إشكاليات الصراع السياسي والعسكري في مواجهة الطغيان التركي

د. محمود عباس

حزب العمال الكوردستاني، منذ نشأته، خلط الأوراق في أكثر من مناسبة، رغم أن الهدف الظاهر كان هو الدفاع عن القضية الكوردستانية، لكن الخفاء أحيانا حمل تعقيدات وتناقضات. ففي البيان الأخير للحزب والعمليات الأخيرة ضد العدو التركي، يتجلى هذا الخلط بوضوح، خاصة في محاولته الفصل بين الصراع العسكري والنضال السياسي. فكيف يمكن لحزب أن يدعي أن نضاله طوال نصف قرن كان من أجل تحقيق مكاسب سياسية وقومية لشعبه، بينما يستخدم وسائل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، بل وتزيد من همجية النظام التركي تجاه الشعب الكوردي؟

بيان الحزب الذي تأخر في التبني، يثير التساؤلات حول سبب هذه المماطلة، خصوصًا وأن الشهيدين اللذين ضحيا بروحيهما، لم يُذكر اسماهما إلا متأخراً، وجاء بعد إعلان وزارة الداخلية التركية، رغم أن التضحيات الجسيمة التي قدماها تستحق التمجيد منذ اللحظة الأولى. لكن التضحية بالذات، رغم ما تحمله من رمزية عالية وإلهام، قد تكون في بعض الأحيان تضحية مؤلمة وغير مثمرة إذا لم تُحقق مكاسب فعلية أو تغيرات ملموسة. ففي فلسفة المقاومة، يُنظر إلى الحياة كأداة نضالية مستمرة. القوة لا تكمن فقط في التضحية السريعة بالحياة، بل في القدرة على التحمل، مواجهة التحديات اليومية، وبناء أجيال قادرة على استكمال المسير.

والسؤال الأكبر يظل: ما فائدة هذه العملية؟ هل حققت أي إنجازات ملموسة على الأرض؟ أم أن نتيجتها كانت فاجعة، ليس فقط بخسارة الشهيدين، بل أيضاً بقتل سائق سيارة عمومية بريء وعدد من العمال الذين كانوا يكافحون من أجل عوائلهم؟ هل تم تعطيل المعمل الذي ينتج أسلحة الدمار للمنطقة؟ أم هل قلل من حقد النظام التركي وهمجية أردوغان؟

تاريخ النظام التركي مليء بالجرائم ضد الكورد، وهو النظام الذي لا يتردد في استخدام أقصى أنواع العنف والوحشية، كما فعل بقتل قرابة المليون كوردي مدني خلال نصف القرن الماضي، وهجر الملايين، ودمر الألاف من القرى، تحت حجج واهية. لكن هل هذا يبرر أن يقوم الحراك الكوردي بعمليات تستهدف مدنيين أبرياء؟ هنا يكمن الخطر في الانزلاق نحو نفس المستنقع الذي يلوث سمعة الأعداء، فمن واجب الحركات التحررية أن تحافظ على نقاء قضيتها وألا تشوهها بأفعال مشابهة لأفعال الطغاة.

الأسئلة الصعبة التي يجب أن تُطرح هنا: هل أثرت هذه العملية على موقف حكومة أردوغان الإجرامية؟ وهل ساهمت في تحقيق أي تقدم في المطالب الكوردية؟ أم أنها فقط وفرت للنظام التركي المزيد من الذرائع لتصعيد القمع والاعتداءات ضد الشعب الكوردي والبنية التحتية في غرب كوردستان؟ يبدو أن المستفيد الوحيد من هذه العمليات هو أردوغان نفسه، الذي يسعى بكل الطرق لتشويه سمعة الحراك الكوردي على الساحة الدولية.

هناك تلميحات إلى أن هذه العملية قد تكون جزءًا من مخطط أوسع، خاصة أن هناك جهات لا تريد حل القضية الكوردية القومية. فهل الهدف من هذه العملية هو تقويض أي مسعى للمصالحة؟ أم أنها محاولة لتحفيز المفاوضات على أسس جديدة؟ في كلتا الحالتين، يبدو أن هناك جهات خارجية تستفيد من هذا الخلط، وربما تكون العملية بمثابة الشرارة التي تُستخدم لتبرير اجتياح تركي واسع لغرب كوردستان، سواء بموافقة أمريكية أو بدونها، وهو أمر قد يحدث ويغامر فيها أردوغان، تحت ذريعة مناسبة، بعدما خسر معظم أوراقه إقليميا ودوليا، ضد الإدارة الذاتية. أردوغان يدرك أنه من مصلحة أمريكا الحفاظ على توازن استراتيجي في المنطقة، وأن تصعيد الصراع من خلال اجتياح تركي واسع النطاق قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر، مما قد يتسبب في تدفق موجات جديدة من اللاجئين وزيادة النفوذ الروسي أو الإيراني في سوريا، وهو ما يقلق الجانب الأمريكي.

في النهاية، السؤال الجوهري الذي يظل عالقًا: هل هناك أمل أن يتفق الحراك الكوردي في حال بدأت مسيرة الحوارات على قادم كوردستان؟ أم أن النظام التركي يستغل التفرقة بين الفصائل الكوردية ليُبقيهم في حالة ضعف وتشتت؟ أم أن التاريخ يعيد نفسه، فما حدث قبل مائة عام من تغيير في جغرافية المنطقة دون أي حضور كوردي، يظل تهديداً حقيقياً اليوم إذا لم يتوحد الكورد في مواجهة التحديات.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

25/10/2024

شارك المقال :

One Response

  1. ساحة الجرائم التركية هي جنوب وغربي كوردستان،وتبرير هذه الجرائم يلقاه من حزب العمال الكوردستاني،…النظام الفاشي في انقرة ،لم يأتي بكلمة واحدة عن ايران،وأولاد طالباني ،والحشد الشعبي يحضنون هذا الحزب ..يحتلون غربي كوردستان ،وجرائمهم على قدم وساق،هم واتباعهم من منظماتهم الارهابية،في كل شبر ،ولنا احزاب وشخصيات يمدحون اردوغان،…الاتراك والايرانيين، فاشيتهم ليس لها حدود وهدفهم هو القضاء على اربيل ايضا،…وهنا الطامة الكبرى…وكل يوم يتم التضييق على نصور اربيل……حتى لم يكن حزب العمال موجودا لاوجدوا مئة حزب مثله،على نحو ماهو موجود في غرب كوردستان….اقولها وهذه ليست المرة الأولى…بشار الاسد بالنسبة للكورد افضل من أردوغان وخمانئي ،الجميع سيقبله لماذا لايسرع الكورد في ذالك….وليذهب أردوغان ومعارضته من تنظيماته الى الجحيم…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   لا تزال مأساة عفرين، كما هو الحال في مناطق كردية أخرى تمثل رمزًا صارخًا للظلم والتدمير تحت مسمى “التحرير”. إذ شهدت هذه المناطق موجة من التعديات والتجاوزات الإنسانية التي تجاوزت مجرد الصراع العسكري، لترقى إلى مستوى عمليات إبادة منظمة، تهدف إلى تغيير ديمغرافي يهدد الهوية الكردية التاريخية للمنطقة، مدعومة بتحركات تسعى لفرض ثقافة أجنبية بدلاً من أصالة…

خليل مصطفى الكلام لأبناء الأُمَّة السُّورية (المُسلمين والمسيحيين والعلمانيين): أوَّلاً ــ منذ عام 2011 وهُم يرفعون شعارات الديمقراطية والوطنية، ولا زالوا لتاريخه (2024)… ومع ذلك لم نجدهُم قد حرَّكُوا ساكناً.؟! ثانياً ــ مِنْ المُعيب (بل المُخجل) أنهُم لا يتمعَّنون بواقع حياتهم المأساوية.؟ وعليه فمن مُنطلقات الديمقراطية والوطنية نسألهُم: إلى متى سيظل الظَّلام مُخيِّماً عليهم.؟ وإلى متى ستظل قلوبهُم وعقولهُم مُغلقة.؟…

سعيد عابد مع تكثيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران، أصبحت الهجرة استجابة واسعة النطاق في جميع شرائح المجتمع. من العمال المهرة إلى أصحاب الأعمال، يستكشف العديد من الإيرانيين طرق مغادرة البلاد بحثاً عن الاستقرار والفرص في أماكن أخرى. ويشمل جزء كبير من هذا الاتجاه الشباب، حيث اختار العديد من الشباب الإيرانيين التعليم كمسار للهجرة. في المقابل، تتخذ السلطات الإيرانية…

د. عبدالحكيم بشار يخطأ من يظن بأن أمريكا هي فقط دولة المؤسسات وأن الأفراد لا دور لهم، أو أن الدولة العميقة وحدها من تدير كل الأمور في ذلك البلد، أو القول : إن أيَّ رئيس هو مجرد موظَّف كبير في البيت الأبيض، وأن السياسة الأمريكية تُرسم في مكان آخر في أمريكا غير المكان الذي يُقيم فيه الرئيس طوال سنوات حكمه،…