القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

الحقيقة لا تحجب بالغربال

 
الأربعاء 26 كانون الأول 2007


نصر حاجي خدر

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الحالات الشاذة عن قيمنا وأخلاقنا في مجال الكتابة والصحافة، وخاصة من لدن بعض أنصاف الكتاب والصحفيين الذين لا يملكون أدنى مستوى من الأخلاق والثقافة والاطلاع حتى ويقومون بالسطو على نتاجات غيرهم من قصص ومقالات وأبحاث لكتاب عمالقة (قد وافتهم المنية) من أمثال المرحوم (جمعة كنجي) او لكتاب شباب هم على قيد الحياة مثل خدر خلات بحزاني، وربما يعود هذا الى سوء استخدم شبكة الانترنيت وحبهم للشهرة والبروز على حساب الآخرين وعدم معرفة أصحاب المواقع بمصادر هذه المواد المرسلة لهم من أماكن عدة ومختلفة وما قام به المدعو (حازم حسن كوجي) قبل أيام الذي اقتبس قصة (معركة أخرى خاسرة) للكاتب والقاص المرحوم جمعة كنجي...



(المنشورة في موقع بحزاني في ملف الكاتب) وكذلك في مجموعته القصصية ذلك المسافر (حيث انا مطلع عليها في الموقع والمجموعة منذ فترة طويلة) هذه المجوعة التي أصدرها ابن الكاتب صباح كنجي في دمشق عام 1996 وقام هذه الشخص (حازم حسن كوجي) بنشرها تحت عنوان (خسرت معركة أخرى ولم اخسر الحرب) وفي موقع ختارة الكبيرة وباسمه الشخص دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد للكاتب القاص جمعة كنجي، والسيد حازم حسن كوجي حتى لم يكلف نفسه بكتابة العنوان فقط غير العنوان الأصلي واقتبس عنوانه من خاتمة القصة. وليكم النص الأصلي مع النص المقتبس ولكم الحكم الأخير.   
معركة أخرى خاسرة
* ملاحظة: (النص الأصلي للقصة) ينظر موقع بحزاني نت ملف الكاتب الراحل جمعة كنجي
جمعة كنجي
ساقلع عن التدخين..
ألا تصدقونني؟ انني جاد في هذه المرة، ولن ادخن أي سيكارة اعتبارا من صباح غد..اي يوم يصادف غدا؟ حسن. اذن ستكون ساعة الصفر صباح الاحد.وبعدها ساحطم خصمي العنيد الذي ظل يصارعني طيلة ربع قرن من الزمان.
نحن الان في يوم السبت. الوقت صباحا. وحتى تحين ساعة الصفر العظيمة ساصفي بعض الحسابات القديمة مع عدوي الغادر. اعترف لكم باني خضت ضده معارك عديدة كان الفشل نصيبي في جميعها، لكني موقن اشد اليقين بأني ساحقق النصر في المعركة المقبلة. ومنذ الان ساتهيأ للمعركة، معتمدا على ستراتيج جديد لم اتبعه في أية معركة سابقة. لقد اجريت تحليلا لاخطائي التي جرت علي الفشل فوضح لي اني كنت ابتدأ بداية خاطئة، والبداية الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة، والعكس صحيح. والعاقل من استفاد من اخطائه. متى دخنت السيكارةألاولى؟ الحقيقة اني لا اتذكر ذلك بالضبط،وكل ما اتذكره اني دخنت لاول مرة وانا طفل ساذج. وماذا كانت الدوافع ؟ لاادري بالضبط. ربما كانت محاولة مني لتقليد الكبار بدافع من اقران السوء.. وعلى أي حال فقد ابتدأت التجربة في السر خوفا من بطش ابي. ثم زين لي جموح المراهقة-بعد اعوام- أن اظهر امام الملا وبين شفتي سيكارة انفث دخانها برضا وسرور متبخترا كالطاؤوس، متنقلا هنا وهناك في زهو وكبرياء. ضبطني ابي؟ وانتم تعرفون ماحدث،زادني العقاب اصرارا على مواصلة التجربة، لماذا يمنعني ابي من التدخين؟ كل الناس يدخنون،المساءلة ضرورة من ضرورات الحياة مثل الاكل والشرب والدراسة، وابي ايضا ربما يكون جدي منعه عبثا عن التدخين، لكنه يدخن اليوم رغم نصائح جدي له..اه..لو يعلم ابي كم اني مغرم بالتدخين، فالناس ينظرون إلي نظراتهم إلى رجل عندما يرون السيكارة في فمي، والتدخين يساعدني على تركيز افكاري وقت الدراسة... التدخين وسيلة ناجحة بين الاغراب. وواسطة للتغازل مع الاحباب... فلن يلمني ابي؟ولم يمنعني؟ إن لم ادخن في صغري فسوف ادخن حتما في كبري، فلم يلمني ويمنعني ابي ؟ لم؟.
استمرت مطاردة ابي لي اعواما عديدة ،ثم يأس، واذن لي أن ادخن علنا متى اشاء.
جرفني تيار الحياة، ووجدتني اصارع الامواج الصاخبة، وبدات آرائي تتغير وتتبلور. شرعت انظر للامور نظرة واقعية، نظرة رجل حنكته تجارب مرة قاسية، عندئذ فقط ادركت أن ابي كان على صواب. وبدأ الالم يحز في نفسي... اليس من العار أن يستمر الانسان على الخطا؟ وما قيمة السيكارة ؟ ولماذا لا يمكن الاستغناء عنها؟ إن الذي لايقنع نوازع السوء الصغيرة في نفسه لايمكن أن يحقق الامال العظيمة.. بهذه المعنوية شرعت افكر بالكف عن التدخين لاول مرة، باعتبار التدخين رذيلة اجتماعية... وكنت يومئذ صارما في انتقاد الذات، حريصا على تنفيذ اية فكرة تخطر على بالي بدقة متاهية.
وياللاسف... فشلت المحاولة الاولى بعد تنفيذها بوقت قصير، وشرعت ادخن بنهم اكبر من السابق، وعدت اناقش نفسي مرة اخرى: هل قطع التدخين صعب إلى هذا الحد؟ لا..مطلقا. انها مسالة ارادة لا غير، وانا لست ضعيف الارادة في ذلك الشان، ساحاول وفشل المحاولة لن يثنيني عن عزمي، ساعيدها مرة اخرى.
تذكرت قصة القائد المغلوب والنملة.تهيات لجولة ثانية وفشلت
فشلت في جولة اخرى واخرى واخرى، حتى لم يعد بامكاني أن اتذكر عدد مرات فشلي، واستمرأت لذة الفشل، وايقنت أن في الفشل لذة لاتقل عن لذة النجاح ابدا.
ومرت اعوام...
وفي كل عام كنت اظن أن المعجزة ستتحقق، واني لا بد من أن احطم الوحش المجنون الذي استعبدني طويلا. قررت أن اخوض غمار معركة اخرى،مستفيدا من الخبرة الاخرين، ومستعينا بتجاربي الشخصية.
ناقشت نفسي من جديد، لابد من عمل حاسم فقد بدات تظهر اعراض جانبية كما يقول الاطباء، فالتدخين يستنزف جزءاً غير يسير من ميزانيتي، وانا اسعل بشكل مقرف كانني شيخ في السبعين من عمره، ماذا قال لي الطبيب؟التهاب قصبات؟اه..عزائي انه التهاب بسيط لاضرر منه..ولثتي ملتهبة ايضا، وقد دب التسوس في اسناني الصفراء، لكم اصبحت مهملا...يبدو أن الدخان صار يبلد ذهني بدلا من أن يشحذه، من اجل والا كيف ارمي اعقاب السيكاير في اركان المنزل بدلا من أن اطفائها في المنفضة التي بجانبي؟ لقد احرقت ذات مرة بدلة جديدة اول ما لبستها. وهذه اصابعي، صفراء لحد القذارة.. والانكى من كل شي أن ابني الصغير (خليل) بدا يسرق مني السكاير وهو بعد في السادسة من عمره. لقد ضبطته يدخن.. وغضبت وارتفعت يدي في الهواء لتنال على وجه في صفعة قوية، لكني عدلت اخيرا،فان العقاب لايفيد، ينبغي أن اقطع علية الطريق، الا ادع في أي سيكارة في تناول يده، ولكن كيف يتسنى ذلك؟ينبغي أن اقلع انا عن التدخين فلا تقع أية سيكارة في متناول صغير.
...فليتحطم الصنم الذي عبدته طويلا.ولتبدا معركة جديدة. ولنر لمن يكون النصر.
شرعت اهيء كل مستلزمات المعركة المقبلة،محاولا عدم الوقوع في أي خطا من الاخطاء السابقة. اخبرت بعض الاصدقاء بعزمي، فابتسموا ساخرين، واخبرت زوجتي في الموضوع، وطلبت منها أن تشتري مقدما كل حاجيات الغد، لانه قد يفرض منع التجوال،ففغرت فمها دهشة، وعندئذ أو ضحت لها:
- لن يحدث أي انقلاب يا عزيزتي.
وبلباقة شرحت لها مشروعي، وهو البقاء في المنزل يوما كاملا، وعدم السماح لاي شخص بالدخول اليه ايضا، فتبسمت ساخرة، ثم اردفت تقول:
-لابأس.. لعلك تنجح في احدى محاولاتك.
واوضحت لها بالتفصيل ادق الامور في معركتي المقبلة،فوعدتني بانها ستبذل من جانبها اقصى الجهود في سبيل تحقيق امنيتي. وامضينا ساعة نتناقش. ثم حل المساء، فشرعت ادخن سيكارة في اثر سيكارة حتى انتصف الليل... عندئذ سحقت جميع ما تبقى لدي من سيكاير، واليقيتها إلى الزقاق من النافذة، موذنا بافتتاح المعركة. وبعد أن تناولت فطوري في الصباح لاحت بوادر الازمة... شعرت بالدوار يعصف براسي، كانني رائد فضاء يسبح في مجال انعدام الجاذبية، قاومت هذه الاعراض المزعجة بشجاعة دون أن انبس بكلمة، لكني في قرارة نفسي كنت على استعداد كامل أن ادفع دينارا كاملا في سبيل سيكارة واحدة، بل كنت على استعداد لان اضحي بسنة من عمري لقاء نفس واحد من الدخان.وخطر أن اعلق فوق الباب لافتة: ممنوع الدخول والخروج؟ .ثم ارتأيت أن امضي تلك السويعات المزعجة بالمطالعة.واخترت احب قصة إلى نفسي، اخترت قصة بعنوان (عناقيد الغضب) وشرعت اقرا فصلا معينا طالما اهاج في نفسي اعمق الاحاسيس الانسانية. لكني لم افقه شيئا مما قرات. ثم تناولت مجلة رخيصة حافلة بصور بغايا عاريات باسم الفن.ثم القيتها جانبا هي الاخرى. واحسست بما يشبه الظمأ. وتجرعت كاسين مترعين من الماء دون أن يزايلني ذلك الاحساس. ثم شعرت بالنعاس. غير اني لم استطع النوم..وشعرت بأعراض غريبة كتلك التي يشعر بها مريض مصاب بهبوط في الضغط. وانتابتني حالة من الياس والفجيعة والقنوط دون أي مبرر.. هل ثمة شي افتقدته؟ لكن الباب موصد، وعلي أن اقوم. ثم تمددت ورحت في اغفاءة قصيرة. وعندما استيقظت امتدت بيدي بطريقة ميكانيكية لتبحث عن علبة السكائر تحت الوسادة. فيا لخيبة الامل قررت بعد ذلك اتمشى على السطح لتمضية فترة هي اتعس من الفترة التي يمضيها المتهم قبل صدور الحكم عليه. وصعدت فوق السطح. ويالهول مارأيت كان ابني (خليل) قابعا في احدى الاركان وبين اصابعه سيكارة يدفع بها في فمه إلى اقصى حد ممكن، وقد انتفخت أو داجه ودمعت عيناه. ورايت لعابه يسيل.انقضضت عليه كالبرق وانتزعت منه السيكارة، وامتصت منها انفاسا عميقة متلاحقة، وعصف بي الدوار كرة اخرى، لكني تمالكت نفسي وصرخت في وجهه بغضب:
-هيه ايها العفريت. قل لي من اين حصلت على هذه السيكارة؟ رفع الي وجها مذعورا،فكررت عليه قولي:
-لن اضربك. قل لي كيف حصلت على سيكارتك في هذا الحصار الجهنمي المفروض على البيت؟ دون أن ينبس بكلمة انتصب واقفا، وتطلع حواليه بارتباك شديد ثم مضى إلى احد الاركان، وازاح حجرا عن حجر، ثم سحب قبضة من مختلف أنواع السكاير كان قد سرقها مني في فترات متباعدة.. صادرت السكائر المهربة،وصرخت به وانا اقطب ما بين حاجبي.
-لاتحاول أن تسرقني ثانية؟
واجاب متلعثما:
-لا يا أبي.
واقبلت زوجتي على صراخي، فوقفت مندهشة وهي تتمعن بذهول في سحب الدخان المعقودة فوق راسي.والحق اني شعرت بالخجل والارتباك ثم شرحت لها الموضوع باختصار، فقالت بعطف:
- عبثا تتعب نفسك كل مرة.
اجبتها على الفور:
- خسرت معركة اخرى يا عزيزتي، ولم اخسر الحرب.
-----------
حازم حسن كوجي : خسرت معركة اخرى ولم اخسر الحرب
(النص المقتبس /المسروق)
ألا تصدقونني؟ انني جاد في هذه المرة، ولن ادخن أي سيكارة اعتبارا من صباح غد..اي يوم يصادف غدا؟ حسن. اذن ستكون ساعة الصفر صباح الاحد.وبعدها ساحطم خصمي العنيد الذي ظل يصارعني طيلة ربع قرن من الزمان.
نحن الان في يوم السبت. الوقت صباحا. وحتى تحين ساعة الصفر العظيمة ساصفي بعض الحسابات القديمة مع عدوي الغادر. اعترف لكم باني خضت ضده معارك عديدة كان الفشل نصيبي في جميعها، لكني موقن اشد اليقين بأني ساحقق النصر في المعركة المقبلة. ومنذ الان ساتهيأ للمعركة، معتمدا على ستراتيج جديد لم اتبعه في أية معركة سابقة. لقد اجريت تحليلا لاخطائي التي جرت علي الفشل فوضح لي اني كنت ابتدأ بداية خاطئة، والبداية الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة، والعكس صحيح. والعاقل من استفاد من اخطائه. متى دخنت السيكارةألاولى؟ الحقيقة اني لا اتذكر ذلك بالضبط،وكل ما اتذكره اني دخنت لاول مرة وانا طفل ساذج. وماذا كانت الدوافع ؟ لاادري بالضبط. ربما كانت محاولة مني لتقليد الكبار بدافع من اقران السوء.. وعلى أي حال فقد ابتدأت التجربة في السر خوفا من بطش ابي. ثم زين لي جموح المراهقة-بعد اعوام- أن اظهر امام الملا وبين شفتي سيكارة انفث دخانها برضا وسرور متبخترا كالطاؤوس، متنقلا هنا وهناك في زهو وكبرياء. ضبطني ابي؟ وانتم تعرفون ماحدث،زادني العقاب اصرارا على مواصلة التجربة، لماذا يمنعني ابي من التدخين؟ كل الناس يدخنون،المساءلة ضرورة من ضرورات الحياة مثل الاكل والشرب والدراسة، وابي ايضا ربما يكون جدي منعه عبثا عن التدخين، لكنه يدخن اليوم رغم نصائح جدي له...اه... لو يعلم ابي كم اني مغرم بالتدخين، فالناس ينظرون إلي نظراتهم إلى رجل عندما يرون السيكارة في فمي، والتدخين يساعدني على تركيز افكاري وقت الدراسة... التدخين وسيلة ناجحة بين الاغراب. وواسطة للتغازل مع الاحباب... فلن يلمني ابي؟ولم يمنعني؟ إن لم ادخن في صغري فسوف ادخن حتما في كبري، فلم يلمني ويمنعني ابي ؟ لم؟
استمرت مطاردة ابي لي اعواما عديدة ،ثم يأس، واذن لي أن ادخن علنا متى اشاء.
جرفني تيار الحياة، ووجدتني اصارع الامواج الصاخبة، وبدات آرائي تتغير وتتبلور. شرعت انظر للامور نظرة واقعية، نظرة رجل حنكته تجارب مرة قاسية، عندئذ فقط ادركت أن ابي كان على صواب. وبدأ الالم يحز في نفسي... اليس من العار أن يستمر الانسان على الخطا؟ وما قيمة السيكارة ؟ ولماذا لا يمكن الاستغناء عنها؟ إن الذي لايقنع نوازع السوء الصغيرة في نفسه لايمكن أن يحقق الامال العظيمة.. بهذه المعنوية شرعت افكر بالكف عن التدخين لاول مرة، باعتبار التدخين رذيلة اجتماعية... وكنت يومئذ صارما في انتقاد الذات، حريصا على تنفيذ اية فكرة تخطر على بالي بدقة متاهية.
وياللاسف... فشلت المحاولة الاولى بعد تنفيذها بوقت قصير، وشرعت ادخن بنهم اكبر من السابق، وعدت اناقش نفسي مرة اخرى: هل قطع التدخين صعب إلى هذا الحد؟ لا..مطلقا. انها مسالة ارادة لا غير، وانا لست ضعيف الارادة في ذلك الشان، ساحاول وفشل المحاولة لن يثنيني عن عزمي، ساعيدها مرة اخرى.
تذكرت قصة القائد المغلوب والنملة.تهيات لجولة ثانية وفشلت
فشلت في جولة اخرى واخرى واخرى، حتى لم يعد بامكاني أن اتذكر عدد مرات فشلي، واستمرأت لذة الفشل، وايقنت أن في الفشل لذة 
فشلت في جولة اخرى واخرى واخرى، حتى لم يعد بامكاني أن اتذكر عدد مرات فشلي، واستمرأت لذة الفشل، وايقنت أن في الفشل لذة لاتقل عن لذة النجاح ابدا.
ومرت اعوام...
وفي كل عام كنت اظن أن المعجزة ستتحقق، واني لا بد من أن احطم الوحش المجنون الذي استعبدني طويلا. قررت أن اخوض غمار معركة اخرى،مستفيدا من الخبرة الاخرين، ومستعينا بتجاربي الشخصية.
ناقشت نفسي من جديد، لابد من عمل حاسم فقد بدات تظهر اعراض جانبية كما يقول الاطباء، فالتدخين يستنزف جزءاً غير يسير من ميزانيتي، وانا اسعل بشكل مقرف كانني شيخ في السبعين من عمره، ماذا قال لي الطبيب؟التهاب قصبات؟اه...عزائي انه التهاب بسيط لاضرر منه..ولثتي ملتهبة ايضا، وقد دب التسوس في اسناني الصفراء، لكم اصبحت مهملا...يبدو أن الدخان صار يبلد ذهني بدلا من أن يشحذه، من اجل والا كيف ارمي اعقاب السيكاير في اركان المنزل بدلا من أن اطفائها في المنفضة التي بجانبي؟ لقد احرقت ذات مرة بدلة جديدة اول ما لبستها. وهذه اصابعي، صفراء لحد القذارة.. والانكى من كل شي أن ابني الصغير (وعد) بدا يسرق مني السكاير وهو بعد في السادسة من عمره. لقد ضبطته يدخن.. وغضبت وارتفعت يدي في الهواء لتنال على وجه في صفعة قوية، لكني عدلت اخيرا،فان العقاب لايفيد، ينبغي أن اقطع علية الطريق، الا ادع في أي سيكارة في تناول يده، ولكن كيف يتسنى ذلك؟ينبغي أن اقلع انا عن التدخين فلا تقع أية سيكارة في متناول صغير.
... فليتحطم الصنم الذي عبدته طويلا.ولتبدا معركة جديدة. ولنر لمن يكون النصر.
شرعت اهيء كل مستلزمات المعركة المقبلة،محاولا عدم الوقوع في أي خطا من الاخطاء السابقة. اخبرت بعض الاصدقاء بعزمي، فابتسموا ساخرين، واخبرت زوجتي في الموضوع، وطلبت منها أن تشتري مقدما كل حاجيات الغد، لانه قد يفرض منع التجوال،ففغرت فمها دهشة، وعندئذ أو ضحت لها:
- لن يحدث أي انقلاب يا عزيزتي.
وبلباقة شرحت لها مشروعي، وهو البقاء في المنزل يوما كاملا، وعدم السماح لاي شخص بالدخول اليه ايضا، فتبسمت ساخرة، ثم اردفت تقول:
- لابأس. لعلك تنجح في احدى محاولاتك.
واوضحت لها بالتفصيل ادق الامور في معركتي المقبلة،فوعدتني بانها ستبذل من جانبها اقصى الجهود في سبيل تحقيق امنيتي. وامضينا ساعة نتناقش. ثم حل المساء، فشرعت ادخن سيكارة في اثر سيكارة حتى انتصف الليل... عندئذ سحقت جميع ما تبقى لدي من سيكاير، واليقيتها إلى الزقاق من النافذة، موذنا بافتتاح المعركة. وبعد أن تناولت فطوري في الصباح لاحت بوادر الازمة... شعرت بالدوار يعصف براسي، كانني رائد فضاء يسبح في مجال انعدام الجاذبية، قاومت هذه الاعراض المزعجة بشجاعة دون أن انبس بكلمة، لكني في قرارة نفسي كنت على استعداد كامل أن ادفع دينارا كاملا في سبيل سيكارة واحدة، بل كنت على استعداد لان اضحي بسنة من عمري لقاء نفس واحد من الدخان.وخطر أن اعلق فوق الباب لافتة: ممنوع الدخول والخروج؟ .ثم ارتأيت أن امضي تلك السويعات المزعجة بالمطالعة.واخترت احب قصة إلى نفسي، اخترت قصة بعنوان (عناقيد الغضب) وشرعت اقرا فصلا معينا طالما اهاج في نفسي اعمق الاحاسيس الانسانية. لكني لم افقه شيئا مما قرات. ثم تناولت مجلة رخيصة حافلة بصور بغايا عاريات باسم الفن.ثم القيتها جانبا هي الاخرى. واحسست بما يشبه الظمأ. وتجرعت كاسين مترعين من الماء دون أن يزايلني ذلك الاحساس. ثم شعرت بالنعاس. غير اني لم استطع النوم..وشعرت بأعراض غريبة كتلك التي يشعر بها مريض مصاب بهبوط في الضغط. وانتابتني حالة من الياس والفجيعة والقنوط دون أي مبرر.. هل ثمة شي افتقدته؟ لكن الباب موصد، وعلي أن اقوم. ثم تمددت ورحت في اغفاءة قصيرة. وعندما استيقظت امتدت بيدي بطريقة ميكانيكية لتبحث عن علبة السكائر تحت الوسادة. فيا لخيبة الامل قررت بعد ذلك اتمشى على السطح لتمضية فترة هي اتعس من الفترة التي يمضيها المتهم قبل صدور الحكم عليه. وصعدت فوق السطح. ويالهول مارأيت كان ابني (خليل) قابعا في احدى الاركان وبين اصابعه سيكارة يدفع بها في فمه إلى اقصى حد ممكن، وقد انتفخت أو داجه ودمعت عيناه. ورايت لعابه يسيل.انقضضت عليه كالبرق وانتزعت منه السيكارة، وامتصت منها انفاسا عميقة متلاحقة، وعصف بي الدوار كرة اخرى، لكني تمالكت نفسي وصرخت في وجهه بغضب:
- هيه ايها العفريت. قل لي من اين حصلت على هذه السيكارة؟ رفع الي وجها مذعورا،فكررت عليه قولي:
- لن اضربك. قل لي كيف حصلت على سيكارتك في هذا الحصار الجهنمي المفروض على البيت؟ دون أن ينبس بكلمة انتصب واقفا، وتطلع حواليه بارتباك شديد ثم مضى إلى احد الاركان، وازاح حجرا عن حجر، ثم سحب قبضة من مختلف أنواع السكاير كان قد سرقها مني في فترات متباعدة.. صادرت السكائر المهربة،وصرخت به وانا اقطب ما بين حاجبي.
-لاتحاول أن تسرقني ثانية؟
واجاب متلعثما:
-لا يا أبي.
واقبلت زوجتي على صراخي، فوقفت مندهشة وهي تتمعن بذهول في سحب الدخان المعقودة فوق راسي.والحق اني شعرت بالخجل والارتباك ثم شرحت لها الموضوع باختصار، فقالت بعطف:
- عبثا تتعب نفسك كل مرة.
اجبتها على الفور..... خسرت معركة اخرى يا عزيزتي، ولم اخسر الحرب.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات