الكرد والفلم
التاريخ: الجمعة 12 اب 2011
الموضوع: اخبار



د. آلان كيكاني

تحضرني بكثرة هذه الأيام طرفة كنا نرددها أيام المدرسة قبل ما يربو عن عقدين من الزمن جوهرها أن بدوياً عتيداً دخل داراً للسينما فرأى المئات من الناس يجلسون أرتالاً بصمت وخشوع ويرقبون شاشة كبيرة على الحائط تعرض فلما , فسلم الرجل بصوت عال ثم بدأ بمصافحة الجمهور نسقاً نسقاً وفرداً فرداً وعندما أوشك على الأنتهاء منهم انقضى الفلم وهبَّ الناس للمغادرة فصاح البدوي غاضباً :  وشو هاذ ! لسه ما سلمنا عالربع خلص الفلم .


كثيرة هي الأفلام التي عُرضت في التاريخ واستغلها الناس للمتعة والاستئناس والمنفعة بينما ظل الكردي يدور في فلك مراسيم القيل والقال وكثرة السؤال واللوم والسجال وقد يعقبه صراع واقتتال , فيصحو في لحظة ليجد أن الفلم قد انتهى وأنه لم يجن منه شيئاً سوى الحسرة والندم دون عبرة لضمان تكرار عملية التقاعس والإهمال لاحقاً .
يقف المرء حائراً أمام الحالة الكردية في سورية والبلاد تتجه نحو تغيير مؤكد , طال الزمن أم قصر , بعد الثورة الشبابية التي تهز أركان النظام وتوشك أن تطيح به , وما من ريب أن استحقاقات المرحلة القادمة في سورية لكل فئة من أبناء  الشعب السوري ستكون على مستوى تآلف هذه الفئة وتعاضدها وتشكيلها كتلة موحدة صلبة مؤثرة قادرة على فرض إرادتها وإحقاق حقوقها العادلة في دولة ستمتلك , بلا شك , الحد الأدنى من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بعد هذه المعاناة التي استمرت نصف قرن في ظل نظام البعث الفاسد .
ترى , على ماذا يختلف الكرد السوريون ؟ وعلى أي أساس يمارسون تشتتهم المزمن الذي أضحى جزءً من تراثهم السياسي الذي لا يستطيعون التخلي عنه ؟ ليس لهم عرش يتنافسون عليه , ولا سلطة يتنازعون في سبيلها , ولا ثروة طائلة يتعاركون من أجلها . إذاً , لمَ هذه الفُرقة التي تصل حد العداء وغدر الجار بجاره واقتياده إلى مشارف الموت في عتمة الليل ؟ كل ما يملكه الكرد السوريون هو تاريخ من نصف قرن من اضطهاد شوفيني بشع لحق بهم , بدأ باغتصاب حزب البعث السلطة في سورية ووضعه نصب عينيه على (تغجير) الكرد في خطة محكمة وضعها سيءُ الصيتِ الملازمُ البعثي محمد طلب هلال بناء على فكر بعثي عنصري تجاه الكرد , وصدر على اثر ذلك بصورة متوالية مراسيم وإجراءات استثنائية تهدف إلى اجتثاث الكرد من منبتهم التاريخي ودفعهم إلى مناطق الوسط والجنوب ليلاقوا مصيرهم المحتم من الذل والهوان , ولعل آخرها كان المرسوم  التاسع والأربعين الذي أدى إلى هجرة الكثير من العوائل الكردية هربا من الفقر والجوع ونصبها خياماً حول بعض المدن الكبرى طلباً للقمة العيش وهربا من جحيم العنصرية الذي خص به البعثُ المناطق الكردية تنفيذاً لما ورد في تقرير المقبور محمد طلب هلال . وعليه , على الكرد وهم المتضررون الأوائل والخاسرون الكبار من نظام البعث أن يكونوا أكثر وحدة وتآلفاً وانتظاما في هذه الأيام الاستثنائية التي تمر بها سوريا والتي تنبئ بولادة دولة جديدة .
العيب في العقلية القبلية الموروثة ليس إلا , تلك التي تنظر إلى العمل القيادي السياسي من باب الوجاهة والمفاخرة والمباهاة لا من باب التضحية والتفاني من أجل الشرف المباح والكرامة المهدورة , تلك التي تصبو إلى الكرسي والمنزلة لا إلى الحق المهضوم والعدل المفقود . من هنا على الشباب الكردي الثائر والمتحرر من رواسب ما ساء من الإرث السياسي الكردي الأخذ بزمام المبادرة بعيداً عن أي لون حزبي أو صبغة قبلية أو طائفية . وإلّا سينشغل الكرد بالحديث عن لجان حوار , وتحالفات , وإئتلافات , ومركز قرار كردي موحد , ومرجعية كردية , ومجلس كردي , دون أن يحققوا أياً منها . وعلى حين غرة سيزول النظام ويعود الكرد إلى التباكي على الحظ العاثر والاستئناس من جديد بالحديث عن الحزام العربي وتعريب المناطق الكردية والاجتهاد الشفهي في المطالبة بحقوقهم الثقافية والسياسية .
سيخلص الفلم في هذه المرة أيضاً , رغم طوله , والكرد لا يزالون يسلمون على (الربع).








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=9558