صديق ملا
إن مسألة إعطاء الحقوق القومية المشروعة للشعب الكُردي في سورية، وكذلك حقوق الأقليات القومية الأخرى، تعد من المسائل المتفق عليها مبدئيا، وإن كان هناك خلاف في التفاصيل.
فموضوع بهذه الأهمية يتطلب التأمل فيه على ضوء التوجهات الوطنية التي تقرها السلطة، والتي يفترض بها أن تحمي السيادة السورية دون الإخلال بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكُردي، واحترام خصوصيته ضمن الوطن الواحد، وذلك من خلال صيغة دستورية تحقق المبدأين الأساسيين:
(سيادة سورية) و(حقوق الكُرد)،
وهما مبدآن يجب أن يكفلهما الدستور، مع احترام الإرادة القومية للكرد وخياراتهم، كما تجلى ذلك بوضوح في مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكُردي” الذي انعقد في مدينة قامشلو بتاريخ 26/4/2025.
إن الغاية الأساسية من صياغة الدستور السوري المرتقب هي بناء قاعدة صلبة وقوية ترتكز عليها القوانين والتشريعات، وتصان من خلالها الحقوق، وتحقق العدالة، وتكفل الفرص المتكافئة للجميع، عندما يكون الدستور مرشدا للحياة المدنية، وإطارا ينظم العلاقات الإنسانية بين جميع مكونات الشعب السوري باختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، مع التأكيد الدائم على أن الشعب هو مصدر السلطة.
ويجب أن تكون النصوص القانونية واقعية، بعيدة عن التمنيات والتصورات السياسية غير العملية، وأن تكون منطقية، يمكن أن تلقى قبولا من الأغلبية السكانية، ومتوافقة مع سائر المكونات السورية.
فالفيدرالية لا تعني الانفصال أو الانسلاخ عن الإرادة الوطنية السورية، رغم أنها قد لا تلقى ترحيبا لدى بعض المنغلقين فكريا أو أصحاب النزعات الشوفينية، ولا تحظى كذلك بدعم من بعض دول الجوار العربي والإقليمي، لما تتيحه من حقوق تتعارض مع فكرهم الإقصائي.
وهذه الأصوات النشاز، التي تبدي مخاوفها من الفيدرالية، لا تدرك أنها:
“مطلب دستوري مجرب” في العديد من دول العالم، وهو جدير بالدراسة والتمحيص والتطبيق، خاصة أن الكُرد في سورية يعتزون بانتمائهم الوطني، وقد ضحوا بالغالي والنفيس في سبيله.
كما أن الفيدرالية لا تعني الانفصال عن الدولة المركزية، ولا تشكل تهديدا للسيادة السورية أو للكيان الوطني، بل هي صيغة دستورية وقانونية تعزز إلى حد كبير مفهوم المجتمع المدني، وتكفل حقوق جميع المكونات، وتدعم البناء الديمقراطي الموحد، وهي وسيلة تؤدي إلى الاستقرار وبناء المستقبل المنشود.
لذا، فإن الدولة السورية المنشودة يجب أن تكون دولة الإنسان، وأن يكون العدل هو أساس نظامها السياسي، لا أن تكون دولة لحزب شمولي، أو مذهب، أو طائفة بعينها.