كانت تمتدُّ سحابةٌ من الظلال ِالخفيفةِ على طول ِالحقلِ، أتذكرُ حركاتكَ السخيفةَ تلكَ ؟. لم تكن سخيفةً جداً.. ولكنها كانت تبدو كذلك فيذلكَ الوقتِ..ولكن..ولكن.. ليتنا نعودُ إلى ذلكَ السخفِ . السخافةُ جميلةٌ أحياناً.
الطقسُ باردٌ..هكذا يقولونَ، ولكنني لاأشعرُ به، ربما لأنكَ معي..إنني معك..أووه ..لأننا معاً. هكذا أفضل لأننا كنَّا دوماً معاً على مقاعد الدراسةِ.
المدرسة أيضاً، أمُّنا، لقد علمتنا أشياءَ جميلة، ومنحتنا أوقاتاً رائعةً. مدينتنا هي الأخرى أمنا، الأمُّ التي حملتنا على متنها بكل أحلامنا الصغيرة والكبيرةِ، حقاً لقد عشنا حالةَ أمومةٍ حقيقيةٍ. وأمنا الأم..هذه ليستْ دموعاً، إنما الغرفةُ تضيقُ عليَّ، فالساعةُ الآن بحسبِ توقيتهم المحلي الواحدةُ بعدَ منتصفِ الليلِ. أعتذرُ عنِ الانسحابِ، لأنني أرغبُ في أنْ أدخل َغرفةَ نومي، فقد آنَ موعدُ لقائي بكَ.
كَتَبَ لها :
ليلةَ البارحةِ، كنتُ أراجعُ بعضَ أوراقي، لاأدري إن كنَّا نعيشُ تحتَ سقفٍ واحدٍ أم لا؟. بالطبع أنا وأنتِ، ولكنَّ الأمورَ كانتْ توحي بأننا كنا نعيشُ تحتَ سقفٍ واحدٍ، ولكنني تأكدتُ فيما بعد بأننا كنا (.......). أنا هكذا رأيتُ، ليسَ لي من ذنبٍ في ذلكَ، فالأحلامُ ترينا أشياء جميلة. وفي غمرةِ البحثِ عن شيءٍ ما في كومةِ الأوراقِ المبعثرةِ تلك، رفعتُ بصري إليكِ، آنذاكَ ..سقطتِ الأوراقُ من يدي... يااااااه أنتِ كنتِ كما كنتِ ، ذلكَ التنافرُ الذي أوقدَ النار في سنواتِ عمري، أيُعقلُ بعد كلِّ تلكَ السنواتِ؟!. انتظري.. سأقصُّ عليكِ هذهِ الحكايةَ :
حيثُ كنت ِتعبرينَ المسافةَ الممتدةَ من بوابةِ بيتكم إلى البوابةِ الرئيسيةِ للمدرسة، وعلى امتدادِ الرصيفِ المحاذي لسور المدرسة من الجهةِ المقابلةِ حيثُ كان سورُ المدرسة من الأسلاكِ الشائكةِ، كنتِ تتأخرينَ قليلاً في المجيءِ...قليلاُ ؟! كان يُخَيَّلُ إليَّ أنكِ تتأخرينَ كثيراً، ولربما كنتُ أنا الذي يأتي مبكراً جداً، المهم ، آنذاك كنتِ تعبرينَ تلك المسافة، وكان طلبةُ مختَلَفِ الفصولِ الثانويةِ يصطفونَ على طول ِسورِ الأسلاكِ الشائكةِ من جهةِ الداخلِ، وكانوا يتتبعون مروركِ بكثيرٍ من الفضولِ. (ربما كان بعضهم يتتبعُ بتأوهٍ، والبعضُ الآخر ربما كان يتتبع بتشوق) ولكنني كنتُ أختلفُ في الرأيِّ معهم ودمنَ أن أُفصِحَ لهم، فهم كانوا ينظرونَ فقط، أما أنا فكنتُ (.....) . وعندما كان الصمتُ مخيِّماً في ذلكَ المشهدِ الصباحي، همسَ أحدُهم لصاحبهِ : شخصيتها قويةٌ. فردَّ عليهِ الآخرُ: ‘نَّ أجملَ مافيها ذلكَ التنافر بينَ الأبيضِ والأسودِ. فسألهُ الأولُ: كيف؟. فأجاب صاحبهُ بثقةٍ عاليةٍ بالنفسِ: التنافرُ بين شعرها الفاحمِ ِوبشرتها البيضاءَ. وفي تلك الأثناءِ سقطَ أحدهم على الأسلاك الشائكةِ من شدَّةِ التدافعِ، ضحِكَ الجميعُ طويلاً قبل أن ينصرفوا.
إنَّ مثلَ هذهِ الأحاديثِ التي كانت تسري بينَ الطلبةِ، كانتْ تؤججُ النارَ المتوقدةَ في أعماقي، ولكن وبعد كل هذه السنواتِ، يخيلُ إليَّ أن ذلكَ الفتى كان محقَّاً في نظرتهِ تلك، والآنَ يسألني الناسُ في هذه البلادِ البعيدةِ عن سِرِّ تعلقي بالملابسِ البيضاءِ والسوداءِ التي أرتديها باستمرار، فيجيبهم صمتي : ثمةَ أشياءَ أوقدت النار في سنواتِ عمري وأنتم لاتعرفونها.
إنَّ هذا التنافرُ بين ألوانِ ملابسي، يعودُ إلى ذلك التنافرِ الذي تحدثَ عنهُ ذلكَ الفتى عندما كنا نصطفُ واقفينَ ذاتَ صباحٍ على طول سورا لأسلاك الشائكةِ الذي كان يحيطُ بالمدرسةِ الثانويَّةِ.


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات