إقليم كوردستان.. وصناعة السلام!

كفاح محمود

  مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف.

  ونتذكر جميعا منذ أن فشلت عملية السلام التركية – الكوردية في 2015، عاد النزاع بين أنقرة وحزب العمال إلى مربع العنف، مع عمليات عسكرية تركية متكررة في الحدود الشمالية لإقليم كوردستان، لكن هذا التصعيد رافقته مؤخرًا اتصالات غير مباشرة بوساطة الإقليم، فقد أشارت تقارير إلى زيارات لمسؤولين أتراك إلى أربيل، هذه الزيارات تعكس رغبة تركية في اختبار خيارات بديلة عن التصعيد الميداني، ضمن حدود تسمح بها الحسابات الأمنية والسياسية.

  الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، الذي احتفظ بعلاقات طيبة مع أنقرة منذ توليه رئاسة الإقليم، يمثل طرفًا مقبولًا لدى صناع القرار الأتراك، وهو في الوقت ذاته يُنظر إليه داخل أوساط حزب العمال بوصفه شخصية كوردية تاريخية لا تُعاديهم بشكل مباشر، مما يمنحه موقعًا تفاوضيًا فريدًا، خاصة وانه سبق أن لعب دورًا مشابهًا في وساطة غير معلنة عام 2013 خلال عملية السلام التركية – الكوردية آنذاك.

  أما في الملف السوري، فقد برز اسم مظلوم عبدي كطرف يحاول الجمع بين الواقع العسكري والسياسي، ومع تعقّد علاقته بالنظام السوري والضغوط التركية، وجد عبدي في إقليم كوردستان شريكًا موثوقًا، حيث كشفت تقارير عديدة عن لقاءات مهمة لعبدي في أربيل، فقد أظهرت دراسات تحليلية – منها دراسة صادرة عن مركز كارنيجي للشرق الأوسط – أن الإقليم قام بدور في تقريب وجهات النظر بين دمشق والإدارة الذاتية، باعتبار أربيل بيئة محايدة نسبيًا للحوار غير الرسمي.

قراءة بارزاني الاستراتيجية: الاستقرار أولًا

  رؤية بارزاني لا تقوم على تحييد الخلافات فحسب، بل على إعادة صياغة منطق التعامل مع “القضية الكوردية” خارج الأدوات العسكرية، وهو يرى أن الاستقرار الإقليمي يصبّ في صالح القضية الكوردية، التي خَسِرت كثيرًا بسبب التصادم مع العواصم، وقد عبّر عن ذلك مرارًا، مثل خطابه في الذكرى الثالثة لاستفتاء الاستقلال عام 2020، حين شدّد على أن “الحوار مع دول الجوار كشركاء في المصير، لا خصوم دائمين.

  بهذه الرؤية، يعمل بارزاني على تهيئة توازن دقيق: الحفاظ على مكاسب إقليم كوردستان، وعدم القطيعة مع أنقرة ودمشق، وفي الوقت نفسه عدم التنكّر لمطالب الكورد في تركيا وسوريا، هذه الصيغة المعقدة قد تكون أحد مفاتيح خفض التصعيد في ملفات الكورد الإقليمية.

وخلاصة القول إقليم كوردستان، بقيادة بارزاني، يتحول تدريجيًا من ساحة صراع إلى منصة سياسية وسطى، وإذا ما نجحت جهود الوساطة الجارية، فقد يُعاد رسم المشهد الإقليمي بما يمنح الكورد دورًا فاعلًا ضمن الدول القائمة، بدلًا من البقاء على هامش الصراع أو في قلبه.

 kmkinfo@gmail.com

شارك المقال :

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

م.اياز خلف في زيارة تحمل رمزية عالية، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية مجددًا كمحطته الخارجية الأولى في ولايته الثانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان زيارته الأولى عام 2017. هذه الخطوة ليست بروتوكولية فحسب، بل تشير إلى أن الرياض ما تزال مركز ثقل إقليمي لا يمكن تجاهله، خصوصًا في الملفات الحساسة والمتشابكة، وعلى رأسها الملف السوري. تأتي زيارة ترامب في…

صالح بوزان ـ دادالي ما إن تنفس الشعب السوري الصعداء بكافة أطيافه ومكوناته وتياراته يوم ٨ كانون الأول من العام ٢٠٢٤ بسقوط نظام البعث في سوريا وهروب رأس النظام بشار الأسد ، إلا أنه وبعد أيام معدودة من سيطرة الجهاديين المنضوين تحت لواء هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، بقيادة أبو محمد الجولاني ( أحمد الشرع )، وانتشار تلك…

يتابع المجلس الوطني الكردي باهتمام بالغ التطورات الأخيرة المتعلقة بإعلان حزب العمال الكردستاني، في مؤتمره الأخير، وقف العمل المسلح وحلّ الحزب، استجابةً لدعوة زعيمه السيد عبدالله أوجلان. ويعتبر المجلس أن هذه الخطوة تمثل تحولاً سياسياً مهماً وإيجابياً من شأنه الإسهام في تعزيز فرص السلام والاستقرار في تركيا والمنطقة عموماً. وإذ يثمّن المجلس الوطني الكردي هذا التوجه نحو المسار السلمي، فإنه…

فواز عبدي   حسب ما قرأت فإن ما حدث في بحيرة ميدانكي بريف عفرين لا يمكن اختزاله فقط في نفوق الأسماك أو انبعاث روائح كيميائية غريبة من الماء. إننا أمام جريمة متكاملة الأركان، تُرتكب عن سابق إصرار وتصميم، في منطقة أنهكتها الحرب، ولم تَسلم حتى مواردها الطبيعية من وحشية الإنسان. إن تسميم المياه ليس فقط خرقاً بيئياً أو تهديداً للصحة…