سوريا بين الفيدرالية والسلفية ج3

زاكروس عثمان
 
الاتاسي تشطب الكورد من الوجود
تحدثت هدى الاتاسي عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني العام في سوريا في لقاء تلفزيوني عن اعمال اللجنة سابقة الذكر وعن عدم مشاركة الكورد فيها، مبينة ان المؤتمر سوف يضم كافة الاطياف السورية، ولكنها ناقضت نفسها وكذلك كل ما اعلن حول آليات ومهام اللجنة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه على ان اللجنة تمثل الجميع نجد من بين اعضائها السبعة ستة اعضاء مرتبطون تنظيميا وايديولوجيا بـ هتش، ما هذه المعادلة المعوجة، كافة فئات الشعب السوري يمثلها عضو واحد، فيما هتش (تنظيم واحد) يمثله ستة اعضاء، اما اثناء تطرقها إلى الشأن الكوردي تحولت الى ناطق باسم هيئة تحرير الشام ـ هتش، متجاوزة صلاحياتها كعضو في لجنة ادارية، لتنضم إلى تحالف السلفيين والشوفينيين الذين لا يملون من محاولات تمييع القضية الكوردية حيث قدمت ذرائع واهية لعدم إشراك ممثل عن الكورد في اللجنة بدعوى ان اللجنة لا تمثل الشعب السوري كونها تحضيرية لها صفة ادارية, وهي بذلك تناقض نفسها لان غالبية اعضاء اللجنة كوادر متقدمة منضوية في هتش، ما يعني احتكار الاسلامويين لعضوية اللجنة واستبعاد القوى الاخرى.
حول عدم دعوة قوات سوريا الديموقراطية ـ قسد ادعت ان الدعوة اقتصرت على الاطراف السياسية فيما قسد كيان عسكري، متناسية ان هتش التي احتكرت عضوية اللجنة ايضا كيان عسكري، وان هناك جناح سياسي لـ قسد كان يمكن دعوته، والادهى من ذلك ان الاتاسي تماهت في محاولات تمييع وتشويه القضية الكوردية، كأنها دمية مبرمجة لا تدرك ما تقول، حتى بلغ بها الامر إلى ارتكاب اخطاء علمية مدعية ان الكورد مبعثرون على كامل الجغرافية السورية ولا توجد منطقة خاصة بهم، متجاهلة حقيقة وجود وطن كوردي واضح المعالم اسمه (كوردستان ـ روژئاڤا) ملحق بالدولة السورية، واضح ان الاتاسي و زملائها في اللجنة تلقوا توجيهات بالعمل على اقصاء الكورد عن اللجنة وعن المؤتمر بغية الالتفاف على حقوقهم، وهذا سبب السخافات التي تفوهت بها الاتاسي،  دون ان تنتبه إلى ان تبعثر الكورد  في سوريا لا يلغي حقيقة انهم شعب له هوية قومية و حقوق يطالبون بها، نعم الكورد حقيقة لا ينكرها  سوى تحالف الارهاب والشوفينية الذي تشكل حديثا في سوريا.
لجنة تحضيرية ام لجنة هيئة تحرير الشام
وانا اتابع وقائع اعلان تشكيل اللجنة التحضيرية، واجمع المعلومات عن اعضاء اللجنة، والجهة التي قامت بتعيينهم (اختيارهم) تبين اثناء اعلان تشكيل اللجنة واسماء اعضائها ان عددهم سبعة اعضاء فقط، بينهم اربعة اعضاء، مصطفى موسى, ماهر علوش، محمد مستت، يوسف الهجر، كلهم قادة و مسؤولين كبار في هتش الحاكمة لسوريا، اضافة إلى عضوين هما حسن الدغيم و هدى الاتاسي و كلاهما ايضا يمثلان الاسلام السياسي و مقربان من هتش، ويبقى عضو واحد هي هند قبوات يبدو انها العضو الوحيد المستقل بين الاعضاء السبعة، ولم يتسنى لي الحصول على معلومات كافية تبين مدى قربها او بعدها الايديولوجي من الجولاني وجماعته، حسب هذه التركيبة فان اللجنة لا تمثل احد غير هتش، ما معناه ان الجولاني يسير على خطى المقبور حافظ الاسد في ايجاد هياكل صورية وكيانات خاوية على انها مؤسسات مستقلة تمارس مهامها بمعزل عن السلطة الحاكمة، والحقيقة ان كل الكيانات والهياكل كانت لها واجهة مستقلة (ديكور) ولكن هناك جهاز سلطوي يصدر اليها الاوامر ويحركها من خلف الستار، هذا الجولاني يفعل نفس الشيء، لقد اعلن عن تشكيل لجنة المفروض انها ستخطط لمستقبل سوريا، رائع هذا عمل عظيم، ولكن في الواقع اللجنة لم تأتي لتقرير مصير السوريين، بل لتمهيد الطريق امام شرعنة دكتاتورية الجولاني و تأبيدها، وجعل هتش بعد تبديل اسمها الحزب القائد للدولة والمجتمع، وهذا يذكرني بالمنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي بذريعة الشرعية الثورية احتكر السلطة في سوريا منذ 1963 حتى سقوط نظام الاسد في 2024، واليوم فان هتش تمهد الطريق لاحتكار السلطة بذريعة الشرعية الجهادوية.
المكتوب مبين من عنوانه
يدعي المكوعين والمطبلين انه من السابق لأوانه الحكم على اللجنة سابقة الذكر، طالما هي لم تبدأ أعمالها فلا يمكن تقييمها ان كانت لجنة مستقلة محايدة ام انها بالفعل تابعة لسلطة هتش، طيب اليس المطلوب اولا ان ننظر في آلية تشكيل اللجنة، على اي اساس تم اختيار اعضائها، ما هي صلاحياتها وتوجهاتها، اليس من الواجب عدم التأخر في كشف ماهية هذه اللجنة، والطعن في آلية تشكيلها، فالمكتوب مبين من عنوانه، و اللجنة جاءت ليس لإنصاف السوريين بل هي اداة طيعة لتلبية رغبات الجولاني في تكريس نظام دولة مركزية تيوقراطية تمارس سياسة تمييزية تبعا للانتماء القومي و الديني، يكفي الاستماع إلى تصريحات احد اعضاء اللجنة حتى نستنتج انها لجنة اللون الواحد، عمليا اقتصرت عضوية اللجنة على هتش والمقربين منها، بالتالي فان كل ما اعلنوا عنه من اعمال ومشاريع لا معنى ولا قيمة لها، ليس خاف على احد بان الغاية من اختزال اللجنة في هتش والمقربين منها، هي من اجل التحكم في اعمالها وقراراتها وتوجيهها دوما وفق ما يطابق اهداف الجولاني، نعم هذه هي شرعة الجهاد، هتش جيش فاتح له الكلمة الفصل اما سوريا مجرد غنيمة حرب.
مؤتمر الشوارب و الكباب
المضحك ان الاتاسي تشير الى ان المؤتمر الوطني سوف يقتصر على افراد مستقلين، لا شك سيتم قراءة اسمائهم  وغربلتهم  وتقديمهم إلى هتش ليتم انتقاء اسماء من ترضى عنهم واقصاء من يتوقع انهم يسببون لها وجع الراس، اما التنظيمات السياسية فلا مكان لها في المؤتمر، وهذا شيء غير منطقي مثير للسخرية، في بلد ممزق سياسيا اجتماعيا عسكريا، بلد لم يخرج بعد من حرب اهلية مركبة مستمرة طوال 14، بلد ولدت فيه خلال الازمة تنظيمات سياسية عسكرية تؤثر في ميزان القوى، بدون مشاركتها الواسعة والفعالة في حوارات وطنية لا يمكن التوصل إلى اية نتائج سوى اعادة انتاج النظام الدكتاتوري.
مع احترامي للشخصيات المستقلة اكاديميين تكنوقراط مع تحفظي على كلمة تكنوقراط، رجال دين لا يمثلون سوى انفسهم، بدون مشاركة وقبول التنظيمات السياسية لن يتمكنوا من رسم خارطة طريق للخروج من الازمة, الا في حالة واحدة وهي ان يكون مؤتمر الحوار الوطني العام مؤتمرا (صوريا) يكون كل شيء متفق عليه ومعد مسبقا من قبل الجولاني، وليس على اعضاء المؤتمر سوى عقد الجلسات والقاء الخطب الرنانة مع تبادل التحيات و التقاط صور سلفي ثم استراحة الظهيرة لتناول الكباب، وفي الجلسة النهائية يتم الاعلان عن الانتهاء من انجاز كل الاعمال بنجاح منقطع النظير، و يخرج الجولاني او احد رجاله يلقي خطابا فردوسيا يهز له الحضور رؤوسهم اعجابا مع وابل من التصفيق وترديد الشعارات القومية والوطنية و الجهادوية (بالدم بالروح نفديك جولاني) وينتهي العرس الوطني بمبايعة الجولاني واعلان الولاء لـ هتش، في حال تنفيذ هذا السيناريو تزداد مخاطر توسع بؤر التوتر لان تنظيمات سياسية عدة مع تشكيلات مسلحة تمتلك قدرات تمكنها من الاعتراض على مسرحيات هتش ما يهدد بدفع الأمور إلى التصعيد، خاصة ان التوترات في مناطق عديدة ما زالت على اشدها، ويمكن لعود ثقاب ان يشعل نيران يصعب اخمادها.
سؤال يطرح نفسه اذا كانت الاحزاب تمتلك جزء مهم من خيوط الحل لماذا يتم استبعادها من المؤتمر الوطني، ان هتش تدرك ان بعض الاحزاب تشكل ندا قويا لها وهذا يصعب عليها فرض مشيئتها او تمرير اجندتها عبر المؤتمر، لهذا وجدت الحل في تشكيل لجنة تحضيرية شكلية املت عليها اقصاء الاحزاب، وفي حال اعترض احدهم على القرار سيقول الجولاني ليس لنا علاقة بالأمر اللجنة المستقلة!! هي من قررت، بذلك تتخلص هتش من منافسة ومراقبة الاحزاب ليصبح الباب مفتوحا امامها لتمرير ما تريد بكل اريحية، ولا يستبعد في الفترة القادمة ان تبادر هتش على غرار حزب البعث إلى تأسيس مجموعة احزاب صورية تكون رديفة لها، حتى لا يقال ان هتش انفردت بالسلطة.
هل هناك مؤتمر حقا
حسب قناعتي الخاصة الجولاني لا يرحب بالحوار الوطني تحسبا من حدوث مفاجئات في المؤتمر تفرض على فريقه امور تصبح فيما بعد استحقاقات يصعب التملص منها وان فعل يصبح موقفه محرجا امام الداخل والخارج، لهذا يفضل الجولاني الانتقال من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الدائمة دون المرور بالمؤتمرات والحوارات خوفا من فرض قيود عليه رغم تحكمه باللجنة التحضيرية، لهذا ارجح ان لا يكون هناك اي مؤتمر، لان اعضاء اللجنة التحضيرية بتوجيه من هتش وامتثالا لرغبة الجولاني سوف يلجئون إلى المماطلة والتسويف و استخدام الروتين في تقييد اعمال اللجنة ـ وهي مقيدة اصلا ـ بذلك تربح هتش مزيدا من الوقت عسى ولعل  تتبدل الظروف لصالحها، لتعزز سيطرتها على الاوضاع، حينها تكون اللجنة ماتت بالتقادم وتنتفي الحاجة إلى المؤتمر الوطني.
يتبع ج4

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون…

شكري بكر مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس…

إبراهيم اليوسف   لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من…

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…