دواعي هذا الاتفاق المفاجئ توقيتاً و صيغةً

أحمد عبدالقادر محمود

 

قد نسال أنفسنا ، ما هي دواعي هذا الإتفاق المفاجئة -توقيتاً و صيغةً – ولا سيما أن المؤشرات كانت تشي بغير ذلك ، فلا واقع حال الوضع على الأرض يبشر بهكذا أتفاق ، و لا تصريحات المعنيين من الطرفين كانت تشير لقرب زمن توقيع الاتفاق ، و لا سيما أيضاً أن الاتفاق لم يكن فقط مفاجئاً بل مخيباً لأمال البعض وصاعقة على رؤوس البعض من جهة و نصراً مؤزرا للبعض الأخر من جهة ثانية ، دواعي هذا الاتفاق سنقرأه بعيني الطرفين كلاً على حدى.
الإدارة المؤقتة بقيادة الشرع أبو محمد الجولاني : رأى الجولاني إن إستتباب الأمر بيده والسيطرة المطلقة لن تأتي إلا بأمرين ، الأول نزع السلاح من يد كافة الفصائل و بالتالي حلها و من ثم صهرها في بوتقة واحدة وهي وزارة الدفاع ولضمان عدم تمرد قادتها إعطاءهم امتيازات و منحهم مناصب هامة ، الأمر الثاني : كسب ود الشعب السوري و تأييده وذلك عبر وعودٍ تدغدغ أهواء الناس ومشاعرهم كزيادة الرواتب وتوفير الاحتياجات اليومية وتحسين مستوى الخدمات ورفعها لأعلى المستويات ، إلى جانب إظهار نفسه الخادم المخلص لهذا الشعب .
– قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدى : سيطرتها على مساحةٍ تقترب من ربع الجغرافيا السورية ، وامتلاكها لقوةٍ منظمة مدججة السلاح و العتاد ، وتحكمها بأهم موارد الدولة من النفط والغاز والمنتجات الزراعية كالحبوب والقطن ، و انخراطها كقوة ضمن قوى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب و مشمولة بالحماية الأمريكية ، جعلها تنظر لنفسها كطرف مفاوض قوي يستطيع فرض شروطه على الإدارة المؤقتة الجديدة في سوريا ، وبالتالي الحفاظ على مكتسبها من النظام الساقط الفار ، الإدارة الذاتية على أقل تقدير .
ماذا جرى
عدم تمكن الشرع الجولاني من نزع السلاح من يد بعض الفصائل والقوى النافذة على الأرض ، و بالتالي عدم تمكنه من ضم تلك المناطق الجغرافية التي تسيطر عليها تلك القوى و الفصائل ، أضعف موقفه كقائدٍ واحدٍ أوحد ،
عدم تمكنه من وضع الموارد الهامة تحت يده والتي كانت ستعينه على تنفيذ وعوده للشعب التي لم ينفذ منها شيء ، إلى جانب العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والتي لم تُرفع بعد سقوط النظام الفار ، مما منعه من الاستعانة بالمساعدات الدولية و جلب الإستثمارات ، و الأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري و التي جُبهت بوحشيةٍ طالت المدنيين أكثر من المجموعات المهاجمة ، كل ذلك جعل من الشرع عارياً ضعيفاً قلقاً من أي مجابهة قوية قد تفضي أنهاء وجوده ، أما على المقلب الأخر فقد كانت مبادرة السلام التي أطلقاها بهجلي حليف الرئيس التركي أردوغان بين تركيا و زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المسجون في جزيرة إمرالي والتي تمخضت عن توصية على شكل رسالة يدعو من خلالها عبدالله أوجلان
حزبه بوضع السلاح و بالتالي حل نفسه والإنخراط في عملية سياسية ، بمثابة ضربة موجعة لقوات سوريا الديمقراطية ليس في الخاصرة فحسب إنما على الرأس ، كون قادته الفاعليين على الأرض إلى جانب عناصر مقاتلة هم قيادات و أعضاء في هذا الحزب ، ولا بد إن أتخذ الحزب المذكور قراراً بوضع السلاح أن يمتثلوا لهذا القرار ، بذلك سيفقدون العنصر الأساسي لقوتهم ، إلى جانب الأنباء المتواترة التي تخلص إلى أن أمريكا الحامية لقسد ا قد تنسحب من سوريا و بالتالي ينتفي الغطاء الذي كان يمنع تركيا وعبر الفصائل المسلحة الموالية لها و التي مازالت تحتفظ بسلاحها و التي مازالت تهاجمها في نقاط معينة ، من مهاجمتها على نطاق أوسع وأشرس
إن جمعنا هذه الدواعي التي أضعفت الطرفين واقعيا و بإعتبارهما طرفين براغماتيين سنخلص أن كلا الطرفين إلتقطا هذه اللحظة الراهنة ، و لمسا خطورة واقعهما ، فكان لا بد من أن يتحركا بسرعة متجاوزين النقاط الخلافية الجوهرية بينهما والتي كانت متمثلة بكيفية الاتفاق على عملية دمج قسد بوزارة الدفاع ، وعلى كيفية التسليم و الأستلام لمؤسسات الدولة و على كيفية إدارة الموارد الإقتصادية ، إلى جانب بعض الإمتيازات التي كانت قد تفضي لمكاسب تصب في أمال قسد و أمنياتها ، هذه النقاط الخلافية التي ستظهر تفاصيلها في القادمات إن سارت عجلات هذا الإتفاق على الطريق المعبد لها دون إعاقاتٍ أو معيقاتٍ قد تظهر .
كلمة أخيرة ، لن أكون مغالياً إن قلت إن الكرد قد يخسرون في هذا الاتفاق أيضاً فرصة تحقيق اي منجزٍ كردي خالص .

=======

هولير

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون…

شكري بكر مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس…

إبراهيم اليوسف   لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من…

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…