PKK إرهابي حتى النخاع؟!
التاريخ: السبت 20 اب 2011
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود
 
الوجه الأول للقول
لم أتردد لحظة واحدة، واليوم أكون أكثر يقيناً، في اعتبار PKK  إرهابياً، لا بل وإرهابياً حتى النخاع! إنه اليقين الذي تشكَّل لدي وأنا أقرأ التاريخ المدوَّن عنه، والسيرة الحدثية له، لأكون مع القائل الذي يذهب إلى حد إعلان الحرب المقدسة عليه، كما يتصرف منظّرو السياسة التركية من الداخل، وما يحدث من تجييش الشعور الجمعي الشعبي في المدن التركية، كما لاحظت عبر التلفاز في نهاية الأسبوع الثالثة من آب اللهاب2011، وهو لهاب فعلاً في العمق السياحي التركي، إلى درجة الموافقة القطعية على اعتبار أي سبيل للقضاء عليه مشروعاً تماماً.


إن هذا الحزب: المنظمة، والذي لا يتوانى عن نسف الطرق، وتهديد الناس في بيوتهم، وإقلاق راحتهم، لا بل وتهديد الأمن القومي التركي، وإبقاء كل بقعة جغرافية بمثابة مستودع بارود قيد الانفجار حيثما تحرك أو توقف عسكري، أو رجل أمن تركي، ومن يعمل معهما أو باسمهما، يستحق مثل "العقاب" دون هوادة.
لكن ذلك لا يتعدى حدود الوجه الأول للقول، حين يكون التاريخ الفارز له خارج نطاق حدوده، إذ إن القول السالف ليس أكثر من صنعة تاريخ محددة ومن قوة محددة، بينما تبرز الجغرافيا المجال الأبرز لتفهمه.
وبين أن يكون PKK ربيب الجغرافيا، والمحكوم برغبة تاريخ يختزل الجغرافيا ومن فيها يكون الفرق كبيراً.
إذ لا يكون حديث القتل ونسف المكان إلا لأن  تهديداً بتصفية شعب أو تلجيمه أو تشويه صورته يواجهه.
إنه الانتقال من التاريخ الكابوس إلى الجغرافيا : اليقظة المعانقة لهواء الصباح العليل ليس إلا!
 
في صانع الوجه الأول
إن دولة تمارس سلطتها باسم قومية أوحد، ولغة أوحد، وهوية أوحد، هي التركية، وكل ما عداها، يكون في حكم الغفل من الاسم أو خانة الإقصاء، من حقها المبدئي على صعيد النتائج، أن تعلن جهادها المقدس على كل معارض لها، حتى لو كان هذا المعارض: الخصم، صاحب أرض محتكرَة تركياً، ولو تجاوز عدده ملايين مؤلفة. إنها قضية الأعمى الذي يعلن الحِداد على العالم ويعتبره سواداً، ناسياً أو متناسياً أن ثمة من يراه بألوان مختلفة.
إن الاعتراف بالآخر ينطلق قبل كل شيء، من التعريف بالذات ذلك التعريف النسبي الذي يتأسس على مفهوم الشراكة الجغرافية أو التاريخية والسياسية، ضماناً أوفر للبقاء والسلام حيث تتنوع ألسنة وتتعانق لغات!
ويعني ذلك أن ما تقوم به تركيا كنظام جامع بين إرادة سلطة العسكرتارية النافذة، والقانون المدني الممهور بها، يسهل النظر فيه بوصفه الدولة المحكومة برأس صلب المراس، في مواجهة المجتمع الذي يتطلب المزيد من المرونة في تحقيق التوازن المدينيّ الطابع. إنها الدولة التي يعنيها نظامها القومي واللغوي الواحد، منذ ما قبل ظهور جمهورية كمال أتاتورك1923، حيث كان للكرد ذلك الحضور الخاضع للسيطرة العثمانية المؤسلمة، وبالتالي فإن إصرار النظام التركي في وضعه الحالي على توصيف PKK بالإرهاب، هو في محله تماماً، ليس لأن ذلك صحيح تاريخياً، وإنما لأن هذا النظام الفارض سلطته على جغرافيا امبراطورية الطابع، لا زال يجد نفسه يرفل في ثوب حاكم امبراطوري، حيث تتراءى شعوب وأصداء أصوت شعوب في جهاتها الجغرافية.
لا غرابة، إذاً، أن يكون وصف الإرهاب ساري المفعول، وهو على أشده، بالنسبة لـ PKK، كما لو أننا إزاء دورين يتقسمان فيلماً سينمائياً لا نهاية له حتى الآن، يكون المحارب والمقاوم من جهة النظام  ممثّل إله الخير، والآخر ممثل إله الشر المحض، والمواجهة مفتوحة، وإذ يوحى إلى الشارع إلى أن الدورين هذين وجدا مذ وجدت البشرية، كما هو الموقف من الشعب الكردي، وما تكون عليه سياسة الدولة التركية تجاهه.
إن دولة تجد في الكرد أقل من مفهوم الشعب، وملخصاً على صعيد الروح المقاومة لسياسة التنكيل به والإقصاء له، في حزب أو منظمة إرهابية خارج الحدود التركية" الراهنة" وداخلها، من الطبيعي أن تبتكر سياسة شد الحبل على حدودها الخارجية وما هو أبعد منها، تمويهاً لعنف الداخل، ويعني ذلك أنه من سابع المستحيلات أن تتمكن دولة تجد صورتها الداخلية في مرآتها الخارجية، من خلال تنوع علاقات دبلوماسية كما هو الجاري الآن، من إيجاد أبسط حل لمشكلة تمسها في العمق البلقاني المنصهر ، لأن ثمة تمثيلاً على أعلى مستوى يموه هاتيك العلاقات بقدر ما يطمئن الداخل على أن ثمة حراكاً سياسياً دالاً على قوة الدولة وتماسكها الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال، فإن ما يعتبره النظام في سوريا من خلال دعوات الشارع إلى إسقاطه مجرد سقطة تاريخ كبرى ، جرَّاء تاريخ طويل لم يحتكم سوى إلى نفسه بعيداً عما هو مؤسساتي، ربما هكذا ينظر النظام في تركيا إلى الحزب المذكور وما يصله بالشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره أو دعواه على الأقل إلى تقاسم السلطة وفق مبدأ الشراكة التاريخية، وكأن الجاري في السر، يتحرك من خلال هذا المفصل المغيب والمعقد واقعاً!
تركيا تتلعثم في حضرة الجغرافيا التي تكون أوسع منها، بينما تمارس عرض عضلاتها في تاريخ موقَّع باسمها، ومن لدنها، ويصعب، إن لم يكن مستحيلاً الأخذ بقول إرهابية PKK من منظور ساسة تركيا المتشددين، وهم في أمس الحاجة اليوم، إلى الإصغاء لدرس الجغرافيا، كونه الدواء الناجع للتخفيف من صداعها التاريخي، لا بل ومن الدخول في التاريخ الأرحب، وهذا ما تكون قادرة عليه إن تطهرت من عقدة تتريك المختلفين عنها، ولا يعود الإرهاب السالف ترجمان ظلم محيق بصاحبه، ويبحث عن انتقام لا يخلو من مشروعية ومن مقاضاة للمسبّب!
 
مع الوجه الأمثل لـ PKK
كان PKK كغيره من الأحزاب وليد تاريخ شائك، ويشرب كثيراً من الماء المالح: ماء النظام التركي الذي ألزم شعوباً وأمماً بالتعود عليه، رغم وجود مصادر مياه عذبة داخل حدوده وبجواره، لكنها سياسة الهيمنة الفاعلة في ذلك، ليكون  PKK من خلال عنف المعاش أشبه بتمساح تكون حقيقته بين فكّيه، وليس دلفين المياه الهادئة.
تاريخه عبر الوجه الأول يقربنا منه تمساحاً، وهو يمتلك القدرة في أن يثبت أنه خلافه، حيث كان منشأه في غمرة نقاشات لترويض تاريخ لم يسمع فيه سوى صوت المعلم المتغطرس العصابي والمأخوذ بهواه وحده، أن يستخدم ملطّف الجو أنَّى ذهب باعتباره منطلقاً في جغرافيا واسعة، وثمة ما يعينه في ذلك،وخصوصاً في الوضع الراهن، وفي عمق المدينة التركية، لتبيان زيف الصورة التي شكلها عنها معلم الصف التاريخي التركي التقليدي، وللعالم أجمع، لا بل وحتى للذين ما زالوا يجدونه تمساحاً وليس كائناً بشرياً، جرَّاء سياسات عصفت به هنا وهناك.
 أن يكون أكثر تأكيداً على تفضيله للسلم، وحرية شعبه هو طرف فيه على ما هو عنفي أو حربي، ومما أشيع عنه ومازال على أنه يجد نفسه التاريخ الموازي لتاريخ القاهر، والجغرافيا تتجاوب مع صوته وحده، ليكون الدرس المركب والأكثر براعة في الجمع بين التاريخ باعتباره تنوعاً والجغرافيا باعتبارها حاضنة أمم شتى، أو أصواتاً مختلفة من الآراء، وذلك هو الرهان الأكبر الذي يتحداه، حتى وهو بين" جمهوره، وعلى أرضه"، بتأثير جلي من أثريات الوجه الأول الدعائية، وأظنه لو بذل جهده لنجح فيه طالبَ سلم لا عاشق حرب!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9675