هل هي نهايات مرحلة الحرب بالوكالة

صلاح بدرالدين

تعتبر الحرب بالوكالة المنتشرة بالعالم الابنة الشرعية لمرحلة الحرب الباردة التي يصنفها المؤرخون بفترتين الأولى بين عامي (١٩٤٧ – ١٩٥٣) من اعلان – ترومان – وحتى نهاية الحرب الكورية، والثانية بعد فترة وجيزة من التحالف الغربي – السوفييتي ضد النازية والانتصار بالحرب العالمية الثانية وامتدت حتى عام (١٩٩١) بانتصار النظام الراسمالي، وسقوط الاتحاد السوفييتي، والدول الاشتراكية الأخرى، وفي الفترتين التي افرزت مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب وتمتد نحو نصف قرن من الزمن شهدت العديد من المواجهات الحربية المحدودة في أمريكا الجنوبية، وأوروبا، وآسيا، وافريقيا، بين فرقاء محليين تتبع للمعسكرين حول قضايا مختلفة بينها مسائل تتعلق بالحرية والديموقراطية، والتقدم الاجتماعي، والنظم السياسية، وتستمد منهما الدعم المادي والعسكري، ولكن من دون تورط مباشر من القوى العظمى والكبرى، التي تحكم علاقاتها معادلات المصالح المتبادلة، وتوازن الرعب النووي.

الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط

لقد تجسدت الحرب الباردة في السابق بالنزاعات حول مناطق النفوذ، وصراع الأجهزة الأمنية – وحرب الجواسيس – والسباق العلمي، وحرب النجوم، والخلاف حول حصار – برلين – ثم تشكل حلف – الناتو عام ١٩٤٩ – وكذلك حلف وارسو عام ١٩٥٥ – والمواجهة الآيديولوجية بين الاشتراكية والراسمالية، وتعاظم واقع حال عدم الثقة بين الجانبين، وبلغت اوجها في اسقاط حكومة مصدق بايران، وحرب فيتنام، وأزمة كوبا، وحرب السويس، والانقلابات العسكرية المتتالية الموالية بغالبيتها للغرب في العديد من البلدان النامية، كما ظهرت بجلاء حول كل من القضيتين الكردية، والفلسطينية.

ايران كمتعهد وحيد لحروب الوكالة بالمنطقة

منذ سقوط نظام الشاه في ايران وسيطرة رجال الدين من المذهب الشيعي بزعامة آية الله خميني على مقاليد السلطة عام ١٩٧٩، وتدشين نظام سياسي وعسكري وامني جديد على راسه الولي الفقيه باسم الإسلام، بدأ بوضع استراتيجية تتضمن تصدير (الثورة) الى دول المنطقة، واستثمار المكون الشيعي فيها لمصلحة توسع النفوذ الإيراني، وخاصة في العراق، ولبنان، واليمن،وتاليا في سوريا التي تحكمها عائلة الأسد المنتمية الى الطائفة العلوية وهي امتداد للمذهب الشيعي، ثم حركتي حماس، والجهاد الاسلاميتين المتشددتين بعد إقامة تحالف مذهبي مصلحي في وجه العدو المشترك – الافتراضي – ولم يكن تنظيم – داعش – بعيدا عن هذا التحالف – غير المقدس – في بداية بسط نفوذ (دولة الخلافة) على أجزاء من العراق وسوريا.

وخلال اكثر من ثلاثة عقود واكثر نجح النظام الإيراني أولا في تشكيل محور سمي بمحور المقاومة او الممانعة، قاعدته الأساسية نظاما ايران وسوريا، ثم العمل  في تمويل، وتدريب وتنظيم وبناء، وإقامة كيانات ميليشياوية مسلحة تشكل اذرعا عسكرية امنية ضاربة لذلك المحور من بينها : حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، وميليشيات الحوثي، وحركتي حماس والجهاد، ومن اللافت ان نظام الشاه كان قد اتخذ دور – شرطي الخليج – فقط ولكن نظام ايات الله تجاوز وظيفة الشرطي الى العسكري المحتل المعتدي على ولمعظم دول المنطقة.

حرب بالوكالة كرديا

وقبل ذلك وفي صدد التعامل مع القضية الكردية في ايران والمنطقة، ومحاولة احتوائها، واستغلالها فقد بسط النظام الإيراني نفوذه على مركز – قنديل – لحزب العمال الكردستاني، وتقديم الدعم له، ومن خلاله التحكم بفروعه في كل من العراق، وسوريا، وتركيا، وكلنا نعلم ان احدى ثمرات ذلك التعاون هي إنجاح اتفاقية (قرايلان – آصف شوكت) في توافد مسلحي – قنديل – نحو الأراضي السورية بعد اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١ – ودعم النظام في محاربة الثورة السورية، وحصول عمليات عسكرية في تركيا بناء على رغبات إيرانية، واستمرار عدوان مسلحي ب ك ك ضد شعب كردستان العراق، والإنجازات الفيدرالية بايعاز مباشر من الحرس الثوري الإيراني، وهذا هو الدور المرسوم لجماعات – ب ك ك – كرديا ومساهمته بحروب الوكالة التي  نحن بصددها الان.

وفي حسبة بسيطة نتوصل الى حقيقة ان الغالبية الساحقة – ان لم تكن كل – التوترات في منطقتنا، والحروب المحلية والإقليمية الدائرة منذ عقود، هي بفعل وكلاء ايران، ولمصلحة اجندة ايران ومستقبل نفوذها، ليس ذلك فحسب بل ان هؤلاء الوكلاء شكلوا بما نسميه – قوى الردة – في وجه ثورات الربيع، وعوامل تخريب التنظيم الدولتي، وعائقا امام حل القضايا في المنطقة بمافيها القضيتان الكردية والفلسطينية، وسببا من أسباب التدخلات الخارجية، وحدوث الاحتلالات.

وبالرغم من تاخر المجتمع الدولي عموما في تشخيص الازمة وطرح المعالجة، وتواطؤ كل من روسيا والصين، الا اننا نلمس ومنذ حين تحركا دوليا وإقليميا متسارعا لردع ايران، وتهديده ومطالبته بعدم التدخل بشؤون بلدان المنطقة، والتشديد ضد اذرعها خصوصا حزب الله، وحماس، وماتقوم به إسرائيل بهذا الخصوص أي مواجهة ايران واذرعها تخدم مصالحها بالدرجة الأولى ولكن لاشك ان كل ذلك لايخرج عن الاستراتيجية العامة للمجتمع الدولي، ومن بينه النظام العربي الرسمي باتجاه ردع النظام الإيراني، وطي صفحة اذرعه التي تقوم بحرب ايران بالوكالة في المنطقة، مما يعني كل ذلك باننا امام مرحلة جديدة تنتفي فيها اشكال الحروب بالوكالة، ومن الان امام تلك الاذرع الضاربة بعد تلقيها ضربات موجعة خيار التحول الى أدوات سياسية مدنية مسالمة، ومغادرة بؤر العنف، وتوديع السلاح بشكل قاطع، وهذا بحد ذاته لن يتحقق بالمدى القريب الا بعد توفير شروط وآليات حل القضايا المأزومة وخصوصا قضايا الشعوب والقوميات وفي المقدمة القضيتان الكردية والفلسطينية بضمانات دستورية وطنية، وحماية دولية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* الحرب المدمرة التي استمرت 12 يومًا وصلت إلى “هدنة”. فما هي الخطوة التالية؟ هل سيتحقق ما يريده الشعب الإيراني ومقاومته، أي “الانتفاضة” و”الإطاحة بالديكتاتورية” في إيران؟ أين وما هي المعركة النهائية أو الحرب الرئيسية؟ هل هذه الحرب تقترب؟ من هو الفائز ومن هو الخاسر في هذه الحرب؟ ساحة الحرب! حتى الآن، ثبتت هذه الحقيقة: “الحرب الرئيسية”…

إبراهيم كابان تشهد سوريا اليوم تحولات دقيقة تعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الدولة، شكل الحكم، والعقد الاجتماعي الذي يُفترض أن يحكم التنوع السوري المذهبي والعرقي والثقافي. وبينما تستعيد الأذهان تجربة العراق بعد عام 2003، حين قاد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر عملية الانتقال نحو نظام سياسي جديد، يبرز اسم رجل الأعمال الأمريكي اللبناني الأصل توماس باراك كأحد العقول…

د. ولات محمد تشهد الساحة السورية منذ زمن تسابقاً محموماً بين فئة من المنتمين لمكونات المنطقة على النبش في صفحات التاريخ بغية الإتيان بأدلة وبراهين تثبت أصالة شعب معين في هذه الجغرافيا وطارئية شعب آخر، وذلك لتسويغ استئثار الأول بكل شيء وحرمان الثاني من كل شيء وإلغاء وجوده من الجغرافيا ذاتها والتقليل من شأنه الحضاري. والسؤال الذي يفرض نفسه في…

إبراهيم اليوسف هكذا كان الطريق إلى القدس! -أحدهم- يعود سؤال صلاح الدين والكرد، إلى الواجهة، من وراء سياج ذاكرة الشجاعة والخذلان. الخذلان من قبلنا بحق هذا العلم العملاق، لاعتبارات قرائية خارج السياق الزمني، ومفاد هذا السؤال هو: لماذا لم يؤسس القائد الكردي دولة لقومه لطالما أنه أسس هده الإمبراطورية مترامية الأطراف التي يتباهى بأجزاء منها سواه، بل منهم من ينطلق…