ابوبکر کاروانی.
من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد.
هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء، واستئناف الحديث عن عملية السلام في باكور (شمال كوردستان)، وتراجع ،وتخفيف التوترات بين قنديل وأربيل، وكلّ أولئك المخلصين الذين سعوا خلال الفترة الماضية لإعادة توجيه الجهود نحو مستقبل شعب روج آفا والقضية الكوردية على مستوى الشرق الأوسط.
هذا وأصبح المؤتمر مصدرًا للتفاؤل والثقة بالنفس أكثر لدى الكورد في روزافا ولأجزاء الأربعة من كوردستان والكرد في العالم، لأنه يُعد خطوة مهمة لعدم تفويت الفرص التي تلوح في الافق، وإغلاق الباب أمام المزايدات السياسية الفارغة غير الهادفة بين القوي الكردستانية و مهاجمة بعضهم البعض والاستفادة السيئة من هذا الوضع من قبل الخصوم ، او فتح المجال لتعامل دمشق وحلفائها الإقليميين مع مجموعا من القوى المتعارضة بعضها مع البعض و ذات الرؤى المختلفة والمتناقضة حيال كيفية التعامل مع القضية بدل وجود ممثلين موحدين في الخطاب والرؤى والمطالب تمثل كافة التيارات والفعاليات.
كذلك يعد هذا المؤتمر إشارة مفرحة إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين أجزاء كوردستان والقوى الفاعلة الأساسية فيها، خصوصًا بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني لما لهما من دور اساسي خاصة فيما يتعلق ب روزافا، ، ويُعَدُّ المؤتمر ايضا استجابة تاريخية لفرصة تاريخية نادرة والتي جاءت لصالح الكورد وكوردستان والقومية الكردية في المنطق، وإن توفرت لدينا رؤية عميقة وفهم سليم لها ونقضي على خلافاتنا الداخلية. باستطاعتنا وإن لم نتمكن الآن من بلوغ هدفنا الكبير، وهو الاستقلال، باعتباره الهدف النهائي والمركزي والجوهري لأي قومية في العالم، فإننا نستطيع على الأقل، ن الوصول بقضيتنا إلى محطة تاريخية حاسمة ومبشّرة، من خلال نيل الحل الفدرالي الديمقراطي في اطار الحدود الحالية لسورية، وتوجيه ضربة استراتيجية لمخلفات اتفاقية لوزان، التي حاولت طمس هوية الكورد وإنكار قوميتهم وتصفية الحركة القومية الكردستانية، ولكن بفضل الصمود الاستوري للكرد ولابنائها البررة ،بائت بالفشل على الاقل فيما يتعلق بالسعي لمحو الكرد كامة وتصفية الحركة القومية الكردية.
و إلى جانب كل هذا، فإن أحد الجوانب المفرحة للمؤتمر هو التاكيد على أن الكورد، خلافاً لما حدث في الماضي، لم يعودوا مجرد أقلية مهمشة موزعة بين بعض الدول و الأنظمة القومية الاستبدادية وغير الديمقراطية في المنطقة، بل أصبحوا قوة لها وزنها ودورها، بحيث لم يعد من الممكن تجاهل آلامهم ومطالبهم، ولا يمكن اختزال قضيتهم العادلة في ملفات مؤقتة تُستخدم فقط كورقة ضغط في إدارة الصراعات الإقليمية والدولية من قبل هذه الدولة اوتلك ، ثم تُرمى قضيتهم جانباً ويتركوا وحيدين ليُسفك دمهم وتُدمر مجتمعاتهم، وتُرتكب المجازر بحقهم، ويُحاول مسحهم من الخارطة.
أن الكورد والحركة الكردية حتى و إن لم يتجاوزوا هذه المرحلة الماضية بشكل شامل وكامل، فقد تجاوزنا بفل الله الكثير منها، لأن الكورد اليوم، بشكل عام وبشكل خاص في جنوب كوردستان (كوردستان العراق) وروجآفا، أصبحوا قوة سياسية وعسكرية ودبلوماسية ذات تمثيل فاعل، تجاوزت مرحلة التمثيل المفروض عليم من قبل دول وانظمة لاتعترف بحقوقهم، و عملت على ابادتهم او في احسن الحال تهميشهم تهميشا شاملا طوال قرابة قرن من الزمن. لكون أصبحت في مستويات ولو عل مستوا معينة قادرة على تمثيل نفسها بنفسها، وباتت تحظى بتعامل مباشر من قبل المجتمع الدولي و بعض مراكز القوى العالمية، تُؤخذ نظراته ومطالبه في حدود الدول الموجودة بعين الاعتبار وتُعامل كشريك في بعض الاوقات والاجزاء، وتزوّد بالمساعدة والدعم، خاصة بعد الدور المشهود لهم في الحرب ضد الارهاب.
ولكن من المهم هنا أن نلفت الانتباه إلى أنه، رغم كل تلك الأهمية الذي يحظى به مؤتمر روجآفا، و الذى قد أشرنا إلى أبرز جوانبه، فمن الضروري، كقوى سياسية ومنظمات المجتمع المدني والوسط الفكري والجماهيري الكردستاني ، ان نبقى يقظين
ونحافظ على هذا القدر من الوعي والإحساس بالمسؤولية القومية ووحدة الروح الجماعية التي ابديناها في المؤتمر. لأن التغيرات والتحولات في المنطقة لم تنتهِ بعد، فمستقبل سوريا والشرق الأوسط لا يزال غامضًا ومجهول المعالم، ومفتوحة على جميع الاحتمالات وامامنا طريق صعب. و كل هذا يتطلب منا المزيد من اليقظة والاستعداد والتكاتف القومي.فالتحديات والمعوقات التي تواجهنا لا تزال كبيرة، لذالك يتطلب تعزيز روح العمل المشترك والاحساس العميق بالمصير الوطني الكوردستاني المشترك ايضا، اضافة الي توسيع التعاون بين مختلف القوى مثل ENKS ، PYD، HSD، PDK، وPKK، وتعميم هذه الروحية وانزالها الي القواعد والانصار، حتي تصبح وعيا شعبيا كردستانيا شاملا وبذل اقصى الجهود في سبيل ذالك. لكي لا تتمكن أي قوة أو مخطط مشئوم من إعاقة تقدمنا أو انتزاع المستقبل منا، و ان التاريخ وتجاربه يقول لنا ، بان مثل هذه المراحل والاوقات في حياة الشعوب حساسة، يتطلب وعيا تاريخيا واستراتيجيا عميقا لادارتها واستثمارها، لهذا فمن المتوقع بل المنتظر، ا ن لم نقل من الحتمي، فان بعض القوي والاوساط المناهضة للديمقراطية والفدرالية والقضية الكردية وتطلعات الشعب الكردستاني بجميع مكوناته، تسعي لإفشال هذه الخطوة والحيلولة دون تحقيق مخرجاتها واهدافها، عبر محاولات واساليب مختلفة منها، اعادة احياء الخلاف والانقسام واضعاف الثقة بين القوى والأطراف الكوردية والكردستانيةالمختلفة. بهدف تشتيت الجهود، تفويت الفرصة و زرع الشكوك لدى الاصدقاء الدوليين للتخلي عنا. بناء عليه حتما سيشنون حربًا نفسيا علينا، يهددون ويضغطون،لافشال مساعي شعبنا في روزافا لنيل حقوقه المهضومة والمشروعة، وان تبقى تجربة إقليم كوردستان ككيان دستوري وصيغة وسطية لنوع من الحل للقضية الكردية، ضمن نظام ودولة فدرالية، مجرد فلتتا تاريخية خرجت من الايدي (كحالة استثنائية غير مقبولة وخارج المعتاد)، ل وليس كنقطة انطلاق ونموذج لتشكيل اقليم ثاني كردستاني في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، فإن قوى روجآفا والحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني، ومن بعدهم الاتحاد الوطني الكوردستاني وكافة القوى الأخرى، يقفون اليوم أمام مسؤولية أخلاقية، سياسية وقومية كبيرة ومطالبة بان تكون علي مستوى الاحداث ومتطلبات المنعطف التاريخي الحالي. فاستمرار التنسيق والدعم والتعاون والانسجام والتكامل القومي والوطني بينهم، يُعد شرطًا أساسيًا مسبقا لنجاح المرحلة الحالية وتحقيق مخرجات المؤتمر والاستفادة الحقيقية من الفرصة التاريخية المؤاتية، وتجاوز هشاشة وتعقيدات المرحلة السابقة فيما بينها، حتى نصل إلى اللحظة المناسبة لضمان حقوق شعب الكردستان في اوزافا عن طريق اقرارها في الدستور السوري القادم، وتشكيل كيان دستوري يضمن تبديد المخاوف المستقبلية وعدم فرض حلول احادية الجانب من قبل سلطة مركزية في دمشق من دون اية حساب يذكر لما عان الكرد من ويلات ومصائب في الماضي المظلم وما يستحق كمكون اصيل وشعب ذو هوية متميزة من حقوق وكرامة ومشاركة حقيقية قي ادرة السلطة في سوريا مابعد الدكتاتورية المقيتة البائدة. وفي حال تحقق هذا النجاح، فإن ذلك سيلقي بظلاله على القضية الكوردية في جميع اجزاء كردستان التاريخية ويبدد المخاوف الوهمية لبعض دول المنطقة حيال النهوض الكردي الجديد والتمتع باقاليم فدرالية ضمن الدو الموجودة ، لكون حل القضية الكردية في الشرق الاوسط تعد شرط مسبقا لكل نهوض حقيقي لدولها وتدشن لبداية واعدة لارساء دعائم حقيقية لاخوة شعوبها والوصول الي عقد حضاري جديد يشمل الجميع من دون الاقصاء والتهميش .
وفي الختام فمن جانبي المتواضع ابارك هذا الجهد المبارك وهذه الخطوة التاريخية، وأتمنى لها كل النجاح، و بهذه الماسبة ايضا أوجّه شكري إلى كل من السيد مسعود بارزاني، والجنرال مظلوم عبدي، والقادة، إذ لولا جهودهم وحرصهم ، لما كنا لنشهد هذا اليوم بهذا الشكل، و امل ان يستمر هذه الروحية الموجودة لتحقيق ما تمخض عن المؤتمر من قرارات وضمان حقوق امتنا المجيدة علي مستوي الشرق الاوسط. وضمن نفس الإطار، يجب أن يُثمّن دور الاتحاد الوطني الكردستاني التكاملي الداعم، وأن يتحول هذا الموقف القومي بالنسبة للجميع الى بدء بداية مشرقة جديدة لاعادة بناء العلاقات وجعله انطلاقة جديدة مليئة بالشعور بالمسؤلية القومية والامل بتحقيق وبناء المستقبل الموعود.