اتفاق الشرع – عبدي: خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ السلام في سوريا (رؤية سورية)

اكرم حسين

 

في العاشر من آذار 2025، وفي وقت يشهد فيه الوضع السوري توترات معقدة، تم التوصل إلى اتفاق مبادئ ـ لم يعلن عن التفاصيل ـ بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وهواتفاق فاجأ البعض ، ولكنه كان متوقعاً لأولئك المتابعين لمحاولات إيجاد مخرج من أزمة سوريا المستمرة. هذه الخطوة تمثل محاولة جدية لفتح مسار جديد يجنّب البلاد خطر الانهيار، ويؤسس لمشروع وطني قائم على وحدة الدولة والمواطنة المتساوية.

الأساس الذي قام عليه الاتفاق هو إدراك الطرفين أن استمرار المواجهات العسكرية والانقسامات المؤسساتية وتكرار سيناريو الساحل السوري  لن يؤدي إلا إلى مزيد من القتل والدمار. لذلك، كان قرار وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية جزءاً أساسياً من الاتفاق، وهو أمر ضروري لوقف نزيف الدم وإنقاذ المدنيين. وقد عكس  القراراعترافاً ضمنياً بأن الحل العسكري لن يجدي نفعاً ، وأن أي محاولة لإقصاء الآخر ستؤدي إلى كارثة إنسانية مشابهة لما حدث في الساحل السوري.

يتضح البعد الإنساني للاتفاق من خلال التأكيد على عودة المهجرين إلى ديارهم وتوفير الحماية لهم. وهي وظيفة الدولة  ومحاولة لإصلاح النسيج الاجتماعي السوري الممزق، وجزء من عملية إعادة التوازن وبناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، بما يعيد الشعور بالأمان والاستقرار للسوريين في وطنهم.

أما ضمان حقوق “المجتمع الكردي” كمكون أصيل في سوريا، فيشكل خطوة جديدة لكنها غير “مكتملة “في التعامل مع القضية الكردية التي كانت تعتبر شائكة سواء في عهد النظام السابق أو لدى المعارضة السورية ،وإذا تم الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي ، فإنه لن يقتصر على تحقيق العدالة والمساواة فقط ، بل سيكون بمثابة إعلان عن الإرادة السياسية لبناء نظام جديد يتسع لجميع المكونات بعيداً عن سياسات الإنكار والتهميش التي سادت طوال حكم آل الأسد.

في حين ان دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة سيوفر فرصة للكرد السوريين للعمل كجزء من  مؤسسات الدولة، ويحدد مصير ومستقبل آلاف الطلبة الذين درسوا باللغة الكردية في مدارس وجامعات الإدارة الذاتية ولم يحصلوا بعد على اعتراف رسمي حتى الآن من أية جهة .

بينما تعكس مكافحة التهديدات التي تعرقل استقرار البلاد، مثل فلول النظام السابق والتنظيمات المتطرفة، نية حقيقية لتوحيد الجهود الأمنية والعسكرية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار. في حين ان التنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الجديد ، سيعيد للسوريين شعور الأمان الذي فقدوه طوال سنوات الحرب.

يحمل الاتفاق أيضاً بعداً فكرياً واجتماعياً من خلال رفض دعوات التقسيم ونبذ خطاب الكراهية. فمن غير المقبول الرهان على إثارة النزاعات بين المكونات المختلفة. ومن الواضح أن النهج الجديد لبناء سوريا سيعتمد على المواطنة المتساوية كأساس لأي مشروع سياسي.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي يحملها الاتفاق، فإن نجاحه سيتوقف على عوامل أساسية، أبرزها الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية لتنفيذه، والقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي قد تسعى لإفشاله. كما أن الدور الإقليمي والدولي سيكون حاسماً في تحديد مستقبل هذا الاتفاق، خاصة في ظل استمرار الصراعات الجيوسياسية في سوريا.

بينما سيكون تنفيذ بنود الاتفاق وفق الجدول الزمني المحدد قبل نهاية العام الحالي اختباراً حقيقياً لجدية الأطراف في تنفيذ وعودها. المسؤولية الآن لا تقع فقط على عاتق الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بل على عاتق جميع القوى السورية التي تتطلع إلى بناء دولة قوية وعادلة تشمل جميع أبنائها دون استثناء.

ان هذا الاتفاق يعبر عن إرادة وطنية تتجاوز الحسابات الضيقة والرؤى الإقصائية. فهو مشروع لبناء سوريا جديدة على أسس الشراكة والتعايش والسلام، بعيداً عن منطق القوة والغلبة.

مبروك للشعب السوري هذا الاتفاق، المطلوب الآن هو العمل بإخلاص لتنفيذه على أرض الواقع، ليكون نقطة انطلاق نحو بناء سوريا ،دولة ديمقراطية ، لامركزية ، وموحدة بحيث ، تضمن حقوق الجميع في إطار من العدالة والمواطنة المتساوية.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نزار بعريني
نزار بعريني
13 أيام

كلّ الاحترام والتقدير والود .
رؤية عقلانية، تفترض حسن نوايا الاطراف، ومصلحتها المشتركة في بناء مؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة، والديمقراطية؛ وهذا ما أرجوه، ويبقى لآليات التنفيذ والمآلات كلمة الفصل.

اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون…

شكري بكر مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس…

إبراهيم اليوسف   لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من…

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…