قوة المكونات في تحالفها

علي شمدين

مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا.
لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه الفرصة التاريخية التي تهيأت للشعب الكردي في سوريا من أجل نيل حقوقه القومية وتثبيتها دستورياً، وإنما نؤكد بأن الوصول متأخراً إلى هذه القناعة بأهمية انعقاد مؤتمر جامع وشامل من دون تهميش أو إقصاء لأيّ طرف من أطراف الحركة الكردية في سوريا (السياسية، والثقافية، والاجتماعية..)، خيراً من أن لاتصل أبداً إلى مثل هذه القناعة التي ظلت طوال هذا الوقت الثمين حبيسة الأنانيات الحزبية الضيقة ورهينة الأجندات السياسية والمحاور الخارجية المعادية لقضية شعبنا.
كما لا نريد أن نؤكد من جديد على ضرورة استنفار كافة شرائح المجتمع الكردي في سوريا للدفاع بموقف موحد عن قضيتها القومية التي تمثل ثاني أكبر مكون قومي في البلاد مازال محروماً من أبسط حقوقه الإنسانية ناهيك عن القومية منها، وحشد الرأي العام حول هذه القضية الوطنية بامتياز وكسب تأييده إلى جانب عدالتها، وفضح حملات التضليل المنظمة التي قادها حزب البعث الشوفيني طوال حكمه الأسود الذي ظل يتنكر للوجود الكردي في سوريا ويصفه بكتلة سرطانية خبيثة وبأن لا حل لها سوى البتر..
من هنا، ونحن على اعتاب المؤتمر الكردي السوري، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أهمية العمل بيد واحدة وبصوت واحد بين الأوساط الرسمية وغير الرسمية وخاصة بين المكونات الوطنية السورية المختلفة التي لم توفر سلطات البعث المتعاقبة وسيلة إلّا واستخدمتها في ضربها وتفريق صفوفها وبناء جدران عالية وسميكة من الحقد والكراهية فيما بينها، وقد نجحت تلك السلطات إلى حد ما، بالترهيب حيناً وبالترغيب حيناً آخر، في تأليب تلك المكونات ضد ما كانت تسميه بـ(البعبع الكردي)، ولهذا لابدّ من سحق هذا الإرث الشوفيني الذي خلفه البعث وراءه، وطرق أبواب هذه المكونات التي تشكل مع الكرد نسيجاً وطنياً أصيلاً ونفض الغبار عن ألوانه الفسيفسائية الجميلة، وفتح قنوات الحوار الوطني معها وترميم علاقات التآخي والتسامح والعيش المشترك فيما بينها، لأنه لا خيار أمام هذه المكونات للتحرر والانعتاق سوى أن تتكاتف وتتحالف معاً حول ثوابت وطنية مشتركة تؤسس لبناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية يتضمن دستورها الجديد جميع حقوق الإنسان والأقليات والشعوب ويقرها من دون تفريق بين الرجل والمرأة، أو تمييز بين القوميات والأديان والطوائف.
من المعلوم بأن سوريا غنية بمكوناتها القومية كالقومية (الكردية والعربية والسريانية الآشورية والأرمنية..)، والمكونات الدينية كالدين (الإسلامي والمسيحي والإيزيدي..)، والطائفية كالطائفة (السنية والعلوية والدرزية..)، وقد استطاع حزب البعث بقبضته الحديدية أن يعمق الشرخ بين هذه المكونات وأن يحرضها ضد بعضها البعض، ولسوء الحظ لم تتعظ هيئة تحرير الشام من هذه التجربة الفاشلة، وإنما أمعنت في تكرارها بسبق إصرار وترصد، حيث تجاهلت هي الأخرى تمثيل هذه المكونات في المؤسسات المؤقتة التي انشأتها بلون واحد خلال الأشهر التي مرت على استلامها الحكم في البلاد، وتنكرت بشكل صارخ لحقوقها في الإعلان الدستوري المؤقت، وحصرت رئاسة البلاد ومصدر التشريع في طائفة بعينها دون غيرها من المكونات الوطنية السورية الأصيلة، لا بل احتكرت السلطات بمعظمها في يد شخص واحد تمت تزكيته من قبل مجلس عسكري عقدته مجموعات عسكرية جهادية من لون واحد، حتى باتت هيئة تحرير الشام، رغم الإعلان شكلياً عن حلها، قائدة للدولة والمجتمع كما كان سلفها، غير آبهة بتحذيرات المجتمع الدولي الذي ظل يطالبها بعدم تجاهل وجود المكونات وضرورة احترام حقوقها كاملة.
ولهذا من بين المهام المطروحة أمام المؤتمر الكردي المنشود هي مهمة البحث عن آليات عاجلة للتواصل والتنسيق مع عموم المكونات الوطنية في البلاد وخاصة في المناطق الكردية، وتجسير الهوة معها، وتوحيد نضالها الوطني من أجل فرض وجودها وانتزاع حقوقها وتثبيتها دستورياً، بعيداً عن سياسة (فرق تسد)، التي ظلت الأنظمة الطائفية تعتمدها في ضرب المكونات التي تشكل بتحالفها معاً الأغلبية الساحقة في مواجهة تلك الأنظمة التي لا تمثل إلّا أقليات طائفية صغيرة جداً. 
٨/٤/٢٠٢٥

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…

المحامي عبدالرحمن نجار   إن المؤتمر المزمع عقده في ١٨ نيسان في الجزيرة هو مؤتمر الأحزاب التي معظم قياداتها كانت تتهرب من ثوابت حق شعبنا الكوردي وفق القانون الدولي. وكانت برامجها دونية لاترقى إلى مصاف ومرتبة شعبنا الكوردي كشعب أصلي يعيش على أرضه التاريخية، وتحكم حقوقه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتتجلى في حق تقرير المصير!. وحيث أن…

قهرمان مرعان آغا يحصل لغط كثير و تباين واضح ، مقصود أو جهل بإطلاق المصطلحات القانونية والسياسية، فيما يتعلق بالشعب الكوردي و حقوقه القومية و وطنه كوردستان ، تحديداً في كوردستان الغربية/ سوريا . هناك حقيقة جغرافية طبيعية و بشرية و حدود سياسية بأمر واقع في كوردستان ، الوطن المُجزء و المُقسَّم بين الدول الأربع ، تركيا ، ايران ،…