عند جهينة الخبر اليقين:
التاريخ: الخميس 12 تشرين الاول 2006
الموضوع:


“ الاصلاح لا يعني فقدان السيطرة „
الرئيس بشار الأسد لمحرر الشؤون الدولية – بي بي سي : جون سيمبسون  
 الثلاثاء 10 أكتوبر 2006  BBC.com
جان كورد

منذ أن تولّى الدكتور بشار الأسد الحكم خلفاً لأبيه الراحل حافظ الأسد ، بانقلاب دستوري عجيب وغريب، وسط التصفيق الحاد من كل رجالات الدولة ونسائها في "مجلس الشعب" السوري، قبل سنوات عدة، وطبول "الإصلاح" لاتزال تقرع حتى الآن، رغم أن حدة القرع قد خفت وحماسة القارعين على الطبول قد خبت مع الأيام شيئاً فشيئاً...
في البداية أطل علينا النظام من شرفاته المحصنّة كسور الصين ب"ربيع دمشق" الذي لم يشهد التاريخ ربيعاً قصير العمر مثله، في أي مكان من العالم.. في ذلك الحين كثر الحديث عن "الإصلاح" الذي حمله في حقيبته الرئيس القادم من بلاد الديموقراطية والحرية، من بريطانيا العريقة في هذا المجال... ونبتت "المنتديات" كالفطور بعد العاصفة الشديدة... عاصفة رحيل "القائد إلى الأبد!"...


وكانت مسميات عديدة، ثقافية واجتماعية...وبعضها أشبه بالمنتديات السياسية العصرية... إلاّ أن سيادة الرئيس الفتي حذّر آنذاك من مغبة التسرّع والإسراع حتى لاتتحول البلاد إلى الفوضى كالتي شهدتها بلدان العالم الاشتراكي بعد انهيار الشيوعية، ولمّا طالب بعضهم بمزيد من الحريات والديموقراطية، أكّد الرئيس على أن بلادنا لاتفهم الحرية والديموقراطية على النمط الأوربي، ولمجتمعنا معايير مختلفة وتراث آخر، وحدد الطريق الذي يجب أن تسلكه الحرية حتى تصل إلى الشعب السوري، أولاً عبر "الإصلاح الاقتصادي" و"الإصلاح الإداري" وكذلك "الإصلاح المالي"، أما "الإصلاح السياسي" فعليه الانتظار ردحاً طويلاً من الزمن لأن فيه خطراً محدقاً بالأمة!... فعارض من عارض حتى أدخلوه الأقفاص وسلبوه حريته وصادروا أملاكه وحرموه من ممارسة العمل، ونجا بجلده من هرب إلى خارج البلاد،  وأضطر الآخرون إلى العمل السرّي أو ممارسة شيء من "الباطنية السياسية" في دمشق التي تعج بالزنزانات السرية والعلنية ويجوس فيها أكثر من (17) فرعاً من فروع المخابرات المتراكبة كأهرامات الجيزة في مصر.

بعد أن تأكّد الرئيس من أن الحكم قد آلى إليه دون هزات ومتاعب مع الشعب الذي لم يعد يهمه سوى الحصول على لقمة العيش الكريم التي حرم منها في ظل سياسة النهب البعثية الطويلة الأمد، وبعد أن صار الجيش أداة قمع بدلاً من أن يتولى حماية "الأراضي المحتلة"، عمد الرئيس الشاب إلى قص الجمل والعبارات من خطاب القسم حول الإصلاح والتغيير والديموقراطية والحرية، وعدل عن الحديث عن الوعود المعسولة التي نثرها بعد جلوسه على العرش الدمشقي الوثير... راح بعض عمالقة "المعارضة الوطنية – الديموقراطية" يتساءلون عما حدث، وكيف ضحك عليهم شاب لايزيد عمره عن ضعفي ما قضوه في السجون والمعتقلات الرهيبة من أجل الحرية والديموقراطية... وبدأت مسيرة الخطابات النارية والاتهامات المتبادلة، وتشكلّت منظمات وأحزاب جديدة بأسماء ناعمة وجميلة بهدف كسر الجليد البعثي السميك وعلى أمل ظهور قانون للأحزاب يسمح للسوريين بابداء آرائهم بحرية وتشكيل الكتل والجمعيات السياسية وخوض الانتخابات دون موانع وأسلاك شائكة يقيمها نظام البعث لضمان نجاح ممثليه وأعوانه وعملائه...

وفي النهاية، بعد 6 سنوات من نشر فلسفة الازدهار، وطوي سجادة الربيع الدمشقي، نسي الناس "المنتديات"، وترك كثيرون الاشتغال بمشروع عصري للدستور أو قانون الأحزاب، وانجلت الحقيقة على لسان الرئيس نفسه، وقديماّ قالت العرب: "عند جهينة الخبر اليقين".. فها هو الرئيس يعلن بصراحة أن "الإصلاح لايعني فقدان السيطرة!"... والمقصود من ذلك مفهوم للقاصي والداني، فهو مثله غيره من البعثيين الحاكمين لن يتخلوا عن سيطرتهم على مختلف مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والمالية ولن يدعوا الشعب ينتزع من أيديهم ما اغتصبوه ونهبوه من الأموال، ولن يسمح لمعارضة مهما كانت ظريفة ولطيفة من أن تحشرهم في زاوية، سواء تحت إسم الإصلاح أو إسم "المعارضة الرفاقية!"... فإلى جهنم وبئس المصير إن كان هدف الإصلاح إلغاء الدستور البعثي أو تعديل الدستور الأسدي، وعلى الأوربيين والأمريكان تحمّل ما يفعله النظام الأسدي بكل جرائمه واغتيالاته ونهبه وتدخلاته في شؤون الجيران، طالما لا تطلق طلقة واحدة عبر الجولان على طفلهم المدلل "اسرائيل" وطالما يمنع هذا الأسد الإسلاميين من الوصول إلى الحكم في سوريا... وهذا يفتح المجال واسعاً أمام الأسد ليقول ما يشاء وليحدد حدود "الإصلاح" ويضع شروطه ويقيم الأسوار حول سوريا ويلقي بالشعب كله في المعتقلات... هذا لا يهم...

وكما قلنا بأن عند جهينة الخبر اليقين حول "الإصلاح وعدم فقدان السيطرة" نقول بأن هذا الشاب المصلح ينطق أحياناً بالحكمة، فها هو يقول أيضاً:" لكن بالنسبة إلي فان الخطأ الاكبر هو الاستهزاء بارادة الشعب". ففي الحقيقة إن استهتار أي حاكم بارادة الشعب تعرّضه للسقوط، والأسد يدرك قبل غيره بأنه لا الأمريكان ولا الأوربيين ولا اسرائيل ولا المرتزقة والأتباع والأزلام وكل فروع المخابرات قادرة على حماية عرشه إن استمر في الاستهزاء بارادة الشعب السوري...

وهنا تقع على عاتق المعارضة الديموقراطية مسؤولية شرح الحقائق للمجتمع الدولي بأن النظام الأسدي يستهزىء حقاً بإرادة الشعب السوري، وهذا سيعرّض سوريا إلى كارثة محققة ومدمّرة إن لم يتخل المجتمع الدولي عن هكذا نظام، وبأن الأسد يدرك هذه الحقيقة ولكنه يجلس في قارب تدفعه الأعاصير والقوى المعادية للشعب السوري إلى حافة الهاوية، وعندها سيندم المجتمع الدولي وكذلك المجتمع السوري، وستتحول سوريا إلى عراق آخر،  تنزف منه الدماء وممزّق ومتحارب..... 

 





أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=952