أزاد فتحي خليل*
منذ عام 2011، واجهت سوريا سلسلة من التحولات العاصفة التي أعادت تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد. كانت مناطق شمال وشرق سوريا ساحة رئيسية لهذه التغيرات، حيث تعرضت لتحديات كبرى، بدءًا من هجوم تنظيم داعش الوحشي، مرورًا باعتداءات جبهة النصرة على رأس العين، وصولًا إلى العمليات العسكرية التركية التي استهدفت التجربة السياسية والإدارية التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
تركيا ومعركة إنهاء أي تجربة كردية
شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية رئيسية:
- درع الفرات (2016)
- غصن الزيتون (2018)
- نبع السلام (2019)
كل واحدة من هذه العمليات كانت تهدف إلى تقويض أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي، سواء كان فيدرالية أو لا مركزية سياسية. ولا يمكن إنكار أن قسد خسرت هذه المعارك الثلاث، ليس بسبب ضعفها، بل لأنها واجهت دولة تمتلك جيشًا نظاميًا، وسلاحًا جوًا متقدمًا، وإمكانات عسكرية هائلة، بينما كانت قسد قوة محلية اضطرت إلى حمل السلاح للدفاع عن وجودها.
لكن السؤال الأهم: ماذا لو كان “المجلس الوطني الكوردي ” هو من يدير المنطقة؟ هل كان رموزه سيحملون السلاح ويدافعون عنها؟ أم أن البعض كان سيكتفي بالبيانات والتصريحات من خارج البلاد؟ الحقيقة أن حماية الأرض لا تتم بالكلام، بل بالتضحيات التي قدمتها قسد على مدى السنوات الماضية.
وهنا أتحدث عن المجلس لأنهم طوال 14 عام لم يقدموا شيء للمشروع الكوردي في سوريا وبدليل رئيس المرحلة الانتقالية وقع في النهاية مع القائد الكوردي مظلوم عبدي ولم يوقع مع من كان يدعي إنه ممثل الكورد وكان يفتخر بجلوسه مع الغرب والامريكان وكان البعض يفتخر بمقعد خلابي أسمه نائب رئيس الائتلاف الذي انتهى بالكامل مع سقوط النظام السوري
ليتحول الائتلاف الى ورقة من الماضي وينتهي دور المجلس الوطني الكوردي سريرياً ليعيد انعاشه عبر بوابة أربيل بلقاء الرئيس مسعود البارزاني والسيد مظلوم عبدي بحوار كوردي كوردي وتوحيد الصف الذي نحن معه قولاً واحداً
زلزال سياسي يعيد تشكيل المشهد
مع بدء عملية “ردع العدوان” وسقوط دمشق، برزت حقائق جديدة في المشهد السياسي السوري. انهيار النظام السوري بعد تراجع نفوذه، إلى جانب التحولات الإقليمية الكبرى، مثل انتصار إسرائيل على حماس واغتيال حسن نصر الله، خلق فراغًا سياسيًا سرعان ما ملأه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، الذي وصل إلى السلطة بتوافق عربي – إقليمي – دولي.
لكن التحديات لم تنتهِ، فالولايات المتحدة، رغم دعمها للشرع، لم تكن مستعدة لتسليم سوريا بالكامل إلى النفوذ التركي. واشنطن كانت تدرك تمامًا نوايا أنقرة وسعيها لإنهاء أي تجربة كردية مستقلة. في المقابل، كان الشرع يخشى غضب تركيا، ولذلك تردد في توقيع أي اتفاق مع قسد، رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة.
الاتفاق بين دمشق والقامشلي: ضرورة سياسية أم مساومة؟
مع تصاعد الضغوط الدولية، والأحداث الدراماتيكية التي شهدها الساحل السوري، والإبادة العرقية التي تعرض لها أبناء الطائفة العلوية الكريمة أصبح الاتفاق بين دمشق وقسد أمرًا لا مفر منه، خاصة في ظل التهديدات التركية المستمرة والضغوط الاقتصادية والسياسية المتزايدة على الحكومة الجديدة في دمشق.
أهم بنود الاتفاق من خلال تصوري لقراءة مابين السطور كما تعلمون البنود كانت ثمانية لكن سوف أحاول قراءة مضمون الاتفاق ضمن عدة بنود هي تبدو بهذا الشكل
- بقاء قسد كقوة موحدة داخل الجيش السوري، مع احتفاظها بهيكليتها العسكرية، بدلاً من تفكيكها وتحويل أفرادها إلى عناصر منفصلة كما كان يطالب وزير الدفاع السوري.
- إنهاء حالة العداء بين الفصائل المدعومة من تركيا وقسد، مما يساهم في تحقيق استقرار أمني واسع.
- عودة المهجرين الأكراد إلى مناطقهم وقراهم، في سري كاني / رأس العين / كري سبي / تل ابيض ومدينة عفرين وقرى ومناطق الشهباء مع ضمانات دولية بعدم تكرار التهجير القسري.
- دمج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع الحفاظ على طابعها الإداري المستقل.
- توزيع عادل للثروات الوطنية، بما في ذلك النفط والموارد الطبيعية، بين جميع مكونات الشعب السوري.
- الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي، وضمان تمثيله في الدستور الجديد.
- مشاركة الكرد في الحكومة المركزية، من الوزارات إلى السفارات والوظائف الإدارية.
- إحباط المخطط التركي الساعي إلى إنهاء أي تجربة كردية مستقلة.
- إطلاق مشاريع إعادة الإعمار في المناطق التي تضررت بفعل الصراعات.
- بدء مرحلة جديدة من البناء والازدهار، بدلاً من الاستنزاف العسكري المستمر.
بين الواقعية والطموح: هل الاتفاق مثالي؟
لا يمكن القول إن الاتفاق كان “انتصارًا كاملًا”، لكنه بالتأكيد خطوة ضرورية في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية الراهنة. في السياسة، لا يمكن تحقيق كل الأهداف دفعة واحدة، بل يتم العمل وفق “فن الممكن”، وما تحقق حتى الآن هو تثبيت الحقوق الكردية ضمن إطار الدولة السورية، مع الحفاظ على المكاسب السياسية والعسكرية التي تم تحقيقها خلال السنوات الماضية.
الطريق لا يزال طويلًا، لكن ما جرى يؤكد أن الشعب الكردي بات جزءًا أساسيًا من مستقبل سوريا، وليس مجرد ورقة تفاوضية في أيدي القوى الإقليمية والدولية. الاتفاق بين القائد مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة، حيث يكون الكرد شريكًا حقيقيًا في بناء سوريا المستقبل.
السؤال الآن: هل سيتقبل الجميع هذا الواقع الجديد، أم أن بعض القوى ستظل تعيش في الماضي؟
=============
*كاتب وباحث سياسي