للمعتوه: الجزيرة ليست عربية

خليل مصطفى
أمس الأحد نشر أحد العُربان المعتوهين (مُقيم بألمانيا) على صفحته الفيسبوكية حرفياً الآتي:
{ أيها السوريون: الجزيرة الفراتية العربية الشمّاء والأبية، ليست قنينة غاز طبخ، أو جوال حنطة، أو شلّ قطن.. عصابات ــ قنديل ــ الإيرانية ــ تحتل ــ الجزيرة }.
المقدمة :
لم يسلم الكورد ولا الآخرين (غير العرب) من افتراءات نظام البعث العنصري (الذي زرع الأحقاد ومزّق شمل السوريين). ليظهر (بعد سقوط البعث) أحد عُربان الجزيرة (المعتوهين) مُعلناً عن مصطلحهُ الجديد (الجزيرة الفراتية العربية).؟! ويُضيف: عصابات قنديل الإيرانية الإرهابية تحتل الجزيرة.؟! حقيقة لأول مرة أرى إضافة كلمة العربية للجزيرة. فمصطلحهُ وإضافتهُ، هما مدعاة للسخرية والاشمئزاز، لكونهما يُشيران إلى شوفينية نتنة وعنصرية متطرفة لحدِّ الجنون، لدرجة إنهُ تجاوز أعتى البعثيين العروبيين (المُتشنجين)، منهُم محمد طلب هلال (ضابط الأمن السياسي في الجزيرة عام 1963) الذي فشل في تأكيد عروبة الجزيرة. أمَّا عن كيفية وصول المجموعات العربية (البدو الرُّحل) لمناطق الجزيرة واستيطانهم فيها، يقول الحاج أنور عبد الحميد العسكر في كتابه: القبائل العربية ــ ص 103 ما يلي: (عمل الأمير عبد الرزاق النايف على توسيع رقعة قبيلة طيء عام 1945 شمالاً باتجاه ديرة الأكراد).
الرَّد:
أوَّلاً / الجزيرة تقع بين نهري دجلة والفرات، وتشمل المناطق والمدن المجاورة الواقعة شمال وشرق أعالي دجلة، والمناطق المحيطة بنهري الزاب الكبير والصغير، والشريط من الأراضي الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات. فهي المنطقة الواقعة بين الشام والعراق والأناضول، والتي تشمل اليوم شمال شرق سوريا + شمال غرب العراق + جنوب شرق تركيا (الجزء الشمالي من وادي الرافدين)، تحدها شرقاً جبال زاغروس، وشمالاً جبال طوروس، وجنوباً بادية الشام ومنخفضات الثرثار والحبانية.
ثانياً / الأستاذ الباحث سليمان يوسف يوسف (أحد أبناء القومية الآشورية، مقيم في قامشلي)، كتب عن الجزيرة تحت عنوان: القامشلي السورية حكاية شعب عريق يبحث عن وطن). أقتبس الآتي: { مدينة نصيبين الآشورية التاريخية (كانت نصيبين القديمة منارة للثقافة السريانية ومركز إشعاع حضاري)… أمَّا مدينة القامشلي (كبرى مدن الجزيرة والعاصمة الثقافية للسريان الآشوريين السوريين) فقد بناها سريان آشوريون، بعد نزوحهم من مناطقهم التاريخية في ولايتي ماردين ودياربكر، هرباً من عمليات التطهير الديني والعرقي لمسيحيي السلطنة العثمانية 1915. وخلال سنوات قليلة لملم الآشوريون (السريان) جراحهم، فطوروا بلدتهم الجديدة (القامشلي) إلى مدينة نموذجية جميلة، تعج بالحياة الاقتصادية والنشاطات الثقافية والاجتماعية والرياضية… كانت الوحدة بين سوريا ومصر (عام 1958) نذير شؤم. أثارت العصبية القومية لدى العروبيين. فجمال عبد الناصر بزيارته الى القامشلي (عام 1959) أجج الأحقاد العرقية باكراً لدى القوميين العرب في الجزيرة السورية، تجاه الآشوريين وبقية الأقوام الغير عربية. غادر عبد الناصر القامشلي لكن من غير أن تسقط الناصرية في سوريا، بقيت بفكرها الشمولي وفلسفتها القومية، تهيمن على الذهنية الثقافية والعقلية السياسية للقوميين العرب السوريين… لم يتردد القوميون العرب في تطبيق الإجراءات التعسفية والقوانين العنصرية، لتقويض عمل ونشاط المؤسسات والجمعيات السريانية الآشورية الكلدانية الأرمنية. فقد أغلقوا نادي الرافدين السرياني بالقامشلي (عام 1962 من قبل العميد فرحان الجرمقاني). وبعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي (في آذار 1963) واحتكاره للسلطة، شكل ضربة قوية أخرى، أكثر موجعة لآشوريي القامشلي. فالبعث شدد الحصار على مؤسساتهم وجمعياتهم ومدارسهم الخاصة… البعثيون حكموا سوريا بعقلية الغازي المحتل، فانتهجوا سياسة التمييز العرقي والتطهير الثقافي بحقهم، وبحق جميع السوريين من غير العرب }.
ثالثاً / لو كانت الجزيرة عربيةً (كما يدَّعي المعتوه / أعلاه):
1 ــ لما تطلب الأمر قيام حكام سوريا (في عامي 1959 و 1960) بجلب عُربان محافظات درعا والسويداء وحماه وإدلب، ليوطنوهم في جنوب الحسكة ( 7 قرى على حوض الخابور)، وفي قريتين /مستوطنتين هما: الزهيرية والأحمدية (منطقة ديريك)، وفي قرية / مستوطنة قسرك (قرب الـ درباسية).
2 ــ ولما أجرى الشوفينيون (قادة الحكومة السورية) إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة، الذي جرَّد مئات ألاف كورد الجزيرة من جنسيتهم (تم تجريد ٢٥٪ من السكان الكورد في محافظة الحسكة من الجنسية والحقوق المدنية وحق الاستملاك والانتفاعِ بالأرض).؟ فبالإحصاء  تم تهيئة الأرضية لتوطين هؤلاء العُربان في مناطق الجزيرة.
3 ــ ولما تطلب الأمر (من سلطة البعث العروبي) إلى جلب عشرات آلاف عوائل العربان (من مناطق الرقة وحلب) وتوطينهُم في مناطق الجزيرة (تم نقل هؤلاء العربان، بموجب قرار سياسي أصدرتهُ القيادة القطريةٌ لحزبِ البعثِ الشوفيني، من دمشق بتاريخ 24/6/1974 تحت رقم /٥٢١/، وإشراف مُباشر من قبل محمد جابر بجبوج وعبدالله الأحمر (عضوي القيادة القطرية لحزبِ البعثِ العربي). وللتنويه: فإن حكومة البعث الشوفيني تكفّلت بنفقات نقلهم للجزيرة وبناء قرى / مستوطنات نموذجية لهم (مُزودة بخدمات المياه والكهرباء والمدارس)، بلغ تعدادها 36 قرية / مستوطنة نموذجية (9 في منطقة ديريك + 12 في منطقة قامشلي + 15 في منطقة سرى كانيه (رأس العين). ضمن مساحة طولها ٢٧٥ كم، وبعمق يتراوح حوالي 10 كم. بدايتها نهر دجلةَ شرقاً (منطقةِ ديريك)، ونهايتها سري كانية (رأس العين) غرباً. ولا يخفى على عاقل بأن هدف نظام البعث كان إحداث تغيير ديمغرافي لمناطق الجزيرة (ذات الأغلبية الكوردية). وللعلم: عدد العوائل العربية المستفيدة من تلك الأراضي يفوق 4 آلاف عائلة، ومجموعهُم يفوق 40 ألف عربي. أي: حينها بلغتْ نسبتهُم ٦ % من مجموعِ سكان محافظة الحسكة. عموماً بلغتْ نسبة العُربان في المنطقة حوالي 20% من تعداد سكان محافظة الحسكة. وذلك أدى إلى تراجع نسبة الكورد في محافظة الحسكة عام 2000 من ٧7 % إلى ٥٦ %.
4 ــ ولما تطلب الأمر من سلطة البعث العروبي، إلى تبديل أسماء القرى والبلدات الكوردية بأسماء عربية.
رابعاً / ثمَّ ما علاقة إيران بـ قسد.؟ فالعُقلاء يعلمُون أن دول التحالف تدعم قسد، وليس إيران. فـ قسد مدعومة من التحالف الدولي (بقيادة أمريكا التي هي في حالة عداء مع إيران)، بينما إيران كانت تدعم جهات أخرى.
خامساً / هل سبق للمعتوه وأمثاله (قبل عام 2011) أن كتبوا: أنقذوا سوريا من آل الأسد.؟ وهل المعتوه وأمثاله كتبوا (بعد سقوط آل الأسد): أنقذوا شمال سوريا من الاحتلال التركي.؟
أخيراً: نتمنى من المعتوه وأمثالهُ، أن يتطبَّعُوا بأخلاق الشعب الألماني.؟
صباح الاثنين 20/1/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Rabhan Rabhan
Rabhan Rabhan
21 أيام

الأنظمة المتوالية على الحكم حجبت عن الناس تاريخ المنطقة وزرت تاريخها .. علينا ان نستمر في الاعلام والحوار مع الآخر الذي لم يستوعب ان سوريا وجدت منذ 105 سنوات فقط وأن الجزيرة وجبل الكرد اقتطعا من كردستان اقتطاعا .. الإعلام مهم جدا والترحيب بالأقلام العربية المؤيدة لقضية شعبنا الكردي العادلة

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس أقنعة الجهل والخداع، بلاهة مدروسة وكراهية مبرمجة، تعابير الوجه كأداة لخداع الجماهير. في الآونة الأخيرة، بات من الجلي أن بعض المحاورين المدافعين عن الطغيان التركي، أو المروجين لاستراتيجيات الأنظمة المعادية للكورد، لا يعتمدون على لغة العقل والمنطق، بل يستعيضون عنها باستخدام لغة الجسد وتعابير الوجه بدلًا من الكلام، ويكررونها بشكل نمطي، وكأنهم يتلقون تدريبًا ممنهجًا…

زاكروس عثمان كثر الحديث عن شكل الدولة المزمع اقامتها في سوريا بعد سقوط نظام الاسد و استلام ابو محمد الجولاني وجماعته للسلطة في دمشق، في هذا الصدد يدور جدال واسع بين مختلف الاطراف السورية بين متمسك بشكل الدولة المركزية “سوريا الاسد” و بين مطالب بدولة فيدرالية “لا مركزية” ويميل اكثرية المكون السني وهم القومية الغالبة الى دولة مركزية ـ سلفية،…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

فرحان كلش منطقياً، المحطات التاريخية تجلب معها صياغاتها الفكرية والوجدانية والسياسية …..الخ معها، أي تستحضر منظومتها القيمية التي تتوافق مع الأرضية الاقتصادية – السياسية التي تتبناها. وما نشهده الآن على الساحة السورية عامة والكردية خاصة بوادر حركة انحلال قوى وصعود قوى حزبية أخرى مختلفة، فالتاريخ يعلمنا أن الأزمات في البنى التحتية تلد بنى فكرية ومجتمعية منسجمة و منعَكَسة عنها. و…