نهاية عهد حزب العمال الكردستاني: هل تدخل القضية الكردية عهدًا جديدًا؟

حوران حم
بعد ما يقارب خمسة عقود من العنف المسلح والتجارب السياسية المأزومة، يُعلن حزب العمال الكردستاني  (PKK) عن حل نفسه وإلقاء السلاح، وفق ما تناقلته مصادر وتسريبات عن مؤتمرهم . يُعد هذه خطوةٌ تاريخية، وإن كانت مفاجئة للبعض، فهي نتيجة طبيعية لمسار طويل من الانحدار السياسي والتآكل الشعبي وفقدان المشروعية، خاصة في سوريا وتركيا، حيث تحوّل الحزب إلى عبء على تطلعات الكرد، بل وأداة قمعية تعادي جوهر نضالهم.
الخروج من قبضة حزب العمال: فرصة أم فراغ؟
لطالما احتكر حزب العمال الكردستاني القضية الكردية في تركيا وسوريا، وفرض رؤيته الشمولية على المشهد الكردي، مقصيًا القوى الديمقراطية والمستقلة، ومعاديًا للتعددية السياسية. في سوريا، ارتبط اسمه بتحالف وثيق مع نظام الأسد، ليشكل ذراعًا أمنية وعسكرية موازية تمارس القمع والاعتقال والتهجير وتجنيد الأطفال، بل وتتقاسم الثروات وتمنع تشكّل قرار كردي وطني مستقل.
إن إعلان الحل يمثّل فرصة نادرة أمام الشعب الكردي لاستعادة زمام المبادرة، وبناء مشروع سياسي وطني جامع، يفتح الباب أمام مصالحة داخلية حقيقية وإعادة تعريف الأولويات بعيدًا عن الوصاية والعسكرة.
ماذا عن قسد وباقي الأذرع؟
لا يكتمل أي حديث عن حل حزب العمال دون أن يشمل ميليشياته المتفرعة، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تُعدّ امتدادًا مباشرًا له من حيث البنية والأجندة. بقاء هذه الأذرع خارج إطار الحل سيعني بقاء جوهر الأزمة قائمًا. لذا فإن نزع السلاح لا يكون فقط بإعلان بيانات، بل بتفكيك هذه المنظومات وتحويلها إلى كيانات مدنية تحت سيادة قرار وطني سوري حر.
العدالة أم النسيان؟
من حق مئات آلاف الكرد في سوريا وتركيا، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا من دماء أبنائهم وتهجير قراهم وتدمير بنيتهم الاجتماعية، أن يسألوا: هل سيتحول هذا الإعلان إلى طيّ صفحة دون محاسبة؟ أين العدالة لكل طفل جُنّد قسريًا؟ لكل ناشط خُطف؟ لكل قرية هُجرت؟ العدالة الانتقالية والمساءلة يجب أن تكون جزءًا من المرحلة المقبلة، لضمان عدم تكرار المأساة، ولمنع تسلّط جديد تحت يافطات جديدة.
هل تفي تركيا بوعودها؟
من جهة أخرى، تقف تركيا الآن أمام اختبار تاريخي. فالحل السلمي يجب أن يقابله التزام سياسي حقيقي بحقوق الكرد، ومصالحة وطنية داخلية تشمل الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية. التجربة السابقة مع أوجلان، والتي انهارت بعد سنوات من الحوار، تفرض الحذر والتساؤل: ما الضمانات هذه المرة؟ هل ستكون هناك رقابة دولية؟ هل ستحترم تركيا التزاماتها تجاه الكرد داخل أراضيها؟
إننا أمام لحظة مفصلية تتيح للكرد، لا سيما في سوريا، فرصة نادرة لاستعادة القرار الوطني المستقل، وبناء مشروع سياسي تعددي ديمقراطي، بعيدًا عن عقلية الاستبداد التي حكمت تجربة حزب العمال لعقود. المرحلة القادمة تتطلب حوارًا وطنيًا واسعًا، يشارك فيه الجميع دون وصاية، لبناء مستقبل آمن ومستقر لكل مكونات سوريا والمنطقة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

م.اياز خلف في زيارة تحمل رمزية عالية، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية مجددًا كمحطته الخارجية الأولى في ولايته الثانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى عام 2017. هذه الخطوة ليست بروتوكولية فحسب، بل تشير إلى أن الرياض ما تزال مركز ثقل إقليمي لا يمكن تجاهله، خصوصًا في الملفات الحساسة والمتشابكة، وعلى رأسها الملف السوري. تأتي زيارة ترامب في…

صالح بوزان ـ دادالي ما إن تنفس الشعب السوري الصعداء بكافة أطيافه ومكوناته وتياراته يوم ٨ كانون الأول من العام ٢٠٢٤ بسقوط نظام البعث في سوريا وهروب رأس النظام بشار الأسد ، إلا أنه وبعد أيام معدودة من سيطرة الجهاديين المنضوين تحت لواء هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، بقيادة أبو محمد الجولاني ( أحمد الشرع )، وانتشار تلك…

يتابع المجلس الوطني الكردي باهتمام بالغ التطورات الأخيرة المتعلقة بإعلان حزب العمال الكردستاني، في مؤتمره الأخير، وقف العمل المسلح وحلّ الحزب، استجابةً لدعوة زعيمه السيد عبدالله أوجلان. ويعتبر المجلس أن هذه الخطوة تمثل تحولاً سياسياً مهماً وإيجابياً من شأنه الإسهام في تعزيز فرص السلام والاستقرار في تركيا والمنطقة عموماً. وإذ يثمّن المجلس الوطني الكردي هذا التوجه نحو المسار السلمي، فإنه…

فواز عبدي   حسب ما قرأت فإن ما حدث في بحيرة ميدانكي بريف عفرين لا يمكن اختزاله فقط في نفوق الأسماك أو انبعاث روائح كيميائية غريبة من الماء. إننا أمام جريمة متكاملة الأركان، تُرتكب عن سابق إصرار وتصميم، في منطقة أنهكتها الحرب، ولم تَسلم حتى مواردها الطبيعية من وحشية الإنسان. إن تسميم المياه ليس فقط خرقاً بيئياً أو تهديداً للصحة…