تاريخ الأعلام السورية: من الاستقلال إلى الوحدة وما بعدها.. نحو علم يمثل السوريين كلهم

إبراهيم اليوسف
 
رأي ينشر لأول مرة!؟
منذ اللحظة التي خطت فيها سوريا أول خطواتها نحو الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، كان العلم الوطني تجسيداً لطموحات الشعب وهوية البلاد المتنوعة. في العام 1932، تبنت سوريا علماً مستوحى من ألوان” الثورة العربية الكبرى”. حيث صنع من ثلاثة ألوان هي: الأخضر والأبيض والأسود مع ثلاث نجمات حمراء. مثّل هذا العلم رمزاً للحرية والاستقلال، وخاصة أنه ظهر في وقت كانت فيه البلاد تعيد تعريف هويَتها الوطنية بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية.
لقد ظل هذا العلم مستخدماً حتى عام 1958، عندما تحققت الوحدة بين سوريا ومصر بتأسيس الجمهورية العربية المتحدة. و أُدخلت تعديلات على العلم ليشمل اللونين الأبيض والأسود مع نجمتين خضراوين ترمزان إلى الدولتين” الشقيقتين”. إلا أن انهيار هذه الوحدة عام 1961 أعاد سوريا إلى علم مشابه للأول، ما يعكس العودة إلى التأكيد على الهوية الوطنية السورية.
ومع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، أُدخل علم جديد يحمل دلالات أيديولوجية مستوحاة من” الثورة العربية الكبرى!” وشعارات” الوحدة والحرية والاشتراكية”. لتكون هذه المرحلة محاولة لربط الهوية الوطنية بمشروع قومي أوسع.
ولعلنا جميعاً نتذكر أنه مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحول العلم إلى رمز للصراع السياسي والانقسام الاجتماعي. إذ رفعت المعارضة علماً يعود إلى فترة ما قبل الوحدة مع مصر، ليصبح رمزاً للثورة والرفض للنظام الحاكم.  ونجد أنه-في المقابل- تمسك النظام بعلم البعث، ما أدى إلى انقسام عميق حول هذا” الرمز الوطني”.
فقد رفع العلم الأخضر في البداية من قبل من دعوا إلى الثورة في مواجهة النظام، لكن سرعان ما أسيء استغلاله من قبل فصائل تابعة لتركيا وفلول المرتزقة الذين تحولوا إلى” طلائع احتلال” بعض المدن السورية. تحت ظل هذا العلم ذاته، فارتكبت ممارسات دموية، إذ قتل ثوار وأبرياء بأيدي من حملوه دون علاقة حقيقية لهم بمبادئ الثورة، وحتى روح العلم ذاته، بل كانوا مجرد أدوات مأجورة لتنفيذ أجندات خارجية.
من هنا، نجد أنه تم تحول العلم، الذي يفترض أن يكون رمزاً للوحدة الوطنية، إلى أداة سياسية تُستخدم لتأكيد شرعية الأطراف المختلفة. فقد أصبح العلمان تعبيراً عن هويتين متصارعتين، كل واحدة منهما تدعي تمثيل سوريا- زوراً- ما زاد من تعقيد الأزمة الوطنية.
في الحقيقة لا بد من التذكير أن سوريا تضم تنوعاً عرقياً وثقافياً غنياً يعكس تاريخاً طويلاً من التعايش المشترك: العرب والكرد والآشوريون والسريان والشركس والأرمن، وغيرهم من المكونات، الذين ساهموا جميعاً في بناء هذا الوطن عبر التاريخ. ومع ذلك، فإنه لم يتم تمثيل هذه المكونات بشكل عادل في الرموز الوطنية، وعلى رأسها العلم.
إن العلم السوري القادم- في” رأيي” وهو” رأي” فحسب- يجب أن يكون تعبيراً عن هذا التنوع. وأن تصميمه يفترض أن يتجاوز الأيديولوجيات السياسية أو القومية، ليصبح مرآة تعكس التعددية الثقافية والعرقية والدينية للبلاد. وعلى سبيل المثال، فإنه يمكن أن يرمز اللون إلى ثقافات المناطق الجغرافية المختلفة، أو أن يعبر التصميم عن قيم مشتركة كالسلام والحرية والمساواة.
كما ويمكن القول: إن إعادة تصميم العلم ليست مجرد خطوة رمزية، بل هي ضرورة سياسية واجتماعية. إذ إنه في سوريا الجديدة، يجب أن يعبر العلم عن تطلعات جميع الشعوب المتعايشة: ومن بينهم الكرد، كواحد من الشعوب الأصيلة في البلاد حيث يستحقون أن يتم تمثيلهم في هذا الرمز الوطني. الأمر نفسه ينطبق على المكونات الأخرى التي لعبت دوراً حيوياً في تشكيل الهوية السورية/ من دون أي استثناء!
إن العلم الجديد يجب أن يبعث برسالة واضحة مفادها أن سوريا المستقبل هي وطن يتسع للجميع، دون إقصاء أو تهميش. تصميم هذا الرمز الوطني يجب أن يعبر عن الأمل في بناء دولة ديمقراطية تعددية تحترم حقوق جميع مواطنيها.
وهنا، فإنه يمكن أن يكون تصميم العلم الجديد فرصة لتكريم رموز تاريخية وثقافية تجمع السوريين. واستلهام التضاريس الطبيعية لسوريا، أو لرموز تعكس قيم الحرية والمساواة، ليكون ذلك كله أساساً لتصميم يتجاوز الانقسامات الحالية. العلم، في النهاية، ليس مجرد قطعة قماش، بل رسالة قوية تعكس هوية الشعب وأحلامه في مستقبل أفضل.أنه مجرد رأي شخصي، من قبلي، وفي التالي فإني لمذعن لرأي الإجماع السوري، من بينهم أهلي الكرد والعرب على حد سواء.
إن عملية إعادة تصميم العلم السوري- وبتوافق العقلاء الحريصين- هي خطوة أساسية في بناء دولة حديثة وديمقراطية. هذا العلم يجب أن يكون- كما أرى- رمزاً لوحدة السوريين وتنوعهم، لا سبباً للانقسام. في سوريا المستقبل، إذ يجب أن يحمل العلم رسالة الأمل والسلام، ويعبر عن بلد يحتضن جميع السوريين دون استثناء. وإن إعادة صياغة هذا الرمز هي البداية نحو مشروع وطني يعيد للسوريين الثقة في قدرتهم على العيش المشترك وتحقيق العدالة والمساواة لجميعهم على حد سواء!؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس أقنعة الجهل والخداع، بلاهة مدروسة وكراهية مبرمجة، تعابير الوجه كأداة لخداع الجماهير. في الآونة الأخيرة، بات من الجلي أن بعض المحاورين المدافعين عن الطغيان التركي، أو المروجين لاستراتيجيات الأنظمة المعادية للكورد، لا يعتمدون على لغة العقل والمنطق، بل يستعيضون عنها باستخدام لغة الجسد وتعابير الوجه بدلًا من الكلام، ويكررونها بشكل نمطي، وكأنهم يتلقون تدريبًا ممنهجًا…

زاكروس عثمان كثر الحديث عن شكل الدولة المزمع اقامتها في سوريا بعد سقوط نظام الاسد و استلام ابو محمد الجولاني وجماعته للسلطة في دمشق، في هذا الصدد يدور جدال واسع بين مختلف الاطراف السورية بين متمسك بشكل الدولة المركزية “سوريا الاسد” و بين مطالب بدولة فيدرالية “لا مركزية” ويميل اكثرية المكون السني وهم القومية الغالبة الى دولة مركزية ـ سلفية،…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

فرحان كلش منطقياً، المحطات التاريخية تجلب معها صياغاتها الفكرية والوجدانية والسياسية …..الخ معها، أي تستحضر منظومتها القيمية التي تتوافق مع الأرضية الاقتصادية – السياسية التي تتبناها. وما نشهده الآن على الساحة السورية عامة والكردية خاصة بوادر حركة انحلال قوى وصعود قوى حزبية أخرى مختلفة، فالتاريخ يعلمنا أن الأزمات في البنى التحتية تلد بنى فكرية ومجتمعية منسجمة و منعَكَسة عنها. و…