أنا سوري مسيحي .. لكنني أخاف

المهندس باسل قس نصر الله
     نعم .. وبالفم الملآن .. أقولها .. إنني بدأتُ أخاف، أنا وغيري من الذين يفضّلون الصمت.

يعرِف السوري المسيحي أنه في مجتمعٍ تراجعَ فيه حضورهُ إلى نسبة تدور حول خمسة بالمئة، بأن الديمقراطية العددية لن تُفيده.

فالمسيحي، في مجتمع يُشكّلُ فيه إحدى الأقليات، هو ضحية عقدتين، الأولى هي “عقدة التفوّق” والثانية “عقدة الخوف”، فهو يعتبرُ نفسه متفوقاً في مجالات عديدة، وبالتالي صاحب حقٍ في الحكم أو في التقدّم والامتيازات، غير أنه يعرف أيضاً أن الديمقراطية في النتيجة هي حكم الأكثرية ولذلك فهو يتوجس ريبةً منها ويعلم أن الرموز المسيحية في الماضي، مثل “فارس الخوري”، لن تتكرر في الحاضر الذي يراهُ أكثر تعصّباً وانغلاقاً من الإنفتاح في الماضي.

من هنا يبدأ الخوف المسيحي، مترافقاً مع الصور من التطرّف الذي رافقته اضطهادات عديدة، لأن المجازر التي وقعت في بدايات القرن العشرين في أيام العثمانيين تتراءى أمامه، وكأن المسلمين في سورية يستعدون لشن حملة اضطهاد على المسيحيين في أية لحظة، الأمر الذي ينكره العقلاء، ولأن التصرّفات التي تحدث الآن في سورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد الذي دمّر سورية، كانت بغالبيتها غير مسؤولة ونتيجة هَيَجان وردود أفعال، فتَوجَهَ عندها المسيحي الى “التقيّة” وبدأ يشارك بلقاءات يحاول فيها أن يجد موطِأ قدم على خارطة سورية، ويساعد في هذه اللقاءات بعض رجال الدين المسلمين والمسيحيين.

لقد وقف بعض المسيحيين، أفراداً وجماعات، حيال الإسلام موقف الخوف والإنفعال، أو الحذر والانعزال والإنكماش إمّا على الذات والامتناع عن الانخراط في المجتمع “وهو في اكثريته مجتمع إسلامي” وعيش  مشاكله والمشاركة في آماله وتطلعاته، بعد أن لَمَسوا الرغبة “بشكل خاطئ أو صحيح” بعدم مشاركتهم – كما المكوّنات الأخرى الدينية مثل الدروز والإسماعيلية والإيزيدية والزرادشتية والمرشدية والعلوية، أو العرقية مثل الأكراد والأرمن وغيرهم – وإما التطلع إلى الخارج أي الى الغرب، والإستقواء به “سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرةً، أي اخذ منحى الغربنة أو التغريب”. مع التأكيد – برأي على الأقل – أن الغرب سيستخدم “الخوف على الأقليات” لمصالحه الجيوسياسية.

هنا توَّجَهَ المسيحي في السابق الى الهجرة، واليوم خلال شهر واحد – بعد بدء مرحلة جديدة – لمستُ الرغبة الزائدة للهجرة لدى الكثير وعدم إتاحة الوقت اللازم لتنضج المرحلة السياسية ، مبرّراً “أن المكتوب واضح من عنوانه” وتوجه مدفوعاً بالخوف من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وليس مدفوعاً بخوفه من المسلم بشكل منفرد، بقدر الخوف من الأمّية الاسلامية ومن الإسلام المتعصب، فبالنسبة الى المسيحيين، يتمحور الخوف حول مسألة إقامة نظام إجتماعي سياسي إسلامي يكون له نتائج على أوضاع غير المسلمين وعلى حرياتهم، مع كل التطمينات التي تصلهم.

أمام موجة التعصّب وسوء التفاهم، وأمام التيار الأصولي المتنامي والانتشار الاسلامي السريع في البلاد العربية والاسلامية من جهة، وفي بقية البلدان في العالم من جهة أخرى، يتنامى الشعور بالخوف من المستقبل ومن استمرارية روح العيش المشترك بين المسيحية والاسلام تغذّيه الأفعال الشاذة والفلتان والمظاهر الشكلية، وربما يكون هذا العامل النفسي غير صحيح، لكنه في الواقع موجود.

إن على القيادة ذات اللون الواحد من الغالبية الاسلامية، طمأنة المسيحيين – وغيرهم من المكوّنات – على مشاركتهم في هذه المجتمعات كمواطنين كاملي المواطنة، وهذه الطمأنة لا تأتي بالأقوال وخلال شهر أو أكثر بقدر ما يلزمها الأفعال والكثير الكثير من السنوات، وإلا فإننا سنتوجه الى مجتمعات شرق أوسطية خالية من المسيحيين.

أما أنا فلسان حالي يقول مع توفيق زياد:

ولن نرحلْ
إنَا هنا لنا ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلْ

اللهم اشهد اني بلغت

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس أقنعة الجهل والخداع، بلاهة مدروسة وكراهية مبرمجة، تعابير الوجه كأداة لخداع الجماهير. في الآونة الأخيرة، بات من الجلي أن بعض المحاورين المدافعين عن الطغيان التركي، أو المروجين لاستراتيجيات الأنظمة المعادية للكورد، لا يعتمدون على لغة العقل والمنطق، بل يستعيضون عنها باستخدام لغة الجسد وتعابير الوجه بدلًا من الكلام، ويكررونها بشكل نمطي، وكأنهم يتلقون تدريبًا ممنهجًا…

زاكروس عثمان كثر الحديث عن شكل الدولة المزمع اقامتها في سوريا بعد سقوط نظام الاسد و استلام ابو محمد الجولاني وجماعته للسلطة في دمشق، في هذا الصدد يدور جدال واسع بين مختلف الاطراف السورية بين متمسك بشكل الدولة المركزية “سوريا الاسد” و بين مطالب بدولة فيدرالية “لا مركزية” ويميل اكثرية المكون السني وهم القومية الغالبة الى دولة مركزية ـ سلفية،…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

فرحان كلش منطقياً، المحطات التاريخية تجلب معها صياغاتها الفكرية والوجدانية والسياسية …..الخ معها، أي تستحضر منظومتها القيمية التي تتوافق مع الأرضية الاقتصادية – السياسية التي تتبناها. وما نشهده الآن على الساحة السورية عامة والكردية خاصة بوادر حركة انحلال قوى وصعود قوى حزبية أخرى مختلفة، فالتاريخ يعلمنا أن الأزمات في البنى التحتية تلد بنى فكرية ومجتمعية منسجمة و منعَكَسة عنها. و…