من يقنع سيادته أن يغادر القصر؟

إبراهيم اليوسف
 
.
عندما حلّ الخراب بسوريا، وتحوّل الوطن إلى ساحة صراع بين قوى متشابكة، وحينما بات الشعب السوري مشرَّداً بين المنافي والمخيمات، لم يتغير المشهد في القصر الرئاسي، لم تهتزّ أركانه، ولم يُطرح السؤال الأهم: متى يرحل الرجل الذي كان السبب في كل هذا الدمار؟ بل على العكس، ازدادت الأسطورة رسوخاً في عقل الحاكم، وبات يرى أن الزمن يمكن أن يطول أكثر، وأن القصر باقٍ كما بقيت العروش من قبله لعقود، دون أن يستوعب أن النهاية حتمية.
كل دكتاتور يظن أن السلطة جزء من كيانه، وأن الوطن ليس أكثر من ملحق باسمه، وأن التاريخ لن يتحرك من دونه. بشار الأسد لم يكن استثناءً، فقد ورث الحكم كما يُورَث المتاع، واستثمر  النظام الأمني الذي بناه والده، محولاً الدولة إلى آلة قمعية، حيث لم يكن القصر الرئاسي مجرد مبنى، بل صار قلعة محصنة ضد التغيير، ومحرقة لكل معارض أو رافض.
منذ بداية الثورة السورية، كان السؤال الجوهري: متى يغادر الأسد؟ ولكن مع مرور السنوات، تحول السؤال إلى: من يقنعه بأن الوقت قد حان؟ هل يدرك أنه صار عبئاً حتى على داعميه؟ أم أنه ينتظر، كما فعل من سبقوه، أن تأتي لحظة الهروب أو السقوط المدوي؟
يراهن المستبد دائماً على عامل الوقت، معتقداً أن الزمن سيتوقف عند عتبة قصره، وأن العالم سينسى. لكن الواقع أثبت أن الزمن لا يُنسى شيئاً، وأن الشعوب، مهما أُرهقت، لا تموت. فهل يظن بشار الأسد أن سوريا يمكن أن تُعاد إلى ما كانت عليه تحت قبضته؟ وهل يتخيل أن التاريخ سيتجاوزه؟
كل من حملوا راية الطغيان قبل الأسد اعتقدوا أن الزمن حليفهم، ولكنهم انتهوا إلى نهايات محتومة: بعضهم فرَّ هارباً، وبعضهم أُسقط بالقوة، وبعضهم انتهى في محاكمات أو مشانق. التاريخ لا يترك مستبداً دون حساب، والقصر الذي يظنه الحاكم حصنه الأخير، قد يكون سجنه الأخير أيضاً.
الحقيقة التي يرفض الأسد وأمثاله الاعتراف بها، أن الطغاة لا يُقنعهم أحد بالمغادرة. لا يستمعون إلى نداءات شعوبهم، ولا إلى أصوات العقل. لا يُغادرون إلا حين يسحبهم القدر من عروشهم، أو حين يضطرون إلى الهرب كالفئران من سفينة تغرق. من يقنع الأسد بالمغادرة؟ لا أحد، لأن المستبد لا يسمع إلا صوته، ولا يرى إلا ظله، حتى اللحظة التي يدرك فيها أن القصر لم يكن أكثر من فخّ، وأن الأبواب التي ظنّها محصنة، قد تفتح فجأة ليدخل منها التاريخ، غير عابئ بمن ظن نفسه خالداً فوق العرش.
–          ترى، من يقنع السفاح أن القصر ليس له وليس ملك أبيه؟
 
هامش:
*وجدت بين أوراقي هذا النص الذي كتب عن الطاغية بشار الأسد  في يوم30-1-2015 أي قبل عشر سنوات، بين أرشيفي، وكان قد نشر في موقع كميا كردا الذي كان يديره الصديق عبدالله دقوري، وها أعيد نشره بعد تصويبات وتغييرات طفيفة، نظراً لأن الموقع لم يعد له أثر، للأسف؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس أقنعة الجهل والخداع، بلاهة مدروسة وكراهية مبرمجة، تعابير الوجه كأداة لخداع الجماهير. في الآونة الأخيرة، بات من الجلي أن بعض المحاورين المدافعين عن الطغيان التركي، أو المروجين لاستراتيجيات الأنظمة المعادية للكورد، لا يعتمدون على لغة العقل والمنطق، بل يستعيضون عنها باستخدام لغة الجسد وتعابير الوجه بدلًا من الكلام، ويكررونها بشكل نمطي، وكأنهم يتلقون تدريبًا ممنهجًا…

زاكروس عثمان كثر الحديث عن شكل الدولة المزمع اقامتها في سوريا بعد سقوط نظام الاسد و استلام ابو محمد الجولاني وجماعته للسلطة في دمشق، في هذا الصدد يدور جدال واسع بين مختلف الاطراف السورية بين متمسك بشكل الدولة المركزية “سوريا الاسد” و بين مطالب بدولة فيدرالية “لا مركزية” ويميل اكثرية المكون السني وهم القومية الغالبة الى دولة مركزية ـ سلفية،…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

فرحان كلش منطقياً، المحطات التاريخية تجلب معها صياغاتها الفكرية والوجدانية والسياسية …..الخ معها، أي تستحضر منظومتها القيمية التي تتوافق مع الأرضية الاقتصادية – السياسية التي تتبناها. وما نشهده الآن على الساحة السورية عامة والكردية خاصة بوادر حركة انحلال قوى وصعود قوى حزبية أخرى مختلفة، فالتاريخ يعلمنا أن الأزمات في البنى التحتية تلد بنى فكرية ومجتمعية منسجمة و منعَكَسة عنها. و…