الهوية الكردية… قدرٌ لا يُغيَّر، وفخرٌ لا يُباع

صلاح عمر

 

ليست الهوية الكردية مجرد بطاقة تُحمل في الجيب، ولا لغة تُنطق فحسب، ولا أزياء تُرتدى في المناسبات. إنها دم يجري في العروق، نار تتقد في الروح، وجرح قديم لم يندمل، لكنه لم يُضعفنا، بل جعلنا أكثر صلابة. إنها اللعنة التي ألقاها التاريخ علينا، لكنها ذاتها البركة التي جعلتنا لا ننكسر.

وُلدنا كردا في أرضٍ سُرقت منا، في تاريخٍ كتبناه بدماء شهدائنا، في وطنٍ لم يُعترف بوجوده إلا على شواهد القبور. حاولوا أن يجعلونا ننسى، أن نُبدل لغتنا، أن نصير ظلًا بلا ملامح، لكننا بقينا. لم نكن خيارًا في معادلة الطغاة، كنا التحدي الذي لم يستطيعوا كسره، كنا الحقيقة التي أزعجتهم، وكنا الصوت الذي لم يخرس رغم السجون والمشانق والمنفى.

هل تعلمون ماذا يعني أن تكون كرديًا؟ أن تستيقظ كل يوم وأنت تحمل وطنًا في قلبك، لكن لا خارطة تحمله؟ أن تسير في شوارع أرضك لكنك تُعامل فيها كالغريب؟ أن تنطق بلغتك، لكنهم يريدونك أن تصمت؟ أن تُحرم من اسمك، من ترابك، من تاريخك، ثم يطلبون منك الولاء؟!

لكننا لم نكن يومًا ممن يبيعون أرواحهم من أجل أوراقٍ رسمية، ولا ممن يتخلون عن أحلامهم مقابل سلامٍ زائف. إن كُنا قد خُلقنا بلا دولة، فقد خلقنا دولةً في قلوبنا. إن حرمونا من الرايات، فقد رفعناها في أرواحنا. وإن منعونا من الأغاني، فقد أنشدناها همسًا، حتى صارت الريح تُرددها بدلًا عنا.

الهوية الكردية ليست شعارًا يُرفع في يومٍ واحد، وليست مجدًا مستعارًا يتفاخر به من لم يدفع ثمنه. إنها طريق طويل محفوف بالألم، وممهور بالدم، ومضاء بالأمل. إنها وصية الأجداد، ونشيد الأمهات، ودموع المنفيين، وصرخات الثائرين.

في هذا الزمن الذي يُباع فيه كل شيء، تبقى هويتنا هي الشيء الوحيد الذي لا يُشترى ولا يُباع. فقد يُؤخذ منا كل شيء، لكن كُرديتنا تسري في دمائنا كالنار في الهشيم، لا تُطفئها الرياح، ولا تُغرقها السيول، ولا تُمزقها الحدود.

إن كانت الجبال شاهدة على صمودنا، فإن التاريخ سيسجل أن الكرد لم ينحنوا، ولن ينحنوا، إلا حين يقبّلون تراب وطنهم الحر.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو تشكيل وفد بمفرده هراء لا طائل منه، ما لم تُبنَ أولاً مرجعية قومية صلبة، لا تُنكسر، لا تُشترى، ولا تُساوم. مرجعية تُجسّد إرادة شعبٍ يُطالب بحقوقه، مرجعية تتحكم في القرار، وتُحاسب الوفد على كل كلمة، على كل موقف، على كل تنازل. أما الأحزاب والشخصيات التي تقف عاجزة، عمياء عن رياح التغيير الهوجاء في منطقتنا والعالم، التي غابت عنها…

أصدر رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، يوم ١٧ أيار/مايو الجاري، المرسوم رقم (٢٠) لعام ٢٠٢٥، القاضي بتشكيل «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا، جاء فيه بأنها – الهيئة المذكورة – «تعني بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية…». مركز عدل لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يرحب فيه بصدور…

عبدالجابر حبيب   رفع العقوبات: الخطوة الأولى نحو إنعاش اقتصادي وسط تحولات إقليمية متسارعة، ومساعٍ دولية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في سوريا، يطرح توقيع اتفاقات جديدة تساؤلات جوهرية حول إمكانية الخروج من عنق الزجاجة، ولاسيما أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا شكّلت منذ عام 2011 واحدة من أبرز العقبات أمام أي نهوض اقتصادي أو استثماري حقيقي. فقد قيّدت…

عبد الرحمن الراشد   كانَ للعقوبات على سوريا أن تمتدَّ لعام أو أعوام مقبلة لاعتبارات منها غموضُ المستقبل السياسي في سوريا، وتحفظاتُ البعض على القيادة الجديدة، أو مخاوفُ قوى مثل إسرائيل. فالولايات المتحدة لا ترفع الحظرَ إلَّا بعد اختبار طويل، فقد سبقَ أنْ سلَّمت ووقعت اتفاقاً مع طالبان، ولا تزال أفغانستان تحت طائلة العقوبات الاقتصادية منذ أربع سنوات. كما أنَّ…