القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نقد ادبي: أنا لست أنا (الكاتب دحام عبدالفتاح ومنعطف الذاكرة الخطير)

 
السبت 12 كانون الثاني 2008


ابراهيم محمود

(إنني أنتمي إلى أمة يظهر فيها الكتاب ظهوراً متأخراً قرناً من الزمان.
 وكل حدث من أحداثها الجسام يأتي إليها مبكراً قبل الأوان..
 فالطاقة تقبع في الداخل وتساوي مائة وحدة، وطبقة "الانتلجنسيا" من المثقفين والمتعلمين تعادل طاقتهم ثلاث وحدات فقط! ولذلك تخرج الطاقة المكبوتة لتنفجر نحو الخارج...
 وكل أحد عشر عاماً نجد أن مصير جيل واحد من الأجيال يقترب نحو المذبحة والهلاك!..).
استهللت بحثي هذا، في سياق ما تعرضتُ له سابقاً، بقول لافت، لكاتب وشاعر وفنان بولندي معروف، هو "ت.ك. نورفيد:1821-1881"، كما ورد في مقدمة مسرحية (الملاح) لشانيافسكي، والمنشورة عربياً ضمن سلسلة إبداعات عالمية (ديسمبر، 2007، ص 33)، نعم، تلمستُ فيه ما يخصنا في الصميم، مثلما أنه يخص كل أوجه التناقضات التي تعرّف بمجتمعات منقسمة على نفسها، وكتاب قابلين للتحول أو التبدل من حال إلى نقيضها، في رهانات الحدث اليومي ومهب فجائعه.


والموضوع كما هو مُعَنونٌ، يخص الكاتب دحام، ودائماً "هنا" في نطاق منطق تضادي معلوم بثنائيته المجلجلة، وهو (أنا لست أنا)، لماذا؟ سأحاول رصد تعبيري هذا وتجسيده، بتدبير من لدن دحام، لئلا تلصَق بي مراراً وتكراراً تهمة (الإبراهيمية)، وبؤس المرجوّ منها في السياق، التهمة التي طرب ذوقه لتوليفتها كثيراً، ودون حساب:
في مادته التهويلية الوامعتصماتية، يقول:
(.. فمن رضي عنه إبراهيم (علائقياً) كان إنتاجه إبداعا مرضياً عنه بشهادة إبراهيمية ، مدونة أنترنيتياً ، ومن لم يرضَ عنه حبط عمله بشهادة عكسية من الوصي ذاته ، وهو في مسعاه من الفاشلين .
من هذا السلوك الانتقادي الاستفزازي وردود الأفعال العكسية ، تولدت مواقف صِدامية ساخنة في محيطه الثقافي ، أنتجت ما نلمسه اليوم من تكتلات )شللية) بين طعّانة ومطعونةً بشتائم أنترنيتية مبطّنة . فماذا قدم إبراهيم محمود بثقافته (النقدية) هذه ، وبمَ أفاد المجتمع الكردي  وثقافته سوى كتابه، سِفْر الضغائن (وعي الذات الكردية) ، وما تلاه ويتلوه من مدونات أنترنيتية ؟! إنه – من حيث يدري أو لا يدري – يمارس بما يسميه (النقد)، سياسة  النخر والتسويس في صلب الثقافة الكردية التي ما زالت في طور الحبو.)
ولو أننا رجعنا إلى الوراء، إلى عام 1995، وما تفوَّه به، وثبَّته في كتابه (في موسيقا الشعر الكردي "ملاحظات وردود")، الصادر سنة 1995، وتحديداً هذا القول المقبوس سابقاً، حيث لا نجد اختلافاً كبيراً، ومنذ البداية مجدداً (ما جاء في المقالة أيقظ في خاطري تساؤلات حول واقع ثقافتنا الكردية، في سوريا، وأسباب ترهلها إلى درجة الابتذال، وهي بعد في مراحل كينونتها الأولى. تسابق غير متزن، ولا متوازن في حلبة التأليف والنشر.. أغلفة ملونة، براقة... ألقاب مؤطرة بالدلالات المختلفة... هالات ادعائية مبتذلة. وليس وراء كل هذا البريق والضجيج سوى مضامين باهتة، تتسم بضحالة فكرية مسطحة ، وفجاجة أسلوبية ساذجة. هو المسخ الثقافي إذاً، ولا شيء غير المسخ..ص 7).
نعم، ليس من اختلاف، إلى حد ما، فالزمن المهدور قيمياً هو ذاته، مع فارق كبير، كبير جداً، بين مكانة (الأنا) الناقدة، أنا الوعي المتنبه إلى ما يجري في محيط الكاتب ثقافياً واجتماعياً ومسئولية المكاشفة النقدية، حيث التحرك كان يظهر في صميم المستجد اليومي، من ناحية المتابعة الثقافية، أنا الزمن ِالمدرَك باختلاجاته أو اختلالاته المرئية، كما رصده كاتب، كان يشار إليه بالبنان، والمكانة المغايرة كلياً لهذه (الأنا)، وهي تأخذ بخناق سالفتها، أنا الوعي المأخوذ بما هو كابوسي، الأنا التي ترتع في زمان قد استُهلك كثيراً، فيكون القول في المستجد الآن، كما لو أنه ما كان، حيث لا المستجد هو مستجد ما كان، ولا دحام بأناه اللازمنية، هو دحام الحامل على المسوخ الثقافية سابقاً، ما خلا الوهم الذي يبقي الأنا هذه في شيزوفرينيتها غير الخافية على الناظر، أو المظهِرة للوجه البارانوائي اللافت، كما لو أن شيئاً لم يتغير (بالطبع فيه)، وإذ أستخدم مفردة (الشيزوفرينيا: الانفصام في الشخصية)، ومن ثم (البارانويا: عقدة العظمة)، فلأن كل عقدة تستحضر الأخرى تماماً: عندما يطيح بماضيه، وكأن شيئاً لم يكن، ويستعيد صورة ماضيه، وحاضره المسلكي نقيضه، وعندما يسقط دعوى التعاظم علي، ومن ثم ينبري ناصحاً مع تبرير، هو تذرير للمتبقي من وقار الذات المرئية في مسلكها اليومي، ومن ثم مرشداً، وهو بأمس الحاجة إلى من يرشده، لرؤية ما هو عليه، وتسمية ما هو فيه (على الأقل تاريخه الانشقاقي يتكفل بأمره سيرته).
أظنني، في سياق مقبوسه عني، قد اندرجتُ في خانة مسوخه الثقافية، ولكن كيف تسنَّى له أن يدرجني هكذا، وقد كنت خارج الدائرة هذه، وهوالذي أهداني كتابه، ما الذي تغيَّر وتحول؟ أي خطاب تعميةٍ تراءى في المتحول الزمني لصاحب (نظرة نقدية) هنا؟ والسؤال الصاعد بحمولته الاعتبارية، أي من جهة الدلالة: أين ذهبت مسوخه تلك، هل قُضي عليها حقاً، أم أن الذي جرى ومنذ سنوات، ويجري بحيوية مسرطنة، هو تنامي المسوخ: مسوخ ما كان، ومسوخ ما يضاف إلى ما كان، ودائماً من خلال ما يقوله هنا، ويسخط على ما هو ثقافي هناك؟ ربما في الحالة هذه، يكون التذكير بمسرحية (الفيل يا ملك الزمان) للراحل سعدالله ونوس ضرورياً، والإشارة بالأصابع الخمس إلى من يطلب من ملكه بضرورة جلب المزيد من الفيَلة، وربما مجدداً، لأن الداعي يرغب في أن يكون القيّم عليها. لم لا، والفيل مستَأنَسٌ به ، كما أنه يخيف كثيراً أيضاً!

في الميزان:
عندما سطّر دحام كراسه ذاك (أي: في موسيقا الشعر الكردي)، والذي تضمَّن المقبوس الذي أوردتُه، قائمة ملاحظاته الناقمة والساخطة على وضع ثقافي متصدع "مترهل"، وباختصار شديد، حضور (المسخ الثقافي إذاً، ولا شيء غير المسخ)، وهو حكم قطعي قاسٍ بالتأكيد، لكنه كان نتيجة متابعة وتحرٍّ لواقع ثقافة، يكون المعنيون بها، أو من يمثلونها آفة الثقافة تلك.
بعيداً عن الاجترار، هل يمكن القول بـ: ما أشبه اليوم بالأمس؟ إنما تكون المسوخية مضاعفة، حيث تنامى المسوخ وأي تنام ٍ، وفي وضع أكثر إحراجاً للمأمول مما هو ثقافي فينا، سواء فيما يتم تحت يافطة أنشطة تقدَّم ، دون أي تعريف فعلي بالأسماء، أو في مناسبات وندوات مختلفة، فمسوخ الأمس إذاً ما زالوا قائمين فيما بيننا، لا يكفُّون عن إقلاق مَن يحاول التفكير مختلفاً، ولا يتوانون عن إلحاق الحد الأقصى من الأذى الممكن به، باستعمال السبل المتوافرة كافة: ذاتياً وتكتلياً وبمعونة تحزبية (أقولها بالحرف الواحد، والوقائع الطازجة شاهدة على ذلك). والحديث في متضمَّنه يطال الثقافة وكيف يمكن تطويرها، والملأ المناسباتي، الندواتي، الساحاتي، البيتوتي، آذان صاغية، لا أحد يمكن مضايقته، الكل راضون مرضيون، لأن النقد الحاضر وهو في حدته، يرضي الجميع، إذ لا حالة تُذكر، إنما ثمة قول في العموميات، وتشريح نقدي في العموميات، دون تلميح يُحفّز تفكيراً، وسخط في العموميات، ولكن ثمة غمزاً ولمزاً، وربما تذكيراً في المتداول، حول من يسمي في نقده، من يعتبر العموميات مفرخة مذهلة لاستيلاد المزيد من المسوخ.
دحام، كان يجسّد دِينه النقدي كاملاً، وهو يؤكد خاصية النقد، وكيف يمكن أن يكون النقد، ولو أنه أضعف من حقيقته، لأنه لم يسمّ، وأستدرك: لكنه في مضمون قوله، كان يسمي المقابل ومن معه.
لاحقاً، ضعُف دينه النقدي هذا، إلى درجة أنه صار عبئاً عليه، طالما المسوخ أُلِفت، أي تكيَّف معها.
تُرى: من كان هؤلاء الذين اختصرهم في قوله ذاك، وبدءاً من ناحيته "منطقته"؟ إنهم معدودون تماماً، بأسمائهم، لأن دحام لاحقاً، توقف عند بعض منهم، والمعنيون بالموضوع على علم بذلك، والذين أقضُّوا مضجعه في محيطه العامودي وفي الجوار وما هو أبعد منه، يمكن تسميتهم، باعتبارهم كتَّاباً كانوا، شعراء كانوا، من مجايليه وما دونه في العمر. أين ذهبوا؟ دحام يعرفهم جيداً، فهم في المجمل أحبابه، ولا أحد يعرف أو يقدّر "روعة " الوئام" بعد خصومة، إلا أهلوه طبعاً.
في السياق هذا، هل يريد دحام، ومن خلال ما كتبه عني، أن يطالبني في أن أتمثله، أن أقتدي به؟ ليكون لي صدر "أجوف" مثل الذي له مجالسياً! إذ لغته، تفصح عن هذا المسلك، عن الكرد، وفيهم ما فيهم، بغنى عن كل وجه نقدي (ولا أعلم كيف يكون النقد، خارج ما انطلق منه ذات يوم مديد، وما اعتمدته، وأعتمده حتى الآن!): المزيد من مدح للمسوخ، ليُنصب المادح المسوخي : أمير المسوخ هؤلاء، ومسخ الأمراء هؤلاء! رغم أنني أرفض مفهوم المسوخية من أساسها، نظراً للرعب الماثل فيها، نظراً للبعد القيمي المروّع فيها، نظراً لدلالاتها الصارخة فيها! ولكنني أستخدم المفردة، ليس استئناساً بها مطلقاً، وإنما لأنها تخص دحام في الأصل، كما ذكرت، وإذ أستخدمها، فمن باب التساؤل، وليس التمثيل الذي أكرهه في مضمار العلاقة الثنائية!
في الوسع، وفي هذا المضمار التحاوري الساخن، أسأل دحام: ليته ذكر بعضاً من مسوخيه، ليته، أو لو يملك شجاعة المواجهة النقدية، أن يسمي أحد مسوخيه، أن يجهر بمثال يتيم، أن ليس من أحد بباقٍ، وهو في وسط نشط، بالمسوخيين الذين يعلمهم أباً عن جد؟ وكما سمَّاهم هو طبعاً!
إذ ليس الجاري في تشرذمه أثراً من أثريات كتابتي في مسارها النقدي غير المرضي عنه، كما يظهر، مسوخياً، أقول: ليس الجاري حديث عهد بالمسوخية السالفة، بالتشرذم المستفحل، بالتحابب بالألقاب، والتشديد الرخيص على الألقاب، وفي سياقات مختلفة، ودحام معاصر ألوانها وأصدائها منذ نصف قرن على الأقل، ولا أظن أنه في ذات السياق، يمكن لما كتبتُه، أن يشكل هذا السيل الوبائي، في طفرة مسوخية، مجتاحاً دُور الآمنين من مسوخِيه السالفين، ومن صاروا حفدة مسوخيين، لأجداد مسوخيين، ومعلمي مسوخية في الثقافة التي يعلم دحام بها بألفها ويائها.
أعيد التذكير بترجمته، وكتبه الأخرى، وأنا أتساءل: أين هم صحبة الكتابة النقدية (والنقد ليس تشهيراً)، صحبته ممن تلقوا منه إهداءاته بعشرات نسخها، ودون وجود أثر يُذكر؟
أقولها، وأنا أذكّر بشكواه (على الأقل، برنَّة الشكوى والتألم في لغته، وهو يتحدث عن ذلك، في حديثنا  الهاتفي"التاريخي" المذكور)، ألا يستحق ما كتبه، في أكثر من كتاب احتفاء، ولو بجملة واحدة، من أحدهم، أم أن النقد صار بين صاحب الكتاب وصاحب صاحبه؟ على أنه نوع من السر، وكل سر جاوز الاثنين ذاع وشاع، هل يعني أن هذا السر، فيه ما لا يطمئِن صاحبه؟ هنا يكون التآمر على مفهوم النقد بالذات: من جهة المعني به، بضرورة عدم التطرق إليه، على طريقة (خليها بيناتنا، أو : استرني الله يسترك، أو: حكّ لي أحك لك..)، ومن جهة الصاحب الخاص ذلك، أي المتستر عليه، لأنه ينتظر بالمثل منه. حسن إذاً، كيف ستظهر الطبعة الجديدة من ترجمته هذه؟ وحدها الترجمة هذه، في طبعتها الجديدة ستكشف عن كل ذلك، أم أن المترجم، سيكف عن طباعتها الجديدة، حفاظاً على سر مشترك، أي : حرصاً على رصانة في غير محلها.
أعود إلى نفسي، وأنا أسائلها: هل كان كل هذا العناء مطلوباً؟ مع من حوَّل رحله بزاوية كاملة، مع من يأبى أن يقول كلمة حق في وجه مسخ يهدده في أدائه لدوره الكتابي الفعلي، ينافسه في مقامه الرمزي، يشوّه عليه مكانته، مع من يرفض أن يقول، وكما تقول كتابته: أنا لست أنا! ليعلم المعني بأمر كتابته، أن الرجل بات يدرك، ووفق تقديراته الخاصة، أن  وجهة الكردية الصحيحة، وكما هم أغلب قومه ممن يخالطهم، هي فيما اختطه لنفسه منذ سنوات وسنوات، حيث لا شيء ينقذ المرء، ويبقيه واضحاً، سوى صراحته بسلامة أو وجاهة ما يفعله! لكن المشكل مع دحام، هو أنه يصمت على ما كان، ويتحدث باعتباره ممثل المسوخية الثقافية كردياً، على أنها الحقيقة الأمثل لها، إنما- ودائماً- مع رفض دائم لمن يعتبرها مسوخية ثقافية، كما كان دحامـ"ـه" السابق يقول!
"للحديث صلة مؤجَّلة"!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1.48
تصويتات: 33


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات