الاستبداد اللا متناهي !!!
التاريخ: الخميس 12 تشرين الاول 2006
الموضوع:


جهاد صالح *

أربع وأربعون عاما مضت من أعمارهم, سنوات كانت خريفا في فصول شتاءاتهم, وأحلامهم انحصرت في أن يصبحوا في حكم الإنسان, تكاثروا, عاشوا مرارة الحياة تلك, أحبوا الوطن بكل كبرياء, بحثوا وبحثوا عن ارض قد تطأها أقدامهم الدامية, كأشباح هائمة تجول شوارع قامشلو, ممزقة الأحلام والأماني, يبحثن عن هوية لآدميتهم المغتصبة في عصر الاستبداد, وأطفال يمرحون, يدرسون بجد على أمل أن يصبح احدهم طبيبا وآخر معلما وثالث يحلم بان يصبح محاميا يدافع عن الناس ويقضي على اللصوص, في حين لاشيء سوى الوعود بالحل ولاشيء سوى السراب والخداع السياسي في كل الاتجاهات, فلا المواطن مواطن, ولا السوري يعيش كسوري شريف, ولا يبقى في حقائب الوطن سوى ظلم وجور واستبداد....


يحلو الكلام على الورق , لكن الأقلام تنفث حزنا وغضبا وواقع اسود , وسياسيون تمزقهم تكهنات خاطئة وأماني بإصلاح وتغيير قد يحصل ولكن هيهات ألف مرة وألف حسرة .

جموع وأحزاب ومنظمات تدافع عن حق الإنسان, أمواج تتماوج, تتلاطم, دمشق تراقب الحدث, بوليس وهراوات ودروع حديدية, كل الشوارع مغلقة, متظاهرون فوق الألف, عيونهم غارقة في آمال وردية, ووجوه حزينة تحكي للشوارع النظيفة حكاية وطن يحلم بالحرية والعدالة, ملحمة شعب ينبض في كل شريان له بالتضحية والنضال وكسر قيود العبودية وسطوة الجلادين, لكن المشهد كان مرعبا جدا هراوات رجال البوليس وأجهزة المخابرات بلباسهم العادية بدأت بممارسة هواياتهم المفضلة ( ضرب واعتقال وسطوة وعنف دامي ).

هذا هو الواقع وليس بجديد فما انتم فاعلون, أيها السياسيون والمدافعين عن حقوق الإنسان !!!!

كل الوعود كاذبة, كل الحوارات لا تنتهي إلا بالاستبداد ولا حوار أبدا, لااصلاح ولا تغيير إذا كان البعثي يفتخر انه القائد للدولة والمجتمع, وكل من يعارض هو في نظرياتهم الأسطورية, عميل لأمريكا وإسرائيل وعدو لمبادىء ثورتهم ؟؟؟؟؟

شواهد ذلك عديدة, سجون ومعتقلات, أحكام عرفية وقانون طوارىء, مشروع لقانون أحزاب لايمكن أن يبتعد قيد نملة عن باب البعث الشوفيني, فساد سرطاني وحريات مفقودة ومعارضة مشتتة وفقر يكثر ويتناسل بشراهة, والسلطة تدفن رأسها في رمال النرجسية ولا شيء في النهاية سوى الاستبداد.

جميل أن نجد كل الأحزاب الكردية تجتمع في ذكرى الإحصاء الجائر, والأجمل مشاركة صغيرة جدا لقوى إعلان دمشق وجبهة الخلاص ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا, لكن الأسود والمشين والمخزي, دور الإعلام العربي المسيس والجبان واللاديمقراطي, حينما ينصاع لتهديدات الأجهزة الأمنية, فيهرب من الحدث والمظاهرة بكل سلبية وجفاء, في حين نجد ذلك الإعلام يتناقل كل يوم أحداث لإسرائيل ( عدوة العرب ككل ), ومراسليهم يجولون في شوارع تل أبيب, هذه هي العروبة والإعلام العربي في زمن العولمة وحوار الحضارات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الكردي خاصة والمعارض السوري العربي الذين كانوا يراهنون على أن النظام سيغّير من سياساته, وان الإصلاح سيتم كما وعدت السلطة, إعلان دمشق طّبل وزّمر, وآخر تجديداته انه انساق إلى أحضان العروبة والمقاومة وتحرير الأرض المحتلة, وفي نهاية ذلك لم نجد لا إصلاح ولاتغيير.

وجبهة الخلاص تمارس سياسة الجغرافيا, والوعود بان التغيير في تاريخ كذا ويوم كذا, بأبجدية عربية وكردية وسريانية وآشورية وارمنية, ولا شيء سوى أوراق وخطب متراكمة في طاولات واشنطن وبروكسيل, في حين إنها تفتقد في عضويتها لأغلب الفعاليات السياسية السورية المعارضة, ولا تملك اصواتا ملحوظة داخل الوطن سوريا, وغموض في سياساتهم المستقبلية, نتذكر وبمرارة , أحزاب كردية, هم ليسوا بالفرسان العشرة في نظر كل كردي بسيط, إنما سمحوا لأنفسهم باختراق كل السدود والأبواب, وأسدلوا الستارة عن كل الأحلام والطروحات الكردية ( القومية والسياسية ) وتحولت برامجهم السياسية إلى حبر على ورق وحصروا كل النضالات الكردية بما فيها نضالا تهم أيضا ضمن قضية المجردين من الجنسية السورية, أو حقوق المواطنة , واستطاع النظام بازلامه ومخابراته أن يحصل من قيادات تلك الأحزاب على وثيقة تاريخية موقعة بان الأحزاب الكردية نضالها لأجل المجردين من الجنسية السورية ؟؟؟؟؟؟

فلبوا كل ماطلبه النظام منهم, حتى إن الوثيقة كانت تشمل عبارتي (الإحصاء الجائر + تعويض المتضررين من الإحصاء), فلم يرق للنظام وفكره الفوقي الأناني هذه العبارات, فحذفت وشطبت بسرعة الضوء , وبيد من صاغوها من قيادات كردية تحمل على أكتافها وزر قضية قومية لشعب يسمى بالشعب الكردي, إنها كوميديا الاهية, مأساة وملهاة, والمبكي قراءتنا مقالا لأحد قياديي احد الأحزاب الكردية الافلاطونيين وهو يتباهى في مقاله أن النظام وقريبا جدا وفي مناسبة الإحصاء, سيعيد الجنسية إلى من جرد منها وهولا يدرك انه يعيش في دولة مستبدة ونظام لايفقه من السياسة سوى الاستبداد وثقافة كتم الحريات واحتكار كل مناحي الحياة لنفسه.

والجواب لدى تلك الأحزاب والتاريخ لا يرحم !!!!

إن العودة عن الأخطاء في الوقت المناسب شيء عظيم وبراغماتي, وما إجماع كل الأحزاب الكردية على التظاهر في ذكرى الإحصاء المشئوم, لهي خطوة وعمل سياسي في الاتجاه الصحيح وكانت رسالة السلطة على ذلك, هراوات وعنف واعتقال وسلب ونهب للحرية والمال وحرية التعبير, رسالة تحمل في مضمونها الفلسفي والمنطقي والسياسي أن النظام يعيش في حالة هستيرية, غير مدرك لأي شيء سوى الحكم و فرض قوانينه بلغة البوليس وصوت العنف وكل من يعارض مصيره الاعتقال التعسفي, إن النظام برسالته تلك يكون قد أسدل الستارة عن كل مسرحيات الحوار مع المعارضة الكردية والعربية الديمقراطية, وما حصل من حوار أخير مع قوى التحالف والجبهة الكردية لا يقع إلا تحت ما يسمى ( بعقود الإذعان), حيث يفرض الطرف القوي شروطه على الطرف الضعيف دون نقاش.

لكن ردة فعل النظام على الإجماع الكردي السياسي وللقوى الوطنية والتظاهر في يوم الإحصاء الجائر, بهذا الاسلوب الوحشي واعتدائه بالضرب على الجميع دون استثناءات, وخاصة على قيادات الحركة الكردية, ليوحي وفي معطياته السياسية ان النظام يدق ناقوس الخطر من كل إجماع سياسي كردي أو عربي معارض, وما تقرب أجهزته من تلك القوى تحت بند الحوار وحل المشاكل العالقة, ليس إلا سياسة هروب من الحقائق, وحيل مخابراتية تمارسها السلطة ما بين الحين والحين لتهدئة النفوس وامتصاص لكل تغيير أو فكرة لتطوير المعارضة لأيديولوجيتها السياسية أو الحزبية, أو تقارب في الرؤى والاتجاهات النضالية, واعتقد أن الرسالة قد وصلت. والقوى الكردية خاصة استوعبت الدرس ولن تسقط من جديد في هوة النظام وأنفاقه الغامضة, وما عليها إلا الكف عن كل ما يمت بصلة للسلطة وأفكارها, وأي حوار يجب أن يكون بشروط كردية, وبتفاهم وموافقة كل القوى والأحزاب الكردية دون استثناء, لان الكل هي المرجعية الشرعية للشعب الكردي في سورية ولطروحاته القومية.

لاءات كردية كثيرة هي عناوين للمرحلة القادمة, أهمها لا للحوار المذعن مع السلطة وأجهزتها, دون اتفاق كردي عام, وضمان لحل كل ما يتعلق بالقضية الكردية دون تقزيم لماهية القضية الكردية وحقيقتها القومية والجغرافية ( الأرض + الشعب + اللغة الكردية ). النظام استهان ويستهين بالجميع, في حين انه يدرك مدى قوة الأكراد السياسية لو اجتمعوا معا على خطاب سياسي واحد ونهج عملي, كمعالجة لكل مرحلة سياسية متشابكة, فنحن نملك وسائل المعالجة, وننقل المرض والمصيبة إلى كامل الجسد الكردي بتشتتنا وبلاهتنا وخوفنا الواهم, والتاريخ هو الذي يسّجل ويدّون كل شيء, والشعوب المضطهدة في كل حقبة تاريخية تعاقب وتغيير, وتطّهر المجتمع من كل الآثام البشرية, والنظام لا يتغيير ولن يتغيير إلا في لحظات اللحد وإسدال الستارة عن كل شيء , وما ابتساماته وفصوله الموسمية , إلا سراب ووهم خادع , ليس المطلوب منا أن نتفاءل بها فالثعابين تغيير من جلودها مرة في السنة , لكنها تظل ثعابين , والكورد وأحزابها قبلت بالحوار ومارست التظاهر الديمقراطي السلمي , والنظام رد بالعنف والضرب والاعتقال , والرسالة وصلت ولا يمكن للمرء أن يلدغ من نفس الجحر مرتين , والمستقبل كفيل بتوضيح الحقائق بشفافية ووضوح سياسي  , ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تلتقي ثقافة الاستبداد مع الفكر الديمقراطي السلمي والحضاري أبدا .



12 اكتوبر 2006 
*  إعلامي وكاتب كردي سورية







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=955