القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: الحركات الدينية .. بين العبادة والسياسة..! تساؤلات

 
الأحد 06 نيسان 2008


دهام حسن

ما يلاحظ على الحركات الإسلامية، التي تخوض غمار السياسة، وتتنازع على السلطة، هو إحجامها عن عرض برامجها بشكل تفصيلي، رغم أنها تجهر بمأثور متداول على صعيد المجتمع الذي تعيش في كنفه تلك الحركات، وهو: (الإسلام هو الحل), وهذا الشعار ليس بعيدا عن الشعار الذي رفعه السيد حسن البنا مؤسس حركة (الإخوان المسلمون) في العشرينيات من القرن الماضي، وهو: (الإسلام دين ودولة) فلماذا يا ترى, تحجم تلك الحركات, عن عرض برامجها بشكل واضح ومحدد.؟ أهو الخوف من المجتمع ترى.!


لقراءتها الماضوية للإسلام.؟ أم خشية من أعضائها وجماهيرها, التي تنظر إليها بمثالية, وبايعتها على الصلاح لتفاجأ بالتالي إلى مبادئ ومفاهيم غير واقعية.؟ أم أن ذلك إحراج لتلك الحركات ذاتها, لما يضمر قادتها من فتاوى، وطريقة فهمهم لمبادئ الإسلام، وتأويلهم لتلك المبادئ في ضوء فهمهم  ومسار  الطريق التي بها يقتدون، والتباين الذي سيطفو لدى عرضهم لتلك المبادئ حيث ذلك سيكون مثار خلاف واختلاف بينهم .؟ أم أن مبدأ التقية لسان حالهم ترى.؟
لا شك أن أسئلة كثيرة سوف تلاحقهم, وباعتقادي أنهم عاجزون عن الإجابة عنها.! فقد تأتي الإجابة فضحا لما يضمرون؛ أم أن الفكرة لما تنضج بعد في قرارة أنفسهم, أي بمعنى أن الحركة لم تستقر على رأي جامع...
ثمة أسئلة لا بد أن تطرح علي قادة تلك الحركات.. هل هم مع دعوة عودة الخلافة الإسلامية أم لا ؟ ثم بالتالي كيف يكون اختيارهم للخليفة.؟ وهل تتم البيعة لفترة زمنية محددة, أم أنها ستكون أبدية إلى ما شاء الله.؟ ثم ما هو السبل إلى كل ذلك.؟ وأمامنا نماذج وخيارات مختلفة في اختيار الخليفة، وفق ما جرى مع السلف الصالح إبان حقبة الخلافة الراشدية التي دامت نحو ثلاثين عاما، فقد تمت مبايعة أبي بكر بالخلافة إثر منافسة بينه وبين سعد بن عبادة سيد الخزرج في اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة، حيث دار بينهما جدل حول من أولى بالخلافة إلى أن قام  عمر بن الخطاب وبايع أبا بكر بالخلافة،  وقطع على سعد بن عبادة  الطريق، وللتنويه أن سعدا هذا ليس قريشيا، أما تولية عمر للخلافة فقد تمت بمراسيم أخرى، أي بوصية من الخليفة أبي بكر ضمّنها في مغلف سلّم لعمر بن الخطاب، فتعهد السادة المعدودون الأخذ بمضمون الوصية، دون أن يعرف الجميع ماذا تضمنت الوصية، حتى عمر نفسه، فتبين أن أبا بكر أوصى بالخلافة من بعده إلى عمر، وهكذا تمت مبايعة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، أما الخليفة عثمان فقد تمت مبايعته، باجتماع ضم (المختارون) من أهل الحل والعقد, وهم نفر من صحابة الرسول (ص) الأجلاء، والمقربون منه، والمشهود لهم بالمكانة  فضلا عن صلاحهم، فوقع الاختيار على عثمان، أما الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، فقد انهال عليه من الأمصار زعماء القبائل فبايعوه على الخلافة، ومن المعلوم أن معاوية أخذها بالسيف، وابنه يزيد بالوراثة، هذه ستة طرائق أو نماذج لمبايعة الخليفة أو الحاكم، فترى بأية حالة من هذه الحالات هؤلاء اليوم  سيقتدون.؟ ثم إذا ما أضفنا الديمقراطية كطريقة أخرى في اختيار الشعب للحاكم، فهل هم يرضون باختيار الشعب، أم أن الحاكمية  لله وليس للبشر، كما عند بعضهم.؟ وهل الحاكم يحاسب من الذين بايعوه، على كتاب الله وسنة رسوله أم لا يحاسب.؟ وما قولهم في أحد أبرز خلفاء بني أمية، وهو عبد الملك بن مروان، عندما انبرى في سنة 75هـ  يقول: (والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه) لقد كان الخليفة عبد الملك رجل دولة بامتياز ولم يكن رجل دين، فالدين والدنيا لا يجتمعان؛ لهذا فثمة إصرار من بعضهم اليوم بالمطالبة، الفصل بين الدين والدولة، وبالمقابل فالحركات الدينية تصر بالمقابل الجمع بينهما.... ثم لماذا لا يوضحون موقفهم من حقوق المرأة، من حيث الإرث والتمليك والزي والعمل والوظيفة والمخالطة أثناء التعليم والعمل وقيادة السيارات إما لحاجة البيت أو بغاية العمل .؟ وهناك مسالة أخرى غاية في الأهمية وهي تتعلق بالاقتصاد، كثيرا من المواطنين يودعون مدخراتهم في البنوك على شكل مبالغ نقدية مع الفائدة، ترى كيف بهؤلاء قادة الحركات الدينية أن ينهضوا باقتصاد البلد إذا اقتضى منهم ذلك خلال حكمهم دون اللجوء إلى استثمار تلك الودائع والمدخرات، وهي بمليارات الدولارات، وتنتظر الفائدة أو فلنقل الربا .؟ فهل هذا حلال، أم حرام من الربا.؟ وما هو الحل برأيهم.؟ وماذا تكون مواقفهم من ارتفاع الأسعار وما هي إجراءاتهم بالتالي.؟ وكيف تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية بحق مالكي السلع والموارد في حال اهتزاز الأسعار أو احتكار بعض السلع والمواد والموارد، كون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين كما هم يطالبون.؟ وماذا سيكون موقفهم من تحصيل الزكاة.؟ هل تجبى من المالكين عن طريق الجابي  لتودع في خزانة الدولة.؟ ثم هل ينكرون على المسلم إذا تزكّى من ماله إلى الفقراء والمحتاجين دون وسيط من الدولة الإسلامية.؟...  ماذا يكون حكمهم إذا خالف حاكم مسلم بفتوى مخالفة للنص القرآني.؟ إليكم غير موقف إزاء ذلك.. من المعلوم أن عطاء الرسول كان يصل (المؤلفة قلوبهم) وهم الكفار درءا لشرهم ...فقد جاءت في سورة التوبة هذه الآية الكريمة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين والمؤلفة قلوبهم..) بيد أن  الخليفة عمر بن الخطاب أنكر عليهم هذه العطاءات تذرعا بقوة الإسلام حيث لم يعد السبب قائما، أي أن الإسلام قبل بشروط الكفار عند ضعفهم وربما لاستمالتهم أو لدرء شرهم، ورفض عمر هذا الشرط لما قويت شوكة الإسلام.! لأن الخليفة كان يدرك أن غاية النص هي العدل، فليس من العدل مد الكفار الأشداء بالصدقات، في حين أن دولة الإسلام وفقراءها، هم  أحوج وأحق بهذه الأموال... كما أن الخليفة عمر أبطل عملية توزيع الأراضي على الفاتحين مخالفا سنة الرسول حيث كانت تقتطع مساحات من الأراضي الخصبة توزع عليهم، ولعمر سوابق أخرى خالف فيها النص والسنة في الاجتهاد منها، إيقاف قطع  يد السارق  في عام  المجاعة، والنص القرآني  صريح  في عقوبة السارق: (والسارق  والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله..) ــ  سورة المائدة ــ كما عطل عمر التعزير بالجلد  لشارب الخمر في الحروب.. ثمة  مقاربة بين طرفي المعادلة هما الثابت والمتغير؛ فبتغير الأزمان لا بد من تغير الأحكام،  وأجزم أن الإسلام الصحيح لا ينكر هذا.! الأسئلة لا تنقطع...هل هؤلاء يوافقون على تعدد الأحزاب  فيما تنصّ عليه بعض الدساتير.؟ أم  في رأيهم ثمة حزبان فقط، هما حزب الله، حيث ينشدون، وحزب الشيطان وهم له رافضون.؟ وهل يوافقون على الاستفتاء الشعبي في اختيار أعضاء مجلس الشعب النواب، أو سواهم من ممثلي المؤسسات الأخرى، وعما يسفر عنه من نتائج.؟ أو أنهم يقبلون بالنتائج فقط في حال لامست هواهم, تخفيا وراء مبدأ التقية.! أي أنهم يقبلون بالنتيجة لما يضمرون من الخطوات التالية عقب تحقيق الفوز؛ ثم, إذا كانوا ينادون بحقوقهم في تأسيس أحزاب على أساس الدين الإسلامي، فهل يقبلون لأنصار الديانات الأخرى ــ  يهودية، مسيحية، مثلا ــ من  تشكيل أحزاب على أساس ديني، وبالتالي يسمح لهم بالتبشير لدياناتهم كما هو متاح لهم في الغالب، أم أن الدين عند الله هو الإسلام ؛ ولن يقبلوا بالتالي خلاف هذا النص الواضح والصريح....
أخيرا... علينا أن نتجرب من تجاربنا، فاليوم يستحيل علينا أن نعيش حقبة الإسلام الأولى، كما يستحيل علينا أن ننقل عباءة الماضي ونلبسه على إنساننا الحاضر بواقعه الحالي.!  إن مجتمعنا اليوم يتقدم على المجتمع الإسلامي الأول بكل المقاييس، حتى في علاقة الحاكم بالمحكوم، فلماذا يريدون العودة بنا إلى الماضي.؟ لا يمكن لنا أن ننسخ تجربة بدأت قبل أربعة عشر قرنا، وفات على زوال دولتها بضعة  قرون، أي نحو نصف هذي المدة، لم يعد واردا العودة إلى النطع والسيف، ولا حتى العودة إلى الراحلة المعهودة ــ سفينة  الصحراء ــ  إن المجتمع المتخلف يفهم دينه فهما متخلفا، ويدعه في براثن الماضي، دون فهم للمستجدات ولا لمستحقات التغير والتطور، ألا يجدر بنا عندما نقف عند ظاهرة ما، من أن ندرسها ونقلبها من كافة جوانبها ثم نحكم، ولا نكتفي بجانب واحد وحيد. أي الجانب المشرق فحسب؟ ألا يقتضي منا اليوم إعمال العقل، والاجتهاد في الفكر، والاستنارة بالعلوم.؟ لا أن نبقى أسير الجهل والتخلف وضيق الأفق، والأخذ بالرأي الواحد، وتقبله دون فحص أو تمحيص مهما كان المصدر.. إن الإسلام دين لا دولة، ولا بد لك بعد هذا إلا أن تقف معهم في ممارستهم لطقوسهم الدينية بكامل الحرية، كما عليك أن تقف مع حقوقهم في ممارساتهم السياسية عند قبولهم باللعبة الديمقراطية، وأبجديتها هي فصل الدين عن الدولة؛ فالحاكم الصالح دينيا، قد لا يصلح بالقدر نفسه سياسيا في إدارة وتصريف شؤون البلاد, كما أن صلاح الآباء لا ينتقل بالضرورة إلى الأبناء، إذا اتخذنا مثال الوراثة التي شرّعها الأمويون، لقد كانت الخلافة الإسلامية  منذ انطلاقتها خلافة عربة  قريشية، وإن قامت على الدين الإسلامي، أو استمدت منه الشرائع والأحكام، وإن دعوى قيامها اليوم أكثر تناسقا مع منهج القومية العربية، لا بد لنا أن نجهر بانتمائنا للحاضر المعيش، ونتطلع للمستقبل، وللمستقبل متطلباته، وليس ممكنا اليوم أن نندار إلى الماضي ونستحضره، ونتمثله في حياتنا، ذلك الماضي الذي لن يعود...!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.42
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات