زاكروس عثمان
عودة جبهة النصرة
خرجت جبهة النصرة الارهابية ثانية إلى العلن واطلت برأسها من تحت عباءة هيئة تحرير الشام ـ هتش، لتنفذ مؤخرا عمليات تطهيرعرقي واسعة النطاق بحق المكون العلوي في الساحل السوري، ارتكب الارهابيون خلالها مجازر مروعة لم ينجو منها الاطفال والنساء والمسنون، و نتيجة الوضع الامني السيء للغاية لم تتوفر حتى اللحظة ارقام دقيقة بأعداد الضحايا، الا ان التقديرات تبعا لشهود عيان و تبعا لأعداد المجازر التي وقعت تتراوح بين 1500 ـ 2000 قتيل ان لم تكن اكبر من ذلك بكثير، لأنه هناك توقعات بوجود جثث كثيرة خاصة خارج المراكز السكنية لم تكتشف بعد.
ما يدل على عودة جبهة النصرة إلى العلن هو ان عناصرها لم يكتفوا اثناء مداهمة المنازل بتصفية سكانها بل قاموا ايضا بنهبها وسرقتها، يذكر ان الارهابيون والمرتزقة يمتلكون خبرة جهادية في عمليات السلب والنهب المشهورة عند السوريين باسم ( تشويل و تعفيش)، ولست هنا بصدد سرد الفظائع التي ترتكب في الساحل، انما اذكر بان احمد الشرع الذي نصب نفسه رئيسا للإدارة السورية المؤقتة هو نفسه ابو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة، بذلك تبعا لمسؤوليته الرسمية كرئيس لسوريا، و مسؤوليته التنظيمية كزعيم لجبهة النصرة، فانه المسؤول الاول عن حملات التطهير العرقي التي تقع اليوم بحق العلويين، وقد تطال غدا الكورد الدروز المسيحيين والاسماعيليين او اي مكون غير سني غير عربي.
اشياء لا بد من تسمية باسمائها
اثناء تناول الوضع السوري يتجنب السياسيين والكتاب والاعلاميين الرومانسيين تداول مصطلحات عرقية و دينية معينة بدعوى ان ذكرها يحرض على النعرات العرقية والطائفية، متجاهلين او غير مدركين بان سياسة ابو محمد الجولاني وجماعته بعد استيلائهم على الحكم في سوريا اخرجت الى السطح كل القيح العرقي الطائفي والمذهبي بل حتى المناطقي، حين عملوا منذ البداية بمنطق من (يحرر يقرر) و الذي بموجبه منحوا السنة السلفية بمفردها احقية تقرير مصير سوريا، وسط تناغم البيئة السنية مع هذه السياسة الالغائية التي سرعان ما ترجمت إلى ممارسات همجية تمثلت في إلغاء المكونات الاخرى، و عمل الجولاني على تنفيذ سياسته القمعية بأطلاق قطعانه الارهابية في هيئة تحرير الشام ـ هتش (جبهة النصرة) لترهيب الناس و ارتكاب الانتهاكات وشن حملة تحريض كثيفة و مُركَزَة ضد القومية الكوردية واتهامها بالكفر والانفصالية، واصبح التمييز بين مكونات الشعب على الهوية العرقية والدينية سياسة رسمية للجولاني وحكومته، وحتى يتم مواجهة هذه السياسة المدمرة بات من واجب المتنورين والاحرار وضع النقاط على الحروف، وتسمية الاشياء باسمائها الحقيقية دون مواربة، لكشف نوايا الطغمة الارهابية الحاكمة في دمشق، وايصال اصوات السوريين المعارضين لحكم السلفيين إلى الرأي العام العالمي لتحريك المنظمات الحقوقية وبرلمانات الدول الديموقراطية للضغط على حكوماتها بغية الكف عن دعم محاولات بناء إمارة إرهابية في سوريا.
اين الحراك التنويري الديموقراطي الحر
ما يثير القلق بل الرعب هو ليس الهولوكوست الذي يستهدف العلويين فحسب بل كذلك ايضا الموقف المشين لمختلف الدول خاصة الدول العربية وتحديدا دول الخليج من هذه المجزرة، إذ التزمت عواصم عدة الصمت والصمت في هذه الاحوال علامة الرضا، واكتفت بعضها الآخر بتصريح دبلوماسي خجول ومقتضب، اما تركيا فقد تحركت على الفور لتدعم الجولاني ميدانيا و سياسيا، فيما ذهبت عواصم عربية مع رواية حكومة جبهة النصرة بخصوص محاربة فلول النظام السابق، ما يفهم من موقفها انها ضمنيا تدعم الجولاني في حربه الطائفية، وعلى السوريين الاحرار الحذر ثم الحذر من تعاون هذه الدول مع سلطة إرهابية تحكم سوريا، لان التغطية على الانتهاكات التي يقوم بها جيش الحكومة الارهابية او تبرير التجاوزات الخطيرة على حقوق الانسان يفلت الجولاني من المحاسبة ويشجعه على التمادي في ارتكاب العمليات الارهابية بحق السوريين المعارضين لنهجه السلفي ـ الجهادوي، الرامي إلى امحاء المكونات القومية والدينية، لتحويل سوريا إلى إمارة اسلامية شوفينية حيث تتطابق الذهنية الالغائية لدى السلفية والعروبة، السلفية تلغي باقي الاديان والمذاهب، والعروبة تمحي القومات و الإثنيات الاخرى، لهذا على السوريين الاحرار على مستوى التنظيمات السياسية المنظمات الحقوقية مؤسسات المجتمع المدني وسائل الاعلام والشخصيات والفعاليات الاجتماعية والروحية، عليها طرق ابواب المؤسسات الاممية والحكومات والبرلمانات للمطالبة بلجنة تحقيق دولية بشأن مذابح العلويين، وتحريك دعاوى قضائية على الصعيد العالمي ضد الجولاني واركان حكمه وقادة الميليشيات الارهابية التابعة له، باعتبارهم مسؤولين عن تنفيذ عمليات تطهير عرقي، وتتحمل حكومة دمشق الارهابية المسؤولية من الناحية القانونية باعتبارها سلطة حاكمة تقاعست عن حماية الامن والاستقرار في منطقة الساحل المضطربة، كما انها تتحمل المسؤولية الجنائية كون الطغمة الحاكمة تعتبر في ذات الوقت زعيمة للجماعات الارهابية التي تهاجم الساحل، ان مثل هذه التحركات ضد حكومة الارهاب قد تلجم قطعان الارهاب وكذلك قد تدفع حكومات الدول غلى مراجعة موقفها الداعم لحكومة ارهابية.
الشعب السوري ليس فأر تجارب
يعود تلاعب الجولاني منفردا بمستقبل سوريا إلى تسرع العديد من الدول وتهافتها على الانفتاح عليه وتقديم الدعم له، وغض النظر عن تجاوزه للقانون وتجاهله دعوات دولية طالبته بتشكيل ادارة تشاركية شاملة، ليجد اريحية في توطيد سلطته بالطريقة التي يشاء، وتمكين تنظيمه الارهابي هتش من الحلول محل القوات المسلحة والامنية النظامية التي تبخرت مع سقوط نظام بشار الاسد، ويرى باحثون ان أقبال بعض الدول على حكومة الجولاني الارهابية يرجع إلى اعتقاد عواصم كبرى يان مجتمعات الشرق الاوسط بسبب خصوصيتها التاريخية الثقافية والدينية، لا تصلح لبناء انظمة ديموقراطية ـ علمانية، حيث وجدت البديل في ايجاد نظم حكم اسلامية مُعَدلة، وكان لدى الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما مثل هذه الافكار نتيجة اعجابه بالتجربة ( الاخوانجية) في التركية، على هذا الاساس تتساهل عواصم مع سياسة الجولاني الداخلية على امل تهذيب عقيدته السلفية الارهابية إلى عقيدة إسلامية معتدلة، تمهيدا لتحويل سوريا إلى دولة اسلامية معتدلة، ونسيت تلك العواصم ـ ربما عن سذاجة او عن خبث ـ ان الاسلام هو الاسلام دين اصولي متشدد في تعاليمه، وان التيار السلفي لا يحيد عن هذه العقيدة، الا انها تراخت امام الجولاني إلى ابعد الحدود والذي بدل التوجه إلى الاعتدال!! والانفتاح استغل تساهل العواصم معه فاتجه إلى الاستبداد والتشدد في مواقفه حيال القومية الكوردية و حيال الاديان غير الاسلامية والطوائف الغير سنية، واقترن ذلك بالسماح لعناصر هتش ودعاة السلفية في ارتكاب انتهاكات وتجاوزات بالجملة بحق كافة المواطنين، حيث تمت مصادرة الحريات الفردية و العامة، ما ادى إلى تصعيد التوتر مع الكورد والدروز والعلويين، وبلغ التصعيد اوجه في الساحل ليتم ارتكاب المذبحة المريعة بحق العلويين، ومع هذه المذبحة تكون تجربة الحكم الاسلامي المعتدل ولدت ميتة، وكأن الشعب السوري فئران للتجارب هذه العواصم التي لم تكترث لفشل تجارب الاخوان المسلمين في مصر وتونس او فشل الاحزاب الشيعية و السنية في العراق، فهل يستمر المجتمع الدولي في التعويل على مهزلة بناء نظام اسلامي معتدل ام انه سوف يراجع موقفه من حكومة جبهة النصرة بعد هولوكوست العلويين.
يتبع ج8